الماراثون الانتخابي في إسرائيل: سيناريوهات الإئتلافات والتبعات السياسية

ديفيد ماكوفسكي

في الثاني من آذار/ مارس، سيتوجّه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع للمرة الثالثة منذ نيسان/أبريل 2019. ولتقييم وضع هذا السباق المحتدم للغاية والتداعيات المترتبة على مختلف النتائج، من المهم أن نفهم ما الذي تغير منذ الجولات السابقة. وتبرز ثلاثة تطورات رئيسية في هذا الصدد.

أوّلاً، لدى الإسرائيليين المزيد من الوضوح حول الوضع القانوني لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فخلال التصويت الذي جرى في أيلول/سبتمبر، توقع الكثيرون أنه سيتم توجيه الاتهام إليه في ثلاث تهم بالفساد، وكانت هناك تكهنات بأنه قد يسعى للحصول على حصانة برلمانية. وبالفعل، تم توجيه الاتهام إليه بعد ذلك بشهرين – أول رئيس الوزراء يواجه مثل هذا الموقف أثناء فترة ولايته. وفي 28 كانون الثاني/ يناير، سحبَ نتنياهو طلب الحصانة إذ تأكّدَ من عدم قدرته على جمع ما يكفي من الأصوات في البرلمان. ومن المقرر أن تنعقد جلسة المحاكمة الأولى في 17 آذار/ مارس.

ثانياً، كشفت إدارة ترامب أخيراً عن خطة السلام الإسرائيلية – الفلسطينية. وساعد توقيت هذا الإصدار – في اليوم نفسه الذي خسر فيه نتنياهو حصانته البرلمانية – في منع قضية الفساد من الهيمنة على العناوين الرئيسية. وفي السابق، كان قد طلبَ من واشنطن إرجاء الإعلان عن أي خطة من هذا القبيل خوفاً من تنفير عناصر من قاعدته اليمينية، إلا أنه يعطي حالياً الأولوية لأي مناورة تُلهي الناخبين عن وضعه القانوني.

ثالثاً، إن السياسي الذي يُمسك على الأرجح بميزان القوى بين الفريقيْن الأساسييْن قد غيّر نبرته في هذه الجولة. فإلى جانب تعديل موقف حزب “إسرائيل بيتنا” الذي يترأسه للتركيز على الحفاظ على الحقوق العلمانية وتجنب تجاوزات [أحزاب] المتدينين المتشددة، شدد أفيغدور ليبرمان لهجته ضد نتنياهو، فصرّح علناً أنه ينبغي رفض منح الحصانة لرئيس الوزراء الذي يجب أن يستقيل. ويبدو أن ذلك قد أغلق الباب أمام [إمكانية] الاتحاد مع “حزب الليكود” طالما يبقى تحت زعامة نتنياهو.

ما هي استراتيجيات كل جانب؟

تتألف الاستراتيجية الأساسية لنتنياهو من ثلاثة مكونات. أولاً، يريد الاستفادة من خطة السلام الأمريكية لصالحه السياسي. ويدّعي أن علاقته الشخصية بالرئيس ترامب مكّنت الولايات المتحدة من تغيير مواقفها بشأن قضايا السلام بوضوح في اتجاه سياسة إسرائيل. وتهدف مثل هذه الادعاءات أيضاً إلى تذكير الناخبين بأنه لاعب دبلوماسي جاد على الساحة الدولية. وبالفعل، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى اتساع الفارق بينه وبين خصمه الرئيسي، بيني غانتس، بشأن من يُعتبر أكثر ملاءمة لرئاسة الوزراء. وكان السباق حامٍ جداً بين مرشّح حزب “أزرق أبيض” ونتنياهو بشأن مثل هذه الملاءمة منذ شهريْن، ولكنّ غانتس تراجع بأربع عشرة نقطة منذ الإعلان عن خطة ترامب في أواخر كانون الثاني/ يناير. إلّا أن ذلك لم يُترجم إلى زيادة كبيرة نسبياً في الأصوات المتوقعة؛ وعلى الرغم من أن استبيانين تلفزيونيين جديدين يشيران إلى أن [تأييد الناخبين] لـ “حزب الليكود” قد اجتاز تأييدهم لـ “أزرق-أبيض” للمرة الأولى منذ اتهام نتنياهو، إلا أن تقدم “الليكود” المكتشف حديثاً ضئيل [نسبياً].

ثانياً، يهدف نتنياهو إلى إقناع الناخبين بأن الطريقة الوحيدة التي يستطيع فيها حزب “أزرق أبيض” تشكيل حكومة هي امتناع “القائمة المشتركة” ذات الأغلبية العربية عن التصويت بحجب الثقة في البرلمان ضد ائتلاف غانتس. وفي حين أن “القائمة المشتركة” لن تكون عضواً رسمياً في هذا الائتلاف، إلّا أن نتنياهو يصر على أن تأثيرها على عملية التصويت سيجعل غانتس يعتمد على عرب إسرائيل لحكم البلاد. وعندما سئل العديد من الأشخاص على قائمة غانتس على انفراد عما إذا كان بإمكان حزب “أزرق – أبيض” الحصول على أغلبية 61 مقعداً في الكنيست، قالوا إنهم يأملون في أن تنضم إليهم الفصائل الدينية المتشددة إذا لم يكن هناك سبيل لنتنياهو للوصول إلى الأغلبية.

ثالثاً، ركّز نتنياهو باهتمام شديد على عكس مسار الانخفاض في عدد أصوات حزب “الليكود” الذي شهدته عملية الاقتراع في أيلول/ سبتمبر. فوفقاً لما أفاد به، فإن 300,000  ناخب من الليكود “بقوا في منازلهم”  خلال الجولة الثانية. ومع ذلك، فإن مقارنة النتائج في شهري نيسان/أبريل وأيلول/سبتمبر توضح أن العديد من الأحزاب الأخرى كسبت على حساب الليكود. بمعنى آخر، المسألة ليست أن ناخبي الليكود بقوا في منازلهم، إلّا أنهم نقلوا أصواتهم إلى حزب آخر. وفي أيلول/سبتمبر، حصل “حزب شاس” اليميني الديني لليهود الشرقيين على حوالي 72,000 صوت إضافي، في حين حصل حزب ليبرمان على 137,000 صوت إضافي.

على أي حال، كان نتنياهو أكثر نشاطاً خلال هذه الجولة، حيث عقد عدة اجتماعات حاشدة يومياً في جميع أنحاء البلاد. كما أمضى أيضاً وقتاً طويلاً جداً في محاولة لثني “عوتسما يهوديت” (القوة اليهودية) – فصيل متشدد مؤيد [لعضو الكنيست السابق] كاهانا عن الترشح، ولكن دون جدوى. وفي رأيه، أن هذا الحزب الأخير “بدّد” 84000 صوتاً فاز بها في أيلول/سبتمبر لأنه تراجع إلى حد كبير عن الحد الأدنى الانتخابي البالغ 3.25٪ اللازم لدخول البرلمان. ومن أجل استمالة “عوتسما يهوديت” والفصائل اليمينية المتشددة الأخرى تحت رايته (من بين أسبابٍ أخرى)، أعلن نتنياهو أنه يرغب في ضم جميع مستوطنات الضفة الغربية عاجلاً وليس آجلاً، لكن البيت الأبيض أخبره أنه لن يدعم أي خطوة من هذا القبيل قبل الانتخابات.

ويبدو أن استراتيجية حزب “أزرق أبيض” تركّز على الوضع القانوني لنتنياهو. فقد شدّد غانتس على أنّ التصويت لمنافسه يعني انتخاب رئيس وزراء بدوامٍ جزئي، بما أنّ نتنياهو سينهمك في المثول يوميّاً أمام المحكمة وفي عمليات التشاور اللامتناهية مع محاميه.

وسعى غانتس أيضاً إلى بلوغ بعض الناخبين اليمينيين من خلال الامتناع عن انتقاد خطة ترامب للسلام وحتى القول إنه سيدعمها. ومع ذلك، فحين طُلبت منه تفاصيل بشأن الموضوع، تراجع. على سبيل المثال، أشار إلى أنه لن يضم غور الأردن ما لم يكن هناك دعم دولي لهذه الخطوة، وهو أمر مستبعد.

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد غانتس على ما يبدو أن القرار بشأن من سيحتلّ الصدارة لتشكيل الحكومة القادمة لا يعتمد فقط على الكتلة الفائزة، بل أيضاً على ما إذا كان حزب “أزرق أبيض” سيفوز بأصواتٍ تزيد على تلك التي يحصل عليها “الليكود” أم لا. لذلك فهو يحاول جذب الناخبين بعيداً عن “حزب العمل – ميريتس” إلى يساره من خلال التركيز على القضايا التي يمنحها هذا الحزب الأخير الأولوية (على سبيل المثال، مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية إذا استخدم نتنياهو أدوات السلطة لعزل نفسه ضد الإجراءات القانونية).

وبالنسبة للتأثير المحتمل لحملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ينهمك غانتس والجهات الفاعلة الإسرائيلية الأخرى بشكلٍ عام بمجموعتهم الخاصة من المسائل المحلّيّة والخارجية الملحّة، لذلك لم يقولوا الكثير بشأن ما سيعنيه فوز الديمقراطيين في الولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر بالنسبة لخطة ترامب. وبالمثل، فإن التعليقات اللاذعة التي استهدفتها حملة المرشح الأمريكي الديمقراطي الحالي بيرني ساندرز ضد حكومة نتنياهو لم تحتل مكانة بارزة في الحملة الانتخابية [نفسها].

سيناريوهات التحالف وتداعيات السياسة

على الرغم من أن السياسيين غالباً ما يتراجعون عن تهديداتهم في حملاتهم الانتخابية ما إن يواجههم واقع نتائج الانتخابات، إلا أن قادة الأحزاب السياسية في إسرائيل حافظوا على وعودهم إلى حدٍّ كبير خلال جهود تشكيل الائتلافات العقيمة التي تلت الجولتيْن الأولى والثانية من الاقتراع. وقد يكون هذا ناتجاً عن اعتقادهم أن الجولة الثالثة ستكون حتمية، لذلك لم يرغبوا في غضب ناخبيهم. ومن الناحية النظرية، كان بإمكانهم اعتماد الاستراتيجية نفسها والتمسك بمواقفهم بعد عملية التصويت في 2 آذار/ مارس، لأن الجولة الرابعة هي احتمال واضح للغاية. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي السيناريوهات الأخرى إلى تشكيل حكومة بصورة فعلية، مع تداعيات مختلفة على السلام الإسرائيلي – الفلسطيني وقضايا أخرى.

حكومة اليمين. إذا فاز نتنياهو في الانتخابات واستطاع بطريقة أو بأخرى إضافة 4 أو 5 مقاعد إلى تلك التابعة له حالياً والبالغ عددها 56-57 مقعداً، فسيطلب على الأرجح من البيت الأبيض الإذن للبدء بضم المستوطنات، تمشياً مع التزامه للناخبين اليمينيين (تشير آخر استطلاعات الرأي إلى حصول الليكود على 35 مقعداً، و 15 مقعداً إلى شركائه المتطرفين، و 6 مقاعد لحزب المستوطنين “يمينا”). وقد يؤدّي هذا السيناريو إلى اندلاع اضطرابات في الضفة الغربية. بالإضافة إلى ذلك، إذا قام نتنياهو بضم غور الأردن، فستبحث عمّان عن طرق لتجميد العناصر السياسية لمعاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية حتى لو حافظت بصورة غير علنية على التعاون الأمني ​​الممتاز بين البلدين.

حكومة الوسط. في هذا السيناريو، سيشكّل غانتس ائتلافاً من خلال اتخاذه خطوتين قد يصعب الحفاظ عليه. فقد يبدأ بائتلاف الأقلية الذي يتألف من 52-53 مقعداً (أحدث استطلاعات الرأي تتوقع حصول حزب “أزرق – أبيض” على 35 مقعد، و 10 مقاعد لـ “حزب العمال – ميريتس”، و 7 مقاعد لحزب ليبرمان). ومن الناحية النظرية، كان غانتس سيضمن حصوله على أغلبية في النهاية من خلال ضمه الأحزاب المتدينة المتشددة، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على تمويل الدولة لمؤسساتها ولبرامج الفقر، وبالتالي ستكون عرضة لتأثيره الكبير في الكنيست. وحالما تنضمّ هذه الأحزاب إلى “أزرق أبيض”، فلن يتوافر أي سبيل أمام نتنياهو لكي يبقى رئيساً للوزراء.

ومع ذلك، سيتطلب هذا الترتيب قيام ليبرمان بالنَّكْث على الأقل بأحد التعهّديْن اللذيْن تعهد بهما في الجولات السابقة وهما: (1) أنه لن يشارك في حكومةٍ مع المتدينين المتشددين، (2) وسيتجنب الائتلافات التي تعتمد ضمنيّاً على لجوء “القائمة المشتركة” إلى الامتناع عن التصويت خلال التصويت بحجب الثقة. وفي الوقت نفسه، تعهّد أيضاً بعدم إجراء جولة رابعة من التصويت – دون توضيح كيف يكون ذلك ممكناً إذا استمر في استبعاد الخيارات التي تعتمد على الفصائل المتطرفة أو العربية.

على أي حال، إذا نجح هذا الائتلاف، من المتوقع أن يتفادى غانتس عمليات ضم الأراضي في الضفة الغربية  وبدلاً من ذلك سيبحث عن أرضية مشتركة جديدة مع الفلسطينيين من أجل استئناف المفاوضات المحتضرة منذ عام 2014. ومن المرجح أن يؤدي هذا السيناريو إلى منح أمل للديمقراطيين في الولايات المتحدة باستعادة الثنائية الحزبية في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن المرجح أن يقوم غانتس أيضاً بإيماءة لليهود الأمريكيين كإشارة على فتح هذا الفصل الجديد.

حكومة الوحدة الوطنية. يقول كلا الجانبين إنهما يفضّلان حكومة وحدة [وطنية] مع التناوب في رئاستها، إلا أن هذه الفكرة لم تحظَ بفرصة النجاح وسط مطالبة حزب “أزرق – أبيض” بتنحي نتنياهو ورفضه القيام بذلك. ويشكك البعض في إمكانية تغيّر ذلك نظراً إلى خشية كل جانب من تقديم تنازلات يمكن أن تسبب خسارة قاعدته خلال جولة رابعة محتملة. ومع ذلك، لا ينبغي استبعاد “مختلف الأحوال” لسيناريو الوحدة، خاصة بالنظر إلى ضجر الجمهور من انتخابات لا نهاية لها.

وسبق أن طلب نتنياهو تولي منصب رئيس الوزراء في الولاية الأولى التي أمدها سنتان في حكومة متناوبة، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى أنّ هذا المنصب سيمنحه بشكلٍ طبيعي الحصانة من المحاكمة الجنائية. لكن الآن وبعد أن سحب طلب حصوله على الحصانة، لم يعُد هذا السبب قائماً. ومع بدء المحكمة بالنظر في قضية نتنياهو في 17 آذار/ مارس، يشعر غانتس على الأرجح بأنه من المستحيل أن يسمح لنتنياهو بأن يحظى بالولاية الأولى. فإذا حصل غانتس على الولاية الأولى، فقد تتوصّل الأحزاب إلى ترتيب يكون بموجبه نتنياهو رئيس الوزراء الثاني بشرط تبرئته من جميع تهم الفساد الثلاث قبل تولّي منصبه.

وبالطبع، إذا لم يستطع نتنياهو تشكيل حكومةٍ يمينية، ما زال بإمكانه ممارسة الضغط للحصول على الولاية الأولى في حكومة الوحدة الوطنية. وفي النهاية، قد يعتمد القرار بشأن من سيحصل على الدورة الأولى على ما إذا كان ليبرمان و”القائمة المشتركة” يُعتبَران جزءاً من كتلة وسطية شاملة أم لا.

وأيا كان تشكيلها، فمن المفترض أن تترك حكومة الوحدة الوطنية غانتس في مكانة جيّدٍة لمنع معظم عمليات الضم. وقد يكافح حزب “الليكود” لضم موقعٍ مهمٍّ واحدٍ على الأقل بالقرب من الخط الأخضر لعام 1967، ربما في مناطق “غوش عتصيون” التي تم تصوّرها كجزء مستقبلي من إسرائيل في خرائط فلسطينية مبدئية نوقشت خلال محادثات السلام السابقة. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن يُقابل ذلك بتجميد البناء في المستوطنات غير التجمعية الواقعة خارج الحاجز الأمني للضفة الغربية.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/israels-electoral-marathon-coalition-scenarios-and-policy-implications#.Xlu_dWcCEmg.twitter

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M