الانتخابات التشريعية الإيرانية: تحالف هش للأصوليين والاستطلاعات تتحدث عن نسب مشاركة منخفضة

فاطمة الصمادي

وسط توقعات بنسب مشاركة متدنية، ستُجري إيران انتخاباتها التشريعية لانتخاب مجلس الشورى الإيراني في دورته الحادية عشرة، يوم الجمعة 21 فبراير/شباط 2020. وتأتي هذه الانتخابات مصحوبة بنقد سياسي داخلي بشأن عملية الإقصاء التي يمارسها مجلس صيانة الدستور بحق مرشحي التيار الإصلاحي، والذي دافع عن نفسه بأنه تحرَّك ضمن الصلاحيات الممنوحة له بحكم القانون، كما تجري هذه الانتخابات وسط تراجع اقتصادي كبير، وأزمة متصاعدة في علاقات إيران الخارجية خاصة العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية والعربية السعودية. وفيما توصل الأصوليون إلى قائمة موحدة بصعوبة يتحرك الإصلاحيون رغم شكواهم من قلة عدد مرشحيهم بصورة أكثر تنظيمية ويراهنون على انحياز الناخب الإيراني إلى مرشحيهم.

وكان من الملاحظ غياب الدعاية الانتخابية بشكلها التقليدي من شوارع العاصمة، طهران، بصورة مغايرة للدورات السابقة، فقد انتقلت الدعاية من الشوارع إلى المجال الافتراضي وعزف المرشحون عن لافتات الشوارع متجهين إلى وسائل التواصل الاجتماعي(1). ولا يُبدي مواطنو المدينة التي يصل سكانها 13 مليون نسمة حماسًا للتصويت(2).

تستعرض هذه الورقة آخر القوائم الانتخابية التي ستشارك في الانتخابات والتوقعات بشأن نسب المشاركة وسلوك الناخبين الإيرانيين.

أكثر من 57 مليون ناخب وأكثر من 7 الآف مرشح

تقول أرقام مجلس صيانة الدستور: إن مجموع المواطنين الذين يحق لهم الانتخاب 57 مليون و918 ألفًا و159 ناخبًا، منهم ما يزيد عن 29 مليونًا من الرجال وما يزيد عن 28 مليونًا من النساء، وبلغ عدد جميع الذين تقدموا للترشح 16033 شخصًا، وتم قبول ترشيح 7157 مرشحًا، منهم 6375 مرشحًا من الرجال فيما بلغ عدد المرشحين من النساء 782 مرشحة. وتوضح الأرقام أن النسبة الأغلب من المرشحين ممن يحملون درجة الماجستير وبلغ عددهم 5308 مرشحين، فيما يحمل 1021 مرشحًا درجة الدكتوراه و422 ممن تلقوا تعليمًا حوزويًّا و404 يحملون درجة البكالوريوس واثنان فقط من أصحاب التعليم المهني(3).

وجاءت الفئات العمرية للمرشحين، لتعكس أن الفئة الأكبر من المرشحين ممن تقل أعمارهم عن 40 عامًا، وجاءت موزعة كالتالي:

بين 30-40  (2523)مرشحًا.

بين 41-50  (2390) مرشحًا.

بين 51-60  (1827)مرشحًا.

فوق الـ60 عامًا  (412)مرشحًا.

ومع اقتراب موعد التصويت، تتصاعد الدعوات للمواطنين ليُقبلوا على التصويت، وجرت إعادة نشر فتوى(4) لمرشد الثورة الإسلامية، تقول بحرمة وضع ورقة بيضاء إذا كان سببًا في تضعيف النظام الإسلامي. وحثَّ مرشد الثورة المواطنين على التصويت في الانتخابات واعتبرها جهادًا عامًّا(5)، وقال: إنها “نعمة وامتحان إلهي يمكنها حفظ عزة الجمهورية الإسلامية وتقوية البلاد وحفظ وحدتها ومواجهة المؤامرات ضدها” إذا تمت بمشاركة الحد الأعلى من المواطنين. وقال الأمين العام لمجلس صيانة الدستور، آية الله جنتي، في بيان له: إن الانتخابات في نظام الجمهورية الإسلامية ليست أمرًا تشريفيًّا وإن إرادة النظام تستند بصورة أساسية على رأي الناس. وأشار إلى أن مجلس صيانة الدستور لديه خطوط حمراء لا يمكنه تجاوزها ولن يتجاوزها. وكان النائب، علي مطهري، الذي رفض مجلس صيانة الدستور تأييد ترشيحه قد وجَّه رسالة مليئة بالنقد إلى آية الله جنتي، قال فيها: أنتم تعتقدون أنكم بذلك تحافظون على النظام، أنتم مخطئون كان النظام سيكون أقوى بدون قراراتكم هذه.

الأطياف والأحزاب المشاركة في الانتخابات

تحت مظلة الطيف الأصولي يمكن الحديث عن عدد من التجمعات، هي:

  1. تيار الأصوليين التقليديين: ويضم مجتمع رجال الدين ومجتمع مدرسي حوزة قم العلمية وحزب المؤتلفة وجبهة “السائرون على خط الإمام والقائد” ويتكون هذا التجمع مما يقرب من 20 تشكيلًا سياسيًّا. ومن أبرز الشخصيات المنضوية تحت هذا الطيف: مصطفى مير سليم وغلام رضا مصباحي مقدم وإبراهيم أنصاريان وفاطمة رهبر ولاله افتخاري وإبراهيم رسولي.
  2. تيار الأصوليين الجدد ومؤيدو قاليباف: ويضم جمعية التقدم والعدالة في إيران الإسلامية، ومن أبرز شخصياته: محمد باقر قاليباف ومحسن بيرهادي وسعيد أجرلو.
  3. تيار جبهة التقدم والرفاه والعدالة: ويضم جمعية “المعمرون الشباب” وجمعية شباب الثورة وحزب أرض إيران وجمعية حماة الثورة الإسلامية وحزب الحقيقة وحزب الوحدة والفكر الإسلامي ومجتمع زينب ومركز المهندسين. ومن أبرز شخصياته: حسن بيادي وشهاب الدين صدر ومحمد نور ومهدي صادق وأعظم حاجي زاده.
  4. تيار الثبات: ويضم جبهة ثبات الثورة الإسلامية ويتزعمها آية الله محمد تقي مصباح يزدي ومن أبرز شخصياتها مرتضى أقاتهراني وعلي رضا زاكاني ومهدي هاشمي وفاطمة آليا وحميد رسايي.
  5. تيار “الربيع” ومؤيدو أحمدي نجاد: وتضم جبهة “يكتا” (الفريدة)، ويقوم على قيادتها الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، وإسفنديار رحيم مشائي، وحميد بقائي، ومن أبرز شخصياتها: محمد طريقت منفرد ورضا تقي بور وسيد محمد حسيني وفاطمة جوادي.

وبعد صراع معلن بين الكتلة الأكبر من التيار الأصولي “جبهة تحالف القوى الثورية” وجبهة الثبات قرَّرا التقدم بقائمة موحدة تحت اسم “قائمة الوحدة”، مما يرفع من حظوظ التيار في هذه الانتخابات. لكن، وبالنظر إلى مستويات الخلافات التي حكمت النقاشات بين الجانبين خلال الأيام الماضية تبقى الخشية قائمة من أن يكون هذا التوافق هشًّا قد لا يستمر خلال يوم الانتخابات. وتركزت الخلافات بصورة أساسية على الشخصية التي تتقدم اللائحة وهي المرشح الرئاسي المنسحب، محمد باقر قاليباف.

ويبرز في هذه الانتخابات بصورة واضحة تيار “المطالبون بالعدالة”، الذي قدم لائحة في طهران تتضمن 30 اسمًا، وتسعى لأن تكون صوتًا مختلفًا داخل المجلس وترفع شعارات تعيد إلى الأذهان الشعارات الأولى التي رفعها أحمدي نجاد خاصة في دورته الرئاسية الأولى، وفي مقدمتها تحقيق العدالة ومحاربة الفساد والرشوة والمحسوبية. ولكن، وإن كانت تلتقي بشعاراتها مع الطروحات الأحمدي نجادية إلا أن الخلاف بينهما جاء بعد إصرار أحمدي نجاد على مخالفة توصية مرشد الثورة الإسلامية وترشحه للانتخابات الرئاسية، عام 2016، قبل أن يرفض مجلس صيانة الدستور طلبه ويبعده عن المنافسة.

أما مظلة الطيف الإصلاحي، فيمكن تقسيمها وفق الموقف من الانتخابات ضمن التالي:

  1. تيار المشاركة المشروطة: ويضم المجلس الأعلى للإصلاحيين وحزب كوادر البناء وحزب الثقة الوطنية واتحاد المعلمين المسلمين، ومن أبرز شخصياتها: محمد رضا عارف وغلام كرباسجي وإلياس حضرتي.
  2. تيار الميل إلى عدم المشاركة: ويضم اتحاد الأمة ومجمع المؤثرين وبعض التجمعات النسوية واتحاد الأساتذة والأطباء الإصلاحيين، ومن أبرز شخصيات هذا التيار: علي شكوري راد وجواد إمام.
  3. المشاركة تحت كل الظروف: ويضم حزب “حكم الشعب” وبيت العمال وحزب النداء، ومن أبرز شخصياته: مصطفى كواكبيان وعلي رضا محجوب وصادق خرازي.

وبشكل عام، يمكن القول: إن الإصلاحيين يشاركون في قائمة شبه موحدة تحت اسم “من أجل إيران”، ويراهنون على تماسك جبهتهم مقارنة بمنافسيهم.

ماذا عن المستقلين؟

يشارك المستقلون في قائمة موحدة على مستوى إيران، قائمة بـ30 اسمًا في طهران يتقدمها رامين مهمان برست الناطق باسم وزارة الخارجية خلال فترة أحمدي نجاد.

نسب المشاركة: توقعات

إن محاولة استشراف نتائج الانتخابات في إيران هي محاولة لتوقع ما يصعب توقعه. یتحدث عالم الاجتماع الإیراني، محمد آقاسي(6)، عن الانتخابات في إيران ضمن مفهوم الفعل الجمعي (Collective action) حيث يكون لدى الفاعلين هدف مركزي جمعي يسعون لتحقيقه. ويرى أن ذلك مرتبط بسؤال يتعلق بالسبب الذي يجعل الناس يشاركون في أي فعل جمعي. ولذلك، جواب من شقين، الأول: يتلخص بالفائدة المتحققة لهم نتيجة هذا الفعل، والثاني: يتلخص بالضغط الاجتماعي. ويتركز الجواب الأول بطروحات علماء الاقتصاد فيما يتركز الجواب الثاني في طروحات علماء الاجتماع.

شهدت إيران بعد الثورة الإسلامية أفعالًا جمعية جاءت متعددة ومتنوعة، بعضها حمل عناوين إنسانية، مثل مواجهة الكوارث الطبيعية كالزلازل والسيول وغيرها، وبعضها الآخر جاء ثوريًّا سياسيًّا تكرر حدوثه، أبرز أمثلته مسيرات إحياء ذكرى الثورة وآخرها مسيرات إحياء الذكرى الحادية والأربعين لانتصار الثورة الإسلامية، والتشييع المليوني لجنازة قاسم سليماني. وتأتي الاحتجاجات التي شهدتها إيران في فترات زمنية مختلفة ومنها الاحتجاجات التي شهدتها مدن إيرانية عدة، عام 2018، وكذلك 2019، بوصفها أمثلة على الفعل الجمعي ذي الطبيعة السياسية الاحتجاجية.

ويمكن تصنيف الانتخابات في إيران ضمن دائرة الفعل الجمعي وذلك بالتركيز على السلوك السياسي والانتخابي للناس ونوع الفعل الجمعي المرتبط بعملية الانتخاب، ويأخذ شكله قبل وأثناء وعقب الفعل الانتخابي. وبالنظر إلى الانتخابات في إيران ضمن عنوان الفعل الجمعي فذلك يمكن بحثه والنقاش حوله لكنه أيضًا وعلى الدوام كان محاطًا بحالة من استعصاء التفسير وكثيرًا ما فاجأت النتائج الباحثين والمحللين، خاصة، ومع ذلك يصرُّ البعض على القول بإمكانية بناء توقعات بشأن الانتخابات في إيران.

وبرز الحديث عن نسب المشاركة في المؤتمر الصحفي للناطق باسم مجلس صيانة الدستور، عباس علي کدخدایي، الذي قال: إن نسب المشاركة خلال الدورات السابقة لم تكن أقل من 50% وتوقع أن تأتي هذه الدورة أيضًا بصورة مماثلة.

ويتوقع استطلاع رأي(7)، أجرته جامعة طهران وأعلنت نتائجه قبل أسبوع من إجراء الانتخابات، أن تصل نسبة المشاركة في مدينة طهران 24.2%، وأبدى المشاركون في الاستطلاع حالة عالية من عدم الرضا بين المواطنين تجاه الأوضاع الاقتصادية وأداء مجلس الشورى، وقال 81% من سكان طهران إنهم غير راضين عن أوضاع البلاد. ويرى أحمد نادري، رئيس مركز الأبحاث والتحقيقات الاجتماعية في جامعة طهران، أن نسبة المشاركة قد ترتفع يوم التصويت وذلك استنادًا إلى تجارب سابقة.

وقبل هذا الاستطلاع، تحدث استطلاع آخر، أجرته مؤسسة إيسبا، وأُجري خلال شهر يناير/كانون الثاني 2020، عن أن نسبة الأشخاص المستعدين للمشاركة في الانتخابات في مدينة طهران 21% وفي محافظة طهران 27%، بينما قال 44.2% من سكان محافظة طهران إنهم لن يصوتوا في الانتخابات البرلمانية على الإطلاق.

خلاصة

على الدوام، كانت الانتخابات قضية مركزية في الجمهورية الإسلامية، ولم تخل أي من العمليات الانتخابية السابقة من أحداث سياسية رافقت وأثَّرت على مسيرها، وهو ما ينطبق على هذه الانتخابات أيضًا، ومع الحديث عن نسب مشاركة منخفضة استنادًا إلى استطلاعات الرأي إلا أن التجارب السابقة تؤشر على سلوك مختلف للإيرانيين يوم الانتخاب وعند صندوق الرأي. وستكون نتائج هذه الانتخابات مؤشرًا مهمًّا على توجهات المواطنين.

ومن الواضح أن الطيف الأصولي الواسع توصل إلى لائحة موحدة بعد صدام علني داخل صفوفه لكن هذا الاتحاد يبدو هشًّا بالنظر إلى عمق الخلاف، أما التيار الإصلاحي، فيبدو متماسكًا ويقدم سلوكًا انتخابيًّا مدروسًا ليضمن فوز قائمته ليتجاوز معضلة تقليص عدد مرشحيه من قبل مجلس صيانة الدستور. ولا يمكن إغفال حضور القائمة المستقلة التي ستؤثر في تركيبة المجلس القادم ومعركة رئاسته.

مراجع

(1)من ملاحظات سجلتها الباحثة من مدينة طهران بتاريخ 18 فبراير/شباط 2020.
(2) من ملاحظات الباحثة خلال حديثها مع المواطنين الإيرانيين في مناطق مختلفة من مدينة طهران (انقلاب، فردوسي، تجريش، سعادت)، ويحتل العامل الاقتصادي المرتبة الأول في سبب العزوف عن المشاركة.
(3) میانگین سنی وتحصیلات نامزدهای انتخابات مجلس یازدهم (الفئات العمرية والمستوى التعليمي لمرشحي انتخابات المجلس الحادي عشر)، وكالة أنباء إيسناء، 29 بهمن 1398، (تاريخ الدخول: 19 فبراير/شباط 2020)، https://rb.gy/jnjcob

(4) حکم رهبر انقلاب درباره “رای سفید” در انتخابات چیست؟ ما هو حكم القائد بشأن (رأي الورقة البيضاء)، 27 ارديبهشت 1396، (تاريخ الدخول: 19 فبراير/شباط 2020)، https://bit.ly/2HEF1ip

(5) رهبر انقلاب: انتخابات یک جهاد عمومی است/ رأی دادن یک وظیفه شرعی است (قائد الثورة: الانتخابات جهاد عام والتصويت واجب شرعي)، باشگاه خبر نگاران جوان، 29 بهمن 1398، (تاريخ الدخول: 19 فبراير/شباط 2020)، https://bit.ly/3bOj5PP

(6) محمد آقاسي، “تصورناپذیری مردم و پیش‌بینی پذیری انتخابات مجلس یازدهم” (عدم إمكانية تصور (مواقف) الناس والقابلية لاستشراف انتخابات المجلس الحادي عشر)، وكالة إيسنا، 28 بهمن 1398، (تاريخ الدخول: 18 فبراير/شباط 2020)، https://bit.ly/2HyUy3s

(7) نظرسنجی دانشگاه تهران از شهروندان تهرانی درباره انتخابات مجلس، عملکرد شورای شهر و شرایط کشور (استطلاع للرأي بين مواطني طهران أجرته جامعة طهران حول أداء المجلس وأوضاع البلاد)، موقع شفقنا، 27 بهمن 1398 (تاريخ الدخول: 18 فبراير/شباط 2020)، https://bit.ly/38Ist5w

 

رابط المصدر:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/4575

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M