التوازن: الثقافة المغيّبة (الحلقة الأولى)

يقظان الخزاعي

 

لا تكاد ترمي ببصرك الى ناحية الا ووجدت حالة الافراط والتفريط هي الأساس والسائدة عند الكثير من الناس ويبدو لك هذا الامر جلياً في حالة اتخاذ المواقف، فالتوازن المطلوب والذي نبحث عنه هو الحالة الوسطية بين الافراط والتفريط لا أننا ننظر بعين واحدة فنركز على السلبيات ونغض الطرف عن الإيجابيات والعكس صحيح أيضاً فهذا أقل ما يمكن أن نسميه انه خلاف الانصاف الذي اوصتنا به الشريعة المقدسة فقد ورد عن الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم انه قال: يا بن مسعود! أنصف الناس من نفسك. بل أكثر من ذلك فعن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: أعدل الناس من أنصف من ظلمه.
وبعد هذه المقدمة البسيطة علينا ان نلقي نظرة أولية على مفهوم التوازن ومعناه في اللغة والاصطلاح لضرورة معرفة معنى اللفظ.

التوازن لغة:

قال أبن فارس: وهو راجح الوزن إذا نسبوه إلى رجاحة الرأي وشدة العقل.

وقال الفيروزآبادى: وازنه: عادله وقابله
أما التوازن اصطلاحاً: فيمكن تعريفه بأنه: إعطاء كل شيء حقه من غير زيادة ولا نقص, وهو ينشأ عن معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه, ومعرفة حدودها وغاياتها ومنافعها.
وقد يكون بمعنى: البعد عن طرف الإفراط والحماس الزائد والغلو والتشدد والمبالغة ,كذلك البعد عن الطرف الآخر وهو التفريط والتهاون.
وقال سيد قطب في تفسير قوله تعالى: واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان: ميزان الحق. وضعه ثابتا راسخا مستقرا. وضعه لتقدير القيم. قيم الأشخاص والأحداث والأشياء. كي لا يختل تقويمها، ولا يضطرب وزنها، ولا تتبع الجهل والغرض والهوى. وضعه في الفطرة ووضعه في هذا المنهج الإلهي الذي جاءت به الرسالات وتضمنه القرآن.
ومن مصاديق الآيات القرآنية التي تدعو الى التوازن في القول والفعل هو قوله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77] وعند ربط ذيل الآية بصدرها يتبين أن عدم التوازن هو فساد المبغوض من قبل الله تعالى
ومن الأشياء الواضحة ان هذا الكون كله قائم على التوازن وهذه الحالة التي أدهشت دارسيها ولكن الكثير منا قد ألف هذه الدقة في صُنع الكون وتوازنه فأصبح ينظر إليها على أنها حوادث عادية ومنها ظاهرة الليل والنهار وظاهرة المدّ والجزر والأنظمة المعقدة الموجودة على كوكب الأرض والتي تفتقد لها الكواكب الأخرى وخلق الانسان والاسرار التي أودعها الله فيه وهكذا ولم يكتفِ الانسان بالتعامل معها بصورة طبيعية وانما أخذ يحاربها من حيث يشعر أو لا يشعر.
وكذلك تجد عملية التوازن واضحة وجلية في سيرة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم
فقد كان أباً وزوجاً ورئيس دولة وقائد جيش ومُربياً وقاضياً ومُعلماً وعاملاً ومتعبداً، يجالس الصغير ويعطف على الكبير، يصل الرحم، يتفقد الجار، يسأل عن الاصحاب إذا غابوا، وهذا ما يُعبّر عنه بالتوازن السلوكي.
وفي هذه الحلقات المبسطة سوف نسلط الضوء على التوازن في اتخاذ المواقف من المواضيع الابتلائية بإذن الله تعالى فانتظرونا في الحلقات القادمة.
جعلنا الله واياكم من المنتظرين

المصادر
ـــــــــــــــــــــ
1- معجم مقاييس اللغة
2- القاموس المحيط
3- غرر الحكم
4- مكارم الاخلاق
5- في ضلال القران

 

رابط المصدر:

https://www.google.iq/search?q=%D8%B4%D8%A7%D8%A8+%D9%8A%D8%AA%D8%B6%D8%B1%D8%B9&tbm=isch&ved=2ahUKEwiGq_ji7KnpAhVat6QKHYKxCVsQ2-cCegQIABAA&oq=%D8%B4%D8%A7%D8%A8+%D9%8A%D8%AA%D8%B6%D8%B1%D8%B9&gs_lcp=CgNpbWcQAzoCCABQhI8LWLusC2DisAtoAHAAeACAAewCiAHWDJIBBzAuOC4wLjGYAQCgAQGqAQtnd3Mtd2l6LWltZw&sclient=img&ei=wj24XobCEtrukgWC46bYBQ&bih=706&biw=1536&hl=ar#imgrc=Ti5G0Tym07Lm6M

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M