المغرب: استراتيجية الانفتاح الاقتصادي على إفريقيا وتحدياتها المستقبلية

خالد عثمان الفيل

باعتماد أسلوب التحليل التتبعي الذي يدرس مراحل التحول والتغير في الظاهرة المدروسة، لاحظ الباحث أن اهتمام مراكز الدراسات الاستراتيجية بالبحث في استراتيجية المغرب في الانفتاح الاقتصادي والتجاري على إفريقيا بدأ منذ أواخر العام 2014 وذلك حينما استطاع مشروع القطب المالي للدار البيضاء (Casablanca Finance City (CFC)) استقطاب أكثر من 60 شركة دولية (من بينها عملاق التكنولوجيا الصينية، شركة هواوي، والمجموعة المصرفية الدولية الفرنسية BNP Paribas التي تعمل في أكثر من 77 دولة حول العالم) لافتتاح مكاتبها الإقليمية بمدينة الدار البيضاء المغربية. وبلغ هذا الاهتمام ذروته حينما صدر مؤشر الاستثمار في إفريقيا (Africa Investment Index (AII))، في مارس/آذار 2018، والذي أشار إلى احتلال المغرب للمرتبة الأولى ضمن الدول الإفريقية التي تُمثِّل وجهة للاستثمارات الأجنبية؛ متجاوزًا بذلك جنوب إفريقيا ومصر والجزائر وبوتسوانا التي كان المغرب يأتي خلفها في العادة. لكن هذا الاهتمام البحثي كان يكتفي، في الغالب، بدراسة نوعية السياسات الاستثمارية التي انتهجها المغرب والتحديات التي تواجهها هذه السياسات في المستقبل، ولا يتعمق في دراسة الظروف الإقليمية والدولية التي أسهمت في تفعيل السياسات الاستثمارية. كما أن معظم المنتج البحثي كان لا يستقصي أثر هذا الانفتاح على معالجة التحديات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المغربي خاصة فيما يتعلق بارتفاع معدلات عدم المساواة وارتفاع نسبة البطالة وسط الشباب المغربي، وهو ما تحاول هذه الدراسة تقديم مساهمة معرفية فيه.

وهدفت الدراسة إلى إبراز تجربة المغرب في الانفتاح الاقتصادي على إفريقيا والعوامل الداخلية والإقليمية التي أسهمت في تحقيق هذا الانفتاح، بالإضافة إلى مناقشة أثره على التحديات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المغربي، ورصد التحديات المستقبلية لهذا الانفتاح. وتكمن أهمية الدراسة في كونها تناقش إحدى التجارب الاقتصادية والاستثمارية الرائدة في العالم العربي، والتي يمكن لكثير من الدول العربية والإفريقية الاستفادة منها في تطوير سياساتها الاستثمارية والتجارية وتدارك الجوانب التي أغفلتها التجربة المغربية.

إذًا، تقوم الدراسة برصد وتحليل استراتيجية المغرب الجديدة في الانفتاح الاقتصادي على الدول الإفريقية وتجادل بأن القطاع البنكي والمصرفي، في السنوات الخمس الأخيرة، أصبح يُمثِّل قلب (أي يحتل النسبة الأكبر) وعقل (أي يلعب دور المستكشف) للاستثمارات المغربية في إفريقيا، كما تناقش الآثار المترتبة على ذلك، وتحلِّل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه استراتيجية المغرب في الانفتاح الاقتصادي على إفريقيا، وتتساءل عما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستساعد المغرب في معالجة التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد المغربي.

تعتمد الدراسة في مقاربة أبعاد الموضوع على المنهج الكيفي مستندة على مؤشرات رصد التغييرات المحلية والإقليمية وتحليل أنماط هذه التغييرات بصورة استقرائية من أجل الوصول إلى مقاربة تفسيرية تساعد في فهم استراتيجية المغرب في الانفتاح الاقتصادي على إفريقيا وتحديات هذا الانفتاح. وفي ضوء ذلك، قسَّم الباحث الدراسة إلى سبعة محاور، يستعرض أولها تاريخ المغرب التجاري مع إفريقيا والتغيير الاستراتيجي الذي طرأ على هذا التاريخ، ويرصد المحور الثاني ثلاثة دوافع (أيديولوجية، واقتصادية، وإقليمية) محرِّكة للاستراتيجية الجديدة. أما المحور الثالث فيناقش مدى نجاح الاستراتيجية ومؤشرات هذا النجاح، ويحلِّل المحور الرابع الظروف العالمية والإقليمية لحركة التجارة الدولية التي جعلت من هذه الاستراتيجية خيارًا ناجحًا ومقبولًا. وتجادل الدراسة في المحور الخامس بأن البنوك المغربية وقطاع التمويل يلعبان دور المحرك لهذه الاستراتيجية وتناقش آثار هذا الدور، وفي المحور السادس تناقش الدراسة التحديات التي تواجه هذه الاستراتيجية وإلى أي مدى أسهمت في معالجة التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد المغربي. أما المحور السابع فيركز على مناقشة النتائج والخلاصات الرئيسية.

وخلصت الدراسة إلى أن الاعتماد الكبير على القطاع البنكي في قيادة الاستثمارات المغربية في إفريقيا له مخاطر وسلبيات متعددة أهمها هو نزوع القطاع البنكي التجاري للمشاريع قليلة المخاطر عالية الربح وذات الفترة الزمنية القصيرة، وفي العادة فإن هذه المشاريع لا تكون مشاريع تنموية ولا استراتيجية بقدر ما تكون مشاريع تخدم مصالح القطاع الخاص. ولذلك يصعب على استراتيجية استثمارية تقودها البنوك التجارية أن تسهم في تقليل معدلات البطالة أو عدم المساواة. ومن ثم فإن كل الدول ذات التجربة التنموية الرائدة، والتي نجحت في إحداث تحولات هيكلية في بنية اقتصادها، تعتمد على ما يعرف بالبنوك التنموية الوطنية لتمويل مشاريعها التنموية الاستراتيجية وهي بنوك تركز على المشاريع الاستراتيجية طويلة الأمد وذات نفع إيجابي على بنية الاقتصاد وتحدياته الهيكلية.

على المدى المتوسط، يمكن للمغرب عبر استراتيجية انفتاحه الاقتصادي على إفريقيا بواسطة القطاع البنكي أن يجذب الكثير من الاستثمارات الأجنبية داخل المغرب وتؤدي لتوسع ومزيد من الانفتاح على الدول الإفريقية، لكن هذه الاستثمارات الأجنبية لن تغير في بنية الاقتصاد المغربي ولا في معالجة تحدياته الهيكلية ما دام القطاع البنكي التجاري هو رائد وقائد استراتيجية الانفتاح الاقتصادي للمغرب على إفريقيا. فالتاريخ الاقتصادي يبين أن أية عملية تحول اقتصادي هيكلي نحو بناء اقتصاد يقوم على الصناعة والتكنولوجيا تحتاج إلى تخطيط طويل المدى لإنشاء بنية تحتية فاعلة كما تحتاج إلى تطوير وتحديث قدرات ومهارات القوى العاملة في البلد؛ وهذا التحديث يحصل بصورة رئيسية عن طريق التجربة والخطأ والتعلم بالممارسة، وهي عملية تحتاج كذلك إلى وقت طويل ولا تحدث بين ليلة وضحاها، وكلا الأمرين يحتاجان إلى استثمارات مالية كبيرة ولا يمكن أن يتوافرا إلا بوجود قطاع مالي ذي توجه استراتيجي يعطي قروضًا مالية ميسرة متوسطة وطويلة الأجل، وهو ما لا يتوفر في البنوك التجارية العادية ولا في الاستثمارات الأجنبية وذلك أن جزءًا معتبرًا من الأرباح والريوع التي يتم إنتاجها باستثمارات أجنبية تغادر البلاد في صورة نصيب الشركات الأجنبية من الأرباح.

وتذكر الدراسات، على سبيل المثال، أن الدول النامية حصلت في العام 2012 على دخل بلغ 1.3 تريليون دولار في صورة مساعدات واستثمارات أجنبية، لكنها فَقَدَت في ذات العام 3.3 تريليونات دولار لصالح الدول المتقدمة. بل حتى تلك الدول التي استفادت من الاستثمارات الأجنبية في زيادة تسارع التحول الاقتصادي الهيكلي، مثل سنغافورة وتايوان وباقي دول جنوب شرق آسيا، فتلك الدول لم تستفد من الاستثمارات الأجنبية في صورة أموال فقط، بل استخدمت تلك الدول الآسيوية الاستثمارات والشركات الأجنبية لجذب الشركات الدولية لبناء قدرات ومهارات الشركات المحلية الوطنية وتوفير الوظائف للقوى العاملة المحلية ونقل التكنولوجيا من الشركات الأجنبية للشركات المحلية عن طريق وضع خطط وسياسات ومؤسسات ضابطة لطريقة عمل تلك الشركات الأجنبية (على سبيل المثال عن طريق وضع تلك الشركات الأجنبية مع الشركات المحلية في مناطق تجهيز الصادرات (Export Processing Zones) وإلزام الشركات الأجنبية بأخذ المُدخلات من الشركات المحلية تدريجيًّا حتى يتم التأكد من انتقال التكنولوجيا والمعرفة والخبرة لتلك الشركات المحلية.

للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا) وللاطلاع على عدد المجلة كاملًا (اضغط هنا)

 

رابط المصدر:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/4596

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M