التأکید علی صراع المحورين الأمريكي والإيراني في العراق.. تخدير لإبعاد الأنظار عن المشكلة الحقيقية

رضا الغرابي القزويني

تعودنا كثيرا علی سماع مفردة حرب الوكالات أو الصراع الإيراني الأمريكي في العراق أو تحويل العراق إلی ساحة الصراعات الإقليمية أو صراع المحاور.

و أصبحت هذه المفردات كمفاهيم دارجة في العقل العراقي منذ سنوات حتی الآن حيث يعتقد المواطن ان الطريق الوحيد لخلاص بلده من الويلات هو ابتعاد العراق عن ساحة الصراع الإيراني الأمريكي.

بالطبع منذ ستة عشر عاما بعد الغزو الأمريكي للعراق، اصبح العراق في جميع ميادينه السياسية و الأمنية و الاقتصادية ساحة للتجاذبات الأقليمية و الدولية و أهمها الصراع الإيراني الأمريكي الذي يمتد إلی نحو اربعة عقود. الولايات المتحدة تنظر إلی نفسها كمنقذة للشعب العراقي الذي عانی من بطش الدكتاتورية البعثية و صاحبة الفضل و الجميل علی العراقيين شعبا و حكومات و لذلك من حقها اتخاذ القرارات التي تخص العراق بنفسها و إن عارضها العراقيين. كما ان النظرة الإيرانية إلی العراق تری ان بلاد الرافدين جار لها و لايحق للأمريكي أن يأتي و يحكم العراق و يسير هذا الجار الذي عانت منه عدة سنوات و خصوصا في الحرب الذي دام ثماني سنوات، نحو دائرة حلفاء واشنطن و من ثم يهدد المصالح الإيرانية.

كلا البلدين يری وجود مصالح لهما في العراق و من أجل ذلك يقومان بتوسيع نفوذهما هناك و هذا ما يفسر طبيعة الصراع الشرس بينهما.

و من هنا تقاطعت وجهات النظر و الآراء في الساحة العراقية علی ضرورة تجنب العراق من اللعب بالنار أو عدم الدخول إلی حلبة الصراع علی حساب محور من المحورين المتخاصمين و ضرورة اتخاذ سياسة محايدة ترضی الطرفين تنعكس علی سياسات العراق و منها السياسة الخارجية.

ثم من هذا المنطلق تم الترويج لقاعدة إبعاد العراق من صراح المحاور حتی لايحترق البلد. و بادر الإعلام و السياسيين و المحللين يروجون لهذه النظرية التخديرية و لم يدركوا أو لايريدوا أن يدركوا ان البلد بوضعه الحالي يتجه نحو الهاوية بوجود صراع المحاور أو دون ذلك.

لا اريد أن انفي وجود صراع بين المحورين في البلد و ذلك أمر بديهي لكن المشكلة في العراق لن تكمن في هذه النقطة فحسب، لو استطعنا الإبتعاد عن هذه المشكلة بطريقة ما يبقی لنا الحاجز الأكبر و هو التسلل الأمريكي إلی جميع المفاصل و الشرائين التي تخص سيادة العراق و استقلاله.

منذ 2003 حتی الآن الولايات المتحدة الأمريكية هي اللاعبة الرئيسية في الساحة السياسية و العسكرية و الأمنية و الاقتصادية في العراق. لايمكن اتخاذ قرار داخل الحكومة و الولايات المتحدة لا تعلم بذلك. استيلاء الكثير من السياسيين الفاسدين علی مفاصل الحكم جاء بضوء أمريكي إخضر، تم حل الجيش العراقي بإرادة أمريكية و حتی الآن يعاني البلد من هذا القرار الأمريكي، كتب الدستور العراقي بإملاء أمريكي و بثغراته الموجودة، دعمت أمريكا الكثير من الجماعات المتطرفة و المسلحة في العراق خلال السنوات الماضية حتی الآن و منها تنظيم داعش الإرهابي و الذي بإمكانها ان تطلق عناصرهم من جديد، ايداع ايرادات النفطية العراقية في الخزانة الأمريكية و من ثم تسليمها إلی الحكومة العراقية، غرق البلد بديون و اقساط ضخمة جدا لصالح الولايات المتحدة، منع العراق من شراء السلاح و المنظومات الدفاعية و الجوية من دول أو دولة غير الولايات المتحدة التي تزوده بأسلحة غير متطورة بالمقارنة إلی تلك التي تصنعها باقي الدول الرائدة في مجال التصنيع العسكري مثل روسيا و الصين و البرازيل و …

تصريحات أو اجراءات معادية و استفزازية ضد ايران حيث تحرضها علی ان تقوم بإتخاذ نفس السياسة تجاه الولايات المتحدة داخل العراق و ازدادت وتيرة هذه الحالة الخطرة خصوصا في عهد الرئيس ترامب، تواجد الآلاف من العسكريين الأمريكيين في العراق بغطاء التحالف الدولي و عدم ترك البلد بذريعة استمرار القتال مع تنظيم داعش الإرهابي أو تدريب القوات الأمنية و العسكرية العراقية، السيطرة علی الأجواء العراقية و عدم خضوعها للسلطة العراقية، بناء أكبر بعثة سياسية في العالم في بغداد و ادارة القرارات من هناك، فرض الإرادة علی الحكومة العراقية في كيفية التعامل الاقتصادي مع دول الجوار، السيطرة التامة علی النظام المالي العراقي و المصارف، التدخل في العلاقات بين المركز و اقليم كردستان و دعم جانب علی حساب الآخر، فتح المجال للشركات النفطية الأمريكية بأوسع المجالات، معاقبة الشخصيات السياسية و العسكرية العراقية المعارضة للولايات المتحدة أو غير المتعاونة معها و منع العراقيين من التعامل معهم و دعم الشخصيات العراقية التي صدرت بحقهم قرارات قضائية و …

كل هذا و أكثر من ذلك نماذج حقيقية عن التدخلات الأمريكية الواسعة في شؤون العراق و الهيمنة علی مراكز اتخاذ القرار في العراق. و بكل وضوح لن تتعلق هذه الأمور بقضية صراع المحورين الأمريكي الإيراني بقدر ما تتعلق بسياسة فرض الإرادة الأمريكية علی الدولة العراقية و الغطرسة في التعامل مع الدول و الشعوب المحتلة.

الاستهتار الأمريكي في ملف مسلسل استهداف مقرات الحشد الشعبي و الطائرات المسيرة المجهولة يؤكد علی ان مسلسل التدخلات الامريكية المخربة في العراق لا ينتهي إلی هنا و جعل الصراع الامريكي الايراني شماعة لخلاص العراق من مشاكله غير مجدي في ايجاد حلول حقيقية للحصول علی استقلال و سيادة حقيقية للبلد. صحيح ان صراح المحورين يترك تأثيرا كبيرا علی العراق و استقراره لكن علينا التفكير ايضا بالسيادة الناقصة التي يعاني منها العراق في ظل مخططات و تصريحات و اجراءات البيت الأبيض في العراق.

آن الأوان أن نفكر بالتخلص من التدخلات الأجنبية في العراق التي تنقص من سيادة بلدنا علی ارضه و اجوائه و قراراته و هذا ليس سهلا و يكلفنا الكثير كما ان هناك الكثير من العرابين و المطبلين للولايات المتحدة سوف يعارضون ذلك بكافة السبل و منها تأكيدهم علی نظرية ” الإبتعاد عن الصراع الامريكي الايراني الطريق الوحيد للخلاص من المشاكل”.

رابط المصدر:

https://www.raialyoum.com/index.php/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%da%a9%db%8c%d8%af-%d8%b9%d9%84%db%8c-%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%88%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d9%8a-%d9%88%d8%a7/?utm_source=dlvr.it&utm_medium=twitter

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M