الحرس الثوري: الذراع الضاربة «للإمبراطورية الإيرانية»

معتز ممدوح

في إحدى مقالاتها الافتتاحية هذا الأسبوع حذرت جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب من مغبة التصعيد مع إيران، التي وصفتها في عنوان ذلك المقال بأنها أصبحت الآن أقوى من أي وقت مضى، حيث أشار مقال الواشنطن بوست إلى دراسة حديثة صدرت من معهد دراسة الحرب الأميركي يصف التطوّرات التي جرت في العقيدة العسكرية للحرس الثوري الإيراني، والخبرات التي اكتسبها من مشاركته في الصراع الجاري في سوريا.

و قد خلصت الدراسة الأخيرة إلى أنّ تجربة سوريا قد خلقت، تدريجياً، نظاماً يقاتل ضمنه العرب وإيرانيون بجانب جنسيات أخرى. بحيث أضحت إيران، للمرّة الأولى في تاريخها المعاصر، تملك القدرة على إدارة عمليات عسكرية في أقاليم تبعد مئات الأميال عن حدودها،. في إطار عقيدة قتالية الجديدة للحرس الثوري، بدأ العمل بها منذ عام 2010 م، تقوم على إعادة هيكلة وحداته المختلفة بحيث تستطيع العمل بشكلٍ لامركزيٍّ مرن.

وسنعرض هنا في هذا المقال إلي طبيعة تلك العقيدة القتالية الجديدة، وكيف تشكلت، وعن أبرز تجليات تبني تلك العقيدة القتالية في بؤر النزاع المشتعلة في الشرق الأوسط في العراق وسوريا واليمن.

قدرة إيران علي شن الحروب غير المتماثلة

يقول الضابط الميداني السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA روبرت باير، مؤلف كتاب «عين لا ترى الشر»،الذي يعد بمثابة مذكرات شخصية له أثناء عمله في الوكالة، والذي بُني على أحداثه فيلم Syriana الحاصل على جائزة أوسكار، إن الحرب بين إيران والعراق. التي تشكلت في شطر لا بأس به منها من معارك إنهاك واستنزاف، طويلة الأمد، طورت قدرة الحرس الثوري الإيراني على خوض الحروب اللامتماثلة التي لا يمكن كسبها من دول تعتمد على جيوش وقوات نظامية كبيرة كالولايات المتحدة الأمريكية.

و يقول باير إن الباسداران – الحرس الثوري – قد ضم عددًا من أفضل الأدمغة في إيران، الذين ليسوا متدينين متعصبين بالضرورة على حد تعبيره، بل إلى حد ما قوميون، و يصف باير قيادات الحرس بأنهم:

حسب خبرتي، هؤلاء الناس في باس داران ربما هم على المستوى التشغيلي -العمليات

المفكرون الأكثر كفاءة استخباريا، وقوة في حرب العصابات، بل وسياسياً كذلك في الشرق الأوسط إنهم يعرفون جيدًا ما يفعلون، ولا ينطبق عليهم بوضوح أي تصنيف سياسي سائد في إيران.

تذكر الدراسة السابق الإشارة إليها التي أعدها معهد دراسات الحرب الأمريكي مؤخراً، أن إيران الآن بعد كل هذه العقود من الخبرة في هذا الإطار، تمتلك اليوم القدرة على إدارة حرب شبه تقليدية بعيدة مئات الأميال عن حدودها. وهي قدرة كما تشير الدراسة لا يتمتع بها إلا القليل من دول العالم، من خلالها استطاعت إيران أن تغير جذرياً من الحسابات الاستراتيجية، وميزان القوة في الشرق الأوسط.

وتستدل الدراسة على جدية تبني إيران لتلك السياسة العسكرية الجيدة. على إرسال طهران خلال السنوات القليلة الماضية لقوات من الحرس الثوري والآرتش والباسيج إلى سوريا لتُبرز قوتها في هذا النوع من العمليات والحرب. وهو ما عدته الدراسة تغييرًا لاستراتيجيات إيران القتالية التي كانت ترتكز تقليدياً على العمليات الدفاعية وجعلتها تصبح قوة تدخل سريع قادرة على تنفيذ عمليات متواصلة في الخارج، وذلك للمرة الأولى منذ نهاية الحرب بين إيران والعراق.

رجل يهوى القتال: قائد إيران الأقوى في الشرق الأوسط

خلال إحدى إطلالاته النادرة، كشف قائد قوات فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني صاحب اللحية الرمادية الكثة في كانون الثاني (يناير) 2012 عن مدى نفوذه. وقال في خطاب أوردته وسائل إعلام إيرانية إن «إيران موجودة في جنوب لبنان والعراق. وفي الواقع هاتان المنطقتان متأثرتان إلى حد ما بعقيدة وأعمال الجمهورية الإسلامية».

وفي شباط (فبراير) من عام 2014، اعتبر سليماني أنه «ما من بلد أو قوة باستثناء إيران قادرة على قيادة العالم الإسلامي اليوم».

لا يمر وقت طويل لمن يشاهد التلفزيون الإيراني إلا ويرى صورة الرجل تطل عليه بين الحين والآخر عبر الشاشة. حيث برز قائد قوات فيلق القدس في السنوات الماضية بعد أن كان يعيش في ستار من العزلة السرية يتناسب مع طبيعة مهامه الأمنية في إدارة العمليات السرية خارج إيران، ولكن بعد أن حقق الأخير النجومية في إيران اليوم. أضحي الرجل الذي لم يكن يتعرف عليه معظم الإيرانيين في الشارع حتى وقت قريب، المادة الرئيسية للأفلام الوثائقية ونشرات الأخبار وحتى أغاني موسيقى البوب الرائجة في إيران.

بحسب «جون ماجير» ضابط الاستخبارات الأمريكية السابق والذي خدم في العراق، فإن سليماني الذي ظل غير مرئي للعالم الخارجي لسنوات هو الرجل الأكثر تأثيرًا رغم ذلك في الشرق الأوسط.

يقول «ريان كروكر» السفير الأمريكي في العراق بين ٢٠٠٧ و٢٠٠٩، عندما سُئل عن تدين سليماني، إنه لا يبدو أن الدين هو ما يحرك الرجل، وإنما القومية، «إنه يحب القتال».

وحسبما يذكر ديكستر فيلكينز الصحفي الحائز على جائزة بوليتزر في مقال له بجريدة النيويوركر، أن سليماني يسافر بشكل دوري إلى دمشق، حيث «يدير المعركة بنفسه» وفق ذكر له أحد المسئولين الأمريكيين، ويقول فيلكينز إن سليماني يدير المعارك على أرض سوريا من مبنى محصن بشدة، حيث كون بنفسه سلسلة من القادة متعددي الجنسيات الذين يديرون الحرب، بينهم قادة الجيش السوري، قادة من حزب الله، ممثل للميليشيات الشيعية في العراق وللواء «حسين حميداني» نائب القائد السابق للباسيج، رفيق السلاح السابق أثناء حرب العراق وإيران، والذي يُعد خبيرًا في إدارة الميليشيات غير النظامية كمثل التي شكلتها إيران لحماية الأسد من السقوط.

يقول مارتين تشولوف مراسل صحيفة الأوبزرفر، إن سليماني اليوم ينفذ خطة عملت عليها إيران منذ ثلاثة عقود لرسم ممر يصلها بشواطئ البحر المتوسط مرورًا بالعراق وسوريا، ليمنح طهران نفوذًا راسخًا وممتدًا في المنطقة. حيث جرى بحسبه مؤخراً التنسيق بين مسئولين أمنيين وحكوميين بارزين في طهران وبغداد ودمشق حول ذلك الممر، يرجع جميعهم في تسلسل تلقى أوامره بنهاية المطاف لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني الذي يدير معارك إيران الراهنة في سوريا والعراق.

جيش التحرير الشيعي

سليماني اليوم ينفذ خطة عملت عليها إيران منذ ثلاثة عقود لرسم ممر يصلها بشواطئ البحر المتوسط مرورًا بالعراق وسوريا، ليمنح طهران نفوذًا راسخًا وممتدًا في المنطقة

في أغسطس/ آب من العام الماضي أعلن القيادي في الحرس الثوري وأحد قادة «فيلق القدس» في سوريا، محمد علي فلكي، عن تشكيل «جيش التحرير الشيعي»، بقيادة قائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني، وذلك للعمل في ثلاث جبهات هي سوريا والعراق واليمن، ويكون تحت إمرة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في طهران.

وعلق فلكي وجود عناصر موالية لإيران في سوريا خلال المعارك الدائرة حاليًا، بأن «الفيالق التابعة لإيران ستستقر في سوريا»، وأن الحرس الثوري يبحث بقاء فترة طويلة المدى للبقاء في الأراضي السورية لمدة تصل إلى ربع قرن.

يوجد مائتا ألف مقاتل على صلة بالحرس الثوري في خمس دول عربية وإسلامية هي العراق وسوريا واليمن وأفغانستان وباكستان

في هذا السياق أيضاً من التصريحات المعلنة، صرح قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، في منتصف يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، عن وجود مائتي ألف مقاتل على صلة بالحرس الثوري في خمس دول عربية وإسلامية هي العراق وسوريا واليمن وأفغانستان وباكستان، معترفاً بتأثير إيران على الأزمات التي تشهدها عدد من دول المنطقة. وقال جعفري حينها إن التطورات عادت بنتائج إيجابية على إيران.

و في السياق ذاته، صرح كذلك القيادي في الحرس الثوري محسن رفيق دوست، عن رغبة إيرانية لتأسيس حرس ثوري في العراق. وهو ما كان دعا إليه من قبل في مايو (أيار) من العام الماضي محمد صالح جوكار عضو لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني، حيث شدد على ضرورة تأسيس حرس ثوري في العراق قوامه (الحشد الشعبي)».

و في السياق نفسه أيضاً كشف قائد القوات البحرية في الحرس الثوري علي فدوي، في الثامن من يونيو (حزيران) من العام الماضي عن تدريب مقاتلين أجانب في جزيرة فارور قرب الجزر الإماراتية المحتلة في مياه الخليج العربي.

وتحارب تحت لواء الحرس الثوري الإيراني في سوريا العديد من الميليشيات المسلحة من أبرزها «زينبيون» من المقاتلين الباكستانيين، و«حيدريون» من الشيعة العراقيين، و«فاطميون» من المقاتلين الأفغان، وفيلق «حزب الله» يضم عناصر من «حزب الله» اللبناني، و«حزب الله» السوري. وقد أشار محمد علي فلكي إلى أن عناصر الحرس الثوري حاضرة بقوة في جميع مستويات تلك الميليشيات التي ترتدي بحسبه ألوانًا واحدة وعلمًا واحدًا وتنظيمًا ميدانيًا واحدًا .

مع خسارة فصائل الثورية لحلب مؤخراً، والخسائر الواسعة التي تعرضت لها من جهة أخرى القوات المشاركة في عملية عاصفة الحزم في اليمن، تبدو الكفة تميل اليوم لصالح طهران في الشرق الأوسط، إلا أنه من جهة أخرى على المستوى الجماهيري، بعيداً عن جميع تلك الحسابات الجيوسياسية، لم تكسب إيران في نهاية المطاف منذ بداية الربيع العربي سوى المزيد من العداء مع المسلمين السنة الذين يشكلون الغالبية من ساكني العالم العربي جراء المخاوف السائدة من طموحاتها التوسعية في المنطقة و انحيازاتها غير العادلة في سوريا بحسب الكثيرين، وسياساتها اللاأخلاقية في العراق التي لم تتسبب سوى بتدميره وتغيير بنيته السكانية جراء هجرة ونزوح الملايين من أبنائه خلال العقدين الماضي والجاري.

 

رابط المصدر:

https://www.ida2at.com/the-revolutionary-guard-striking-arm-of-the-iranian-empire/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M