ما إن بدأ تطوع المؤمنين في فصائل الحشد الشعبي بشكل أبهر القاصي والداني وحقق انتصارات لم تحققه جيوش نظامية رسمية مدعومة دعماً مالياً ومعنوياً وإعلامياً حتى تفاعل معه أبناء الشعب ، وحاولوا أن يردوا جزءً يسيراً من جميلهم وفاء لهم ولتضحياتهم ومواقفهم النبيلة ، فبعض قام بتأسيس حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لدعم الحشد الشعبي والبعض أقام مؤتمرات إعلامية يبين قيمة التضحيات التي يقدمها هؤلاء الأبطال ، وآخرون لجأوا لتأسيس جمعيات لدعم عوائل متطوعي الحشد وشهدائه ، وكل هذه الفعاليات هي في عين الله إن شاء الله .
وهذه التبرعات هي من مصاديق الجهاد بالمال الذي ذكره الله في عدة آيات ، بل قدّمه على الجهاد بالنفس في الآية 15 من سورة الحجرات حيث قال تعالى : (( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون )) ، فهذه الآية تحوي على عدة مضامين جديرة بالاهتمام ، نذكر منها أن الباري عز وجل قد حصر الإيمان بأشخاص اتصفوا بالإيمان بالله ورسوله ولم يرتابوا فكان نتيجة ذلك أنهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، فهؤلاء الذين حُصِر الإيمان بهم جاهدوا أولاً بأموالهم لأنه متاح للجميع وكذلك جاهدوا بأنفسهم ، ولكن لو لم تكن الفرصة متاحة للجهاد بالنفس لأسباب شرعية وعقلية فهذا معذور فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
هذه الجهود المبذولة التي تعكس الصفات النبيلة التي يمتلكها أبناء الشعب العراقي – الذي حاول البعض أن يطمسها ويسوّق عكس تلك الصفات الحميدة – تذكرنا بمواكب الخدمة على طريق الزائرين السائرين مشياً على الأقدام الى كربلاء المقدسة لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين عليه السلام ، فمن يتابع وينظر حجم الخدمة من حيث الكم والنوع يقف خجلاً أمامها مطئطئاً رأسه حياءً ، فما تقدمه تلك المواكب تعجز ميزانية دول عن تقديمها لهذه الأعداد المليونية ، فطهي 1000 طن من الرز فقط يومياً من دون اللحم والخضروات والشاي والماء وملحقاتهم يعطي تصوراً عن حجم الأموال المصروفة لخدمة زائري أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، هذا من غير السرادقات وتقديم المعونة الطبية والعلاجية وتأمين مكان للمبيت حيث يكون الاستنفار في أعلى مستوياته .
وحتى نحصل على أعلى درجات القرب من خلال تلك الفعاليات سواء للحشد الشعبي أو لزوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام نذكّر بالحقوق الشرعية الواجب دفعها على كل مؤمن ومؤمنة من الخمس والزكاة وغيرها ، فكل المتعاطفين مع الحشد الشعبي وزوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام ينفقون الملايين من الدنانير إن لم نقل المليارات وبالتالي فإن دفع هذه المبالغ لتأدية واجب بالتأكيد أفضل من دفعها في أمر مستحب ، ومما لا شك فيه أن جمع الاثنين أفضل وأعظم عند الله ، ومن هذا المنطلق أجاز سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي بصرف سهم الإمام عليه السلام من الخمس في خدمة زائري أبي عبد الله الحسين عليه السلام .
وفيما يخص دعم متطوعي وعوائل وجرحى الحشد الشعبي يمكن أن يقوم أصحاب البر التواقون للتقرب الى الله سبحانه وتعالى أن يصرفوا سهم الإمام عليه السلام من الخمس لدعم متطوعي وعوائل وجرحى الحشد الشعبي وذلك بعد استحصال إذن الحاكم الشرعي ، وبشكل عام فأغلب الفقهاء أعطت إذناً عاماً بصرف سهم الإمام عليه السلام على الفقراء مع اختلاف النسب فبعض سمح بصرف كل السهم على الفقراء وآخر سمح بنسبة الثلث وهكذا ، وبالتالي فإن تحقق شرط الفقر في عوائل الحشد الشعبي وشهدائهم فمن باب أولى أن يُصرف سهم الإمام عليه السلام على هذه العوائل رداً لبعض جميلهم ، وبذلك يجمعوا بين دفع الحقوق ودعم متطوعي الحشد وعوائلهم فهذا بالتأكيد أفضل وأكمل وهو ما نريد تحقيقه من خلال هذه الكلمات .
لذا فأول خطوة يجب أن يقوم بها المتبرع لدعم الحشد الشعبي هو جعل رأس سنة خمسية خاصة به ومحاسبة نفسه وجرد أمواله كل سنة فما وجب عليه من الخمس دفع سهم الإمام عليه السلام منه الى عوائل الحشد الشعبي ممن تنطبق عليهم صفة الفقر بالنسبة التي يراها مرجعه ، أو يمكنه استحصال إذن من مرجعه بصرف كل سهم الإمام عليه السلام على عوئل الحشد الشعبي وشهدائه فيحصل على ثواب تأدية الواجب – وهو الخمس – وثواب دعم الفقراء والشهداء ، وإذا تمكن من زيادة المبلغ المتبرع به فهذا خير على خير ، فلو كان سهم الإمام عليه السلام من خمسه هو مليون دينار واستطاع أن يدفع لعوائل الحشد مليوني دينار فهذا أفضل وأكمل وأنبل .
وهنا نريد أن نسجل ملاحظاتنا على بعض الإخوة المؤمنين ، فعندما يُطرح موضوع خيري كدعم عوائل الحشد الشعبي أو تأسيس موكب خدمة لزوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام يتسارع الى ذلك المؤمنون وينفقون بدل الألف دينار عشرة آلاف دينار وبدل المليون دينار عشرة ملايين دينار رغم انه مستحب ، أما إذا دعوتهم الى دفع الحقوق الشرعية وخصوصاً الخمس باعتباره واجب شرعي فإنهم ينفرون من تأدية هذا الواجب رغم وجوبه الشرعي وقد لا يكون الخمس المدفوع يعادل عُشُر ما يتم صرفه لدعم عوائل الحشد الشعبي أو تأسيس موكب خدمة لزوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، ورغم أنه مرة في السنة ، ورغم أنه يؤدي نفس ما تؤديه تلك الأموال التي تبرع بها للحشد أو لتأسيس المواكب .
لا بل إن البعض يواجهون من يدعوهم لهذا الواجب بالرد العنيف الغير لائق به كمؤمن ، وكأن الداعي الى هذه الفريضة سيضع تلك الأموال في حسابه المصرفي ، مع إنه يدعوهم لإبراء ذمتهم أمام الله سبحانه وتعالى ، فالباري سيسأله عن الواجب فإن أداه سيكافئه على المستحب ، فإذا لم يأتِ العبد بالواجب مع علمه وإيمانه به فهل سينفع إتيانه بالمستحب ؟! الله العالم