المواطنة والقوى الوطنية في البحرين والكويت: تحديات مشروع الدولة الحديثة

غسان الشهابي

 

مقدمة

تنظر القوى المدنية[1] في كل من البحرين والكويت[2] إلى مفهوم “المواطنة” بشكل متقارب حدَّ التطابق تقريباً،  اعتماداً على المرجعيات الدولية لمفاهيم المواطنة التي تقوم على مصفوفة من الحقوق المشتركة، تقابلها واجبات تختلف في تفاصيلها من بلد إلى آخر، كحفظ الدين، وحفظ الحقوق الخاصة، وتوفير التعليم، وتقديم الرعاية الصحية، وتقديم الخدمات الأساسية، وتوفير الحياة الكريمة، والعدل والمساواة، والحرية الشخصية، وتشمل حرية التملك، وحرية العمل، وحرية الاعتقاد، وحرية الرأي. في حين تستند واجبات المواطن إلى ما تواضعت عليه المجتمعات، كالمشاركة في الانتخابات كما تراها بعض الدول، في حين لا تراها أخرى، وكذلك احترام النظام، عدم خيانة الوطن، الحفاظ على الممتلكات، الدفاع عن الوطن، المساهمة في تنمية الوطن، على أن يقوم بهذه الواجبات كل مواطن بحسب قدرته وإمكانياته وعليه الالتزام بها، وتأديتها على أكمل وجه وبإخلاص.[3]
فلقد وضعت الإنسانية في تطورها جملة من الحقوق التي يتمتع بها المواطن، وذلك بعد أن خاضت الكثير من الحروب والصراعات والنزاعات المريرة التي بدت وكأن لا نهاية لها، “ولو تأمّلنا لوجدنا أنّ سبب حدوث معظم هذه النزاعات والصراعات عائد إلى الاختلافات اللّغوية أو العرقية أو الدينية أو الإيديولوجية أو الاقتصادية، لأنّ كلّ طرف يرفض الاعتراف بالآخر: بلغته، وعرقه، ودينه، وإيديولوجيّته. بل يسعى كلّ طرف – فرداً أم جماعةً أم دولةً – إلى تحقيق مصالحه وأهدافه على حساب الطرف الآخر”.[4]

ونقلاً عن موسى الشرقاوي، فقد بدأ مفهوم المُواطَنَة باعتباره نوعاً من الانتماء للمكان، حيث عاش الإنسان في مكان معيّن لا يستطيع فراقه وينتمي إليه. ثمّ أُضيف بُعد الجماعة إلى بُعد المكان، وأصبح الانتماء موجَّهاً إلى المكان والجماعة معاً. وحينما تطوّرت الجماعة وكبرت، فقدت تجانسها واقتصرت المُواطَنَة على بعض من دون الآخر. ثمّ تطوّر الأمر إلى مرحلة جديدة، حيث شكَّل الدّين مرجعيّة للمواطَنة المرتبطة بالدولة القومية والمعبِّرة عن الأمّة التي شكَّلت بدورها مرجعية للدولة والمُواطَنَة.[5]

المواطنة: المفاهيم الأساسية

وإذا كان ما تقدم يلخص جانب الحقوق والواجبات فقط في موضوع المواطنة، فإن تعريف المواطنة فيه الكثير من التفصيلات التي تلتقي في جوهرها عند نقاط مفصلية في صلب المسألة، وتبقى التفاصيل رهينة الزوايا التي ينطلق منها المنظّرون.

فقد ظلّ مفهوم “المواطنة” يتحوّل ويتجدد منذ معاهدة وستفاليا (1684) حتى الثورة الفرنسية (1789)، ولكن في القرن العشرين، توسّعت فكرة المواطنة لتشمل مبادئ حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى حقوقه المدنية والسياسية التي جرى التوسّع فيها تدريجيّاً. وقد وجدت هذه الحقوق تأطيراً وتقنيناً دولياً بعد التطوّر الذي حصل على الصّعيد العالمي بإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. كما حظيت فكرة المواطنة باهتمام أكبر، ولا سيّما بانتقالها من فكرة تأسيس “دولة الحماية” إلى تعزيز “دولة الرّعاية”، وهو ما شهدته المجتمعات الغربية التي تبلورت فيها الفكرة بعد صراع طويل وتراكمٍ كبير.[6]

هذه المفاهيم لم تستقر من دون الكثير من الجدل الذي دار حولها، وتمت تبيئتها بحسب ما تراه القوى الفاعلة في كل مجتمع. لذا، فإن المواطنة “نتاج صراعات وتسويات بين تصوّرات مختلفة، بين فئات اجتماعية متعارضة، تبعاً لعلاقات القوّة القائمة بينها”،[7] القصد منها الجمع بين المواطنين مختلفي الانتماءات في إطار واحد، يؤالف بينهم ولا يراعي اختلافتهم، “حيث لم تعد الرابطة الاجتماعية التي توحّد الناس في المجتمع الديمقراطي تقوم على أساس ديني أو سلالي أو غيره، وإنما على أساس سياسي”.[8] وهي من وجهة نظر عبدالحسين شعبان “مجموعة القيم الإنسانية والمعايير الحقوقية والقانونية والمدنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية، التي تمكّن الفرد من الانخراط في المجتمع والتفاعل معه إيجاباً، والمشاركة في إدارة شؤونه، وهو ما نطلق عليه المواطنة العضوية”.[9]

وقيل أيضاً أن المواطنة ليست الجنسية، حتّى وإن كان المفهومان غير قابلين للتمييز قانونياً في بعض البلدان: فالجنسية تشير إلى الانتماء إلى دولة قومية، بينما تؤسّس المواطنة الحقَّ في المشاركة، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تدبير المجتمع.[10]

والمواطنة أيضاً “بمفهومها الواسع تعني الصلة بين الفرد والدولة التي يقيم فيها بشكل ثابت، ويرتبط بها جغرافياً وتاريخياً وثقافياً”.[11] وفي رأي بارعة النقشبندي يتضمن مبدأ المُواطَنَة التزاماً سياسياً، ويتمثّل في التوافق المجتمعي على عقدٍ اجتماعي يتمّ بمقتضاه اعتبار المُواطَنَة مصدر الحقوق ومناط الواجبات بالنسبة إلى كلّ مَن يحمل جنسية الدولة، من دون تمييز ديني أو عرقي أو جنسي، ومن ثمّ تجسيد هذا التوافق في الدستور.[12]

موقع المواطنة من الواقع العربي

يبدو من تتبع الأدبيات العربية أن مصطلح المواطنة حديث الظهور، إذ “لم يحظ مبدأ المواطنة – بمعناه الحديث القانوني والديمقراطي – بتأصيل عميق في الفكر العربي القومي التقليدي في القرن العشرين (…) حيث ظل هذا المبدأ مهجوراً في النظرية القومية العربية، والأخطر منه أنه ظل بعيداً عن التطبيق والممارسة”،[13] فلقد توارى هذا المصطلح خلف سعي الدول حديثة الاستقلال في القرن العشرين نحو تأسيس نظام مغاير لما سبقها من أنظمها، ولدخول عدد من هذه الدول في صراع مع  الكيان الصهيوني جرى تسخير جلّ الإمكانيات له، سواء بشكل حقيقي أم بشكل دعائي. وتمحور الفكر القومي، الذي حمله المؤسسون الأوائل، حول “تعريف الفرد العربي ضد هويات وتعريفات أخرى منافسة”.[14] ويشير خالد الحروب إلى أن تركيز الفكر القومي الذي حمله المؤسسون الأوائل انتقل مع ساطع الحصري نحو “تأسيس تعريف واضح للعربي، أي الاشتغال على البنية التحتية “الهويّاتية” التي يصعب تصوّر قيام شكل من أشكال المواطنة من دون الانتهاء منها. لذلك فقد انشغل الفكر العربي في تحديد “من يكون الإنسان العربي”، والانكفاء على تعريف “الجماعة” سواء كانت في شكل قُطري أم في شكل قومي، من دون التفات كبير للفرد الذي هو أساس مبدأ المواطنة.

في حين يرى “الفكر القومي العلمي” أن هناك ملامح أولية لمبادئ المواطنة، كما في أطروحات قسطنطين زريق بقوله: “المواطنية لا توجد بالطبع والسليقة، وتحدث قدراً واعتباطاً، ولا تمنح منحاً من مصدر خارجي، بل تكتسب اكتساباً شأن قيم الحياة الأخرى – بمقدار ما يبذله أبناء المجتمع من أجلها وبمبلغ إقبالهم على التضحية بمصالحهم وبولاءاتهم الأخرى في سبيل ولائهم الوطني المشترك. وكلما كان هذا الإقبال أقوى وأفعل، كانت الحياة الوطنية أصحّ وأسلم، ومعنى الوطن والمواطنية أصفى وأتمّ وأكمل”.[15]

فلقد كانت الدولة، والجماعة، والمؤسسات، تتقدم كثيراً على المواطن الفرد في الوطن العربي في الجزء الأكبر من القرن العشرين، بحسب الأفكار السائدة في تلك الفترة، وهي الفترة التي سبقت الاستقلال العربي وأعقبته، وهي فترة اندفاع كبير لإثبات الذات الوطنية أنها ليست أقل من مثيلاتها من الدول المتقدمة، وأن الاستعمار كان العائق أمام تقدمها في مسيرتها التنموية، وأن الخلاص من العدو الصهيوني سيكون مفتاح الحل للتقدم في هذه الدول، لذلك كان التركيز منصرفاً لتأسيس الجماعة القوية المترابطة، وليس الاهتمام بالفرد الذي هو أسُّ الجماعة. لذلك ذهبت دعوة منيف الرزاز للاهتمام بالفرد العربي أدراج الرياح حين أبدى في كتابه “معالم الحياة العربية الجديدة”، الصادر في 1952، ملاحظة مهمة تجاوزتها الأنظمة التي ظهرت في تلك الفترة من فترات تكوّن الدول، إذ يقول: “إن أساس المجتمع كله، في اعتقادي، يجب أن يهدف إلى مصلحة الفرد كما يفهمها الفرد نفسه، لا كما يفهمها عنه المجتمع”.[16]

ويسمي خالد الحروب غياب أو تراجع مبدأ “المواطنة” في تنظيرات القوميين، “ضموراً”، ويعيده إلى ثلاثة عوامل هي:

1- غلبة تنظيرات دور الدم واللغة والتاريخ (الألمانية) في تشكيل الوعي القومي على حساب تنظيرات الحقوق والواجبات (الفرنسية) في تشكيل أي مجتمع قومي حديث. ومصدر هذه الغلبة “أن الهمّ الأساسي الذي استغرق الفكر القومي في مرحلة التأسيس كان بعث هوية عربية جامعة للعرب الخاضعين للحكم العثماني، مناقضةً أو منافسةً أو موازية (…) للهوية التركية الطاغية آنذاك”، وتلا ذلك الاستقلال عن الاستعمار الأوروبي.

2- ضغط أولويات التخلص من الاستعمار والتبعية للخارج، وبناء دولة ما بعد الاستقلال، بالتوازي مع التحدي الصهيوني، وهذا ما جعل – بحسب الحروب – الأولويات هذه تبتلع قضايا الإصلاح السياسي الداخلي، وموقع المواطن تجاه الدولة الذي عُمل على إرجائه لريثما يتم الانتهاء من الأولويات التي وضعت في تلك المرحلة.

3- الموقف المتشكك الذي اتخذه الفكر القومي الكلاسيكي من قيام ديمقراطية عربية في الدول التي سمّاها دول “التجزئة القُطرية”، إذ إن المواطنة هي نتيجة تزاوج فكرة الدولة مع الديمقراطية، ولكن المشكلة في الفكر القومي العربي الكلاسيكي كانت أن مسألة الدولة ظلت عرضة للإشكاليات في الممارسة التاريخية العربية الإسلامية التي رأت أن الأمة تتقدم على الدولة، وتداخل السلطة الزمنية بالسلطة الدينية. وفي المقابل فإن هذا الفكر كان يقول إن الديمقراطية مُرجأة حتى تتم الوحدة العربية إذ لا يمكن للديمقراطية أن تعمل في الواقع العربي المجزَّأ.[17]

وفي ظل هذا التوجه القومي الكبير في القرن العشرين، لم يجر الالتفات أيضاً إلى مسألة الأقليات (دينية كانت أم عرقية)، وقد رأى بعض المفكرين العرب أن الالتفات إليها فيه إضعاف للوحدة الوطنية، أو أن مطالباتها الحقوقية تلبي أهدافاً استعمارية أو مؤامرات خارجية تفتيتية، وأن ليس من الوطنية وجود هذه “النتوءات” التي تفسد نسيج الوطن. وكان المطلوب من كل الأقليات الاندماج، بل والذوبان في البوتقة العامة التي شكلتها الصفة الغالبة للدولة، سواء كانت من حيث اللغة أو الدين أو العرق أو غيرها من المكونات والاختلافات. وكانت الدول التي استقلت حديثاً خلال الثلثين الأولين من القرن العشرين دولاً أيديولوجية، وكان سعيها الحميم هو بسط الأيديولوجيا على جمهورها لكي يبدأ من بعد ذلك التطبيق، وقياس النجاحات، لذا ألصقت بالفردية تهمة الأنانية، ووجب على الفرد الذوبان في الكل، في الجمهور، في الشعب، فلم تجد مفاهيم المواطنة تبعاً لذلك مكاناً في هذا التيار الجارف، والنهر العريض، إذ أنّ “المواطنة تنمو وتتعزّز في الدولة المدنيّة وتُهمَّش في الدولة الإيديولوجية”.[18]

دول مجلس التعاون ومجتمعاتها والموقف من المواطنة

كشأن دول المركز والأطراف، فإن دول مجلس التعاون (دول الخليج العربية) تعتبر حديثة التكوين، فهي ليست – تاريخياً – حاضرة من الحواضر العربية الإسلامية. وفي القرن العشرين، جرى توحيد المملكة العربية السعودية وأعلانها ككيان في العام 1932، وأولى الدول استقلالاً كانت الكويت (1961)، وتلتها بعد عشر سنوات (1971): البحرين وقطر والإمارات السبع التي اتّحدت تحت علم واحد وأصبحت الإمارات العربية المتحدة، بينما استطاعت عمان أن تكسر طوق عزلتها وتلتحق في العام 1970 بالدول الأخرى بإعلان السلطان قابوس بن سعيد نفسه سلطاناً على البلاد.

تلقت المجتمعات الخليجية الأفكار التي تموج بها الأرض العربية من خلال أشكال الاتصال – على بدائيتها – منذ أواخر القرن التاسع عشر، فلقد كان هناك عدد من المكاتبات بين مثقفين من دول الخليج وآخرين من مصر والعراق والشام، وغالب هذه الرسائل كانت تتناول الشأن العام، والرغبة في التحرر من الاستعمار والنهوض بالأمة العربية. وتشير الكثير من المراجع إلى تفاعل أفراد وجماعات من المجتمعات الخليجية مع أحداث الوطن العربي، سواء في نضال الجزائر، أو في السعي الليبي للتحرر من الاستعمار الإيطالي، وكذلك ما يحدث في مصر والعراق، وبطبيعة الحال تطورات الأوضاع في فلسطين منذ العشرينات من القرن الماضي.

ومع تطور وسائل الاتصال، انتقلت الأفكار التي سادت الوطن العربي أيضاً إلى الخليج، ولا سيما الفكر القومي، والبعثي، والاشتراكي، وغيرها من تنويعات على هذه الأفكار الرئيسية، وصار في عدد من هذه الدول منتمون إلى هذه الأفكار ومؤمنون بها. وقد تبدّت هذه التجمعات في عدد من المجتمعات، خصوصاً في البحرين والكويت ودبي، وأسهم في ذلك انتشار التعليم، والانفتاح النسبي لهذه المجتمعات، فقد تكونت حركة القوميين العرب في البحرين في ما بين العامين 1958 و1959.[19]  في تلك الأثناء أنهى أحمد الخطيب دراسته الجامعية في بيروت في 1952، وعاد مشبعاً بالأفكار القومية وبادر إلى تأسيس حركة القوميين العرب.[20] وفي دبي عقد القوميون العرب مؤتمرهم في 1968 للفصل التنظيمي بين منطقتي الخليج والجزيرة العربية، إذ كان التنظيم الحزبي لحركة القوميين العرب في السعودية على مستوى المنطقة، وعلى الرغم أن التنظيم حقق بعض الحضور السياسي من خلال بيانات ومنشورات التعبئة، لا سيما في منطقة الظهران، فإنه لم يصل إلى مستوى التنظيم الجماهيري، كما لم يتمكن من تجنيد عدد كبير من السعوديين.[21]  بما يشير إلى التأثر الخليجي بما يجري على الساحة العربية من أفكار. وتجاوبت هذه التنظيمات أيضاً مع ما حلّ في المراكز العربية من تغيرات وتشظيات على المستويات التنظيمية، وخصوصاً من بعد هزيمة 5 يونيو/حزيران 1967.

ولذلك تلخصت الأولويات الشعبية في المنطقة أيضاً في التحرر من الاستعمار، وتوحيد الصفوف ورصّها للمعارك والنضال، ومواجهة القبضة البوليسية محلياً، في الوقت الذي كانت فيها الحكومات – قبل الاستقلال وبعده – تعمل على تحديث البلاد، وكسب الولاءات وبسط الأمن والاستقرار و”التنمية الاقتصادية” في الأساس.

وإذا كانت مشكلة الأقليات في معظم دول الوطن العربي دينية وعرقية، فإنها في دول مجلس التعاون تتخذ أشكالاً أخرى مشابهة ومناقضة لمثيلاتها العربية. إذ أن هناك الأقليات المذهبية، وهذا شائع في الدول الخليجية وشبه مسكوت عنه، وإذا ما تم تناوله رسمياً فإنه يُتناول بالشكل السطحي للمقاربات، ويُكتفى ببعض الإجراءات التي تم اتخاذها في سبيل مساواة الشعب ببعضه البعض، وذلك كما في سلطنة عمان (الإباضية إزاء السنة الشافعية والشيعة)، وفي كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر بشأن الأقليات الشيعية إزاء الغالبية السنية. وتنفرد الكويت بمشكلة “البدون”، كما تنفرد البحرين بمشكلة من نوع معاكس وهي مشكلة حقوق الغالبية المنتمية للمذهب الجعفري (الشيعة) قبالة الأقلية السنية، والتي منها المنتمون للقبائل المقرّبة من العائلة الحاكمة، إضافة إلى حقوق بعض الجماعات التي تشكل تجمعات تربطها ألسن وثقافات خاصة، كوضعية “الهولة” و”العجم” في عدد من البلاد الخليجية في مقابل العاملين المذهبي والعرقي السائدين في هذه البلدان.

وقد كافحت العديد من الأنظمة الخليجية لئلا تتغلغل وسط الجماهير الأفكار السياسية الثورية والتغييرية، سواء القومية، أو الشيوعية، أو البعثية، أو أي شكل آخر منها، فكان هناك منع للكتب والمنتجات البصرية التي تروّج لهذه الأفكار، فيما كانت تمنع السفر إلى الاتحاد السوفيتي وعدد من دول أوروبا الشرقية، وتلاحق طلبة الجامعات الذين يعودون صيفاً من الدراسة في بعض البلدان العربية ذات الحراك السياسي النشط، أو القادمين من دول المعسكر الاشتراكي.

استفادت الأنظمة الخليجية من عاملين لإضعاف الحركات السياسية المدنية. الأول كان الوفرة التي سببتها الطفرة النفطية إثر حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، فقامت بالإغداق على شعوبها، وفتح الكثير من فرص العمل، وجلب الاستثمارات الأجنبية، وإنعاش الأسواق، فاندمج القطاع الأكبر من هذه المجتمعات في المتغيرات الجديدة والمكاسب الهائلة التي تأتت من جراء هذه التغيرات المفاجئة،[22] فأضعفت بذلك القواعد الجماهيرية لهذه التنظيمات “بشراء الولاء السياسي الداخلي”،[23] إلى جانب الملاحقات البوليسية.[24]

العامل الثاني، كان صعود نجم الإسلام السياسي (الإسلاموية) الذي أخذ يشق طريقه في النصف الثاني من السبعينات بشكل سريع ولافت، وكانت أهم محطاته حسب السردية الأكثر انتشاراً نجاح الثورة الإسلامية في إيران (فبراير/شباط 1979)، التي استطاعت أن تشكل أملاً ليس لشيعة الخليج فحسب، بل حتى حركات إسلاموية أخرى كحركة الإخوان المسلمين، بإمكانية نجاح الثورات على أنظمة أضعف من نظام الشاه. وفي الجانب الآخر، ساهم غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان (ديسمبر/كانون الأول 1979) في إلهاب حماس السنة بإحياء “الفريضة الغائبة” (الجهاد)، وصارت كابول وجهتهم وساحة الجهاد لهم، وسهّلت الحكومات الخليجية هذا التوجه، وإن لم تسانده مباشرة، فقد سكتت عنه حتى يكبر ويشتد عوده. لم تكن الحركات الدينية مرحّباً بها في العقد السادس من القرن الماضي خصوصاً، ولكنها ما لبثت أن كسبت قواعد جماهيرية عريضة، “وهذه القاعدة الشعبية نفسها هي التي دفعت بحكومات عديدة لأن تمدّ جسورها، كلٌّ على طريقته، مع الحركات الإسلامية الصاعدة، فهي من ناحية ستكون حائلاً دون صعود التيارات اليسارية والقومية المتطرفة التي تهدد وجودها، ومن ناحية أخرى ستمنح تلك الحكومات واجهة إسلامية ترضى بها تلك القاعدة المديدة من المناصرين لهذه الحركات”.[25]

بقي الثالوث الخليجي: الأنظمة، والحركات المدنية، والحركات الإسلاموية، بعيداً عن مفاهيم “المواطنة”، ذلك لأن من مفاهيم المواطنة حقوق التجمّع، وتكوين الأطر والهيئات التي تنظم الجمهور، والمشاركة في إدارة شؤون الدولة، وهذا ما ليس متوافقاً مع أشكال الحكم القائمة على السيطرة الكاملة من الأسر الحاكمة على مفاصل الحكم، وعدم السماح بقيام المؤسسات والمنظمات التي تشكل إزعاجاً لها. ولم تكن المواطنة ضمن أولويات الحركات المدنية، نظراً لما تقدم من تفسيرات للأفكار الآتية من الدول والمجتمعات العربية والتي لم تكن تفسح للفردية مكاناً لائقاً. في حين أن التنظيمات الإسلاموية لم تكن مستعدة للمناقشة في أمور مثل حقوق المرأة، وحقوق الأقليات، والتعايش، إلخ…

غير أن الأمور أخذت في التحوّل مع نهايات العقد الثامن من القرن الماضي، فشهدت جملة من الانفتاحات والانهيارات. فبعدما ظلّت لسنوات طويلة محكومة بطوق أمني معيّن، وخاضعة في العديد من الأحيان لضبط صارم، باعتبارها شأناً سيادياً داخلياً، استأثرت قضايا التنوّع المجتمعي باهتمام دولي كبير خلال العقدين الأخيرين، نتيجة للتحوّلات الكبرى التي شهدها العالم بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، الأمر الذي فرض سياسات تحكّمية في مواجهة الأقلّيات والإثنيات، وما تلاه من تدويل لقضايا حقوق الإنسان وحرياته التي أصبحت تحتلّ مكانة بارزة من ضمن خطاب مختلف الفاعلين الدوليّين، إلى جانب قضايا حيوية أخرى ظلّت منسيَّة ومهملة بفعل ظروف الحرب الباردة وتداعياتها، كما هو الشأن بالنسبة إلى تلوّث البيئة ومكافحة الإرهاب والأمراض الخطيرة العابرة للحدود.[26] وبعد انفتاح الفضاءات الذي شهده العالم حتى أخذ العالم يترابط أكثر وأكثر، وما عادت تجدي القوانين المحلية لضبط البث الإذاعي والتلفزيوني، غدت الأفكار الممنوعة بالأمس متاحة اليوم ومن دون قيود.

جدلية المصطلح والواقع في الخليج

ويجادل أستاذ القانون في جامعة الكويت، والبرلماني السابق عبيد الوسمي، بأن مفهوم المواطنة في دول الخليج العربية يواجه إشكالية في جذوره التأسيسية، لأن الأجيال السابقة كانت تتنقل داخل هذه المنطقة المحصورة، حتى أتت الحدود المصطنعة فقامت بفصل المنطقة إلى دول فصلاً لا يقوم على أي تمايز حقيقي بين الجهات التي تم فصلها وتفصيلها. لنتساءل: لو أعيد ترسيم الحدود اليوم لأي طارئ، ووقعت منطقة بالأمس كانت في حدود دولة ما، وأصبحت اليوم في حدود دولة أخرى، فهل ستنتقل الولاءات طبيعياً بعدما نضجت وترسخت في تلك الدولة إلى الدولة الجديدة؟[27] مشيراً إلى التشابه الكبير حدّ التطابق – في المناطق المتجاورة – ما بين مناطق دول الخليج العربية المختلفة. وهذا لا ينتج ولاءات ومواطنة بالشكل القُطري المفرط كما هو الوضع الراهن، ولكنه يشير إلى قصور التعريفات الإجرائية للجنسية في هذه الدول، الأمر الذي يوجب إعادة النظر في صياغة القوانين التي تحكم الجنسية، وبالتالي تبادل الحقوق والواجبات: “فالمواطنة مفردة لو بحثت في علم الاجتماع لأتت بنتائج مغايرة عن بحثها في الإطار السياسي. فمن السهولة ضرب المثل بقانون الجنسية الكويتي، مثلاً، والذي يشير إلى أن الكويتي هو من وُلد في الكويت قبل سنة 1920، وتواجد فيها حتى صدور مرسوم الجنسية في 1959، ولكن ماذا عن الكويتي الذي وُلد قبل هذه السنة، ولكنه شبّ وترعرع في الهند مثلاً، وله فروع في الكويت، فما هو موقعه من المواطنة؟”[28]

في المقارنة بين المناطق التي أنتجت مفهوم المواطنة وبين منطقة الخليج العربي يرى الوسمي أن الشّقة بعيدة ما بين نشأة المصطلح واستيراده ومحاولة تبيئته، إذ يشير إلى أن الإنسان/المواطن في أوروبا هو دافع ضرائب، فوجوده يعني زيادة دخل للحكومة، والدولة تقدم له في المقابل مجموعة من الخدمات كالسكن والصحة والتعليم والمرافق والبنى التحتية. ولكن الدول الخليجية الريعية لم تكن لتريد مالاً من مواطنيها، لأنها تقوم بتوفير كل أمور الحياة لهم، ذلك لأن النفط هو سبب هذه الوفرة المادية. ولما كانت حصص منظمة أوبك تُعطى بحسب عدد سكان الدول المصدرة للنفط، فإن بعض الدول اضطرت لأن تزيد من عدد سكانها لتثبت أنها في حاجة إلى حصة أكبر، فذهبت الأنظمة إلى تعظيم العدد ليس على أساس الولاء للأرض وكل ما يتصل بها، بل لولائها للأنظمة التي أعطتها الجنسية، ثم أغرقتها بالخيرات، فصار الإنسان يساوي البراميل النفطية التي تعاير به. فكانت الكويت تحسب في السابق الـ “بدون” من ضمن سكان الكويت من أجل زيادة حصتها من المبيعات، وهي مشكلة موجودة في أكثر من دولة خليجية، فتضم من لا يحملون جنسية الدولة متى ما كان من مصلحتها ضمهم، وتبعدهم متى ما انتفت المصلحة.[29]

تجد هذه الجدلية مكاناً لها في أكثر من وجه من وجوه المصطلحات الغربية التي نبتت في أرض بعيدة بحسب معطيات وصراعات أنتجتها، وبالتالي يأتي الالتزام بها بحسب ما تم التوافق عليه، ويشعر كل طرف أنه مسؤول عمّا أنتجه من هذا الصراع، ومسؤول عن المحافظة على ما تم التوصل إليه، ولو لم يكن هو شخصياً مشاركاً في صنع الحدث. بينما في الدول العربية التي تستجلب أكثر هذه المفاهيم يبدو تجذّرها ضعيفاً بحيث يمكن الانقلاب بسهولة على هذه المفاهيم، وخصوصاً بالنظر إلى ما احتوته الدساتير العربية من مبادئ، وما يعجّ به الواقع من ممارسات.

التجربة البحرينية: من البذور إلى نقيضها

البحرين: التحولات السياسية

يرجع عدد من الباحثين في الشأن السياسي البحريني إلى أن أكثر الصور جلاء في تعبير البحرينيين عن مسعاهم إلى المواطنة، كانت قد تمثلت في صورتين متناقضتين، كان أكثرها وضوحاً ما جري في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (حكم من 1869 إلى 1932)، وبالتحديد في العقد الثاني من القرن العشرين، حينما وقعت خلافات متكررة بين القبائل الموالية للعائلة الحاكمة والشيعة تحديداً، إذ يذكر المعتمد البريطاني في البحرين الميجور ديلي في تقرير رفعه إلى المقيم السياسي في بوشهر (يوليو 1922) أن قبائل الدواسر تحديداً التي ترفض دفع ضرائب مباشرة إلى الحاكم، جرى السكوت عنهم وأطلقت أيديهم لفعل ما يشاؤون في “الفئات الأخرى”، ويقصد بهم الشيعة، الذين رفعوا على إثره طلباً من ولي العهد – المقرب من الإنجليز – للتدخل لوقف التعديات، بالإضافة إلى الكثير من العرائض التي رفعها الشيعة إلى المعتمد البريطاني ومستشار الحكومة بعد ذلك، كما رفعوا عرائض مشابهة إلى حكومة “صاحبة الجلالة” مباشرة.[30] وفي المقابل، كتب بعضٌ من وجهاء السنّة عريضة رفعوها إلى شيخ البحرين عيسى بن علي آل خليفة في 1923، مطالبين إياه أن يبقى في الحكم، وأن يكون النظام قائماً على الشريعة والمساواة، وإقامة أو تأسيس برلمان منتخب يراعي مصالح الناس ويناقش الأمور الخاصة التي تشمل تشكيل المؤسسات واللجان.[31]

وتشير الوثائق البريطانية، وخصوصاً المراسلات من قبل البريطانيين الذين كانوا يديرون شؤون المنطقة، إلى إنهم يرون أن الموضوع في البحرين يرتكز على وجود طائفتين تريد كلّ منهما أن تقتنص لنفسها المزيد من المكاسب، ولم تكن هذه العرائض لتتحدث عن عموم شعب البحرين، بل كانت المطالبات فيها أقرب ما تكون إلى الفئوية، وإن اكتسى بعضها لبوس العمومية، أو كانت المفردات تشير إلى العموم، ولكنه كان العموم في الخصوص ليس أكثر.[32]

بقي الشأن الطائفي من الشؤون المقلقة في الوضع العام المحلي على مدى العقود التالية، حتى مع انتشار التعليم، وبدء التقاء المواطنين ببعضهم البعض في صيغ عملية أكثر استقراراً من تلك التي شكا منها الشيعة – على وجه الخصوص – والمتعلقة بمزاعم الظلم الذي يقع عليهم في ممارسة مهنة الزراعة، حيث سبق للعرائض الشيعية أن نصّت على هذا الأمر،[33] إلى جانب شكاية الغواصين بشكل عام من سوء المعاملة، وذلك حين التقى الطرفان للعمل في شركة نفط البحرين المحدودة (بابكو)، وبدأ أهالي القرى يرسلون أبناءهم للتعلم في العاصمة المنامة. فقد بقي التوتر الطائفي يطل برأسه في المنعطفات المختلفة من العقود التالية، حيث يرد في مجلة “صوت البحرين” الشهرية مقال بعنوان “الطائفية علتنا الكبرى”[34]  موقع باسم مستعار (ابن ثابت)، وقد تم التطرق إلى هذا الموضوع بين ثنايا المجلة، التي استمرت في الصدور أربع سنوات قبل توقفها في أغسطس 1954، أي قبل شهر واحد تقريباً من وقوع حادثة الاحتكاك الطائفي الشهيرة في المحرَّم من العام 1374 هـ، والذي أدى إلى نشوء هيئة الاتحاد الوطني.[35]

تداخل مع “هيئة الاتحاد الوطني” نشوء الحركات السياسية بشكلها الحديث تنظيمياً، فظهرت جبهة التحرير الوطني البحرانية سنة 1955، وقد كان أساسها من العمال المنخرط أكثرهم ضمن هيئة الاتحاد الوطني، ولكنهم انفصلوا عن الهيئة في سنتها الثانية، و”عملوا مع خلايا حزب “توده” الإيراني على تشكيل خلايا للجبهة”،[36] ومن بعدها بسنوات قليلة ظهر تنظيم البعث (1958)، فالتيار القومي (1958-1959)،[37]  ثم الجبهة الشعبية (1968)،[38]  وكان ذلك مدفوعاً بانتشار التعليم، وانتشار وسائل التواصل، ومن أشهرها المذياع الذي قرّب كثيراً بين البلاد العربية في نزوعها للتحرر في الخمسينات، خصوصاً “حين تفجّر المدّ القومي وصاحب ذلك في الوقت نفسه، نزوع بعض أقطار المنطقة، التي كانت أسبق من غيرها في مضمار التعليم والثقافة والوعي، إلى تحدّي الهيمنة الاستعمارية المباشرة، والبحث عن خلاص منها، فتلاقى نزوعهم إلى التحرر من الهيمنة الاستعمارية مع تفجر المدّ القومي، وتمثّل ذلك بصورة أكثر وضوحاً في البحرين”.[39]

في بدايات العقد السابع من القرن العشرين، بدأت تتضح ملامح تشكيلات الإسلام السياسي الشيعي الذي بدأ في الظهور وأخذ مشروعه في التبلور، حتى صارت له كتلة في أول مجلس وطني منتخب (1973- 1975)، وبدأت أطراف من هذا التيار تظهر بشكل أكثر جلاءً مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، لتبدأ حقبة جديدة في مواجهات السلطة التي انتهت تقريباً من التيارات القومية واليسارية والشيوعية والبعثية حتى بدايات العقد الثامن من القرن العشرين، حيث أصبحت أهم رموزها تعمل من خارج البلاد، والتفتت السلطة إلى الإسلام السياسي الشيعي لمدة عقدين كاملين من الزمان امتدا من 1979-1999.

في هذا الوقت، كانت التنظيمات السنية قد اتخذت هيئة جمعيات دعوية وتربوية وخيرية، وكانت تنأى عن العمل السياسي، حتى تتالى ظهورها إبان الإقرار الشعبي لميثاق العمل الوطني (فبراير 2001)، وعلى ضوء حزمة من التغييرات والإصلاحات السياسية العامة، تأسست في البحرين 15 جمعية سياسية، يهمنا منها هنا الجمعيات المدنية، أي غير الدينية المنشأ، أو ما يمكن تسميته بالوطنية، مع ما لنا على هذا التصنيف من مآخذ أيضاً، وهي:

– جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد): يسار/قومي       معارضة            2001
– جمعية التجمع القومي الديمقراطي: بعث/قومي                معارضة            2001
– جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي: يسار/شيوعي             معارضة            2001
– جمعية ميثاق العمل الوطني: ليبرالي                            موالاة                2001
– جمعية التجمع الوطني الدستوري: ليبرالي                     موالاة                2001
– جمعية الإخاء الوطني: ليبرالي                                   معارضة             2002
– جمعية التجمع الوطني الديمقراطي: ليبرالي                   موالاة                 2002
– جمعية الفكر الوطني الحر: ليبرالي                              موالاة                2002[40]

مارست الجمعيات السياسية عملها على مدى السنوات الممتدة من 2001 وحتى ما بعد أحداث العام 2011، حيث حلّ القضاء البحريني بعضاً من الجمعيات السياسية الدينية (أمل والوفاق)، و”وعد” من الجمعيات غير الدينية، فيما قامت بعض الجمعيات غير الدينية بحلّ نفسها، لصعوبات مالية وأوضاع سياسية مختلفة في الفترة نفسها، في حين نشأت في العام 2011 جمعية تجمع الوحدة الوطنية إثر تحالف عدد من الجمعيات الدينية السنية، وجمعيات قريبة منها، وشخصيات مستقلة، لمناهضة ما كان يجري على الضفة الأخرى من الحراك الشعبي الذي تشكل أساسه من التيارات المعارضة بمختلف تلاوينها، إلا أن القيادة والثقل كانت للجماهير ذات التوجه الديني الشيعي والجمعيات السياسية المحسوبة على هذا التيار، إضافة إلى تيارات غير مرخصة كحركة (حق) و(الوفاء).

المواطنة كما تراها الدولة: مناهج التعليم

من المهم معرفة كيف تنظر الدولة إلى مصطلح المواطنة، لمقابلته بكيفية تعريف القوى السياسية له، لأن الكثير من الخلافات التي نشأت بين الطرفين، وخصوصاً مع بدء دوران عجلة العملية السياسية، كانت مرهونة بتعريف المواطنة وتجلياتها، واضطراب تعريف المصطلح من جهة ومواءمة ذلك مع التطبيقات العملية له.

تشير بعض المراجع إلى قيام وزارة التربية والتعليم بمملكة البحرين في العام الدراسي 75/1976 بتطوير المناهج الدراسية تنفيذاً لما ورد في الدستور، واستحدثت مادة التربية الوطنية، وأفرد لها منهج خاص يدرَّس ضمن إطار الدراسات الاجتماعية،[41] ويذهب الباحث إلى أن المادة أضيفت في العام الدراسي 1979/1980، وكانت في بداية الأمر تدرّس للصف الثالث الإعدادي الذي أضيف لأول مرة إلى سنوات التدريس في المدارس العامة في ذلك العام الدراسي، وكانت “التربية الوطنية” معنية بتاريخ البحرين الحديث والمعاصر لتروى فصولاً منتقاة منه بالشكل الذي يعزز ما يقوم به الإعلام من دور في إسناد جميع الإنجازات في الدولة إلى الحكومة، سواء بشكل مباشر على هيئة إنشاء وتمويل وتأسيس، أو على شكل غير مباشر كتهيئة البنى الأساسية لقيام صناعات ونشاطات مختلفة، بالإضافة إلى التاريخ الوطني الذي لم تكن تحفل به – بطبيعة الحال – كتب التاريخ السابقة الآتية من جمهورية مصر العربية.

ففي تلك السنوات بدأت وزارة التربية والتعليم بوضع مناهجها الخاصة لشتى المراحل، والتي باتت تبحرن الشخصيات والمناطق والمهن والرسومات، كي ينسجم الطالب مع منظومة من الأفكار والمعاني المحلية، أو الأقرب ما يكون إليها، وحتى لا يشعر أنها لا تعنيه، أوأنها شيء مجتلب من الخارج لا يمت له بصلة، وبالتالي يذهب لاحقاً للبحث عن تفسيره للمواطنة من مصادر أخرى ربما تكون “غير محبّذة” للنسق العام للسلطات المتساندة. فجرى حسب ذلك التركيز على المدرسة لأن “الثقافة المدرسية هي ما يبقى من المنهج المدرسي، أي أننا ربما ننسى المعلومات، وننسى المحتوى الذي يقدمه المنهج المدرسي، ولكننا لا ننسى طريقة التفكير، ولن ننسى موقفنا من الأشياء، ولن ننسى طريقة تقييمنا للأشخاص والاتجاهات والأفكار والمذاهب، كما أننا لن ننسى الأسلوب الذي اعتدناه في طريقة كلامنا، وأسلوب حوارنا مع بعضنا ومع الآخرين، ولن ننسى الأفكار الكبرى التي ينقسم حولها الناس بين مؤيد ومعارض”.[42] وكان لابد أن يكون للدولة أيضاً رأيها في تشكيل وعي المواطن بما ينسجم مع توجهاتها وعدم تركه عرضة للتيارات المختلفة، فقد بحث فوكو العلاقة بين السلطة والحقيقة والمعرفة، وقال بأنّ المعرفة هي أثر من آثار السلطة وأنّها تتكوّن بتفاعل اللغة والسلطة والمعنى.[43]

أدركت وزارة التربية والتعليم البحرينية أنّ عليها محاولة جمع المواطنين على صعيد واحد قدر الإمكان، وإضعاف الانتماءات الفرعية التي تظهر وتقوى وتستعر حينما تضعف الروابط المشتركة، ويتراجع الإيمان بالوطن لأن الطائفة/القبيلة/العرق/المنطقة، وغيرها من انتماءات فرعية، قادرة على أن تؤتي للمواطن ما لا تؤتيه به الدولة التي لم تستطع أن تمدّ مظلتها لتشمل الجميع، أو اختارت اقتصار هذه المظلة على فئات بعينها دون الأخرى. لذا، كان من وجهة نظر وزارة التربية والتعليم البحرينية العمل، وعلى مدى كامل السنوات الدراسية الاثنتي عشرة، على ترسيخ المفاهيم الأساسية للمواطنة، فهذا من شأنه أن يصنع من المواطنين كتلة متماسكة لديها الكثير من القواسم المشتركة، ونظرات متقاربة إيجابياً بالنسبة للسلطة في البلاد، ونظام الحكم، نظراً للإنجازات السابقة واللاحقة، ولكي تتخلص جماعات المواطنين من الانتماءات “ما دون الوطنية”. وفي بداية التسعينات أعيد النظر في المناهج بحيث تعد التربية الوطنية قضية عامة ينبغي أن تسهم فيها جميع المواد الدراسية، وبالتالي تم الاتجاه إلى دمج مفاهيم التربية للمواطنة في المواد الدراسية بما يتفق مع أهدافها ومستويات الطلبة.[44]

وبعد الأحداث التي مرّت بها البحرين في 2011، في سياق “الربيع العربي”، خرجت لجنة تقصي الحقائق[45] بتقرير وحزمة من التوصيات لمعالجة الموضوع وعدم وقوعه ثانية،[46] صار “في سياق ما هو منوط – من منظور المملكة كما من منظور ممثّليها في “حوار التّوافق الوطنيّ” ومنظور “اللّجنة المستقلّة لتقصّي الحقائق” – بالمدرسة من رسائل مدنيّة ووطنيّة، وفي سياق ما أشير إليه في طالع هذه الوثيقة من أهمّيّة للمناهج في صياغة الوعي وتشكيل الضّمير تقدّر وزارة التّربية والتّعليم أنّها باتت معنيّة أكثر من أيّ وقت مضى بالانخراط حثيثا في تنفيذ متضمّنات خطّة عمل البرنامج العالميّ للتّثقيف في مجال حقوق الإنسان”،[47] فأضيفت مادة حقوق الإنسان إلى المواطنة، كما صار لزاماً على جميع الجامعات القائمة في مملكة البحرين أن تدرس جميع طلابها مادة محددة المنهج في موضوع حقوق الإنسان.

وبذلك عرّفت وزارة التربية والتعليم البحرينية قصدها بالمواطنة كونها:

“رابطة وطنيّة يعلو بها المواطن على مستويات الانتماء ما دون الوطنيّ تأسيساً لمجال عامّ يترتّب على استحقاق الاندراج فيه وضع تنجرّ معه حقوق وواجبات وأدوار يتوقّف نماء المجتمع على الوفاء بها طبقاً لقواعد التّعايش التي يضبطها القانون”.[48]

وإذا كان من الصعب على السلطات الرسمية الاعتماد على ثنائية أن ما ينفع الناس – من وجهة نظرها – فيمكث في نفوسهم، وأما فضول الأفكار والساقط منها فهو كالزَّبد الذي يذهب جُفاءً، فإنها تقوم بما تعتقده واجبها كمحاولة أساسية تبذلها وزارات التربية والتعليم في كل مكان، وهي ليست مضمونة العواقب تماماً،[49] خصوصاً في ظل المتغير الأكبر الذي لا يمكن لأحد تجاهله اليوم، وهو شبكة الإنترنت ومفاعيلها، حيث بات ينتمي إليها 4.1 مليار نسمة في ديسمبر 2018، أي أن شعب الإنترنت وحده أكبر من شعوب أعلى ثماني دول في العالم مجتمعة من حيث تعداد السكان،[50] وهو شعب يكبر ويتمدد باستمرار إذ ارتفع ليصل 3.9 مليار نسمة في أواسط 2018، بعد أن أقفلت سنة 2017 على 3.7 مليون مستخدم للإنترنت،[51] وهذا يلقي بظلال كثيفة على جدوى ما تحاول وزارات التعليم عموماً تأطيره من قيم ومُثل وطنية، في الوقت الذي صار للإنترنت “شعب”، تخطّت به الإنترنت حدود البلدان وميّعت قدرة الدول على “ضبط” القيم والأفكار التي تروج فيها،[52] وصارت قيمة كالمواطنة مطروحة بقوة، وتسابقت على تبنيها الجمعيات السياسية المدنية، والدولة على السواء.

الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة

في نهايات شهر مارس/آذار 2019، طرح وزير الداخلية البحريني الفريق أول ركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، وسط حضور نخبوي، ما أسمي بـ “الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة” قال في كلمته الافتتاحية، إن الخطة “قائمة على آليات تنفيذية تعتمد على تفاعل كافة فئات المجتمع، فالهوية الوطنية والعمل في إطار ما تقتضيه من ترابط مجتمعي وحرص على أمن وسلامة الجميع، تعد أساساً لتماسك ولبناء الدولة الوطنية الحديثة القائمة على أسس العدل والمساواة”.[53]

وتشير الخطة إلى أن الإحساس بالولاء الوطني لدى أبناء البحرين، يدفع إلى المزيد من البذل والعطاء في وجدان الأجيال القادمة، في سبيل تأكيد منظومة قيم وطنية (تقوم على: الانتماء، والولاء، والفخر، والاعتزاز)، وقيم اجتماعية (تقوم على: التسامح، والتعايش، والتعددية وقبول الآخر، والمسؤولية الاجتماعية، والتضامن، والأمن والطمأنينة، والمواطنة الصالحة)، والقيم السياسية (وتقوم على: الشورى، والديمقراطية، والمشاركة العامة، والحوار)، والقيم الإنسانية (وتقوم على: الحرية، وحقوق الإنسان، والعدل، والمساواة).[54]

الجمعيات السياسية المدنية في البحرين: كيف تفهم المواطنة وكيف ترى ما تفهمه الدولة وتطبقه

أجرى الباحث لقاءات مع قيادات خمس من الجمعيات السياسية المدنية في البحرين لاستجلاء نظراتها من تجليات المواطنة في أدبياتها،[55] ونظرتها لتطبيقات المواطنة في الواقع، وإلى أي مدى ترى هذه الجمعيات أن الأوضاع التي تعايشها تقترب من مفاهيمها في هذا الشأن، وكيفية الوصول إلى ما ترجوه من ممارسات عامة لمفهوم المواطنة.

وتحت العنوان الفرعي أعلاه، تستعرض الورقة جانبين: ما ورد في أدبيات الجمعيات السياسية التي تمت محاورة قياداتها من تعريفات وتجليات للمواطنة كما تفهمه هذه الجميعات، والجانب الآخر، هو استطرادات عدد من مسؤولي هذه الجمعيات في معاني المواطنة، وكيفيات تطبيقها على الأرض من قبل الدولة في الأساس ومن قبل الجمعيات أنفسها.

أولاً: المواطنة كما في الأدبيات

تحتوي أدبيات الجمعيات السياسية البحرينية – بشكل عام – على إشارات واضحة أو ضمنية لمصطلح المواطنة، بعضها نصّت عليه نصاً، وبعضها أشارت إلى تجلياته في ثنايا طرحها. وقد تقاربت الرؤى بشكل كبير في صياغة البرامج السياسية للجمعيات التي تمت مقابلة ناشطيها، حيث لم توجد جمعية من الجمعيات الخمس إلا ونصّت على المفاهيم الأساسية للمواطنة، إما كإيمان بها، أو للمطالبة بها.

ولا غرو أن الجمعيات السياسية كما الدول في صياغتها دساتيرها، إنما تلجأ للنصوص التي لا خلاف عليها، والتي لا تكاد تشير إلى نقاط الخلاف السياسي في توجّهات الجمعيات المختلفة عقائدياً وسياسياً، وقرباً من السلطة وبعداً عنها. فجميع البرامج السياسية تشير إلى إيمان الجمعيات بالعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، والشفافية، ومحاربة الفساد والفقر، وتمكين المرأة ومنح الأطفال الرعاية، وتوفير فرص الحياة الكريمة للمواطنين. إلا أن للجمعيات المعارضة نقاطاً تنصّ عليها صراحة من مثل: التداول السلمي للسلطة، والتوظيف في جميع القطاعات وخصوصاً العسكرية منها والترقي فيها، والنقطتان الأخيرتان مثار جدل واسع في العقود الأخيرة في شأن توظيف الشيعة (خصوصاً) في المؤسسات العسكرية، وعدم ترقيهم فيها إن تم توظيفهم.

في العام 2005، أصدر المنبر الديمقراطي التقدمي برنامجه السياسي، وضمّن هذا البرنامج – المؤلف من 88 صفحة، والذي يحدد الهوية السياسية-الفكرية للمنبر – عناوين تندرج تحتها أهم قواعد المواطنة، ومن أبرزها:

– التداول السلمي للسلطة وفق قواعد العملية الانتخابية.
– تفعيل واحترام الحقوق والحريات والواجبات العامة، وفي المقدمة منها حرية الرأي.
– حرية تكوين الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية، وحق الاجتماع العام والخاص.
– حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية وأن الشعب مصدر السلطات جميعاً.
– الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وأمام القانون، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
– تكريس الحياة الحزبية في البلاد عبر وضع قانون للأحزاب السياسية.[56]

وورد في كتيب أصدرته جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) أن المواطنة تأتي “من اعتبار الشراكة هي الرابط الرئيس في الوطن دون غيرها من الروابط الإنسانية الأخرى في الدين أو المذهب، أو الرابطة القومية، مصدر حقوق المواطن ومناط واجباته في الدولة”، وتشير الجمعية إلى أن المواطنة تتركز في “المساواة بين المواطنين من دون تمييز بحسب الدين أو الجنس أو العِرق أو اللغة، وكذلك المساواة في الحقوق والواجبات والحرية والمشاركة في الحياة العامة”.[57]

ويرد في النظام الأساسي لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد):

– الدفاع عن الحريات العامة والشخصية.
– تبنّي مطالب العمال والمستخدَمين والشرائح الاجتماعية الفقيرة والفئات المهمّشة والمحدودة الدَّخل.
– توفير فرص العمل المتكافئة والأجر العادل لكلّ مواطن في سوق العمل دون تمييز أو تفرقة.
– التمسُّك بالمواطنة المتساوية ونبذ الطائفية وكافة أشكال التمييز.
– تجريم الممارسات التي من شأنها المساس بكرامة المواطن وحريته، والدفاع عن حقه في تبوُّء كافة المناصب في الدولة والمجتمع على أساس الكفاءة.
– المشاركة الكاملة للمرأة في عملية التنمية، ودعمها وتمكينها في مواقع صنع القرار، ومحاربة كافة أشكال التمييز ضدها.
– تعزيز دور الشباب في صناعة مستقبل الوطن.[58]

كما جاء في البرنامج السياسي لجمعية ميثاق العمل الوطني:

– السعي إلى ترسيخ مفاهيم الحكم الرشيد والمشاركة والمساءلة وسيادة القانون.
– احترام القيم الروحية، وحرية الدين والمعتقد.
– احترام العقل، والإيمان بالحوار، وبحق الآخرين في الاختلاف في الرأي.
– تركيز دعائم التضامن الاجتماعي والوحدة الوطنية والعمل على حماية جميع حقوق الإنسان.
– نبذ الطائفية، والقبلية، ومحاربة التمييز بجميع أشكاله وأنواعه، وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين المواطنين.
– بلورة برامج عملية ذات أهداف اجتماعية تمس بشكل أساسي الطبقات الفقيرة.
– النهوض بالمرأة وتمكينها من حقوقها، وتعزيز مكانتها ومشاركتها في جميع المجالات.
– تعزيز العناية بالطفولة والشباب، والتصدي للمشكلات والتحديات التي تواجههم.[59]

وجاء في البرنامج السياسي للتجمع القومي الديمقراطي:

– الدفاع عن حقوق المواطنين في التقدم والحياة الكريمة ونشر مبادئ العدالة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
– ترسيخ الوحدة والقيم الوطنية والتسامح واحترام الرأي الآخر، والتعددية السياسية في الفكر والرأي والتنظيم
– ترسيخ مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين ومحاربة الطائفية والطبقية والعرقية وغيرها.
– الدفاع عن الحريات العامة وحمايتها كحرية التعبير والاجتماع والاعتقاد والنشر.
– نيل حقوق المرأة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمل على إيجاد التشريعات والمؤسسات التي تكفل هذه الحقوق.

ومن أهداف العمل السياسي للجمعية “تعميق وتعزيز مبدأ المواطنة القائمة على احترام حقوق المواطن السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، والمرتكزة على المساواة بين المواطنين وتجريم التمييز الطائفي والمسؤولين عنه”، و”ضرورة السماح لكل المواطنين بكافة طوائفهم وانتماءاتهم في الالتحاق بجميع الوظائف الحكومية المتاحة”، والدعوة “إلى تبني سياسات حكومية تقر بخطورة تفشي ظاهرة الفقر والإقصاء”.[60]

ثانياً: الحوار في المفاهيم والتطبيقات

تستجلي الورقة ما يقرّ من مفاهيم حول المواطنة لدى الجمعيات السياسية المدنية في البحرين، بين المنصوص عليه في الأدبيات وما يقرّ في نفوس متخذي القرار فيها، وهنا تتبدى جملة من الاختلافات التفصيلية بين هذه الجمعيات الأمر الذي يبرر تباينها الفكري، ولكنها تعود لتلتقي في معظم النقاط المشتركة التي يصعب الاختلاف عليها.

فالمواطنة كما يفهمها قياديو “وعد” تتمثل في “الدولة المدنية الديمقراطية، التي لا تميّز بين أبنائها، وتنظر إلى المواطن بصفته شريكاً، ليست له أية علاقة أو أفضلية بسبب الانتماءات المختلفة، بل مواطن له حقوق وعليه واجبات، فهي دولة المؤسسات والقانون الذي يعبّر بشكل عادل عن تطلعات الناس ويعبّر عن المبدأ الشهير: الشعب مصدر السلطات جميعاً”.[61]

بينما في التجمع القومي تتم الإشارة إلى ما هو أوسع من حدود القُطر الواحد متجهة إلى الوطن العربي بأسره: “لا نعتقد أن المواطنة يمكن أن تتحقق إلا في ظل الأقطار العربية باعتبار الأهداف العريضة وهي: الوحدة والحرية والاشتراكية – التي يُعبّر عنها اليوم بالعدالة الاجتماعية – وبتحققها تتحقق المواطنة الحقيقية. ففي ظل تجزئة الأقطار العربية فإنها تتعرض أكثر من غيرها للظلم والاضطهاد وابتزاز الدول الكبرى، والتي تنعكس بشكل أو بآخر باستلاب حقوق المواطن. (…) التحرر من التبعية للقوى الأجنبية، تعني أيضاً الحرية الداخلية، أي ممارسة الديمقراطية. والاشتراكية هي وجه العدالة الاجتماعية، وهي ضرورة لتحقيق العدالة للمواطن، وهناك ارتباط وثيق بين تحقيق هذه الأهداف كاشتراطات استرجاع المواطن كل حقوقه ليغدو كامل المواطنة. والوحدة العربية ليست ذات وجه سياسي وحسب، بل تعني أيضاً قوة العرب ومنعتهم وكرامتهم على الساحة السياسية وتحررهم، وكلها متعلقة بالمواطنة، لأن كرامة الوطن من كرامة المواطن، والعكس”.[62]

أما المواطنة – في رأي “التقدمي” – فهي “مفهوم شامل لا يقوم على العقد، ولا يعطي امتيازاً إلى طائفة أو فئة أو قبيلة أو ما أشبه. وحتى إن وقع في السياق التاريخي ما يشير إلى حدوث إخلال بالأسس التي تقوم عليها المواطنة، فإننا ننظر إليه على أنه خلل في التطبيق”.[63] وتذهب “وعد” خطوة أخرى في بيان أهمية “علمانية الدولة” – بالمعنى العلمي للعلمانية وليس الأيديولوجي – “لأن تحييد الدولة في مسألة الدين أمر مهم، بحيث يتساوى الناس أمامها بصرف النظر عن معتقداتهم، ويأتي بالتوازي تحييد الدولة أمام الانتماءات الأخرى، كالمذهب والطائفة والعرق والقبيلة، وهنا تأتي الشرعة الدولية التي تحكم هذه الروابط”.[64]

تشير الحوارات مع القوى السياسية البحرينية إلى أن التاريخ المعاصر يحمل في طياته تجليات متباعدة لتحقق مفهوم المواطنة جزئياً على المستوى الجماهيري، وذلك في التقاء الطائفتين في “هيئة الاتحاد الوطني” حيث شكلت تطوراً كبيراً على الفئوية والمذهبية التي كانت سائدة من قبل، وصار لأول مرة لشعب البحرين “كيان” واحد، وطني جامع.

أما راهناً، فلقد كان هناك اتفاق ما بين جميع الأطراف السياسية التي رأت أن فترة إعداد ميثاق العمل الوطني وحتى مضي عام كامل على إقراره (ديسمبر 2000 – فبراير 2002) من المحطات الأهم التي تجلت فيها مفاهيم المواطنة إلى الدرجة التي يمكن ملاحظتها بوضوح، حيث كانت الأجواء مفعمة بالآمال، والغالبية مقبلة على شكل جديد للدولة، إذ لم يكن مصطلح “المواطنة” وتجلياته بالأمر الغريب على فكر “التقدمي”، ولكن هذا الأمر تعزز منذ الفترة التي كان فيها المجتمع البحريني برمته يتداول مسألة ميثاق العمل الوطني.[65]

استطاعت السلطة السياسية في فترة ما أسمي بـ “سنة الإصلاح” إحداث تأثيرات كبيرة في المجتمع البحريني على مستويات عدة، ومنها المستوى السياسي، الأمر الذي نتج عنه مكاسب معيشية للمواطنين وتقارب سياسي واجتماعي ملحوظ في تلك الفترة،[66]  حيث كثرت الزيارات المتبادلة بين الفاعلين والقياديين من المذهبين الرئيسيين في البلاد (السنة والشيعة)، وإقامة المحاضرات السياسية المشتركة، فـ”مقارنة وضع المواطنة ما بين 2002 وما قبلها، كان هناك حراك جيد ما بين أربع سنوات إلى ست سنوات لبناء مفاهيم المواطنة، والمؤسسات وغيرها”،[67] والأسباب ليست عاطفية تتمثل في الخطوات التي قام بها ملك البلاد في تلك الفترة لحشد التأييد لميثاق العمل الوطني والتصويت بـ “نعم” كبيرة عليه، وحسب، ولكنها أسباب جوهرية أيضاً في صلب الميثاق: “فلو رجعنا إلى ميثاق العمل الوطني بما تضمنه من مبادئ دستورية واقتصادية واجتماعية وسياسية، سنجده يتضمن الكثير من التعبيرات الحقيقية عن المواطنة. فعلى صعيد التأطير النظري للمواطنة، يعتبر “الميثاق” مرجعية نظرية جيدة، وإذا ما نظرنا إلى ما صوّت عليه الناس بنسبة 98.4% للميثاق، فإنه بالإمكان القول إن لدينا وثيقة قوية صوّت الناس على ما ورد فيها من حقوق. وجاء في الميثاق ما يفيد وجوب معاملة الجميع بشكل عادل بغضّ النظر عن أي اختلافات، فهم متساوون أمام القانون، لهم حقوق وعليهم واجبات، ولا شيء يحكمهم غير القانون، وهذه هي دولة المواطنة بشكلها الصحيح”.[68]

أدّى الحماس المنقطع النظير للعمل السياسي في البحرين، وخصوصاً لقرب الاستحقاق الانتخابي في 2006، وتوجه الجمعيات السياسية التي قاطعت الانتخابات في 2002 إلى قيام جمعية ميثاق العمل الوطني إلى الدعوة إلى التنسيق بين الجمعيات السياسية،[69] وتكررت الاجتماعات وتطورت إلى إقامة مؤتمر في أحد فنادق العاصمة، وكان موضوع “الانتماء الوطني” حاضراً بأوراق عمل قدمتها الجمعية،[70] ولكن “تصاعد وتيرة العنف التي قادتها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية (شيعية) ضد موضوع التجنيس، وتهييج الشارع، وعقد المؤتمرات التي كانت تشحن في اتجاه وقوع صدام في الأعوام ما بين 2007 و2009، أسهمت في وأد مشروع تعميق البحث في موضوع مهم كالمواطنة على مستوى القوى السياسية الفاعلة، وبقيت “المواطنة” موضوعاً مناسباتياً للطرح بين فترة وأخرى”،[71] بحسب رأي أحمد جمعة.

“ولكن تبقى المشكلة القائمة في الهوّة بين الفكرة والتطبيق”:[72] هذا الاستدراك الذي يقدمه العالي، وهو على رأس جمعية معارضة، هو نفسه الذي قاله الباكر وقد رأس جمعية موالية (بحسب تصنيفه) حين قال: “من بعدها (السنوات الأولى) بدأ تراجع فيما يتعلق بالمواطنة والطموحات التي يتمناها المواطن، وإلى اليوم لمسنا هذا التراجع الكبير في المبادئ والأسس وما ورد في الميثاق والدستور، والتي على أسسها أسست الجمعيات. وصار اليوم الوصول إلى المواطنة الحلم ضرب من الخيال”.[73]

أبرز معيقات تحقق المواطنة في البحرين من زاوية التيارات المدنية

يحدد البارزون في الجمعيات السياسية المدنية – من الذين تمت مقابلتهم – وجوهاً واضحة للأسباب التي عرقلت وما زالت تعرقل تحقق المواطنة كما هو منصوص عليها عالمياً. وتتلخص أهم هذه الأسباب في:

1- التمييز:

تزعم الجمعيات السياسية المعارضة في البحرين وجود عملية تمييز على أكثر من صعيد وفي أكثر من اتجاه. والتمييز واحد من الملفات التي تركز عليها المعارضة البحرينية في الوقت الذي تنفي السلطات الرسمية وجود هذا النوع من الممارسات. وعند الحديث سياسياً عن التمييز في البحرين، فإنه ينصرف إلى التمييز المذهبي دون الأنواع الأخرى من التمييز (النوعي أو العرقي أو اللوني إلخ…)، وهذا القصر والتركيز “له تبعاته الخطيرة، لأنه يؤدي – في المقابل – إلى “الاحتماء المذهبي”، فبدل أن يتكتل المجتمع تجاه السلطات التي تمارس التمييز ضد بعض فئاته، يذهب الاحتماء الطائفي إلى أن يعمل المجتمع ضد نفسه من خلال تكتلات تقوّض مفاهيم المواطنة مجتمعياً ليس من خلال عملها ضد الحكومة، بل عملها ضد المجتمع ككل”.[74]

الشكوى من التمييز كانت مدار الحراك الذي نشط في تسعينات القرن الماضي،[75] “ولا يزال التمييز موجوداً في الوظائف” حسب حسن العالي،[76] والتمييز ليس مذهبياً فقط في رأي “وعد” بل يمكن أن يتمثل “في كل الأشكال المختلفة للمكونات المجتمعية، فهناك فجوة بين الكلام الرسمي والواقع، فالقبيلة لها دور مهم يمكن ملاحظته في تعيين الحكومة، وكذلك تشكيل القوى الأمنية والعسكرية التي تؤخذ من طائفة محددة”.[77]
تشير بعض أطراف المعارضة إلى وجود شبهة تمييز في البعثات الدراسية من قبل وزارة التربية والتعليم بزعمها أنها “تفتقد إلى الشفافية مما يسهّل توجيه أصابع الاتهام إلى الوزارة بالتمييز بين المواطنين”.[78]
وإزاء ما تعتقده الجمعيات المعارضة من وجود تمييز “رسمي” في عدد من المفاصل، تعتقد “وعد” بوجود ممارسات مجتمعية تصبّ في هذا الجانب، فقد “تم خلق جيوب للسنة وأخرى للشيعة في بعض الوزارات، وتركت جيوب أخرى للمنافسة المفتوحة سواء للتوظيف على أسس القبيلة أو العائلة أو المنطقة أو الولاء، أو المعرفة الشخصية، إذن مسألة الكفاءة في التوظيف، والتي تعتبر واحدة من أركان المواطنة، غائبة في هذه المعادلة”.[79]

2- التجنيس:

ترى القوى السياسية أن التجنيس الذي جرى في التسعينات، وازدادت وتيرته منذ “عام الإصلاح” من شأنه أن يقدح في مفهوم المواطنة وقيمها. وفي حين ليست هناك أرقام واضحة في عدد من تم إكسابهم الجنسية البحرينية في السنوات مدار الحديث، إلا أن بعض أطراف المعارضة تشير إلى أن العدد يتجاوز 140 ألفاً.[80]

وسواء كان هذا العدد صحيحاً أم تقديرياً، فإن التجنيس في رأي المعارضة والموالاة على السواء من الأمور التي يصعب التعامل معها، و”لا يستطيع أي مواطن أن يوافق عليه أو يتقبله مهما وضعت من تبريرات”،[81] فجمعية ميثاق العمل الوطني مثلاً ترى بأن التجنيس يجب أن يقوم على معطيات معينة تتمثل في ماذا أعطى طالب الجنسية وما الذي يمكن أن يعطيه للوطن، “أما إذا كان التجنيس من أجل الحشد أو لعملية مرحلية فقط، فهذا أمر خطير”،[82] كون “التجنيس، ألحق الضرر الكبير في قضية المواطنة، إذ الجميع منزعج اليوم منها”،[83] فقد “صارت شريحة مهمة من مكتسبي الجنسية خارج قانون الجنسية، عصيّة على الذوبان في المجتمع، فهي جزء ظاهر من المجتمع على السطح، ولكنها غريبة عنه في العمق، لأن المعيار الذي تمت عليه عملية التجنيس، هو التجنيس المباشر، بينما القانون يشير إلى أن يحق للعربي التقدم بطلب الجنسية بعد مرور 15 عاماً على وجوده في البلد، والأجنبي 25 عاماً”،[84] والهدف من هذا التوجه بحسب الجمعيات “ليصار إلى إعادة هندسة المجتمع من أغلبية شيعية إلى تركيبة “متوازنة”، والآن ربما تم التوصل إلى نقطة التساوي أو التوازن ما بين الطائفتين، مع وجود طائفة ثالثة اليوم”.[85]

ومع ذلك، تطالب القوى السياسية المعارضة بإيجاد مخرج قانوني وإنساني لهذه المسألة، بحيث تجري معالجة الوضع بما يخفف من “المعاناة” من جراء ما حدث، وعدم تحميل مكتسبي الجنسية أعباء هذه الحلول، مع إقرار بإمكانية إعادة مناقشة المدد الزمنية التي وضعها قانون اكتساب الجنسية البحريني في العام 1963، و”لكن الفترة المطروحة لاكتساب الجنسية كافية لذوبان هذا الراغب في الحصول على الجنسية البحرينية في ثقافة البلد وتاريخها وخصوصيتها، وبالتالي تكون مباشرته للحقوق والواجبات حينها غير مستنكرة”.[86] وفي رأي “وعد” فإن مسألة التجنيس في البحرين تختلف عن “البدون” في الكويت، حيث ينشأ من يطلق عليه لقب “البدون” في البلد ويكبر ولا يعرف له بلداً ولا أرضاً ولا هواء إلا هذا الذي عاش فيه، بينما المجنّس لم تنقطع صلاته بوطنه الأم، فلا يزال يتحدث بلسانه، ويتزوج من ذاك البلد، ويستثمر هناك، ويقضي إجازته فيه، لذا فإنه فعند معالجة هذا الملف فإن من لن تنطبق عليهم الشروط سيكون لديهم وطن يعودون إليه،[87] على ألا تغادر الحلول لهذا الملف نطاق الدبلوماسية والإنسانية والعملانية، ويجب التزام الحذر حتى لا يتحول النقاش في هذا الملف إلى ما يمكن ينزلق به إلى الشحن وخطاب الكراهية.[88]

في المقابل يرى بعض قياديي “التقدمي” أن الملف المقاوم للتجنيس “أدير في بعض مراحله بفكر طائفي مما عقّده وجعله في بعض مفاصله وكأنه “مظلومية” جديدة، بدلاً من معالجته في بعده الاجتماعي والاقتصادي والثقافي (…) فقامت بعض أطراف القوى السياسية، وخصوصاً الإسلاموية منها، بممارسات لا تمتّ للمواطنة، عندما كانت تردد النسبة المئوية ما بين الشيعة والسنة، وهي – كما يُتداول سابقاً – 75% إلى 25%، وهناك من رفع هذه النسبة، وصار البعض أيضاً يلوّح بها تحت شعارات “السكان الأصليين”، الذين لهم استحقاقات سياسية تبعاً لنسبتهم العالية، وهذا الأمر يقدح في مفاهيم قارّة في المواطنة من أهمها المساواة أمام القانون”.[89]

3- الدوائر الانتخابية:

كانت الدوائر الانتخابية التي طرحت في أول انتخابات تجرى بعد الإصلاح السياسي في 2002، من أهم النقاط التي جعلت أربع جمعيات (مدنيتان وإسلامويتان) تعلن مقاطعة الانتخابات، ودخلت العملية السياسية في إرباك طيلة السنوات الأربع التالية حتى أعادت الجمعيات حساباتها وقررت الدخول في الانتخابات مجدداً في 2006 و2010.

ومع المشاركة في الانتخابات للدورتين المذكورتين، والنجاح الجزئي للجمعيات المعارضة (الإسلاموية) وعدم فوز أيٍّ من مرشحي الجمعيات المدنية في تلك الأثناء، يبقى هناك خلل من وجهة نظر “القومي” يتمثل “في عدم تمكين أعضاء مجلس النواب من ممارسة حقوقهم التشريعية والرقابية بشكل كامل من خلال وجود مصدّات من ممارسة هذه الصلاحيات، من خلال توزيع الدوائر الانتخابية، وهذا شكل آخر من أشكال الطعن في المواطنة لأن الدوائر وُزعت على أسس طائفية، إذن، المواطن ليس متساوياً في مسألة المواطنة من هذا الجانب”.[90] فلقد “سيطرت الحكومة على السلطة التنفيذية وبقيت السلطة التشريعية، وكان يكفيها سيطرتها على نصف السلطة التشريعية بتعيينها أعضاء مجلس الشورى، ولكنها أرادت السيطرة على كامل مخرجات العملية السياسية من خلال التحكم في مخرجات الدوائر الانتخابية”.[91] ويشير شريف في معرض حديثه إلى أنه في العام 2002 كانت الكتلة الانتخابية في الدائرة الأولى من المحافظة الشمالية تساوي عددياً جميع دوائر المحافظة الجنوبية.[92]

4- العملية السياسية:

طرأ في السنوات القليلة الماضية تطوّر آخر على الحياة السياسية في البحرين، إذ صدرت أحكام قضائية بحل عدد من الجمعيات السياسية المعارضة، ومن أهمها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وذلك في 16 يوليو/تموز 2016، وجرى حلّها بما خلصت إليه المحكمة المدنية الكبرى إلى أن الجمعية “انحرفت في ممارسة نشاطها السياسي إلى حد التحريض على العنف وتشجيع المسيرات والاعتصامات الجماهيرية، بما قد يؤدى إلى إحداث فتنة طائفية في البلاد، فضلاً عن انتقادها لأداء سلطات الدولة – سواءً التنفيذية أو القضائية أو التشريعية – وبالتالي فقد انطوت عدواناً صارخاً على حقوق دستورية مقررة، كما انطوت على انحراف بوَاح في ممارسة نشاطها السياسي بمعزل عن المكانة التي تحظى أو يتعين أن تحظى بها في ظل قانون الجمعيات السياسية”.[93]

وتلتها في 21 يناير/كانون الثاني 2019 جمعية العمل الوطني الديمقراطي “وعد” وذلك عبر حكم محكمة التمييز، الذي ذكر بأن الجمعية أطلقت “وصف “شهداء الوطن” على جناة صدر في شأنهم حكم بات بالإعدام بعد استهدافهم لقوات الشرطة بعبوة متفجرة نجم عنها مقتل ثلاثة من رجال الشرطة (…) وأكدت وقوفها وتضامنها مع جمعية “الوفاق الوطني الإسلامية” (…) فضلاً عن تضامن الجمعية المذكورة مع جمعيات أخرى و”رفضها لدستور 2002 واعتباره ساقطاً وأنه دستور غير شرعي”.[94]

سبق هذه الأحكام صدور القانون رقم (25) لسنة 2018 بتعديل المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية، وأهم تعديل فيه هو منع الترشح لمجلس النواب لـ “قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بحكم نهائي لارتكابها مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو أي قانون من قوانينها”.[95]

واعتبرت الجمعيات المدنية هذه الإجراءات مقلقة وقادحة في مفهوم المواطنة، وتعثراً في المسيرة الإصلاحية في البحرين التي بدأت مع بداية القرن “وليس هناك ما هو أوضح من شطب الجمعيات السياسية المعارضة من المشهد السياسي المحلي، ومنع أعضائها من الترشح للانتخابات النيابية. ففي أي مجتمع يواجه مصاعب داخلية، فإنه يواجهها بالمزيد من الديمقراطية للعلاج وليس بالبتر”.[96] الأمر الذي انتقده الباكر في سياق حديثه عن تراجع العمل السياسي في البحرين، مشيراً إلى “تراجع الدعم الحكومي للجمعيات السياسية، وانسحاب هذا على كل الجمعيات، سواء كانت معارضة أو موالية، نشطة أم غير نشطة، فبعضها كان يقيم الفعاليات الرامية إلى تعزيز الولاء والانتماء للقيادة وللبلاد وسيادتها، ولكن بات الكل في سلة واحدة، فتم نسيانها، وبتنا نرسل الرسائل ولا يُردّ عليها، ونطلب مقابلات مع مسؤولين ولا يستجاب لنا، فصارت الجمعيات السياسية “ورقة محترقة”. ودليل ذلك انتخابات 2014 التي أنتجت تمثيلاً بسيطاً للجمعيات السياسية، وانعكس ذلك على انتخابات 2018″.[97]

التجربة الكويتية: مواجهة النقائض[98]

الكويت: التحولات السياسية

لجأ المجتمع الكويتي في تنظيم أموره السياسية إلى إجراء توافقات ما بين الفاعلين فيه من التجار والأسر العريقة من جهة وأسرة الصباح من جهة أخرى، بحيث جرى التوافق على صباح الأول، ولم يكن هذا التوافق قائماً على الغلبة والقوة العسكرية. فقد “قام الحكم فيها منذ تأسيسه على أساس مبدأ الشورى، وذلك عندما اختار أعيان الكويت الحاكم الأول، صباح الأول، بطريقة توافقية وتشاورية. وقد كانت طريقة اختيار الحاكم الأول أقرب إلى شكل العقد الاجتماعي غير المكتوب بين الحاكم والمحكومين، حيث كان هذا العقد يقوم على أساس فكرة البيعة مقابل الشورى”.[99] إذ عاهد الشيخ صباح بن جابر (صباح الأول) غداة اختياره حاكماً للكويت العام 1752 الشيوخ والتجار على إقامة العدل والمساواة وعدم الانفراد بالحكم ومشاورتهم في الرأي.[100]

تاريخياً، أطلت الكويت على ميناء نشط يخدم شمال الخليج والجزيرة العربية، وكانت مهنة الغوص على اللؤلؤ مهنة الكثير من أبناء المجتمع، وكان أهل البادية أيضاً يأتون إلى السواحل ليعملوا في هذه المهنة في موسمها. وقد تأسس المجتمع الكويتي من مجموعات مهاجرين في المقام الأول، بخلاف بعض المجموعات الصغيرة المستقرة منذ آماد طويلة، فمفهوم المواطنة للمجتمع المهاجر مختلف عن مفهومة لدى المستقرين الذين يعتبرون من يأتي إليهم هو “وافد”، وهكذا كان الميناء يأتي بالناس، يستقر بعضهم في الكويت وبعضهم يعود، والساحل يأتي إليه بالبدو لممارسة الغوص، إضافة إلى “المسابلة”[101] فكانت أيضاً رافداً من روافد المجتمع الكويتي في حركة الناس من وإلى هذه البقعة.

ولما رأى التجار والوجهاء أن طريقة الحكم لم تكن تلك التي تم الاتفاق عليها أول مرة، قاموا في 1921 لدى تولي الشيخ أحمد الجابر، بكتابة عريضة وقع عليها عدد من الأهالي تضمنت بنوداً لإصلاح الأوضاع، قام الحاكم على إثرها بتأسيس مجلس للشورى، ولكنه لم يدم سوى شهرين، وانحلّ من تلقائه من دون معرفة الأسباب التاريخية وراء ذلك. لكن “على الرغم من فشل هذه التجربة، إلا أنها مثلت نقطة تحول رئيسية في تطور النظام السياسي الكويتي، وخطوة أولى في طريق التطور الدستوري وإرساء قواعد الحكم المؤسسي، وكانت أول محاولة للحكم الديمقراطي في الكويت وبالأحرى في منطقة الخليج والجزيرة العربية، ومهدت الطريق إلى ظهور “الحركة الإصلاحية” وتأسيس المجلس التشريعي في الكويت في العام 1938″.[102]

وتؤرخ الكويت للعام 1938 بأنه أول محاولة لوضع دستور على الرغم مما اعتورتها من مشاكل. فقد رأى بعض التجار الكويتيين – بعد سلسلة أحداث داخلية وخارجية – ضرورة المشاركة في الحكم، وبدأوا بمراسلات مع الحاكم الشيخ أحمد الجابر، وأجريت انتخابات فاز فيها 14 عضواً واختير الشيخ عبدالله السالم الصباح رئيساً لمجلس إعداد الدستور، “وفي يوم 2 يناير/كانون الثاني 1939 اجتمع أعضاء المجلس لاستعراض مسوّدة الدستور من أجل إقرارها (…) وبعد مصادقة المجلس على ذلك تم إرسال مسودة الدستور إلى الأمير ليصادق عليها لكن الحاكم رفض المسوّدة وقدّم بدلاً منها دستوراً آخر رأى أنه الأنسب للكويتيين. وبعد خلاف في وجهات النظر أصدر الأمير في 7 مارس/آذار 1939 أمراً بحل المجلس التشريعي الثاني الذي لم يكن قد بدأ بعد“.[103]

استقلت الكويت في العام 1961، ووضعت دستورها الذي أقرته في 1962. ولكن في سياق ما قبل الدولة الحديثة وفي ظل المشيخة وانفراد السلطة، لم تكن مفاهيم المواطنة مطروحة بتلك الصيغة الصريحة التي نعتمدها اليوم، فكان التعامل مع الناس على أنهم رعايا،[104] إذ لم يكن مفهوم المواطنة قد نما وترسّخ.

وكانت الأحياء في مدينة الكويت القديمة “مزيجاً كبيراً من الأسر العربية والفارسية (العجم)، والسنة والشيعة، والبدو والحضر. ومع طبيعة التوافق مع الصباح، وأن التسامح كان هو السائد وهو واحد من ركائز المواطنة. وأسهمت الغزوات والهجمات التي تعرضت لها مدينة الكويت من تأسسها وحتى الأوقات المبكرة من القرن العشرين، بالمزيد من الترابط والتلاحم المجتمعي، حيث امتزجت دماء الكويتيين في معارك الرقّة والجهراء وغيرها، مما قرّب أكثر بين الناس”.[105]

وهذا الأمر تكرر مرات منذ استقلال الكويت (1961)، أولاً بتحريك الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم (حكم 1958 – 1963) قواته لضمها إليه، وتالياً بأمر الرئيس العراقي صدام حسين (حكم 1979 – 2003) بغزو الكويت (1990-1991)، وهنا أيضاً اختلطت دماء الكويتيين من جميع الطبقات، وجميع التقسيمات، ما مثّل مناسبة للمزيد من تعزز الانتماء والمواطنة للبلد، والشعور بالقواسم المشتركة ما بين طبقات وأفراد الشعب الكويتي.[106]

توقفت الحياة النيابية الدستورية مرتين، الأولى عام 1976 حيث تم حلّ المجلس وتعطيل العمل ببعض نصوص الدستور، واستمرت حالة الفراغ الدستوري لأكثر من أربع سنوات تراجعت فيها الحكومة عن فكرة تعديل الدستور بسبب المعارضة الشعبية لها. أما الأزمة الثانية فقد احتدمت في عام 1986 حيث تمّ حلّ المجلس مرة أخرى وأوقف العمل بالدستور وسط احتجاجات وضغوط شعبية مطالبة بعودة الحياة البرلمانية.[107]
يعتبر عدد من الناشطين السياسيين الكويتيين ما حدث في  التوقف الأول (1976) “انقلاباً على الدستور”، ويشيرون إلى أن هذه الحالة أسست لعدد من التراجعات في مسألة المواطنة لا تزال مفاعيلها موجودة حتى اليوم. بعد التوقيف الثاني للحياة البرلمانية، نشأ حراك أخذ يتصاعد شعبياً في بداية العام 1989 أطلق عليه اسم “دواوين الاثنين”، وبدأ الحراك السياسي الذي يعتبره الناشطون أنه لا يزال مستمراً حتى كتابة هذه السطور.

التيارات السياسية المدنية في الكويت: كيف تفهم المواطنة وكيف ترى ما تفهمه الدولة وتطبقه

أجرى الباحث لقاءات مع قيادات تيارين سياسيين بارزين في الكويت وعدد من الأكاديميين ذوي العلاقة لاستجلاء نظراتهم من تجليات المواطنة في أدبياتها، ونظرتها لتطبيقات المواطنة في الواقع، وإلى أي مدى ترى هذه التيارات أن الأوضاع التي تعايشها تقترب من مفاهيمها في هذا الشأن، وكيفية الوصول إلى ما ترجوه من ممارسات عامة لمفهوم المواطنة. [108]

أولاً: المواطنة كما في الأدبيات

يتميز الحراك السياسي في الكويت بكونه غير منظم تحت مظلة رسمية تؤطّر حركته. وبقدر ما تبدو “سياسة الأمر الواقع” – المتبعة من قبل الحركات السياسية بتشكيل كياناتها والإعلان عنها والعمل من ضمنها – هشّة وقابلة للنقض من قبل السلطات التنفيذية التي إن أرادت يمكنها تعطيل العمل الرسمي لهذه الكيانات، فإنها – في المقابل – تتجاوز القوانين التي يمكن أن تحدّ من تحركاتها، وتلزمها الدخول تحت طبقات من القوانين التي قد تعيق حركتها وتقيّدها.

وتبدو ملامح المواطنة بالنسبة للمنبر الديمقراطي الكويتي، كما جاء في البيان الصادر عن المؤتمر التأسيسي المنعقد في الخامس من ديسمبر/كانون الأول للعام 1991، في عدد من النقاط، من أهمها التمسّك بما أسسته مبادئ الإسلام الحنيف من قيم العدل والمساواة، والاسترشاد بميثاق حقوق الإنسان بالالتزام بمساواة المواطنين في كافة الحقوق دون تمييز بينهم بما في ذلك حقهم في المشاركة في إدارة شؤون بلدهم، والمناداة بالديمقراطية نظاماً للحكم، وأسلوباً للحياة، وقيمة إنسانية، ومطلباً حيوياً، “ونراها البديل الوحيد للاستبداد والحكم المطلق، والأساس لبناء دولة القانون التي تضمن فيها حقوق المواطنين ومشاركتهم في تسيير أمور بلادهم وشؤون مجتمعهم”. ويؤكد المنبر وجوب إطلاق الحريات الديمقراطية الأساسية: وهي حرية المعتقد والرأي والاجتماع والنشاط النقابي والسياسي، وممارسة الشعب سيادته بواسطة مجلس الأمة كمؤسسة دستورية نيابية منتخبة تتولى مهمتي التشريع والرقابة، وكذلك تأكيد مبادئ الشرعية الدستورية والفصل بين السلطات والتعددية السياسية وسيادة القانون والمساواة أمامه واستقلال القضاء وضمان حقوق الإنسان (…) وتعيين رئيس الوزراء من أبناء الشعب، وإلغاء احتكار وزارات السيادة، وان تكون أغلبية الوزراء من بين أعضاء مجلس الأمة المنتخبين، ونقل القرار إلى مجلس الوزراء ذاته وفقا لما نصّ عليه الدستور.”

ويقف المنبر التقدمي أمام النعرات المختلفة قائلاً: “إن محنة الاحتلال قد أثبتت مدى عمق الروح الوطنية للشعب الكويتي، إلا أن هناك من لا يزال يحاول أن يثير النعرات الطائفية والقبلية ويؤججها، كما تعاني بعض الفئات من المواطنين من تخلف قانون الجنسية (والمقصود الكويتيون البدون) ونحن نرى أن تنمية العلاقات المجتمعية على أسس وطنية تتطلب إلغاء أي تمييز بسبب الأصل أو الطائفة، والتصدي لمحاولات تأجيج النعرات الطائفية والقبلية وتأكيد حقيقة أنّ “الوطن للجميع” وإدخال تعديلات مناسبة على قانون الجنسية بما يقضي على التمييز بين المواطنين واعتماد الكفاءة والخبرة أساساً للتعيينات والترقيات وتسلم المسؤوليات”.[109]

وفي المقابل، فإن الحركة التقدمية الكويتية، وهي حزب ماركسي يعتبَر امتداداً لحزب الاتحاد الشعبي الذي تأسس في 14 مارس/آذار 1975 في إطار الحركة الشعبية الشيوعية العربية والعالمية، قد استأنفت نشاطها منذ العام 2010، منطلقة من أن الواقع الكويتي يمر في مرحلة من التغيير الوطني والديمقراطي والاجتماعي، بما يقتضيه من إصلاحات وتغييرات في إطار تعاون القوى المتضررة من النهج القائم، والتي لها مصلحة في إحداث هذا التغيير الديمقراطي والاجتماعي، وفي مقدمتها الطبقة العاملة والفئات الشعبية وكذلك البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، وأيضاً البرجوازية الكبيرة المرتبطة بالإنتاج المحلي، فهي القوى المتضررة من النهج القائم وإن بدرجات متفاوته، وهي القوى التي لها مصلحة في إحداث هذا التغيير.[110]

ومن جانب الأدبيات المنشورة على شبكة الإنترنت، وفي النقاط المتعلقة بمفهوم المواطنة، فإن الحركة تعمل من أجل استكمال الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وضمان الحريات الأساسية، وتحرير المجتمع المدني، وإقامة دولة القانون الديمقراطية في إطار مبادئ التعددية السياسية والتداول الديمقراطي للسلطة، انسجاماً مع ما قرره دستور البلاد من أن “نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً”.

وتنبذ الحركة التفرقة بين المواطنين وفق الاعتبارات الطائفية والعنصرية والقبلية والفئوية والمناطقية، وتدعو إلى تعزيز المواطنة الدستورية في إطار المساواة والعدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص، وتقر بحقوق المرأة ومساواتها بأخيها الرجل، كما تدعم الطاقات الخلاقة للشباب وتدعو إلى الاعتماد عليهم.

وتلتزم الحركة بالقيم الإنسانية الأساسية، وتتضامن مع سائر قوى التحرر والتقدم والاشتراكية المنادية بالعدالة الاجتماعية والمعادية للإمبريالية في العالم. وترى الحركة أن العدل الاجتماعي الهادف إلى تحرير الإنسان من الاستغلال الطبقي والظلم الاجتماعي وتحقيق المساواة والمتمثل بالاشتراكية، هو البديل التاريخي للرأسمالية كنظام استغلالي آيل إلى الزوال على الرغم من كل ما تقوم به الرأسمالية من مناورة تاريخية ومحاولة للتكيف والاستمرار لإطالة عمرها.[111]

ثانياً: الحوار في المفاهيم والتطبيقات

يتفق التياران المدنيان الكويتيان على جملة من المبادئ الأساسية في مسألة تعريفهما للمواطنة، إذ أنها تعني صلة المواطن بالدولة، تأسيساً على مفهوم المواطنة الدستورية المتساوية، وهي: ألا تمييز بين المواطنين بأي شكل من أشكال التمييز (لا الدين ولا العرق ولا المذهب ولا الطائفة ولا الأصل…). وليس التساوي في القوانين وحسب، ولكن في جميع المسائل الأخرى كالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، ومن دونها تبقى “المواطنة” شعاراً فضفاضاً.[112] إنها التبادلية المتكافئة بين الوطن والمواطن، المواطن الكويتي، وفي مقابله الدولة، فكل من الحقوق والواجبات مقرة ومحددة دستورياً، فأي اختلال أو إخلال بهذه الحقوق أو الواجبات يعني اختلال في مفهوم المواطنة الدستورية،[113] وذلك وفق ما تواضع عليه الكويتيون في دستور 1962، واستناداً إلى المفاهيم الإنسانية التي تطوّرت عبر العقود الماضية.

ولم يميز القانون الكويتي، لا صراحةً ولا ضمناً، بين المواطنين، مثلاً في توزيع المناطق السكنية أو التقدم للوظيفة، حيث “نجد أن في فترة من الفترات رئيس أركان الجيش والقوات المسلحة ينتمي إلى الطائفة الشيعية، وهذا ما لم يحدث في دول الخليج العربية الأخرى، والجيش مفتوح حتى لفئة “الكويتيين البدون””.[114] ولكن الديين يستدرك: “هناك حالة وحيدة يمكن أن نرى فيها تمييزاً واضحاً في القانون وهي منح الجنسية بحسب الدين. وهذا ما لم يكن مذكوراً في القانون الذي صدر في العام 1959، ولكن في التعديل الذي تمّ في 1981، وبضغط من الحركات الدينية، جرى ربط حصول الشخص على الجنسية الكويتية بكونه مسلماً، مع وجود المئات من الكوتيين على أديان غير الإسلام. وفي المقابل هناك قوانين تحترم، كالقانون الذي منع الانتخابات الفرعية التي تسبق الانتخابات العامة والتي كانت تجرى في المناطق القبلية أو الطائفية، وهذا المنع يعزز روح المواطنة. وبغض النظر عن ملاحظاتنا الكثيرة على قانون الوحدة الوطنية، ولكنه يظل قانوناً يرفض المنازعات المجتمعية والكراهية، وازدراء الأطراف الأخرى في المجتمع”.[115]

أبرز معيقات تحقق المواطنة

الفاعلون السياسيون في الكويت يركزون على جملة من النقاط التي يتبيّن فيها الخروج عن روح المواطنة، بزعم أن السلطة لها يدٌ في هذا كلّه، لأنه ليس من مصلحتها أن تكون هناك مواطنة حقيقية. “المشكلة بدأت عندما قامت السلطة بالعبث بالنسيج الوطني بكل مكوناته من أجل مكاسبها السياسية. وهذا ما طفح بصورة واضحة منذ 1976، مع الانقلاب الأول على الدستور، ومحاولة تهميش القوى الوطنية وإضعاف المعارضة الوطنية وعزلها. ومع الاعتماد على القوى الدينية لضرب المكونات الوطنية، صار أيضاً إذكاء الجوانب الطائفية لشقّ المجتمع أكثر وأكثر”.[116] الحركة التقدّمية الكويتية تتفهم التفاوت الطبقي بين المواطنين، و”لكن مع استرجاع الدولة دور القبيلة، وتكريس دور الطائفة فهذا يضرب المواطنة كهوية كبرى، وبدلاً من أن يكون المجتمع منقسم أفقياً إلى طبقات، وهو انقسام طبيعي، فإن السلطة والقوى المعادية لمصالح الوطن أخذت تشقّ المجتمع وتكرس انقسامه رأسياً”.[117]

يشرح الناشط السياسي مشاري الإبراهيم (المنبر) الصورة من وجهة نظره في تخلّي السلطة عن “مشروع الدولة”: “ربما كان الشعور بالمواطنة في الكويت أكثر وضوحاً في بدايات تكوّن الدولة الحديثة، وصدور الدستور في 1961، على الرغم من المثالب التي قيلت عن تلك الفترة أيضاً، ولكن كان هناك مشروع، وكانت الكويت تسعى للانضمام إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والمنظمات الدولية جميعاً، فكانت تريد البروز كنموذج”.[118]

وهذا ما لا يتفق معه جزئياً فهد راشد الذي يقول: [119] “لم تكن الكويت، طوال تاريخها، مجتمعاً مدنياً بالمفهوم الحديث، ومع بداية الدولة الحديثة، لم يكن هناك مشروع بناء مجتمع مدني، بل الاستمرار في تكريس المجتمع العشائري القائم، فالسلطة – ولأسباب معروفة – لم تكن تطمح لبناء دولة، بل مجرد المحافظة على نظام المشيخة، وقد ساهمت عوائد النفط في خدمة مشروع الحُكم من خلال كسب ولاءات الطبقات الاجتماعية كافة، وبالتالي فإن الكويت بعيدة كل البعد عن مجرد محاولة ترسيخ مفهوم المواطنة، لأن السلطة تدرك جيداً أن مفهوما مثل هذا يحدّ كثيراً من سلطتها”.[120]

وهذا ما يتفق معه فيه الإبراهيم الذي يعزو الابتعاد الذي حدث عن مسيرة في المضي نحو الدولة الحديثة إلى “الانقلاب على الدستور الذي سرعان ما حدث. فلم يكن في مخيلة السلطة بناء مجتمع قوي له حقوق وعليه واجبات كما في الدول المتقدمة، وكان هذا ممكناً لأن الكويت لم تكن دولة قبل الدستور، وكان بالإمكان إنشاء هذه القواعد من الصفر والنهوض بها، ولكن الدولة لم تفعل ذلك إلا حينما احتاجت الشعب أثناء الغزو العراقي للكويت وبالتحديد في “مؤتمر جدّة”[121] لتثبيت شرعيتها”،[122] وذلك “مع أن المجتمع أمام التحديات الرئيسية ينسى هذه الهويات ويتجاوزها إلى الهوية الوطنية الجامعة، وهذا ما رأيناه أثناء الغزو العراقي للكويت. فالمقاومة التي تشكلت كانت وطنية منصهرة، وكذلك قبلها في الحراك السياسي الذي عُرف بـ “دواوين الاثنين” والذي جاء ضد “الانقلاب الثاني على الدستور” في نهايات الثمانينات والمطالبة بعودة العمل بالدستور، فقد كانت حركة وطنية عامة”.[123]

ولا يعتقد فهد راشد بوجود لتجليات المواطنة في الكويت “إلا في الحدود الضيقة والسطحية. فسياسياً، لا تذهب تجليات المواطنة إلى أبعد من حق المشاركة في “انتخابات موسمية”، لا تفضي إلى اكتساب إرادة سياسية حقيقية. واقتصادياً، لا تذهب تجليات المواطنة إلى أبعد من حق اقتسام الثروة، لكن بشكل متباين جداً بين أقلية اعتادت واستمرأت انتزاع الكثير، وأغلبية مرغمة على القبول بالقليل. وأما اجتماعياً، فتجليات المواطنة لا أثر لها في منظومة طبقية رجعية لا تعترف بالمساواة بين البشر من حيث المبدأ، دع عنك المساواة بين أبناء المجتمع الواحد”.[124]

1- الحياة السياسية:

لا ينص القانون الكويتي صراحة على منع تشكل الأحزاب السياسية، والمادة رقم (43) من الدستور تقول: “حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية “، فلا يسمح الدستور بقيام جمعيات على أسس طائفية أو قبلية أو عرقية أو غيرها، “كذلك ما يجب أن يكون في إشهار الأحزاب السياسية كمكوّن حديث يجمع الناس، فممارسة العمل السياسي في الكويت اليوم تتم في إطار فرض الأمر الواقع، وليس من خلال قانون واضح”.[125] “فهناك تردد رسمي من هذا الإشهار لأن الحزب الذي سيحوز على أعلى نسبة من المقاعد في المجلس سيشكل الحكومة، وهذا ما لن تتم الموافقة عليه، كما أنه من المفترض أن يتم اختيار النواب من وزراء الأمة، لكي تُمنح الحكومة غطاء سياسياً، وما يجري اليوم أن يتم اختيار نائب واحد فقط من النواب ليكون وزيراً، وهذا ما نسميه بـ “المحلِّل”. وهذه المعادلة خاطئة لأنه في الأساس يجب أن تشكل الحكومة من النواب الذين اختارهم الناخبون. (…) التجربة الوحيدة التي أفرزت أغلبية نيابية في الحكومة كانت تجربة مجلس 1992، أي بعد تحرير الكويت، إذ دخل إلى الحكومة ستة نواب، وبغضّ النظر عن تقييم نتائج التجربة، إلا أنه كان من المفترض تعزيزها، ولكن هذا ما لم يتكرر”.[126]

يسند العوضي جانباً من ضعف الحراك السياسي البرلماني عموماً إلى غياب الحياة السياسية الصحية في الكويت، في إشارة إلى أن الجمعيات السياسية أو الأحزاب السياسية “من شأنها أن تعدّ برامج متكاملة في كل القطاعات، وتسعى للوصول إلى السلطة التنفيذية عبر الانتخابات لتطبيق رؤاها في خدمة البلد”.[127]

وفي المقابل، فإن في تقوية السلطة للتيارات/الأحزاب الدينية نقضاً للمواطنة كما تعتقد التيارات المدنية، لأن “الأحزاب الدينية جاءت لتقوم بدور معاكس لما قامت وتقوم به الأحزاب الوطنية التي عملت على تعزيز المواطنة والعدالة والحقوق المدنية إلخ… فأي حزب ديني في مجتمع ثنائي الطائفة لا بد أن يكون طائفياً ويلعب الورقة الطائفية ويكرّس الانقسام الطائفي، ويعيد بناء نفسه طائفياً وهذا ما حدث. وأخذت الأحداث الإقليمية بأبعادها الطائفية تنعكس على الداخل الكويتي، وهذا جزء مهم من تعميق الانقسام ولجوء الكثير من الناس إلى الهويات الفرعية، وهنا بدأت عبارات تروج بين أنصار الهويّات المختلفة، فالحضر يشيرون بقولهم “أكلونا البدو”، والسنة يحذّرون من “المدّ الصفوي”، والشيعة يحذرون من “السلفية”، والقبائليون يتساءلون: “ما الذي خرجنا به؟”، وهكذا تتعزز مخاوف ومظلوميات لكل فريق من الآخر”.[128]

2- الانتخابات البرلمانية:

منذ عودة الحياة البرلمانية (1981) برزت بعض مظاهر التشظي المجتمعي السياسي، سواء لصالح القبيلة أو المذهب، وكانت القبائل تقوم بانتخابات فرعية تسبق الانتخابات العامة لتحديد من يمثلها، وذلك خارج القانون الذي منع هذه الممارسة. وقد كانت الدوائر الانتخابية في الكويت في الفترة من 1961 – 1976 عشر دوائر، وعندما عاد المجلس بعد توقف استمر خمس سنوات تم تعديل الدوائر إلى 25 دائرة انتخابية، ورأت القوى السياسية سلبيات عديدة في كثرة الدوائر فانطلقت في 2004 حملة “نبيها خمس” (نريدها خمس دوائر)، ونجحت الحملة في 2008.

تعتقد القوى السياسية الكويتية أنها نجحت نجاحاً غير مكتمل في مساعيها إلى الدوائر الخمس “لأنها تطوير للنظام الانتخابي السابق، ومع ذلك لم تسمح السلطة باستمراره”،[129] إذ إنّ “ظواهر الانتماءات القبلية كانت معروفة في السابق، ولكنها كانت محصورة في المناطق الخارجية من الكويت. فالدائرتان الثانية والثالثة المتّسمتان تاريخياً بأنهما مدنيّتان على عكس الدائرتين الرابعة والخامسة اللتان كانتا قبليتين، والتمركز الشيعي التقليدي في الدائرة الأولى (…) الآن حدث انقسام في الدائرة الأولى ما بين السنة الحضر، والسنة القبائليين والشيعة”،[130] وبذلك فقد “زاد التشطير داخل الصوت الواحد حتى أن أفخاذ القبائل صارت تتصارع على الكرسي، وصار الناس يتعنصرون بمجموعات أقلّ لأنها باتت قادرة على التحرك من أجل الدفع بالمزيد من ممثليهم الأقرب في المجلس النيابي”.[131] “كل هذه الممارسات عملت على المزيد من تدمير المواطنة المثالية الجميلة التي رسمها الدستور”.[132]

إنّ ترك السلطة الأمور تجري بشكلها الطبيعي من دون تدخل منها في موازين القوى قد “يتشكل معه تيار داخل البرلمان لمعارضة سياساتها، فعندما كان هناك “برلمان أغلبية”، والذي كان في أغلبه مكوّن ديني وقبلي (وإن كان لا يتناسب مع طرحي كـ “منبر”) حدث لأوّل مرة في الكويت أن تتشكل أغلبية برلمانية قادرة على الإطاحة برئيس الوزراء، وفي هذا خطورة لأنه برلمان قادر على تحقيق ما يريد من دون أن تستطيع الحكومة اختراقه، لذا يجب الحرص على ألا يتكرر”،[133] وهذا التفتيت “ما سوف تستمر الكويت في مواجهته في السنوات المقبلة ما لم تتخذ قراراً جريئاً بحل هذه المعضلة، فلا البرلمان قادر على مواجهة هذا الموضوع، والحكومة تشعر بأمان بعدم وجود برلمان حقيقي يراقب أعمالها وقادر على محاسبتها، اللهم بعض التصريحات. فمن خلال هذه النوعية من النواب استطاعت الحكومة إنقاذ رئيس الوزراء من عدد من الاستجوابات الموجهة إليه”.[134]
يطرح الديين إشكالية في القوى السياسية الوطنية المدنية، والتي هي بطبيعتها وتكوينها عابرة للطوائف والانتماءات للهويات الصغرى، وإن كانت تتفاوت طائفياً من داخلها، ولكن هذا ليس إشكالاً. “ولكن الإشكال الرئيسي في الشعارات السياسية والانتخابات (والتي كانت في السابق تتمثل في الانتخابات الفرعية، سواء القبلية أو الطائفية، والاستقطابات)، ففي هذه الأوقات المفصلية، يمكن رؤية ميل بعض التجمعات – وبحسب ثقل مكونها الفئوي – إلى جهة من الجهات التي ترفض الانتماء الصريح لها”.[135]

عند النظر إلى الممارسة الديمقراطية، تعتبر التجربة الكويتية متقدمة في هذا الجانب عن كثير من الدول العربية، ولكن هذا التقدم يراه عدد من السياسيين الكويتيين أنه أمر ظاهري، فهناك محاولة لتفريغ مجلس الأمة من محتواه ما أدى إلى “انصراف الناس وعدم ثقتهم بالبرلمان، حتى أن أصواتاً تخرج بأننا لا نريد البرلمان، وهذا ما تريد السلطة أن توصل الناس إليه، وهناك من السياسيين من يقول أنه من بعد الانقلاب الأول على الدستور لم تعد هناك ديمقراطية في الكويت. ومجلس الأمة ليس إلا جمعية نفع عام تجتمع أسبوعيأً مع الحكومة لمناقشة الميزانية فقط”.[136] فالغالبية العظمى من الشعب لا تشارك في صنع القرار، لأن المؤسسة الحكومية هي التي تصنع القرار وتفرضه حتى على البرلمان من خلال امتلاكها أغلبية معينة فيه قادرة على تمرير كل ما تريده.[137] و”الجزء الأكبر من نواب البرلمان الكويتي هم نواب مصالح، حيث سعت الحكومة لتعزيز هذا المفهوم، إذ لا يمكن للخدمات أن تتحقق للمواطنين إلا من خلال لجوئهم إلى نوابهم، وهؤلاء النواب الذين أفرزتهم الانتخابات الموزعة بالشكل غير الوطني بل للحسابات الأخرى. وهذا ما يجعل الحكومة تحصّن نفسها، وتقوم بشراء الولاءات. فعلى سبيل المثال: إذا كانت هناك حاجة للعلاج في الخارج، فإن اللجوء لا يتم للنائب الذي هو في المنطقة نفسها، بل اللجوء إلى النائب الذي يمثل المذهب أو الطائفة أو القبيلة إلخ… تسود حالة عدم ثقة في مؤسسات الدولة، فإذا ما كانت الولاءات هي الأهم وهي التي تحقق للمواطن ما هو منصوص عليه دستورياً وقانونياً، ولكن الحكومة متخلية عنه لصالح الولاءات الضيقة، فكيف يكون هناك ولاء للوطن إذن؟”[138]

3- القبلية والطائفية:

كمعظم المجتمعات العربية، فإن المجتمع الكويتي مجتمع قبلي في جزء مهم من تكوينه. وكانت القبائل بما تعوّدتها من حركة تتنافى مع الثبات في مكان واحد والاستقرار فيه، قد تبادلت والدولة المركزية في الكويت حالات التشادد التي حاولت فيها الدولة إذابة القبائل في عجين المجتمع، وحاولت – في المقابل – القبائل الاحتفاظ باستقلاليتها والنأي بنفسها عما تمليه الدولة الحديثة من التزامات.[139] ومع مرور الزمان استطاعت الدولة كسب أشواط كثيرة في محاولاتها الدؤوبة، حتى “أصبحت القبيلة – كمكوّن اجتماعي – جزءاً من التراث، ومن المفترض ألا يكون لها دور سياسي، لأن القبيلة انتفت بانتفاء اقتصاد الرعي، وصار أبناء القبائل مندمجين في كل وظائف المجتمع المدني”.[140]

إلا إنه بالتوازي مع “الصحوة الإسلامية” في السبعينات والتي قيل أنها – في جانب معيّن – ردّ فعل على الإغراق في تيار الحداثة عالمياً، الذي خلا من الروحانيات، ظهرت “الصحوة القبلية” في منطقة الخليج العربي، ونما فجأة اهتمام بالبداوة، وأفسح مجال للشعر النبطي في الصحف والمجلات المتخصصة والإذاعة والتلفزيون، بما يشير إلى ردّ فعل آخر تجاه التيارات الفكرية والأيديولوجية التي سيطرت على المنطقة العربية برمتها، ومنها الخليج العربي. وفيما كان المتأثرون بالتيارات السائدة منذ منتصف القرن العشرين يكتفون بذكر أسمائهم الأولى عند التعريف بأنفسهم حتى يُبعدوا الشأن القبلي عن علاقاتهم وتراتبياتهم التنظيمية، عاد التأكيد وبقوة على تثبيت أسماء الأسر والقبائل، وسرى ما يشبه الهوس الجماعي بالانتساب إلى قبيلة ما، واصطناع أنساب وألقاب وإضافة “ال” إلى الأسماء الأخيرة لمن ليست لهم قبيلة معروفة حتى يوحي الاسم الأخير بذلك.

بدأ يبرز مكان للقبيلة والقبلية كويتياً في العملية السياسية، إذ أعطت السلطة شيوخ القبائل – الذين لم يكن دورهم يتجاوز الجوانب الاجتماعية – أدواراً سياسية. فعلى المواطن – لكي يحصل على حقوقه المنصوص عليها دستورياً – أن يلجأ إلى شيخ قبيلته ليتصل ويسهّل أموره، سواء كانت فرصة وظيفية، أو منافع، أو بعثات دراسية إلخ… وشاعت المحاصصة الوزارية على أساس قبلي لا علاقة له بالكفاءة، وهي سياسة انعكست على النسيج الوطني. كما لاحظت السلطة أن أساس المعارضة آت من أبناء الأسر السنية الحضرية، فصارت تغلّب الجانب القبلي فيهم، والتفتت إلى الأسر الشيعية التي هي مناصرة تقليدياً للسلطة منذ 1938، ولكن حدث نوع من الميل في أوساط الشيعة تجاه إيران بعد الثورة الإسلامية هناك، فراحت تحاربهم”.[141]

ومع كل الانتقادات التي يوجهها الفاعلون سياسياً إلى الأجواء السياسية الكويتية، إلا أن هناك مساحة للعمل البحثي فيها، كإجراء البحوث التي لا تُقدم دول الخليج العربية الأخرى على إجرائها، كجملة من الأبحاث التي تقيس الولاء والتعصب في المجتمع الكويتي، حيث توصلت دراسة عن التعصب والمواطنة أجريت على طلبة جامعة الكويت، إلى أن “التعصب القبلي يحتل المرتبة الأولى في مستوى حضوره وانتشاره في المجتمع، حيث يعلن 93% من الطلاب انتشار هذا التصعب، يليه التعصب الطائفي في المرتبة الثانية، وبنسبة 91.5%، ثم التعصب العائلي 79.6% في المرتبة الثالثة، ليأتي التصعب الديني 78.1% في المرتبة الرابعة والأخيرة”.[142] وبحسب علي العوضي، فمنذ 2011 والحراك صار قبائلياً أو فئوياً بشكل عام، فالطرح خاص بفئة معينة، ولكنه مغلف بالغلاف الوطني العام. إذ منذ تلك الفترة حدث إبعاد متعمَّد للقوى الوطنية والديمقراطية وتهميش مشاركتها، وعندما تدعو القوى الوطنية لأي حراك، لا تتعاطى معها الجهات المتخندقة في القبلية أو الطائفية إلا من خلال بعض الرموز كنوع من “رفع العتب”، من دون حشد، وهذا ما همّش دور القوى الوطنية على المستوى الشعبي والسياسي.[143]

انعكس هذا الوضع حتى على الانتخابات الطلابية في الجامعات، فالحركة الطلابية “أنشأتها القوى الوطنية، وكان رئيس الاتحاد المحلي لطلبة الكويت في النصف الأول من ستينات القرن الماضي، من الطائفة الشيعية، ولم يكن الكثيرون يعلمون ذلك، ولم يكونوا ليهتمّوا لو عرفوا. أما اليوم نجد مسمّيات في الانتخابات الطلابية، من مثل “منسّق القبيلة الفلانية في انتخابات الكلية الفلانية”، والسواد الأعظم من القوائم الانتخابية هي طائفية وقبلية بامتياز”.[144]

ولا يلوم العوضي المواطن “الذي يودّ أن تعود الأمور إلى نصابها، إذ يقع ما بين فكّي كمّاشة الخارجين عن النسق القانوني من المواطنين، والحكومة التي تسهل هذه الانتماءات وتنتقص من حريته والتحديد في عمليات التجمع والتضييق على مؤسسات المجتمع المدني، وبدلاً من أن يصر على تطبيق القانون، صار يلجأ إلى الانتماءات الفرعية، كالطائفة والقبيلة”[145] باعتبارها أمراً واقعاً.

قضايا أخرى تقدح في المواطنة الدستورية في الكويت:

– المرأة:

بعد حراك طويل ومعارضة، نالت المرأة الكويتية حقوقها السياسية، ولكنها لا تزال تعاني من عدد من القضايا التي لم يُبتّ فيها بعد. هناك تمييز لا يزال في قضايا أخرى خاصة بها مثل حق الحصول على الرعاية السكنية، ومنح الجنسية لأبنائها، مع النظر إلى أن المرأة الكويتية تساهم بفاعلية في سوق العمل، وغالبية الجسم الطلابي في الجامعات الكويتية من الطالبات، ولكن القضايا الأخرى المشار إليها مرهونه بتطور المجتمع لتجاوز هذا التمييز.[146]

– حق التعبير عن الرأي والتجمع:

يشير ناشطون إلى التضييق الذي يتم على الناشطين في الإعلام الاجتماعي، وفي مسألة حقّ التجمّع للتعبير عن الرأي “لم يعد هناك حق التظاهر، ولا حق التجمع، وقامت الشرطة بأعمال عنيفة من إغلاق الدواوين والملاحقات السياسية وغيرها، بل حتى أن السلطة منعت التجمّع في أيّ مكان سوى “ساحة الإرادة” المقابلة لمجلس الأمة، ثم ضيّقت الأمر إلى الحصول على تصريح، وضيقته أكثر بتحديد وقت للتجمع، وبالتالي فإن السلطة تأخذ وتأخذ من حقوق الناس التي هي من صميم المواطنة. حدثت هناك تصادمات مباشرة، ولكن في أغلب الحالات جرى تقنين التضييق شيئاً فشيئاً،[147] وأكثر هذه التضييقات وأكبرها حدث ما بعد 2011، وكان من توقع أن تسير الكويت في اتجاه أكثر انفتاحاً من بعد الحراك الذي حدث في 2006 بتعديل النظام الانتخابي، لكنه عاد وانتكس من بعد 2011. وهذا الأمر له أسباب متعلقة بالقوى السياسية وبالسلطة على السواء، بدخول أطراف من الأسرة الحاكمة بعد صراع 2006، وقامت بتوجيه مجاميع محددة في اتجاهات تخدم مصالحها”.[148]

يختتم الناشط الإبراهيم: “كشاب في أوائل الثلاثينات من عمري، أرى تراجعاً بين الفترة التي كنت فيها ناشطاً طلابياً، من حيث نوعية الخطاب، وبين هذه الفترة التي أرى فيها زملاءً وأقراناً لي يهدَّدون في وظائفهم، أو سحب جنسياتهم، ومن هم في السجون إلخ…، وهذا يجعل البعض يعيد التفكير قبل الإدلاء برأيه”.[149]

– الكويتيون الـ “بدون”:

تظل قضية “الكويتيين البدون” كما تطلق عليها “الحركة التقدمية الكويتية”، أو المعروفة على نطاق واسع جداً بـ “البدون”، من أكثر الملفات الظاهرة في مسألة المواطنة في الكويت، والتي تكاد تتفرد عن دول مجلس التعاون الأخرى بها، إما بحجمها، إذ تقدّر هذه الفئة بعشرات الآلاف، وإما بقدرتها على التعبير.

يشير الكويتيون إلى التناقض الرسمي بين أناس لا يعرفون إلا الكويت بلداً لهم ولا يُعطون جنسيتها، في الوقت الذي تستأمن السلطة البلاد في أيديهم، لأنهم يُقبلون في السلك العسكري، ويحملون السلاح، وسقط منهم من سقط وهم يدافعون عن الكويت في 1990. “مع تقدم الزمن، فإن الحلول القديمة والتعامل بعنصرية مع هذه القضية ما عاد مقبولاً لا محلياً ولا دولياً. لا يمكن إبعادهم، ولا يمكن تجاهلهم إلى الأبد، فلابد من الاعتراف بوجودهم وأحقيتهم لأنهم جزء من المجتمع الكويتي ومن نسيجه”.[150]

– إسقاط الجنسية:

من الأمور التي رأى الناشطون إنها تفتُّ في المواطنة، فهناك رفض أن تختص المحكمة الإدارية في إسقاط الجنسية، وهذا يعطي الحكومة تمكيناً أكبر في إسقاط جنسية من تشاء من المعارضين،[151] وهذا الأمر لا يختص بالكويت وحدها، إذ يقول عبيد الوسمي أنه في”الفترة التي أعقبت ما يسمى بـ “الربيع العربي” ازدادت حدّة الموجات الخليجية التي تمنح وتنزع الجنسية من الأفراد، وفي أكثر من دولة، في عودة إلى المخططات الأساسية والأولية لبناء هذه الدول في تحديد من يحمل الهوية. فليست المواطنة هي التي تخوّل لأن الفرد يحمل أوراق الجنسية أو الهوية الوطنية، ولكن “الأوراق” مرتبطة بمدى قبول السلطة للشخص، إذ كل من يحمل فكراً لا يتماشى مع فكر النظام يعتبر خطراً، حتى لو لم تكن الفكرة خطرة”.[152]

دور التيارات المدنية في ترسيخ المواطنة

يقرّ الناشطون الكويتيون بأمرين، الأول: المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق القوى الوطنية في ترسيخ المفاهيم الخاصة بالمواطنة على اعتبارها الأكثر قدرة على تمثيل النسيج الكويتي من خلال فكرها وتكوينها وقواعدها، فهي كما “تشير التجارب، القوى الأكثر تأهيلاً ليلتف حولها الشعب بكل أطيافه وقواه”.[153]

والثاني: هو تواضع صوت التيارات المدنية وتواضع قدرتها أيضاً أمام القوى والعوامل الأخرى المؤثرة على الساحة، بزعمها قيام السلطة بتقويض قواعدها لصالح الانتماءات ما دون الوطنية، “فالمنتمي للهويات الفرعية مغطّى من قبل انتمائه، أيّاً كان هذا الانتماء، ولكن العابر للهويات الفرعية يواجه إشكالية تآكل قواعده التي تنسلخ عنه رغبة في الحصول على تلك التغطية، وكذلك الحصول على المميزات والخدمات إلخ… التي توفرها الانتماءات والولاءات الأخرى، وهذا ما لا توفره القوى الوطنية”.[154]

والمخرج من هذه الوهدة مستقبلاً “يحتاج إلى حراك سياسي حقيقي لبناء المواطنة الصحيحة، وهذا يبدأ من تعديل النظام البرلماني الذي يفرز الحكومة، والحكومة لا تملك ظهراً في البرلمان، فتلجأ للأساليب المضعفة للديمقراطية”.[155]

ولا يرى سياسيون كويتيون أن العمل على تأسيس المواطنة وترسيخها من الأمور النخبوية التي يمكن أن تتحقق في معزل عن الشارع، ومن هنا فإن “على القوى الوطنية دور كبير في نشر الوعي الخاص بالمواطنة بين شرائح الشعب حتى لا يجري التقليل من هذا الجانب في أي حراك من قبل النواب أو الحكومة أو أي طرف كان. أي أن تبقى المواطنة هي البوصلة في أي خطوة مستقبلية. العمل السياسي مطلوب، وهذا ما يفقد قيمته إذا لا يوجد المواطن الذي يتناغم مع هذا البرنامج، أو أن هذا المواطن مغيّب لصالح برامج أخرى تنتقص من حقوقه الدستورية من دون أن يدري… ومن بعد الوعي يمكن الرهان على الشارع”.[156]

المشكلة الرئيسة نفسها تبرز عند عبيد الوسمي، لأنه مهما كانت التشريعات جميلة وقوية في شكلها الأساسي، فلا تقابلها منظومة قيم اجتماعية تساندها، فينقسم المجتمع بشكل حاد على مسألة تكاد تكون واضحة، فواحدة من أعقد المشاكل التي تمر بها قيم كالمواطنة، أن المجتمعات فشلت في خلقها وإعلائها، فلا يمكن أن ينهض القانون لوحده – وإن كان مكتملاً – في ظل غياب هذه القيم مجتمعياً.

ويشكك الوسمي في قدرة التيارات المدنية على إحداث التوعية والتغيير بالنسبة لقيم المواطنة، بسبب قلة القاعدة الجماهيرية لهذه التيارات “فإذا ما قلنا “تياراً” فإننا نعني القدرة على خلق اصطفاف، ونقل فكرة، وإقناع الناس بها، ومدى تأثيرها في محيطها، وهذا مفتقد. وفي المقابل، فإن التيار الإسلامي الذي أنهى المرحلة الأولى المطلوبة منه (ضرب التيارات المدنية وتحويلها إلى “دكاكين” لبعض الشخصيات التاريخية هي أقرب للمتاحف منها للمنابر السياسية)، فإنه يبقى موجوداً إلى الآن ولكن مع تغيير دوره المطلوب وهو تغيير خطابه عما كان عليه في السابق”.[157]

ولا يشكك فهد راشد في قوة التيارات المدنية وقدرتها على الحركة والتأثير، ولكنه يشكك في جوهر دورها ومساعيها. فبالنسبة إليه، يعتقد أن هذه التيارات جزء من المشكلة لا الحل، “لأن شغلها الشاغل هو محاولة إيجاد موطئ قدم لها، ليس في المشاركة في اتخاذ القرار السياسي، بل في المشاركة في اقتسام أكبر نصيب ممكن من “عطايا السلطة” صاحبة القرار السياسي، ويسري – في رأيي – هذا الكلام على التيارات السياسية في اليمين واليسار، مع استثناء بعض المجاميع السياسية الجديدة وغير المؤثرة. ليس لدينا، مع الأسف، تيارات سياسية تبلغ من النضج السياسي بحيث تنظر بعين المسؤولية إلى أبعد من المكاسب الضيقة للحظة الراهنة، ولهذا ليس لدينا مقاومة فعلية لانفراد السلطة في القرار السياسي، بل نجد على العكس من ذلك مباركة لنهج السلطة من خلال مشاركة تلك التيارات في انتخابات برلمانية لا يسفر عنها سوى مجلس صوري بلا أنياب، أي بلا إرادة سياسية حقيقية. لهذا كله، يبقى مفهوم “المواطنة” مجرد شعار ترفعه تلك التيارات، لكنها غير مؤمنة به. فعلى سبيل المثال، إذا كان موضوع تجنيس غير المسلم قد كشف بوضوح عدم إيمان التيارات “الرجعية” بمفهوم المواطنة، فإن الموقف العنصري للتيارات التي ترفع شعارات “الوطنية” و”المدنية” و”الليبرالية” من قضية عديمي الجنسية “البدون” قد كشف بوضوح عن عدم إيمان مثل تلك التيارات بمفهوم “المواطنة””.[158]

خاتمة

بات من الواضح أن مصطلح “المواطنة” في كل من البحرين والكويت، هو المصطلح الأبرز الذي يمثل المدار الأهم للتجاذبات بين السلطات وقوى المعارضة، وإن كان عبر العقود الماضية، وقبل تحديد المفهوم وتماسكه، يأتي على هيئة مطالبات متفرقة، فصار المصطلح الجامع للحقوق المدنية، هذا إضافة إلى المطالبات بالإصلاحات الاقتصادية، أو العلاقات الخارجية وغيرها، والتي تمسّ المواطنة ولكنها ليس بذات التأثير المباشر الذي يعايشه المواطنون.

والحال نفسها من المطالبات في دول الخليج العربية الأخرى، وإن على تفاوت، وذلك لافتقاد هذه الدول التنظيمات السياسية الرسمية كما في البحرين، أو شبه الرسمية كما في الكويت، فتأتي المطالبات قليلة ومتفرقة ولا تحمل معها صفة المؤسسة التي تتبناها، وهذا ما يؤدي إلى أن تخبو سريعاً.

ويبقى العدد الأكبر من الإشكاليات الخليجية في مسألة المواطنة متشابهاً إلى حدّ كبير، وواحدة من أهمها منح المواطنة المتزوجة من غير مواطن جنسيتها لأبنائها، فالوضع الكويتي البحريني للمرأة هو نفسه الخليجي، وإن ظهرت بعض “المكارم” من قبل السلطات العليا في بعض دول المنطقة بمنح أبناء المواطنات غير المتزوجات من مواطنين الجنسية لأبنائهن، فإن ذلك لا يتم عن طريق قانوني يقرّ الحقوق، وإنما عن طريق المنحة.

ولاتزال مفاهيم المواطنة حكراً على الجمعيات والتيارات السياسية، وبالأخص المدنيّة منها، وخصوصاً وأنها تنادي بالدولة المدنية، أي الدولة العلمانية التي لا يكون الدين فيها أساساً للمواطنة، بل الأساس فيها تبادل الحقوق والواجبات بين السلطة والشعب،[159] ولم تكن “المواطنة” – بمفهومها الشامل – جزءاً من وعي المواطنين وعاملاً أساسياً في تعريفه لعلاقته بالدولة والسلطة. ولذلك تجد القوى السياسية المدنية، ذات القواعد الضعيفة قياساً بالتيارات الدينية، أو من يسمّون بالـ “الغالبية الصامتة”، أن دربها لا يزال طويلاً للوصول إلى الحد الذي يجبر السلطات المحلية على التنازل عن بعض مميزاتها لصالح الأفراد، وليست السلطات في أي مكان في العالم مستعدة لتعطي عن يدٍ وهي صاغرة لتيارات لا تشكل خطراً على وجودها، وليست لها أصوات هادرة على المستوى الوطني.

وما إدارة الحوارات في مسألة المواطنة، وعمل الدول العربية عموماً على إنشاء مناهج لتدريسها بالشكل الذي يتواءم مع مفاهيمها، إلا لدلالة “أنّ وطننا العربي ما زال في أوّل السّلم على الصعيد العالمي إزاء المفهوم السليم للمواطنة وحقوقها، حيث تزداد الحاجة إلى إثارة حوار وجدل حول الفكرة وأبعادها وغاياتها وسياقاتها، وحشد قوى وطاقات حكومية وغير حكومية، سياسية وفكرية ودينية وثقافية واجتماعية، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، لمقاربة المفهوم الذي ارتبط بالدولة العصرية الحديثة، وبالتقدّم الذي حصل في هذا الميدان، ولاسيّما في الدول الغربية المتقدمة، حيث هناك تصالح بين الدولة والمواطن”.[160]

ففي أوروبا – من حيث أتى المصطلح – وضعت قواعد وباتت مجتمعاتها متمسكة بها لا تقبل الخروج عليها، فالمواطنون هناك تشرّبوها في مؤسساتهم التعليمية وممارساتهم اليومية، وعلاقاتهم مع السلطة والحرية، فلا يستطيعون التخلي عنها. حتى وإن كان بعض الأفراد لديه تصورات عنصرية (مثلاً) فهو لا يستطيع التصريح بها لأن في هذا هدم للبناء الاجتماعي، لذا فهو يجرّم عليها، وهذه خلاصات توصّل إليها الإنسان الغربي بعد الدمار والدماء التي خلفتها صراعات طويلة وسلسلة من الثورات والحروب الأهلية وخاتمتها الحرب العالمية الثانية، فتم وضع المواثيق الأساسية التي تصل إلى حدّ القداسة عند الإنسان الغربي في أوروبا والولايات المتحدة، ويصبح في معلومه أن نقضها يعني العودة إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، بكل ما في الكلمة من معنى، ومن هنا أنشأت المجتمعات الغربية منظومة من القيم فأصبحت القوانين تدور حول هذه القيم وأساسها المواطنة،[161] في الوقت الذي استوردت فيه الدول العربية المصطلح وحاولت تبيئته من أجل الاندماج في “النادي العالمي”. ولكن أكثر الدول العربية ومجتمعاتها لم تمرّ في التجربة الأوروبية ذاتها، في الوقت الذي سيطر فيه فكر “الراعي والرعية”، فجاءت القوى الاجتماعية ضعيفة التأثير في السلطات، في حين أن غالبية الثورات والانقلابات تولتها المؤسسات العسكرية التي أقامت أنظمة مشابهة لما انقلبت عليه، وكان من السهل في هذه الأوضاع التخلي عن المفاهيم والقيم التي اجتلبتها السلطات من الخارج لأن جذورها ما كانت بالعمق الكافي الذي يحول دون اقتلاع هذه المطالبات جزئياً أو كلياً.

وليس هذا الضعف مقتصراً على السلطات وحسب، بل على المستوى السياسي كذلك، ومن أبرز مظاهره في البحرين “الانشطارات الحقيقية في الجمعيات من بعد 2011، وهذا ما يعكس أن الترسبات الطائفية المذهبية لم تغادر يوماً، ولا تزال متشبّعة ومتشعّبة في نفوس المنتمين إلى هذه الجمعيات والذين دافعوا عن أفكارها لعقود، فبات من الواضح أن هذه الانتماءات الفرعية هي موجودة تحت القشرة الأيديولوجية”.[162] “فالتعاطي كان ولا يزال براغماتياً بامتياز، أي أنه يخدم أغراضاً محددة، وتقتصر بمجملها على العملية الانتخابية، فإذا كان، موقف التيار السياسي ضعيفاً في دائرة انتخابية معينة بالقياس إلى التركيبة الإثنية للدائرة، فلن يتردد هذا التيار في العزف على مفهوم المواطنة لمعالجة قصوره الانتخابي، لكن إذا حدث العكس بحيث تصبّ أصوات الدائرة مع مرشح التيار، فلا بأس من استثمار النزعات العصبية الضّيقة لخدمة الطّموح السياسي الضّيق”.[163]

فالثنائيات المذهبية والمجتمعية في كل من البحرين والكويت، كما هو الحال في الدول الخليجية والعربية بشكل عام، تؤدي وظائفها المانعة والمعرقلة لقيم المواطنة، لأن هذه القيم تتناقض مع مصالحها، ويؤدي ذلك إلى أن يتخلى المجتمع عن حقوقه لصالح المؤسسة الرسمية لتسيّر أعماله، فـ”عندما يسقط المجتمع في كيانه السياسي والإداري والاجتماعي، لا شك أنّ وجود القانون والقواعد الأخلاقية يغدو هامشياً. وبقدر ما يكون القانون منسجِماً مع ممارسات الناس، يغدو الأمن الاجتماعي والسياسي والمؤسّساتي مُكرَّساً. والعكس صحيح، إذ تتّصف المجتمعات المُهترِئة بفقدان القوانين النافذة، وسريان الفِئوية، وانتشار ثقافة الفساد والعنف بشكليه المادي والمعنوي، والاستغلال”.[164]

وعلى الرغم من التكوين السياسي المتباين ما بين الكويت والبحرين، إلا أن هناك تشابهاً جلياً في محددات تقدم “المواطنة” إلى المرتبة الداعية للاطمئنان، بل إن الخروقات في هذا الشأن، من وجهة نظر الجمعيات والتيارات المدنية، تبدو كبيرة، وتحتاج إصرار التيارات المدنية نفسها على الوصول إليها وبنائها مجتمعياً. خصوصاً في ظل التسابق المجتمعي لفتح مسارات أخرى تتناقض مع مفاهيم المواطنة كمحاولات الأسر “لتأصيل” امتداداتها بتشجيع رسمي أحياناً، إما بالسكوت أو بطلب الانتساب، وإضافة “بن” إلى ما بين الأسماء، أو “ال” التعريف أو اصطناع أسماء أسر غير متداولة وغير معروفة مجتمعياً، ويتجلى ذلك في الحالة البحرينية على وجه أوضح في السنوات العشرين الماضية، من أجل توفير الشعور بالانتماء الوجداني إلى المجتمع، واصطناع المفاخرة بالانتماء لعمق الجزيرة العربية، وهذا مطلب صار ملحاً لعدد من الأسر التي راحت تبحث في أصولها، أو تدّعي وصلها بقبائل عربية، لتعزيز مركزها في المجتمع.

تواجه التيارات المدنية في كل من البحرين والكويت تحديي انتشارها، وهما ما تلوم السلطات عليه بأنها عمدت إلى قصّ أجنحتها بتعزيز القوى الدينية وإعلاء شأن الولاءات الفرعية. والتحدي الثاني هو الممارسة الفعلية لبعض من أهم مفاهيم المواطنة داخل التيار نفسه، كتداول السلطة، حيث الملاحظ بطء التغيير في “تداول السلطة” في هذه الكيانات. ففي البحرين أسفر حراك السنوات العشرين الماضية عن تغيرات طفيفة جداً في قيادات الجمعيات، وفي الكويت هناك من يسمّون بالشخصيات التاريخية التي تم تجاوز بعضها أو ابتعاد بعضها طوعاً عن المشهد السياسي، الأمر الذي يفسره حسن العالي بقوله: “الديمقراطية الداخلية في عدد من الكيانات السياسية لها ما يمكن تسميته بالجانب الأبوي، باعتبار وجود القيادات التاريخية فيها، وهذا يأتي على حساب ممارسة الديمقراطية بالشكل الصحيح في هذه الجمعيات، واحترام دساتيرها الداخلية (…) لا أستطيع القول إننا نعكس الوضع السليم للديمقراطية، فالجيل الثاني من القيادات التاريخية لا يزال موجوداً في معظمه”.[165]

وفي المقابل فإن السلطات في الدول الخليجية قد تدرك “أن إضعاف الدولة كمؤسسة، يعني إضعاف المواطنة كعلاقة”،[166] وحينها يصبح من الصعب أن تجدي حملات العلاقات العامة الداخلية في الدول لأن تصلح التمزقات التي لم يجرِ تفاديها، فيجري التعويل على تعزيز المؤسسات العسكرية، لمواجهة الأخطار الخارجية والداخلية على السواء، وإغناء المواطنين – ما أمكن – عن السؤال عن حقوقهم، بحسب الفوائض النفطية لكلٍّ منها.

 لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (PDF)
لعرض قائمة المحتوى للاصدار


[1] يأتي مصطلح “المدنية” فقط للتفريق بين القوى الدينية (الإسلاموية) وغير الدينية في المجتمعين الكويتي والبحريني.

[2] تم الاقتصار على كل من البحرين والكويت من دون دول مجلس التعاون الخليجية الأخرى، لوجود جمعيات سياسية مقننة في الأولى، وتيارات وحركات غير مقننة، ولكنها معلنة ولها أطرها المعروفة في الثانية.

[3] صبا حسين مولى، المواطنة وأثرها في ترسيخ القيم الوطنية في المجتمع العراقي، Route Educational and Social Science Journal، المجلد 5 (7)، )مايو 2018(، ص 868 و869,

[4] مخلص الرحمن، “التعدّد اللّغوي وقِيم المُواطَنة العالميّة،” نشرة أفق (مؤسسة الفكر العربي)، < http://ofoq.arabthought.org/?p=2573 >.

[5] خالد صلاح حنفي محمود، “العلاقة بين المُواطَنَة والتنمية،” نشرة أفق (مؤسسة الفكر العربي)، < http://ofoq.arabthought.org/?p=3407 >.

[6] عبدالحسين شعبان، الهوية والمواطنة: البدائل الملتبسة والحداثة المتعثرة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2017)، ط1، ص 37.

[7] فوزي بوخريص، “تحوّلات مفهوم المواطنة،” نشرة أفق (مؤسسة الفكر العربي)، < http://ofoq.arabthought.org/?p=2106 >.

[8] المصدر نفسه.

[9] عبدالحسين شعبان، الهوية والمواطنة، مصدر سابق، ص 29..

[10] فوزي بوخريص، “تحوّلات مفهوم المواطنة، نشرة “أفق”،” مؤسسة الفكر العربي، < http://ofoq.arabthought.org/?p=2106 >.

[11] خالد صلاح حنفي محمود، مصدر سابق.

[12] المصدر نفسه.

[13] خالد الحروب، “مبدأ المواطنة في الفكر القومي العربي: من “الفرد القومي” إلى “الفرد المواطن”،” مجلة المستقبل العربي، (مركز دراسات الوحدة العربية)، (العدد 264)، (السنة 23)، (فبراير 2001)، ص 128.

[14] المصدر نفسه، ص 128.

[15] خالد الحروب، مصدر سابق، ص 128 – 130.

[16] المصدر نفسه ، ص 128.

 [17]خالد الحروب، مصدر سابق، ص 128.

[18] عقل إبراهيم الباهلي، “المواطنة والدولة المدنيّة، نشرة “أفق”،” مؤسسة الفكر العربي، < http://ofoq.arabthought.org/?p=2219 >.

[19] للمزيد، يمكن الرجوع إلى: سلسلة من المقالات كتبها بدر عبدالملك تحت عنوان “حركة القوميين العرب في البحرين وعقد من الانبعاث والتلاشي”، في صحيفة الأيام البحرينية، بين العامين 2015 و2016.

[20] فيصل أبوصليب، “التوجه القومي العربي في سياسة الكويت الخارجية (1961- 1990)،” مجلس العلوم الاجتماعية، (جامعة الكويت)، المجلد 45، (العدد 3)، (2017).

[21] محمد جمال باروت، حركة القوميين العرب: النشأة – التطور-المصائر “تلخيص وعرض” (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 2007).

[22] للتوسع في هذا الجانب يمكن الرجوع إلى فؤاد اسحاق الخوري في كتابه القبيلة والدولة في البحرين: تطور نظام السلطة وممارستها (بيروت: معهد الإنماء العربي، 1983)، ط1، تحديداً الفصل السادس “النفط والتحولات الاقتصادية والاجتماعية”.

[23] باحوط،جوزيف، كاماك،بيري، وآخرون، الاقتصاد السياسي العربي: مسارات نحو النمو العادل (مركز كارنيغي للشرق الأوسط)، < https://carnegie-mec.org/2019/01/21/ar-pub-78162 >. وكذلك، عبدالهادي خلف في كتابه بناء الدولة في البحرين: المهمة غير المنجزة (بيروت: دار الكنوز الأدبية، 2000)، ط 1، ص 78 و79.

[24] يشير البرنامج السياسي للمنبر الديمقراطي التقدمي (2005) إلى أن السلطة “سارعت بتصفية الحياة النيابية وشنّت حملة قمعية من الاعتقالات والتعذيب ضد مناضلي الحركة الديمقراطية والتقدمية في أغسطس/آب 1975 متذرعة برفض المجلس الوطني وبإجماع أعضائه مشروع بقانون بشأن تدابير أمن الدولة،” ص 12.

[25] كيبل، جيل، “جهاد: انتشار وانحسار الإسلام السياسي، قراءة: أحمد حسني”، ضمن كتاب: مجموعة باحثين، خلاصات أهم ما كتب عن الجماعات الإسلامية (دبي: دار المسبار للدراسات والبحوث،2011)، ط1، ص 18 و19.

[26]إدريس لكريني، “عن المواطنة وتدبير الاختلاف في مجتمعاتنا المأزومة”،” نشرة “أفق” (مؤسسة الفكر العربي)، < http://ofoq.arabthought.org/?p=1393 >.

[27] عبيد الوسمي، سياسي محافظ مستقل، أجريت المقابلة في 29 مارس 2019.

[28] المصدر نفسه.

[29] المصدر نفسه.

[30] مي محمد الخليفة، ،سبزآباد، رجال الدولة البهية: قصة السيطرة البريطانية على الخليج العربي (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1998)، ط1 ص 488. ومن الملاحظ ان السرديات تختلف بين المراجع والأطراف المختلفة حول احداث العشرينيات في البحرين.

[31] المصدر نفسه، ص 568.

[32] الرواية البريطانية لطبيعة العلاقة بين الفئات الاجتماعية في البحرين لا يمكن أخذها على إطلاقها، حيث تُشير تحليلات أخرى بأن التصنيف السياسي الاثني-الطائفي كان هو الأنسب للانجليز أنفسهم للتعاطي مع المنطقة، بحيث يُقرأ المجتمع على أسس طائفية واثنية أسوة بما انتهجوه في إدارتهم للهند، وبناءً على ذلك التصنيف تم التعاطي مع الأحداث والسكان في تلك الفترة. للتوسع في هذا المجال انظر:

Omar H. AlShehabi, Contested Modernity: Sectarianism, Nationalism, and Colonialism in Bahrain (London: OneWorld Academic, 2019).

[33] محمد عبدالقادر الجاسم، ، سوسن علي الشاعر، البحرين: قصة الصراع السياسي (1904-1956)، (2000)، ص 81.

[34] ابن ثابت، “الطائفية علتنا الكبرى،” صوت البحرين، (العدد 2)، (14 سبتمبر 1950).

[35] توصف الهيئة (1954-1956) أنها أول كيان سياسي يضم السنة والشيعة معاً، للمزيد من الاطلاع يمكن الرجوع إلى: حسين البحارنة، “قراءات في محاكمات قادة هيئة الاتحاد الوطني،” الحوار المتمدن، 9 فبراير 2005، <http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=31416&r=0 >.

[36] عباس ميرزا المرشد وعبدالهادي الخواجة، التنظيمات والجمعيات السياسية في البحرين: دراسة وصفية حقوقية (البحرين: دار فراديس، 2008)، ط1، ص 48و49.

[37] بدر عبدالملك، مرجع سابق.

[38] عباس ميرزا المرشد وعبدالهادي الخواجة، مرجع سابق، ص 51 و52.

[39] أسامة عبدالرحمن، عرب الخليج في عصر الرّدة (بيروت ولندن: دار رياض الريس، 1995)، ط1، ص 128.

[40] عباس ميرزا المرشد وعبدالهادي الخواجة، مرجع سابق، ص 81 و82.

[41] ندى علي حسن بن شمس، المواطنة في العصر الإلكتروني: نموذج مملكة البحرين، (البحرين: معهد التنمية السياسية، 2018)، ص 56.

[42] علي أحمد الديري، التربية ومؤسسات البرمجة الرمزية: كيف تنتج المؤسسات ذواتنا (بيروت: المؤسسة العربية للطباعة والنشر، 2002)، ط1، ص 138.

[43] خالد صلاح حنفي محمود، “التربية العربيّة في عصر ما بعد الحداثة،” نشرة “أفق” (مؤسسة الفكر العربي)، < http://ofoq.arabthought.org/?p=2408 >.

[44] ندى علي حسن بن شمس، مرجع سابق، ص 56.

[45] قرر عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في 29 يونيو 2011، إنشاء لجنة لتقصي الحقائق، تحت اسم “اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق”، عرفت شعبياً بـ “لجنة بسيوني” نسبة إلى رئيسها محمود شريف بسيوني (1937 – 2017) وهو واحد من أبرز فقهاء القانون الجنائي الدولي، لمعرفة كل الأمور المحيطة بالأحداث التي وقعت ما بين 14 فبراير و16 مارس 2011، الإرهاصات والنتائج، وقدّمت هذه اللجنة تقريراً تضمن النتائج والتوصيات، وأعلنت الحكومة الأخذ بها.

[46] يمكن الاطلاع على التقرير كاملاً على الرابط: < http://www.bici.org.bh/BICIreportAR.pdf >.

[47] دليل المعلم إلى المواطنة وحقوق الإنسان (البحرين: وزارة التربية والتعليم، 2013)، ص 36.

[48] مرجع سابق، ص 43.

[49] تقول الإعلامية البحرينية إيمان مرهون أنها تعلمت مادة المواطنة في المدارس المصرية طيلة فترة الدراسة، ومع ذلك لم تتحول إلى مواطنة مصرية، ندوة “الإعلام والرأي الآخر”، جمعية الريادة الشبابية، 17 يناير 2018.

[50] الدول الثماني الأعلى تعداداً، بالترتيب: الصين، الهند، الولايات المتحدة، أندونيسيا، باكستان، البرازيل، نيجيريا، بنغلاديش، الدول والتبعيات حسب عدد السكان، < https://ar.wikipedia.org >.

[51] Internet Stats & Facts for 2019, < https://hostingfacts.com/internet-facts-stats/ >.

[52] للمزيد، يمكن على سبيل المثال الاطلاع على كتاب: إيهاب خليفة، القوَّة الإلكترونية: كيف يمكن أن تدير الدولة شؤونها في عصر الإنترنت؟ (القاهرة: دار العربي للنشر والتوزيع، 2017)، ط1. وكذلك، ريمي ريفيل، ترجمة: سعيد بلمبخوت، مراجعة: الزواوي بغورة، الثورة الرقمية، ثورة ثقافية؟ (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يوليو 2018)، وبالأخص الفصل “ثقافة تشاركية جديدة ومواطنة: نحو ديمقراطية إلكترونية”.

[53] الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة (البحرين: وزارة الداخلية، 2019)، ص 5.

[54] المرجع نفسه، ص 13 و14.

[55] أجريت مقابلات غير مقننة مع ممثلي من كل من: جمعية المنبر التقدمي (يسار- معارضة)، جمعية ميثاق العمل الوطني (ليبرالية – موالاة)، جمعية العمل الوطني الديمقراطي – وعد (قومي/يسار – معارضة) وهي جمعية جرى حلها، جمعية التجمع القومي الديمقراطي (بعث – معارضة)، جمعية التجمع الوطني الدستوري- جود (ليبرالية – موالاة).

[56] “البرنامج السياسي،” المنبر الديمقراطي التقدمي، 2005، ص 16 – 19.

[57] “الدولة المدنية الديمقراطية في البحرين،” وعد، مايو 2016، ص 3 و4.

[58] الموقع الإلكتروني الرسمي لـ: جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، < http://www.aldemokrati.org/details.php?artid=29 >. (آخر زيارة للموقع 4 مايو/أيار 2019).

[59] الموقع الإلكتروني الرسمي لـ: جمعية ميثاق العمل الوطني، < http://methaqportal.host-ware.com/Home/gmaaiaprogram >. (آخر زيارة للموقع 4 مايو/أيار 2019).

[60] الموقع الإكتروني الرسمي لـ: جمعية التجمع القومي الديمقراطي، < http://www.al-qawmi.org/index.php?categoryid=5 >. (آخر زيارة للموقع 4 مايو/أيار 2019).

[61] إبراهيم شريف، رضي الموسوي، جمعية “وعد”، 28 يناير 2019.

[62] حسن العالي، التجمع القومي الديمقراطي، 2 مارس 2019.

[63] حسن مدن، عبدالجليل النعيمي، عبدالنبي سلمان، جمعية “التقدمي”، 9 يناير 2019.

[64] إبراهيم شريف، رضي الموسوي، مصدر سابق.

[65] حسن مدن، عبدالجليل النعيمي، عبدالنبي سلمان، مصدر سابق.

[66] في سبيل إنجاح التصويت لميثاق العمل الوطني بالموافقة، جرى في ديسمبر/كانون الأول 2000 منح المواطنين العاملين في القطاع العام راتباً إضافياً، وتمليك الوحدات الإسكانية لمن بقيت عليهم مدداً معينة لدفع الأقساط المترتبة عليهم للدولة، وخفض الأقساط الإسكانية الأخرى بنسبة 50%، وخفض الجمارك على عدد من السلع، الأمر الذي كرّس مصطلح “المكرمات” بين الجمهور.

[67] عبدالرحمن الباكر، الرئيس السابق لـ: جمعية “جود”، 9 يناير 2019.

[68] حسن العالي، مصدر سابق.

[69] قاطعت أربع جمعيات سياسية رئيسية انتخابات العام 2002، وهي: الوفاق الوطني الإسلامية، جمعية التجمع القومي الديمقراطي، جمعية العمل الإسلامي (أمل)، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد).

[70] أحمد جمعة، رئيس المكتب السياسي لـ: جمعية ميثاق العمل الوطني، 27 مارس 2019.

[71] المصدر السابق.

[72] حسن العالي، مصدر سابق.

[73] عبدالرحمن الباكر، مصدر سابق.

[74] حسن مدن، عبدالجليل النعيمي، عبدالنبي سلمان، مصدر سابق.

[75] بدأت في صيف 1994 تجمعات أمام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لمجموعات من العاطلين عن العمل للمطالبة بوظائف، وكانت الغالبية الكبرى منهم من البحرينيين الشيعة، وكان من ضمن الشكوى أن هناك تمييزاً في التوظيف. تطورت الأحداث وأخذت أبعاداً سياسية واستمرت المواجهات حتى العام 1999 عندما استلم الحكم ملك البحرين الحالي.

[76] حسن العالي، مصدر سابق.

[77] إبراهيم شريف، رضي الموسوي، مصدر سابق.

[78] المصدر نفسه.

[79]  المصدر نفسه.

[80] المصدر السابق نفسه.

[81] عبدالرحمن الباكر، مصدر سابق.

[82] أحمد جمعة، مصدر سابق.

[83] حسن العالي، مصدر سابق.

[84] حسن مدن، النعيمي، عبدالجليل، سلمان، عبدالنبي، مصدر سابق.

[85] إبراهيم شريف، رضي الموسوي، مصدر سابق.

[86] حسن مدن، عبدالجليل النعيمي، عبدالنبي سلمان، مصدر سابق.

[87] إبراهيم شريف، رضي الموسوي، مصدر سابق.

[88] أحمد جمعة، مصدر سابق.

[89] حسن مدن، عبدالجليل النعيمي، عبدالنبي سلمان، مصدر سابق.

[90] حسن العالي، مصدر سابق.

[91] إبراهيم شريف، رضي الموسوي، مصدر سابق.

[92]  للمزيد من المعلومات حول الدوائر الانتخابية وتوزيع الكتل الانتخابية في مملكة البحرين البحرين يمكن الرجوع إلى صحيفة الوسط البحرينية < http://www.alwasatnews.com/elections/2014/428.html >.

[93] صحيفة الوسط البحرينية، 17 يوليو 2016.

[94] صحيفة البلاد البحرينية، 20 يناير 2019.

[95] موقع هيئة التشريع والرأي القانوني، < http://www.legalaffairs.gov.bh/Media/LegalPDF/K2518.pdf >.

[96] ابراهيم شريف، رضي الموسوي، مصدر سابق.

[97] عبدالرحمن الباكر، مصدر سابق.

[98] يتقدم الباحث بالشكر الجزيل للسيد/عوض المطيري (دولة الكويت) الذي أسهم بجهد وافر في ترتيب المقابلات مع المصادر الكويتية، بما اختصر الكثير من الجهد، ومكّن من الوصول إلى الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الكويتي.

[99] فيصل مخيط عبدالله أبوصليب، العوامل المؤثرة في تطور النظام السياسي في الكويت منذ النشأة ولغاية عام 1962، < http://drabusulaib.com/ >، ص 4.

[100] محمود محمد الطناحي، التجار والحراك الديمقراطي في الكويت (1921 – 1939)، (قاعدة المنهل)، < https://platform.almanhal.com/Files/2/107934 >.

[101] المسابلة هي تجارة المقايضة وكانت تجري بين التجار الكويتيين والنجديين.

[102] فيصل مخيط عبداللهأبوصليب، مرجع سابق، ص 16 و17.

[103] الموقع الرسمي لـ: مجلس الأمة، < http://www.kna.kw/clt-html5/run.asp?id=1965 >.

[104] أحمدالديين، الأمين العام لـ: الحركة التقدمية الكويتية، مقابلة في 29 مارس/آذار 2019.

[105] المصدر نفسه.

[106] المصدر نفسه.

[107] الموقع الرسمي لـ: مجلس الأمة، مرجع سابق.

[108] أجريت مقابلات غير مقننة مع ممثلي من كل من: المنبر الديمقراطي الكويتي (قومي)، الحركة التقدمية الكويتية (ماركسي)، وأكاديميين اثنين: فهد راشد (يسار مستقل)، وعبيد الوسمي (محافظ مستقل).

[109] الموقع الرسمي لـ المنبر الديمقراطي الكويتي < https://alminbarkw.org/ >.

[110] أحمدالديين، مصدر سابق.

[111] الموقع الرسمي لـ: الحركة التقدمية الكويتية، < http://taqadomi.com >.

[112] أحمدالديين، مصدر سابق.

[113] علي العوضي، الأمين العام المساعد لـ: المنبر الوطني ورئيس المكتب السياسي، أجريت المقابلة بتاريخ 29 مارس 2019.

[114] أحمدالديين، مصدر سابق.

[115] المصدر نفسه.

[116] المصدر نفسه.

[117] المصدر نفسه.

[118] مشاري الإبراهيم، شباب المنبر الديمقراطي الكويتي، مقابلة أجريت في 29 مارس 2019.

[119] أكاديمي كويتي يساري.

[120] فهد راشد، حوار إلكتروني أجراه معه الباحث بتاريخ 23-25 أبريل 2019.

[121] عقد المؤتمر الشعبي بجدة في الفترة ما بين 13 – 15 أكتوبر 1990، بحضور رسمي عالي المستوى وشعبي بغرض إيصال صورة للعالم بأن الفعاليات الكويتية الرسمية والأهلية في صف واحد، وترفض الادّعاءات العراقية آنذاك التي كانت تقول بأن قواتها دخلت الكويت بناء على نداءات من داخل البلاد، في وقت طرحت فيه بعض الدول مسألة التصويت على ما إذا كان الكويتيون يفضلون الوضع الجديد الذي فرضه ما بعد الغزو أم العودة إلى النظام السابق كإمارة تحت حكم عائلة الصباح.

[122] مشاري الإبراهيم، مصدر سابق.

[123] أحمدالديين، مصدر سابق.

[124] فهد راشد، مصدر سابق.

[125] أحمدالديين، مصدر سابق.

[126] علي العوضي، مصدر سابق.

[127] المصدر نفسه.

[128] أحمدالديين، مصدر سابق.

[129] مشاري الإبراهيم، مصدر سابق.

[130] علي العوضي، مصدر سابق.

[131] مشاري الإبراهيم، مصدر سابق.

[132] علي العوضي، مصدر سابق.

[133] مشاري الإبراهيم، مصدر سابق.

[134] علي العوضي، مصدر سابق.

[135] أحمدالديين، مصدر سابق.

[136] مشاري الإبراهيم، مصدر سابق.

[137] علي العوضي، مصدر سابق.

[138] مشاري الإبراهيم، مصدر سابق.

[139] للمزيد من الاستطراد في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى ورقة: غانم النجار، القبيلة والدولة في الكويت والجزيرة العربية، (الكويت: جامعة الكويت، 1996)، < http://gulfpolicies.org/gcc/index.php?option=com_content&view=article&id=1883%3A2014-11-19-09-31-42&catid=145%3A2011-04-09-07-47-04&Itemid=384 >.

[140] أحمدالديين، مصدر سابق.

[141] المصدر نفسه.

[142] يشير المصدر إلى دراسة علي أسعد وطفة، وسعد رغيان الشريع، “تحديات التعصب وخلفياته الثقافية في المجتمع الكويتي: آراء عينة من طلاب جامعة الكويت،” مجلة العلوم الإنسانية والإدارية، (جامعة المجمعة في المملكة العربية السعودية)، (العدد 1)، (يونيو 2012)، ص 60.

[143] علي العوضي، مصدر سابق.

[144] أحمدالديين، مصدر سابق.

[145] علي العوضي، مصدر سابق.

[146] أحمدالديين، مصدر سابق.

[147] مشاري الإبراهيم، مصدر سابق.

[148] علي العوضي، مصدر سابق.

[149] مشاري الإبراهيم، مصدر سابق.

[150] أحمدالديين، مصدر سابق.

[151] علي العوضي، مصدر سابق.

[152] عبيد الوسمي، مصدر سابق.

[153] علي العوضي، مصدر سابق.

[154] أحمد الديين، مصدر سابق

[155] مشاري الإبراهيم، مصدر سابق.

[156] علي العوضي، مصدر سابق.

[157] عبيد الوسمي، مصدر سابق.

[158] فهد راشد، مصدر سابق.

[159] إبراهيم شريف، مصدر سابق، ويوضح أن العلمانية المقصودة ليست علمانية أتاتورك ولا علمانية فرنسا التي تحولت إلى دين بذاتها.

[160] عبدالحسين شعبان، الهوية والمواطنة، مرجع سابق، ص 43

[161] عبيد الوسمي، مصدر سابق.

[162] حسن العالي، مصدر سابق.

[163] فهد راشد، مصدر سابق.

[164] عزة سليمان، “استجداء المواطنة: بين البلديّة والحراك المدني،” نشرة “أفق“، (مؤسسة الفكر العربي)، < http://ofoq.arabthought.org/?p=2399 >.

[165] حسن العالي، مصدر سابق.

[166] أحمد الديين، مصدر سابق.

 

 

رابط المصدر:

http://gulfpolicies.org/index.php?option=com_content&view=article&id=2815:25-&catid=271:-2019-&Itemid=649

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M