الغاية الحصرية للنهضة الحسينية

بهاء النجار

ربما جميع المؤمنين يسعى لتحقيق غاية الإمام الحسين عليه السلام من نهضته المباركة لأنها بالتأكيد أسمى الغايات فلا يُعقل أن تكون غاية الإمام الحسين عليه السلام غاية هامشية وهو سبط النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وأنه سيستشهد هو وأهل بيته وأصحابه وأن نساءه ونساء الأنصار سيبقين سبايا لدى ابن زياد وأعوانه الظلمة ، فما هي هذه الغاية التي لا تشترك معها غاية أخرى ؟
يجيب على هذا التسأؤل إمامنا الحسين عليه السلام نفسه فقد قال فيما قاله : (( وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ( صلى الله عليه وآله ) ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) )) لذا فالحسين عليه السلام بيّن غايته التي خرج من أجلها وحصر هذه الغاية بأداة الحصر (إنما) وهي كالآتي :
1) طلب الإصلاح : فكانت غاية الحسين عليه السلام هو طلب الإصلاح ، وربما لم يقل (خرجت للإصلاح) لأنه يعلم أن الإصلاح سوف لن يتحقق ولو تحقق فلن يبلغ المستوى المطلوب ، فالحسين عليه السلام يعلم ونحن نعلم أن الإصلاح الحقيقي سيتم على يد الإمام المهدي عليه السلام ، لذا فأول الغايات للنهضة الحسينية هي (طلب الإصلاح) ، فمن أراد أن يقتدي به عليه السلام وبنهضته عليه أن يسعى لطلب الإصلاح وإن لم يتحقق ، فالحسين عليه السلام رغم أنه طلب الإصلاح ورغم ما يمتلكه من إمكانات ذاتية فإنه لم يتمكن من الإصلاح في زمانه ، لكن بكل تأكيد سيتم الإصلاح في آخر الزمان بفضل تضحيته ودمائه الطاهرة ومن استشهد معه من أهل بيته وأصحابه سلام الله عليهم أجمعين ، وبفضل الدور التكميلي للإمام السجاد عليه السلام والعقيلة زينب سلام الله عليها .
وكان طلبه عليه السلام الإصلاح في أمة جده صلى الله عليه وآله بمعنى أن الأولوية في الإصلاح في أمة الخاتم صلى الله عليه وآله على باقي الأمم وذلك لعدة اعتبارات : منها أن إصلاح هذه الأمة أأكد لأنها أقرب ، أو أن إصلاحها سيكون مقدمة لإصلاح باقي الأمم ، وربما هي إشارة الى حجم الفساد لدى هذه الأمة بحيث يكون التركيز عليها قبل غيرها .
2) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : وهذه الغاية قد تكون مقدمة للغاية الأولى (طلب الإصلاح) فالإصلاح لا يتم إلا من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذه الغاية تستحق أن تكون من الغايات الحصرية للإمام الحسين عليه السلام ولنهضته ، فيعبّر عنها الإمام الباقر عليه السلام أنها (أسمى الفرائض) ويصفها أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: ((ما أعمال البر كلها، والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا كنفثة في بحر لجي )) ، والنفثة هي ما يخرج من الريق عند النفخ ، وهذا يبين عظم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقارنة بباقي الواجبات بل كل أعمال الخير بما فيها الجهاد في سبيل الله .
3) السير بسيرة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أمير المؤمنين عليه السلام : وهذه الغاية تمثل باقي أصول وفروع الدين الذي جاء به الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه أمير المؤمنين عليه السلام من واجبات ومستحبات ومكروهات ومحرمات ومباحات ، وكل القضايا الفكرية والعقدية التي يتبناها الدين الإسلامي .

وهذه الغايات مجتمعة تمثل غاية الحسين عليه السلام في نهضته وثورته وليس كل واحدة على حدة أو أياً منها يتحقق يكفي ، فمن كان يريد أن يتأسى بالحسين عليه السلام وبثورته فليسعَ لتحقيق غاياته التي أراد عليه السلام تحقيقها من خلال نهضته المباركة ، فلا يقدم ولا يؤخر ولا يزيد ولا ينقص إلا لتحقيق هذه الأهداف وهذه الغايات ، أما الغايات الأخرى فإذا لم تصب في هذه الغايات الرئيسية فلا معنى لها ولم يسعَ الإمام الحسين عليه السلام لتحقيقها ، وأي غاية تتعارض وتتقاطع مع تلك الغايات فالحسين عليه السلام بريء منها ، فليعيد كل منا حساباته ولينظّم أموره كي تكون غاياته نفس غايات الحسين عليه السلام حتى يكون حسينياً حقيقياً يرضى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فليطلب الإصلاح في أمة الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسير بسيرة نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أميره علي بن أبي طالب عليه السلام ، عندها سيكون مقتدياً ومتأسياً ليس فقط بالحسين عليه السلام بل حتى بجده وابيه وأهل بيت العصمة والأنبياء والأولياء صلوات ربي عليهم أجمعين .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M