القمة الإسلامية الماليزية ـ التركية 2019: نحو تعزيز التعاون الإسلامي المشترك بين إمكانيات النجاح وهواجس الفشل

اعداد : أميرة احمد حرزلي، باحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، المركز الديمقراطي العربي  

 

مقدمة:

أُسدل الستار أمس عن القمة الإسلامية المصغرة التي احتضنتها ماليزيا من الثامن عشر إلى الواحد والعشرون ديسمبر الحالي لبحث تحديات العالم الإسلامي و تسويتها، هذا وقد أعلن رئيس الوزراء الماليزي محمد مهاتير في منتصف شهر نوفمبر الماضي عن استضافة بلاده لقمة إسلامية مصغرة تناقش قضايا العالم الإسلامي لاسيما منها التنمية والنزاعات …،يأتي ذلك والأوضاع في المنطقة العربية والإسلامية عموما غير مستقرة نتيجة النزاعات والتدخل الخارجي وانتشار التنظيمات الإرهابية و غياب التنمية الاقتصادية التهجير ، …

أثارت القمة الماليزية جدلا واسعا في الأوساط السياسية قبل انعقادها وحتى بعد انتهائها، فهناك من يرى ان القمة توفر فرصة لتعاون إسلامي مشترك بمناقشتها للتحديات والمشاكل المستعجلة التي تعانيها الامة الإسلامية وإيجاد حلول لها، ورأي اخر يرى أن القمة تدفع نحو مزيد من الانقسام داخل العالم الإسلامي المنقسم أصلا على اعتبار ان مناقشة قضايا العالم الإسلامي خارج منظمة التعاون الإسلامي ــــــ وهي المخولة بذلك ــــــ وهذا يعد أمرا غير مقبول.

وبين هذا وذاك تكمن غاية دراستنا في البحث عن الدوافع الحقيقية لعقد القمة ومعرفة جدول اعمالها وموقف منظمة التعاون الإسلامي منها…. وعليه يمكن طرح الإشكالية التالية:

كيف يمكن للقمة الإسلامية الماليزية ــ التركية تعزيز التعاون الإسلامي المشترك وسط ترحيب بها ورافض لها ؟

نبحث في الموضوع من خلال النقاط التالية:

  1. أهداف عقد القمة الإسلامية ( وجهة نظر منظميها ).
  2. جـــــــدول أعــمال القــــمة الإســـــلامـــــيــــــــة و المشاركون فيها.
  3. هل القمة الإسلامية بديل عن منظمة التعاون الإسلامي ؟
  4. ما موقــــــف منــــــظــــمة التعاون الإســــــــــلامــــــــــــــــــي؟
  5. مخرجات و نتائج القمة الإسلامية .

 

  1. أهداف عقد القمة الإسلامية ( وجهة نظر منظميها ):

       دعا رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد في افتتاح القمة الإسلامية في كولالمبور أن واحدا من أسباب انعقاد القمة الإسلامية هو بحث في استراتيجيات جديدة للتعامل مع القضايا التي يواجهها العالم الإسلامي مؤكدا أن شؤون المسلمين في العالم الإسلامي تستدعي ذلك في ظل الماسي والحروب الداخلية واللجوء وفشل الحكومات واحتلال الأرض و ظاهرة الاسلاموفوبيا” ، ومنه تهدف القمة الى إيجاد حلول للتغلب على تلك التحديات، ومن جهتها شدد تركيا على ان القمة هدفها عرض المواقف الداعمة والمساندة لقضايا الامة الإسلامية مشيرة الى ان القمة تمثل فرصة للتغلب على المصاعب التي يمر بها العالم الإسلامي[1]، وقد أكد الإعلامي القطري جابر الحرمي أن المبادرة طموحة وتأتي وفق تطلعات هذه الدول ، وخاصة أن بعضها تحدث عن إيجاد تكتل إسلامي يركز على الصناعات الدفاعية و التنمية و التنمية و الحكم الرشيد”[2].

  1. جـــــــدول أعــمال القــــمة الإســـــلامـــــيــــــــة والمشاركون فيها.

جاءت اجندة أعمال القمة ثرية ومتنوعة من حيث القضايا التي تناولتها فمنها ما هو سياسي ومنها ما هو عسكري ــ أمني والاقتصادي فالاجتماعي، بحيث ذكرت وكالة الانباء الماليزية في تقرير مصور أن القمة ستشمل سبعة محاور وهي: التنمية والسيادة، النزاهة والإدارة الرشيدة، الثقافة و الهوية، العدالة و الحرية، السلامة والامن والدفاع، التجارة والاستثمار، التكنولوجيا وإدارة الانترنت.

القمة الإسلامية على شكلها المصغر حضرتها وفود من 450 تتوزع بين علماء ومفكرين 56  وفد رسمي منهم الدولة المستضيفة ماليزيا و تركيا و قطر باكستان و اندونيسيا في غياب عدد مهم من الدول العربية في مقدمتهم المملكة العربية السعودية التي دعيت للقمة و لكنها اعتذرت ، لاعتبارات يراها محللون انها تأتي على خلفية تجنب المحور التركي ـ القطري و الخصم الإيراني وأن القمة أصلا ليست مكانا مناسبا لمناقشة الأوضاع الامة الإسلامية التي يزيد عدد عن مليار نسمة في ظل وجود منظمة التعاون الإسلامي، وقد جرى اتصالا هاتفيا بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز و رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد أكد فيه الملك أن قضايا العالم الإسلامي تناقش في منظمة التعاون الإسلامي [3]، و ربما كما يقول اخرون أن انتقاد مهاتير لها صيف العام الماضي كان له تأثيره حين ادلى في تصريح صحفي ” ان بلاده مصابة بخيبة أمن من السعودية “[4].

شهدت القمة حضور وتمثيل عالي المستوى من الوفد التركي الممثل في الرئيس رجب طيب أردوغان وعدد مهم من الوزراء حكومته والوفد الإيراني الممثل في الرئيس حسن روحاني والوفد القطري الممثل في أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني ومستشار الرئيس الاوزباكستاني رستم قاسموف.

  1. هل القمة الإسلامية بديل عن منظمة التعاون الإسلامي؟

لم ينسى محمد مهاتير تذكير الحاضرين في اشغال القمة أن قمة كوالالمبور 2019 أن هدف قمة ليس تولي دور منظمة التعاون الإسلامي وقد انتهز مهاتير الفرصة لتوضيح ذلك في مكالمة مرئية مع الملك السعودي في مركز مؤتمرات كولالمبور موقع فعاليات القمة وقال ” اذا نظمت السعودية قمة لمناقشة الامر ذاته فنحن على استعداد للحضور”   وأفاد مكتب رئيس الوزراء بأن اختيار الدول الرئيسية باعتبارها المشاركة في قمة كوالالمبور 2019 كان لأهداف محددة، ولكن قائمة أسماء الدول ليست كاملة حتى تنطلق هذه المبادرات.

وأوضح المكتب أن القمة تحاول إطلاق نهج جديد في تعاون الأمة الإسلامية، قائلاً: “إذا كانت القمة قادرة على تحقيق شيء ما، فسوف تُقدَّم إلى تجمع إسلامي أكبر وعدد أكبر من الدول الإسلامية لتقييم ما إذا كان ينبغي مواصلة هذه المبادرات على نطاق أوسع [5].

  1. ما موقــــــف منــــــظــــمة التعاون الإســــــــــلامــــــــــــــــــي؟

مع تزامن انعقاد قمة كولالمبور حزرت جهات رسمية من محاولات اضعاف منظمة التعاون الإسلامي التي تمثل الجسد الإسلامي الجامع الذي تضم 57 دولة عضو، وفي سياق ذلك شدد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور يوسف العثيمين” ان الدعوة لعقد أي لقاءات او قمم إسلامية مثل هذه اللقاءات خارج عن اطار المنظمة سيضعف قوة التصويت لدى العالم الإسلامي اام المجتمع الدولي ، وأضاف أن قيام عضو بعقد اجتماعات تخص العالم الإسلامي خارج اطار المنظمة يعد شقا للصف الإسلامي وتغريدا خارج السرب، واصفا أن المنظمة بأنها الصوت الجامع للمسلمين في الشرق و الغرب و المعبر عن قضاياهم “. من جهته ادلى وزير الدولة  للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش ” إن اضعاف منظمة  التعاون الإسلامي ليس من مصلحة العالم الإسلامي ودوله” مضيفا في تغريدة على موقع تويتر ” ان سياسة المحاور تجاه المنظمة واعضائها سياسة قصيرة المدى لا تتسم بالحكمة و وحدة الكلمة وبرغم صعوبة بلورتها أحيانا ، وتبقى اكثر تأثيرا من المحاور الانتقالية والتفتيت و ستثبت الأيام صحة ذلك”[6].

  1. مخرجات ونتائج القمة الإسلامية

فضلا عن استمرار و مواصلة البحث عن إجراءات للتخفيف من معاناة المسلمين في بقاع العالم حسب منظمي القمة في فلسطين المحتلة و مسلمي الايغور في الصين، معاناة الروهنغا في ميانمار، و نزاعات سوريا وليبيا و الصومال … رفض الزعماء المشاركون التبعية للغرب و الظلم الواقع على المسلمين، كما وقع المشاركون خمسة اتفاقيات، ثلاث منها في مجالي الغذاء و التكنولوجيا و اثنان في مواجهة الاسلاموفوبيا و تدريب العلماء و الشباب …وقد نرى مستقبلا أهداف القمة الماليزية تتجسد على ارض الواقع .

خاتمة:

في الختام ما يمكن ان نستخلصه هو ان أي قمة ستناقش أوضاع العالم الإسلامي و تساهم في حل مشاكله هي قمة مهمة و تصب في مصلحة الامة ، ولكن في نفس الوقت يجب ان تساهم الدول العربية و الإسلامية عموما في التحضير لهذه القمم و أن تحضرها الدول الإسلامية و العربية دون استبعاد او اقصاء ولا تهميش ، ضف الى ذلك يجب ان تحيد القمم الإسلامية عن الخلافات الموجودة بين الدول وان لا تكون منبرا موها ضد دول أخرى.

فالعالم الإسلامي و العربي زاخر بالموارد البشرية و الابعاد الحضارية المتنوعة ضف الى ذلك غناه بالموارد والثروات الاقتصادية و الطبيعية ، وعليه مثل هذه القمم الإسلامية يجب ان  تكون فرصة لجمع الامة الإسلامية و ليس لتفرقتها وبالتالي يجب الاستثمار فعليا في مواردنا البشرية و الحضارية و الاقتصادية بما يخدم الامة.

[1]ـ القمة الإسلامية المصغرة تنطلق في كولالمبور ، 19 / 12 / 2019 ، موقع الجزيرة ، على الرابط الالكتروني:

https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/12/18/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A7-%D9%83%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D9%88%D8%B1-%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AD%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D8%A7%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86

[2] ـ محمد أبو رزق، قمة الدول الخمسة … هل تؤسس لاقوى تكتل إسلامي ومرحلة جديدة ، 19 / 12 / 2019 ، موقع الخليج أون لاين ، على الرابط الالكتروني:

http://khaleej.online/drnQWE

[3] ـ تركيا وإيران تشاركان في قمة للدول الإسلامية في ماليزيا تغيب عنها السعودية ، 18 / 12 / 2019 ، موقع قناة فرانس 24 ، على الرابط الالكتروني:

https://www.france24.com/ar/20191218-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A7-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%86-%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D9%87%D9%8A%D9%86%D8%BA%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%8A%D8%BA%D9%88%D8%B1-1

[4] ـ محمد أبو رزق، مرجع سابق.

[5] ـ قمة كوالالمبور.. سعي للنهوض بالأمة ومشاركة تركية فاعلة،     ، موقع قناة TRT عربية ، على الرابط الالكتروني:

https://www.trtarabi.com/now/%D9%82%D9%85 %D8%A9-%D9%83%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D9%88%D8%B1-%D8%B3%D8%B9%D9%8A-%D9%84%D9%84%D9%86%D9%87%D9%88%D8%B6-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%84%D8%A9-22973

[6] ـ زين العابدين البخاري، ولادة ميتة ل”قمة الضرار” في كولالمبور ، 18 /12 / 2019 ، موقع الرؤية ، على الرابط الالكتروني:

http://www.alroeya.com/60ـ65/2102

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=64083

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M