التصعيد الأوروبى تجاه روسيا

وفاء صندي

 

شهد يوم الاثنين الماضى، تحركات أوروبية متناقضة شيئا ما على خلفية الحرب فى أوكرانيا. ففى الوقت الذى اجتمع فيه وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى لبحث فرض حزمة سادسة من العقوبات على موسكو، التقى المستشار النمساوى، كارل نيهامر، الرئيس الروسى ليكون أول مسئول أوروبى يجتمع ببوتين منذ بدء الهجوم الروسى على أوكرانيا.وبينما وصف المستشار النمساوى المحادثات التى دامت 90 دقيقة بأنها مباشرة وصريحة وصعبة، فقد أثارت هذه الزيارة ردود فعل أوروبية متباينة، منها الاندهاش والتشكيك والتنديد. هذا ولا يزال التكتل منقسما بشأن مسألة حظر واردات الغاز والنفط الروسيين.

وعلى الرغم من حالة الانقسام هذه، يشهد الموقف الأوروبى فى المجمل تصعيدا على المستويات السياسية والاقتصادية والقضائية وحتى العسكرية. سياسيا تشهد اوروبا تحركات دبلوماسية مكثفة تغلب عليها فكرة توزيع الأدوار بين القادة الأوروبيين، سواء على مستوى المحافل الدولية او متعددة الأطراف، والهدف هو عزل موسكو دوليا وتجميد عضويتها فى عدد من المنظمات والمجالس الأممية وآخرها مجلس حقوق الانسان. قانونيا وقضائيا، يدفع الاتحاد الأوروبى فى اتجاه اتخاذ جميع التدابير التى من شأنها ضمان المساءلة عن تجاوزات حقوق الانسان فى أوكرانيا والجرائم التى يقال انه تم ارتكابها من قبل القوات المسلحة الروسية. بهذا الخصوص، يساند الاتحاد الأوروبى النائب العام الاوكرانى فى جمع وحفظ الأدلة بشأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة فى أوكرانيا. اقتصاديا، تم اعتماد الحزمة الخامسة من العقوبات يوم 8 ابريل الحالى، وجار الآن البحث فى الحزمة السادسة.

اما عسكريا، وهذا أخطر ما فى الموضوع، عرف الموقف الأوروبى تطورا جريئا من خلال الحديث عن امداد أوكرانيا بأسلحة قتالية هجومية وليست دفاعية فقط وفق ما جاء فى تصريحات الأمين العام لحلف الناتو على خلفية اجتماع وزراء خارجية الحلف. يرى الأوروبيون ان الجيش الروسى يتكبد خسائر فادحة بسبب عدم توافره على اهداف واضحة للعملية العسكرية وعدم وجود تنسيق فى منظومة الإدارة ما بين القيادات الروسية والجيش، ويتهم الأوروبيون الجيش الروسى بالفساد مما يضعف من امكانياته البشرية على الرغم من قوة وتقدم ترسانته العسكرية. ردا على هذا التصعيد، أشار وزير الخارجية الروسى الى ان الدعوات التى وجهها مسئول السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبى للتكتل لمواصلة تسليح كييف تمثل منعطفا خطيرا للغاية فى السياسة الأوروبية.

من المتوقع ان تشهد الفترة المقابلة تصعيدا عسكريا كبيرا وحتى تاريخ 9 مايو لما يحمله هذا التاريخ من رمزية، سواء بالنسبة للأوروبيين، وهو الاحتفال بيوم أوروبا، او بالنسبة لروسيا التى تحتفل هذا اليوم، أيضا، بيوم النصر خلال الحرب العالمية الثانية. ومن المتوقع ان تشهد هذه الفترة تكثيف العمليات العسكرية فى الجهة الشرقية والجنوبية من أوكرانيا والشريط المحاذى وقناة المياه الدافئة لضمان إنهاء العمليات قبل هذا التاريخ، وربما سيكون مسار المفاوضات رهينا بنتائج هذه العملية العسكرية. معطى آخر يبدو ذات أهمية فى التصعيد الأوروبى ضد روسيا وهو ما أعلنه الرئيس الفنلندى، ساولونينستو، ورئيسة الوزراء سانا مارين، من نية بلادهما الانضمام أيضا إلى حلف الناتو. الإشارة إلى نية مطالبة فنلندا بالانضمام إلى حلف الناتو فى اجتماع القمة المقرر فى 28 و29 يونيو المقبل فى العاصمة الإسبانية مدريد، هو قرار ذات صفة تنفيذية عاجلة، يمكن ان يفاقم الأوضاع بشكل كبير. لدى فنلندا تاريخ ملتهب مع روسيا إبان الحرب العالمية الثانية، بحيث خاضت حينها حربين خاسرتين إلى جانب ألمانيا النازية ضد موسكو، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية كبيرة لمصلحة موسكو، كما جرى لألمانيا بعد الحرب. واليوم ثمة اقتناع فى المجتمع الفنلندى بأن اعتبارات الحرب ووسائلها قادمة إليها، وبالتالى تعتبر الانضمام إلى الناتو وسيلة للاحتماء من أى تطورات مقبلة.

فى المجمل، تبدو الوضعية الأوروبية الراهنة شبيهة الى حد كبير بالظروف والمقدمات التى أحاطت بالحربين العالميتين، الأولى والثانية، من خلال وضع الأساس لاجواء ذات طابع تحريضى واستفزازى اكثر.هذا الوضع من السهل أن يخرج عن نطاق السيطرة ويؤدى إلى توسيع دائرة الحرب بشكل يصعب السيطرة عليه لاحقا أو التحكم فى مجرياتها ونتائجها، خاصة وان الامر يتعلق بمصالح سيادية وبمناطق لا يمكن لروسيا أن تسمح لأحد اللعب او التلاعب بها.

2022 نقلا عن جريدة الاهرام الخميس 14 أبريل

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19142/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M