الهجوم الإرهابي في سيناء: دلالات استهداف البنية التحتية

اتّبعت الدولة المصرية مقاربة شاملة من أجل تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية، إذ سعت إلى تطهير سيناء من البؤر الإرهابية، مما ترتب عليه ضغط أمني وعسكري على نشاط العناصر التكفيرية أسهم في تقويض نفوذهم وتراجع نشاطهم.

وفي محاوله منهم لإثبات الوجود شرعت مجموعة من العناصر التكفيرية في الهجوم على نقطة رفع مياه غرب سيناء في السابع من مايو، وقد تم التصدي لها من قبل عناصر القوات المسلحة المكلفة بالعمل في النقطة، مما أسفر عن استشهاد ضابط و10 جنود وإصابة 5 أفراد، وبالتالي تثير هذه العملية جملة من الملاحظات المهمة التي يمكن تناولها على النحو التالي:

الملاحظة الأولى: تُشير إلى توقيت الاستهداف الذي يتزامن مع تبني التنظيمات الإرهابية مؤخرًا عددًا من العمليات الإرهابية في الجنوب الليبي، حيث تتبع هذه التنظيمات استراتيجية قائمة إعادة هيكلة نهجها الإقليمي في إفريقيا، في محاوله لفتح ساحات جديدة لنشاطها، ولا سيما في ضوء الضغط الأمني الذي تتعرض له في ساحات مختلفة، إذ تبحث عن مساحات جديدة للمناورة بهدف استمرارها في تهديد السلم والأمن الإقليميين.

الملاحظة الثانية: تنصرف إلى الهدف الدعائي من العملية، حيث تسعى التنظيمات الإرهابية إلى تعزيز صورتها الجهادية من أجل لفت انتباه وسائل الإعلام، ولا سيما في ضوء ضعف قدرتها، وانحسار نشاطها، وفقدان قدرتها على التجنيد، وخسارتها الحواضن الاجتماعية الرئيسية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، تهدف إلى إثبات الوجود عبر إرسال رسالة مفادها قدرتها على تنفيذ بعض العمليات الإرهابية، حتى وإن كانت واهية، وذلك على الرغم من تعرضها لضربات أمنية وعسكرية دمرت بنيتها التحتية، وقضت على العديد من قياداتها، وقطعت خطوط الدعم والإمداد اللوجستي لها.

الملاحظة الثالثة: تتعلق بالهدف السياسي من العملية، فهناك جملة من الأهداف السياسية المتعلقة بالعملية الإرهابية، يتعلق أولها بتقديم صورة مغلوطة عن الدولة المصرية بهدف تصويرها على أنها غير قادرة على حماية أمن مواطنيها، مما ينعكس بشكل سلبي على دور مصر الدولي والإقليمي الذي شهد صعودًا ملحوظًا بعد ثورة 30 يونيو 2013.

وينصرف ثانيها إلى تشويه الإنجازات المصرية المتعلقة بتطوير البنية الأساسية، وتدشين عدد كبير من المشروعات القومية، بجانب دخول الدولة المصرية على أعتاب مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي المتعلق بفتح حوار وطني يضم كافة القوى السياسية المصرية المختلفة.

الملاحظة الرابعة: تدور حول طبيعة المستهدف، حيث سعت العناصر التكفيرية إلى استهداف محطة رفع مياه في غرب سيناء، الأمر الذي يشير إلى التحول الذي طرأ على طبيعة المستهدف، فبعد أن كانت العناصر التكفيرية تركز في عملياتها في سيناء على استهداف مرتكزات للقوات المسلحة والشرطة، فقد تحول ذلك النمط إلى استهداف متعلق بالبنية التحتية في سيناء.

الملاحظة الخامسة: تتعلق بتعامل الدولة المصرية مع العملية الإرهابية، إذ اتسم رد فعل الدولة المصرية في التعامل مع العملية بدرجة شديدة من سرعة الاستجابة والتكامل، وتبلور ذلك الطرح منذ إصدار الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي للقوات المسلحة البيان الذي يكشف ملابسات العملية، تزامن ذلك مع نعي الحكومة المصرية شهداء العملية الإرهابية مؤكدة على عزم الدولة المصرية استكمال مسيرة التنمية والبناء.

وتبع هذا المشهد قيام الرئيس “عبد الفتاح السيسي” بترأس اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة صباح الأحد الموافق 8 مايو بهدف استعراض تداعيات الحادث الإرهابي، ووجه سيادته باستكمال “تطهير بعض المناطق في شمال سيناء من العناصر التكفيرية”، وإلى جانب ذلك التعاطي المتكامل صدرت العديد من البيانات والتصريحات الرسمية عن عدد من المسئولين، والتي أدانت جميعها العملية الإرهابية، وأكدت على استمرار جهود الدولة المصرية في مكافحة الإرهاب.

الملاحظة السادسة: تُشير إلى المقاربة المصرية الشاملة في مكافحة الإرهاب، إذ انطلقت المقاربة من ثلاثة مبادئ رئيسية، يتعلق أولها بكفالة وتحقيق أمن المواطن، وينصرف ثانيها إلى إعادة هيبة الدولة وسيطرتها على كافة أرجاء الوطن، ويتصل ثالثها بإعادة الثقة للأجهزة الأمنية المعنية بضبط الأمن وتحقيق الاستقرار، وذلك عبر الاعتماد على مجموعة متكاملة من المحاور: الأمني، والعسكري، والتشريعي، والفكري، والاقتصادي، والاجتماعي، والتنموي؛ الأمر الذي انعكس على تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية، وتراجع نشاطها، وانخفاض عدد عملياتها.

وتبلور ذلك الطرح في التقرير الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات تحت عنوان “مصر 2013-2020: حقائق الواقع.. تهزم أباطيل الشر” في 29 يونيو 2020، الذي أشار إلى انخفاض عدد العمليات الإرهابية في مصر من (182) عملية إرهابية خلال عام 2014 إلى (45) عملية إرهابية خلال عام 2018، إلى أن جاء عام 2019 الذي شهد (4) عمليات إرهابية فقط ليبرهن على نجاعة المقاربة المصرية في مكافحة الظاهرة الإرهابية.

الملاحظة السابعة: تتصل بالإشادة الدولية بالمقاربة المصرية لمكافحة الإرهاب، حيث أشاد تقرير صدر حديثًا عن مجلس الأمن الدولي حول التهديد الذي يشكله تنظيم “داعش” للسلام والأمن الدوليين بالدور الذي لعبته الدولة المصرية في مكافحة الإرهاب، وما ترتب عليه من انخفاض نشاط تنظيم “أنصار بيت المقدس” في مصر، ناهيك عما أفاد به التقرير حول وجود أي هجوم إرهابي ينسب إلى تنظيم “داعش” أو تنظيم “القاعدة” في مصر منذ عام 2019، وأرجع التقرير الفضل في ذلك إلى السياسة التي اتّبعتها الدولة المصرية في مكافحة الإرهاب، وذلك على المستويين العسكري والتنموي.

مجمل القول، تحاول التنظيمات الإرهابية إعطاء دفعه معنوية لعناصرها بعد أن فقدت قدرتها على التجنيد في ضوء الهزائم المتكررة التي مُنيت بها في ساحات مختلفة على وجه العموم وداخل الأراضي المصرية على وجه الخصوص، حيث سعت بتلك العملية الإرهابية إلى تأكيد الزعم المتعلق باستمرار نشاطها. ومن ثم يمكن القول إن هذه العملية تأتي كتأكيد على الضعف الهيكلي، والتنظيمي، واللوجستي الذي تعاني منه التنظيمات الإرهابية في الوقت الحالي.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19323/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M