التعليم العالي مغبون … كيف يمكن رفع الغبن عنه

بقلم : أ. د عمار بوحوش

  • أكاديمي وباحث جزائري
  • المركز الديمقراطي العربي

 

بعد 50 سنة من العمر قضيتها في التعليم الجامعي (1970-2020) استطيع أن أقول بأن الجامعات الجزائرية التي توفر التعليم مجاwنا لطلابها، قد ساهمت في تخريج الآلاف من الإطارات المرموقة وسدت الفراغ الموجود في الساحة الجزائرية. لكن الإشكال المطروح: لماذا تتذيل الجامعات الجزائرية الترتيب العالمي، وإطاراتها المرموقة تهاجر إلى الخارج وتحظى بالتقدير والاحترام في أية جامعة أو مؤسسة دولية تلتحق بها. ولعل الشيء الذي يحز في نفسي أن الأساتذة بالجامعات التونسية والمغاربة يحصلون على رواتب عالية مقارنة بزملائهم في الجامعات الجزائرية ! والشيء المؤلم الذي لا يغيب عن أنظار أي متمعن في السياسة التعليمية للدولة الجزائرية أن الحكومة تستثمر بقوة في بناء الهياكل التعليمية لكنها لا تبالي بالتحضير والاستثمار في الموارد البشرية، بدليل أن الدولة التونسية والدولة المغربية ليس لها بترول أو ثروة نفطية كبيرة مثل الجزائر، لكن عندهما إرادة قوية لدفع رواتب عالية لكبار العلماء بهما.

لقد صدمني طبيب فرنسي ذات يوم عندما فاتحني في مسألة هجرة الأطباء والأساتذة الجزائريين إلى فرنسا وعدم الحرص على الاستفادة منهم في بلدهم، وقال لي: الغريب في الأمر أن حكومتكم تستثمر في التعليم ونحن نستفيد منهم ! وقد آلمتني هذه الحقيقة المرة، لكنني حاولت أن أبرر هذه السياسة الخاطئة بتقديم بعض التبريرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فقلت له أن للحكومة الجزائرية أولويات أخرى مثل بناء المساكن لأصحاب الدخل الضعيف، وتشغيل الشباب وبناء الطرقات. ولهذا تأجلت مسألة الاستثمار في الموارد البشرية وتحفيز الإطارات الجزائرية على البقاء داخل الوطن والمساهمة في تنمية المشاريع والحصول على رواتب كافية ومجدية.

وبالعودة إلى جوهر الموضوع، يمكننا أن نقول بأن التعليم العالي يعاني من عدة مشاكل يمكن الإشارة إليها فيما يلي:

  1. مشكل التمويل المالي حيث أن الوصاية التي هي وزارة التعليم العالي، هي التي تغدق الأموال الضرورية على الجامعات حسب الأوضاع المالية للدولة. وبعبارة أخرى، أن الإداريين في الوزارة الذين يعيشون في العاصمة هم الذين يتحكمون في التعليم العالي وهم أصحاب القرارات العليا في التعليم العالي والبحث العلمي. أما رؤساء الجامعات فهم مكلفون بتسيير الجامعات حسبما توفره لهم الوزارة من أموال. وعليه، فالإبداع في العمل الجامعي مفقود، والجامعات لا تملك حرية العمل والتصرف بحرية في البرامج ودفع الرواتب العالية لإطاراتها، وهي مقيدة بإجراءات العمل التي تفرضها الوزارة. ولهذا فالروتين في العمل الأكاديمي هو سيد الموقف والإبداع ممنوع وغير مسموح به.
  2. غياب نظرية التنظيم الفعال، والمشكل هنا أن علم التنظيم الحديث يقوم على أساس استقلال المؤسسات ماليا وإداريا، أي autonomie des institutions universitaires، بمعنى أن كل مؤسسة تقف على قدميها ماليا وإداريا وعليها أن تقدم الخدمات للمواطنين وتسوق إنتاجها لمن هو في حاجة إليه، وبذلك المدخول المالي تدفع الرواتب لعمالها وتحصل على الفائدة، ويتعين عليها أن تتخذ القرارات النابعة من داخلها لمواجهة الصعاب التي تعرقل عملها وبمعنى آخر، أن المؤسسات الناجحة هي التي تعول على نفسها وتقف على قدميها ولا تبحث عن الصدقة والإعانة من خزينة الدولة. وإذا اقتضى الأمر طلب المساعدة فهي عبارة عن مساهمة محددة، وباقي الأعباء تتحصل عليه المؤسسة بمجهوداتها وكفاءة العاملين بها. إنني لازلت أتذكر تجربة إنشاء المؤسسات الصغيرة بكل بلدية في عهد الشاذلي بن جديد، ونجحت المؤسسات الاقتصادية في البداية، لكنها انهارت يوم أصبح الولاة يفرضون عليها إنجاز الأعمال للولايات بدون مقابل أو الحصول على أموال ضئيلة مقابل أعمالها، فانهارت بسرعة وتم حلها بعد أن أفلست وتعذر عليها العمل بسبب تدخل الولاة في تسييرها. إن الفشل جاء بسبب عدم قدرتها على العمل بحرية وبدون تدخل الوصاية في شؤونها. وما قلناه عن المؤسسات الاقتصادية بالبلديات، ينطبق على الجامعات التي يتعين عليها قبول عدد هائل من الطلبة بدون الحصول على تمويل إضافي، وبذلك يتعذر عليها توفير الأساتذة والهياكل الضرورية للتعليم في كل جامعة.
  3. الرداءة في الجامعات أصبحت سائدة في كل مؤسسة جامعية بسبب غياب مكاتب للأساتذة لاستقبال الطلبة بحيث أنه لا يوجد مكان في الجامعة لاستقبال الطالب وتوجيهه أو تمكينه من الحصول على دعم فكري من الأساتذة الذين لا يلتحقون بالجامعة يوميا بسبب انعدام مكاتب خاصة بهم، مع العلم أن جميع الجامعات في العالم تفرض مع أساتذتها تخصيص 6 ساعات لاستقبال الطلبة وهذا تقليد علمي.
  4. انعدام المحاسبة في الجامعات حيث أن رئيس كل جامعة يتصرف في الأموال المخصصة لجامعته وكفى !! من الناحية القانونية، يوجد المجلس التوجيهي للجامعة الذي يعتبر هو السلطة العليا في كل جامعة، والذي يتكون من شخصيات قيادية في مختلف الوزارات،لكن الواقع يثبت أنه غير فعال، ووجوده مثل عدم وجوده، لأن أعضاءه يجتمعون سنويا تحت إشراف وزارة التعليم العالي، ويشربون القهوة ويحصلون على محافظ جلدية تحتوي على ميزانية كل جامعة ويمضون على محاضر ورقية، ثم ينصرفون إلى مكاتبهم في وزاراتهم الأصلية. والمفروض أن يحاسبوا رئيس كل جامعة ويشكرونه على الإنجازات الإيجابية ويتخذون الإجراءات العقابية على النقائص والسلبيات التي يطلعون عليها.
  5. غياب الكتاب الجامعي، وهذه مشكلة جوهرية في التعليم العالي والبحث العلمي. إن عدم وجود كتاب للطالب يعتمد عليه في التحصيل العلمي، يشبه إلى حد كبير ذلك الجندي في ميدان المعركة وهو لا يملك سلاحا ليواجه به خصمه. وفي الحقيقة أن الكتاب الجامعي الذي ارتفعت أسعاره إلى أعلى عليين، لم يعد هو المصدر الوحيد للتعلم، بل الكومبيوتر (Computer) هو العنصر الحيوي للحصول على المعلومات الأساسية لكل إنسان، وهو يكاد يكون مفقودا عند الطلبة أو في مؤسسات التعليم العالي. ولكن دعنا نقول، إن عم توفر الكتاب الجامعي في المكتبات الجامعية أو مكتبات بيع الكتاب، قد ألحق ضررا كبيرا بالتحصيل العلمي للطلبة. إنني لازلت أتذكر أنه في مختلف الجامعات في العالم، يحصل الطلبة على منحة دراسية للأكل والنقل، ومنحة فصلية التي يحصل عليها كل طالب لشراء الكتب الضرورية في تخصصه. لكن المشكل عندنا، أن المكتبات الجامعية تكاد تكون فارغة من الكتب التي يحتاجها الطلبة، والكومبيوتر مرتفع الثمن، وقاعات الانترنيت تكاد تكون مفقودة.
  6. مخابر البحث العلمي متعثرة ولا يستفيد منها الطالب أو الأستاذ الباحث. إنه جسد بلا روح، لقد سايرته وعشت في أجوائه منذ سنة 2000 إلى يومنا هذا، وأعتقد أن تسيير إدارة البحث العلمي رديء للغاية، ولا يخدم البلاد من قريب أو من بعيد. لقد لاحظنا أن مراكز الأبحاث والمخابر بالجامعات في جميع أنحاء العالمي، تدرس مشاريع البحث وإذا كانت جيدة توافق عليها وتمنح 50% من المكافآت المالية في البداية، وبعدا لانتهاء من إنجاز المشاريع تمنح 50% المتبقية للباحث. لكن في الجزائر، تمنح إدارة البحث العلمي ميزانية للمخبر وفرق البحث فيه، وتطلب كل شهر أو ستة أشهر النتائج، ولابد من الحصول على إمضاء رئيس الجامعة أو نائبه على كل صغيرة وكبيرة، ثم إن رئيس قسم المحاسبة بالجامعة هو الذي يمضي على الشيك ويتحكم في كل شيء. أما المراقب المالي بالجامعة فهو الذي يتمتع بجميع الصلاحيات للموافقة أو عدم الموافقة على كل المسائل المالية للمخبر. وحسب علمي، فإن المخابر في العلوم الاجتماعية متوقفة حاليا عن العمل، لأنه يوجد خلاف بين وزارة المالية ووزارة التعليم العالي حول كيفية صرف ميزانية كل مخبر. والشيء المحزن في عملية المخابر، أن الطلبة لا يتدربون على البحث ولا يمكنهم أن يستفيدوا أو يحصلوا على مساعدات مالية. كما أن الأساتذة لا يمكنهم أن يعولوا على الدعم المالي، ويتعين عليهم الاستعانة بمخابر البحث الأجنبية إذا أرادوا أن يبدعوا وينشروا نتائج أبحاثهم لكي يحصلوا على الترقية في مهنتهم.
  7. انغلاق الجامعات على نفسها، هذه أكبر كارثة تعيشها الجامعات الجزائرية، حيث لا توجد بروتوكولات تعاون بين الجامعات الجزائرية في الداخل والجامعات الأجنبية. إذا كان التعاون في البرامج المشتركة وتنظيم اللقاءات العلمية على المستوى الوطني والدولي أكثر من الضروري، فإن الجامعات الجزائرية تكاد تكون جامدة، ولا تخصص أموالا لصرفها على التعاون الدولي. ومن غريب الأمور، أن دعوة أي أستاذ أجنبي لإلقاء محاضرات بالجامعات يتطلب موافقة السلطات العليا، وفي كثير من الأحيان لا تأتي الإجابة على الطلب أصلا. وحسبما نلاحظ، فإنه لا توجد أموال في أية جامعة لدفع المكافآت المالية للأساتذة الذين يتم استدعاءهم من الخارج لمناقشات أطروحات الدكتورة في مختلف التخصصات. فالأستاذ يذهب لمناقشة أطروحة، خارج جامعة وهو متطوع ! وإذا لم يأت الأستاذ الخارجي، فإن المناقشة لا تتم !
  8. التوظيف بطريقة روتينية وفوضوية، وهذه عملية جوهرية في إعلاء شأن الجامعات، لأن الاختيار الناجح للأساتذة الأكفاء هو الذي يسمح للجامعات أن تخلق الجودة والنوعية في التعليم العالي والبحث العلمي. وفي العادة، لا يمكن التوظيف في أية جامعة إلا إذا كان هناك احتياج في تخصص معين ولتدريس مادة أو مقياس علمي يتم تدريسه في الجامعة. لكن الشيء السائد في جامعاتنا أن التوظيف يتم على أساس وجود شهادة في الاختصاص وتدريس أي مقياس تكلف الإدارة أي أستاذ بتدريسه في أي فصل. وبمعنى آخر، فإن الإدارة يحق لها تكليف أي أستاذ بتدريس أي مقياس لا يوجد من يقوم بتدريسه للطلبة، ولا تأخذ بعين الاعتبار أنه متخصص أو غير متخصص في ذلك المقياس. وبعبارة أخرى، فإن الجامعات أصبحت مؤسسات لتوظيف أي شخص يبحث عن منصب لكسب العيش والتغلب على البطالة، وذلك بدون مراعاة الميول والموهبة في البحث العلمي. إن التوظيف يتم بقصد سد الفراغ والحصول على راتب في نهاية كل شهر.
  9. برامج التعليم العالي نظرية ولا توفر الشغل للمتخرجين، هذه نظرية خاطئة وغير واقعية، فالجامعات أكاديمية ( أي تدرس النظرية العلمية ) ودورها ليس خلق الوظائف وإيجاد شغل للخريجين، وإنما تدريس العلوم وتكوين الشباب في تخصصات يرغبون في التعمق في دراستها. ينبغي أن يفهم الناس أن التوظيف بالمؤسسات يتم بناء على احتياجات المؤسسات، وليس التكفل بالمتخرجين. ولهذا، فقد حاولت عندما كنت رئيسا للجنة الوطنية البيداغوجية لإعداد برامج العلوم السياسية (P.N) في سنة 2000، أن أتصل بوزارة الخارجية ووزارة الداخلية لتوظيف الطلبة المتخرجين من قسم العلاقات الدولية والطلبة المتخرجين من قسم التنظيم السياسي والإداري، ولم أجد أي تجاوب من الوزارتين. وبكل صراحة أجابوني، بأن التوظيف يتم بناء على احتياجات كل وزارة وليس بناء على تخصص الطلبة. إن المسؤولين في التعليم العالي لم يدركوا حتى الآن، أن وزارة التعليم العالي لا تستطيع أن تفرض على المؤسسات توظيف المتخرجين من الجامعات أو تتحكم في سوق العمل، بل أن الاحتياجات الضرورية هي التي تدفع بالشركات والإدارات أن تبحث عن الطلبة المتخرجين وتقوم بتدريبهم حسب احتياجاتها. التوظيف الآن في جميع أنحاء العالم، يتم عن طريق إجراء المسابقات، والأذكى هو الذي يتم توظيفه ثم تدريبه حسب الحاجة.
  10. غياب الشهادات المهنية هو المشكل الجوهري في التعليم العالي. في عام 2000 م قامت اللجنة الوطنية لإصلاح منظومة التعليم العالي وكنت عضوا، قمنا بتقديم اقتراحات لتدعيم الشهادات المهنية وتدريب الطلبة في جميع التخصصات، ثم جاء نظام ل.م.د (M.D) لاحقا في سنة 2006 وكان الهدف الرئيسي لهذا النظام الابتعاد عن التعليم النظري أو الأكاديمي، والالتجاء للنظام المهني في الماستر والدكتورة. لكن غياب الإرادة والتشبث بالنظام الكلاسيكي هو الذي أفرغ الإصلاح من محتواه، ولذلك تعثر نظام ل.م.د (L.M.D). لقد لاحظت عندما كنت أستاذا بجامعة آل البيت في الأردن وفي جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض، أن جميع الشهادات تقوم على أساس القيام بدراسات ميدانية، والمؤسسات ملزمة بتطبيق مراسم ملكية تقضي بإلزام جميع المؤسسات المدنية والعسكرية بالسماح للطلبة القيام بدراساتهم الميدانية فيها، ولا يحق لأية إدارة أن ترفض تدريب الطلبة بها. وبناء عليه، فالفصل الأولي في كل أطروحة هو الجانب النظري، والفصل الثاني تطبيقي أو دراسة ميدانية. في الجزائر لا يوجد هذا التوجه ومديرية التكوين في كل مؤسسة ترفض حتى الآن استقبال الطلبة بها، أو مساعدتهم على القيام بتدريبات ميدانية بها.

كيف يمكن إعادة الاعتبار للتعليم العالي

  1. حتمية الاستقلالية المالية للجامعات، وهذا معناه أن كل جامعة تعتمد على ميزانيتها المستقلة وتأخذ بعين الاعتبار النوعية في التعليم وتلبية احتياجات الأساتذة والطلبة والإداريين، وفي حالة عدم وجود ميزانية كافية، يتعين على الدولة أن توفر ما تحتاجه الجامعة ماليا. مثلا، إذا كانت الجامعة في حاجة إلى ميزانية تقدر بـ 100 مليون دينار جزائري، فعلى الدولة أن تدفع 80 مليون دينار للجامعة (حسب عدد الطلبة والأساتذة) والباقي وهو 20 مليون دينار يدفعه الطلبة كرسوم لسد العجز في الميزانية. ومعنى هذا ينبغي الابتعاد عن النظام الاشتراكي الذي يوفر التعليم مجانا، والتقرب من النظام العصري الذي يتطلب التعاون المالي بين المؤسسة والمستفيدين من خدماتها. المهم أن المؤسسة تملك المال الكافي لخلق النوعية في التعليم والوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الأساتذة والباحثين فيها.
  2. حتمية تخصيص مكاتب فردية أو مزدوجة للأساتذة لاستقبال الطلبة وتقوية التعاون بين الطلبة وأساتذتهم. إن مداومة الأساتذة في مكاتبهم تعتبر عملية جوهرية، واستقبال الطلبة في مكاتبهم واطلاعهم على الكتب المتوفرة في تخصصاتهم، تعتبر عملية جوهرية في خلق النوعية في التعليم العالي، والقانون يفرض على الأساتذة تخصيص 6 ساعات لاستقبالهم أسبوعيا.
  3. بالنسبة لمحاسبة رؤساء الجامعات والكليات، ينبغي إنشاء مجالس إدارية جامعية في أربعة مناطق في الجزائر، وتكون هذه الهيئات التنفيذية هي التي تلزم الجامعات على احترام قوانين التعليم التي تصدر منها ويتفق عليها أعضاء المجلس الذي تنشئه الجامعات المنتمية إليه. المفروض أن تقوم المجالس التنفيذية الجهوية باعتماد برامج التعليم، وسحب الاعتماد في حالة عدم احترام قوانين التعليم. كما أن مكتبات الجامعات التي لا تشتري العدد الكافي من الكتب كل سنة، تعاقب. ونفس الشيء يقال عن الترقية، رواتب الأساتذة وظروف عملهم. وبعبارة أخرى أن هذه المجالس التنفيذية التي تنشئها الجامعات في كل منطقة هي السلطة التنفيذية العليا التي تتولى محاسبة كل رئيس جامعة.
  4. نقص الكتب الجامعية الأساسية للتدريس تعتبر مشكلة جوهرية، لأن الكتب بالعربية والفرنسية والإنجليزية غير متوفرة بتاتا، وبدونها لا يمكن إثراء مناهج التعليم العالي. ثم إن هناك مشكلا آخر في هذا الميدان وهو أن المكتبات الجامعية لا يسيرها مسؤولين عندهم شهادات في التخصص، وإنما يسيرها أساتذة متطوعون ولا خبرة لهم بمجال تسيير المكتبات. لهذا ينبغي تعيين الناس المختصين وفرض شراء كل كتاب يصدر وينفع الطلبة المتخصصون في تلك المقاييس المقررة على الطلبة.
  5. النظام الحالي للبحث العلمي سيء ولا يعول عليه لإحراز أي تقدم علمي. ولهذا فلابد من إنشاء مراكز بحث جامعية وتخصيص ميزانية معتبرة للقيام بالبحوث العلمية وتدريب الطلبة بها. والتعليم بدون تدريب لا قيمة له.
  6. التبادل بين الجامعات الوطنية والأجنبية يلعب دورًا حاسما في نقل المعرفة والخبرة وتطور البحث العلمي. إلا أن الجامعات الجزائرية جامدة ولا تحرك ساكنا. ولهذا فلابد من تخصيص ميزانية ضخمة للتعاون في مختلف المجالات وإبرام اتفاقيات تخدم الجامعات الجزائرية. إن أغلب الجامعات في العالم تعتمد على التعاون الدولي لإثراء برامجها التعليمية وتبادل الخبرات بين أساتذتها. ومن ينظر إلى ميزانية كل جامعة، يلاحظ أنه لا يوجد تمويل للتبادل العلمي بين الجامعات الوطنية والأجنبية.
  7. مشكل عدم التعاون بين الجامعات ومختلف المؤسسات الإدارية والاقتصادية يحتل مكانة بارزة في فشل برامج التعليم العالي. إن هذا الموضوع يتطلب إصدار مرسوم رئاسي يلزم المؤسسات بتسهيل عمليات استقبال الطلبة والقيام بدراسات ميدانية، والحصول على المعلومات الضرورية لكتابة الأطروحات الجامعية. إن غلق المؤسسات في وجه الطلبة يحول دون حصول الطلبة على الخبرات الأساسية في كل مهنة. إن المشكل يكمن هنا في عدم وجود أموال لتغطية تكاليف التربص، والاستفادة من التكوين الميداني.
  8. مشكل تمويل ميزانية كل جامعة من مدخول إضافي، قضى على مسألة الإبداع العلمي وحطم البحث العلمي. لهذا، يتعين على المسؤولين في قطاع التعليم أن يفكروا في مسألة استثمار أموال في بناء مستشفيات تابعة للجامعات تعطي فرصة للجامعات لكي تدرب الطلاب، وتعالج المرضى، وتحقق مدخول مالي لكل جامعة. إن جميع الجامعات الآن في العالم، تعتمد على هذا الأسلوب للحصول على أموال إضافية، وتدريب الطلاب فيها ومعالجة المرضى.
  9. التوظيف عملية شاقة، والأسلوب العشوائي الحالي غير مفيد ينبغي انتقاء الأساتذة الذين عندهم ميول علمية وعندهم تخصص دقيق يخدم الجامعات الجزائرية. كما أن الطلبة في حاجة ماسة إلى التدرب والتعرف على التعليم النظري والتطبيقي. ولهذا يستحسن أن تتم عملية إجراء مسابقات في بداية كل عام دراسي لانتقاء الطلبة النجباء وإعطائهم فرصة للتعاقد مع الجامعة وتدريس الأعمال الموجهة تحت إشراف الأساتذة وكسب الخبرة اللازمة للتدريس. وبطبيعة الحال، إن التدرب على التدريس لا يعني أن هذا العقد يقصد به التدرب وليس عقد عمل في نفس الجامعة وإنما يعني التدرب والحصول على أجر بسيط.
  10. الحرص على إنشاء شهادات مهنية في التعليم، وهي عملية أساسية ولا يمكن الاتكال على البرامج الكلاسيكية القديمة للخروج من أزمة النقص في فعالية الإدارة لخدمة المجتمع. لقد جاء نظام ل.م.د (M.D) وفشل بسبب عدم الالتزام بمحتواه التعليمي. لكن المسألة تتطلب تخصيص أموال كبيرة لتطبيق مسألة الشهادات المهنية بحيث توفر مناصب الشغل بسهولة تامة وتلبي احتياجات المؤسسات الاقتصادية والإدارية.
  11. إنني أعتقد أن إصلاح برامج التعليم العالي ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها. فالمطلوب هو إدخال مواد حيوية مثل: إقحام اللغة العربية في كل التخصصات بكل جامعة بحيث يتعلم الأطباء والمهندسين لغتهم الوطنية ويتقنوها إنه عيب كبير أن تجد دكتورا جزائريا يعيش داخل الوطن ولا يعرف كيف يخاطب أبناء شعبه بلغتهم الوطنية. كما توجد حاجة ماسة لإدخال جوهرية في برامج التعليم العالي وهي علم السياسة بحيث يعرف كل جزائري مؤسسات الدولة الجزائرية، وتاريخ البلاد، والتنظيم الرسمي للجماعات المحلية ومشاريع الدولة التي هي في طور الإنجاز، نحن في علم السياسة نطلق عليها اسم Public Policies وهو ما يعني السياسات العامة للدولة الجزائرية. إنه لعار علينا أن نعرف مؤسسات الدول الأوروبية والأمريكية ولكننا نجهل مؤسسات دولتنا الجزائرية.
  12. هناك نقطة أخرى ينبغي الالتفات إليها في إصلاح التعليم العالي وهي مسألة التقييم والانتقال من فصل إلى آخر. المفروض أن لا تبقى الجامعات متشبثة بالنظام الكلاسيكي القديم الذي يتمثل في تضييع الوقت لتنظيم الامتحانات الاستدراكية وعقد دورات متعددة للراسبين، بالإضافة إلى تأخر بداية السنة الدراسية كل فصل أو في نهاية السنة الدراسية. إنني لا أدري، لماذا لا نربح الوقت وتبتدئ السنة الدراسية في بداية كل موسم دراسي وذلك بالاعتماد على نظام آلي في التقييم. فمن لا يحصل على معدل 10 في أي فصل دراسي، عليه أن يتدارك ذلك العجز في الفصل القادم ويتحصل على العجز الذي يوجد في معدله، وإلا لن يمر إلى الفصل القادم. ثم إنه لأمر عجيب أن ننظم مسابقة الدكتورة في شهر أكتوبر من كل سنة، والسؤال المطروح: لماذا لا نحترم مبدأ تدريس 16 أسبوع في كل فصل دراسي، إنه النظام العالمي المطبّق في كل الجامعات. ففي الأردن والسعودية، كنا ننظم مسابقة اليكترونية للدكتورة في شهر جويلية وتبدأ الدراسة في أول يوم من بداية السنة الدراسية.

الخاتمة:

لقد حاولت في هذا المقال تبيان السلبيات في برامج التعليم العالي والحلول المقترحة لإصلاح المنظومة التعليمية في الجزائر. إن إصلاح التعليم العالي يبدأ بوجود إرادة سياسة لتصويب الأوضاع والقضاء على الهفوات التي يعرفها العام والخاص.

إن الوقت قد حان للتخلص من فكرة أن ما عندنا رديء وما عند غيرنا جيد، وأننا نريد أن نكون مثل الدول المتقدمة لكن الله غالب وما باليد حيلة ! فلنتوكل على الله ولنبدأ بالتخلص من السلبيات وننتقل إلى مرحلة البناء والتشييد وتحقيق الإنجازات. وفي قناعتي الشخصية، أن الوجه الحقيقي لكل أمة يكمن في مقدرة قادتها على خلق وثبة حقيقة للنهضة العلمية، لأن العلماء الذين يتواجدون بالجامعات هم الذين يبدعون ويخترعون ويحققون الإنجازات التي لا يستطيع أي إنسان آخر أن يلبي احتياجات شعبه في جميع المجالات. علينا أن لا نكتفي بإظهار الاحترام لرجال ونساء النخبة في الجامعات، بل يتعين علينا أن نفتخر بالعلماء والمفكرين، كل في مجال تخصصه ونقدم لكم العناية الملموسة، سواء كانت مادية أو معنوية حتى يركزوا طاقاتهم وجهدهم لاختراع ما يخدم شعوبهم. إنني أقول هذا، لأن السلطات في عهد عصابة المال الفاسد قبل 2 أفريل 2019، حرمت الأساتذة المبرزين أو Les Professeurs Emérites من الحصول على الترقية المستحقة إلى هذه الرتبة المستحقة بعد إجراء مسابقة علمية لمنصب أستاذ مبرز (Professeur Emérite) تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد الحميد أبركان، ونجح العديد من الأساتذة في تلك المسابقة الوطنية ولم يتم إلى يومنا هذا، إمضاء أو تطبيق ذلك المرسوم، والجزائر تكاد تكون هي الدولة الوحيدة إلى يومنا هذا، التي لا يوجد بجامعاتها أي بروفيسور يحمل رتبة Professeur Emérite !!

ومن يدري، لعل الأكاديميين الذين اعتمد عليهم السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ومن ضمنتهم الأستاذ الدكتور عبد العزيز جراد، رئيس الحكومة، يعيدونا لاعتبار للتعليم العالي، ويمضي أحدهما على تطبيق المرسوم الخاص بالأساتذة المبرزين الذين نجحوا في مسابقة الأستاذ المبرز (Professeur Emérite) في سنة 2012 والذي يوجد في مدرجات مكاتب رئيس الحكومة السابق أحمد أويحي أو مكتب رئيس الجمهورية المنبوذ. أن وجود رتبة بروفيسور متميز (Emeritys Professor) في الجامعات الجزائرية تفرضه المصلحة العليا للتعليم العالي بالجزائر.

رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M