باكستان تستدعى إرث عائلة بوتو لتحسين العلاقات مع الدول العربية

إيهاب عمر

 

بعد ستة عقود من تولي ذو الفقار علي بوتو منصب وزير خارجية باكستان، يعود حفيده بوتو زرداري لأداء القسم يوم الأربعاء 27 ابريل 2022 للمنصب ذاته أمام الرئيس عارف علوي، في مرحلة جديدة من تاريخ بلاده، ليصبح بوتو الحفيد هو أصغر وزير خارجية في تاريخ باكستان.

شهباز شريف رئيس الوزراء الجديد سارع للاستعانة بحزب الشعب وعلاقته المقربة بالسعودية من أجل تحسين العلاقات بين إسلام أباد والرياض، والتي شابها توتر مكتوم في سنوات عمران خان الأربع (2018 – 2022) على ضوء علاقات خان القوية بإيران، وصدحت بعض الأصوات مرارًا بأن السعودية خسرت باكستان للمرة الاولى في تاريخ البلدين.

ولكن عقب قيام البرلمان بسحب الثقة من خان في واحدة من أحدث تداعيات الحرب الأوكرانية، عاد حزب الرابطة الإسلامية إلى السلطة برئاسة شهباز شريف، وسارع الأخير إلى تعيين بيلاوال بوتو زرداري رئيس حزب الشعب وزيرًا للخارجية، من أجل أن يصطحبه إلى السعودية في أول زيارة خارجية يقوم بها شريف منذ توليه المنصب في 11 أبريل 2022.

وتظهر قائمة التعيينات وأسماء الوفد المرافق لشريف إلى السعودية إصراره على جعل تحسين العلاقات مع الرياض أولوية قصوى؛ إذ أعاد شريف إلى فريق الحكومة السيدة/حنا رباني خار، التي تولت منصب وزيرة الخارجية ما بين عامي 2011 و2013، وذلك في منصب وزيرة الدولة لشؤون الخارجية، لتصبح وزيرًا ثانيًا بجانب بيلاوال بوتو زرداري في وزارة الخارجية، وحنا رباني خير تنتمي أيضًا إلى حزب الشعب، ومن الأصوات التي تنادي بالتقارب مع السعودية، بجانب أنها وزيرة الدولة سابقًا للشؤون الاقتصادية ما بين عامي 2008 و2011.

وأصر شريف على اصطحاب رئيس الجمهورية الأسبق آصف علي زرداري الذي شغل هذا المنصب ما بين عامي 2008 و2013 وكانت علاقته جيدة للغاية مع الرياض، ومنذ خروجه من الرئاسة لم يقم آصف علي زرداري –والد وزير الخارجية الجديد– بدور يذكر خارج قاعات البرلمان، بينما تشغل شقيقته فريال تالبور منصب رئيسة الجناح النسائي لحزب الشعب.

وتنتمي الشخصيات الثلاث إلى أسر سياسية عريقة في باكستان، سواء الرئيس الأسبق أو ابنه وزير الخارجية الجديد أو وزيرة الدولة للشؤون الخارجية الجديدة. وقد ولد بوتو زرداري في 21 سبتمبر 1988 (33 عامًا) بعد عام من زواج والده آصف علي زرداري بالسيدة بينظير بوتو التي تعد أبرز امرأة باكستانية في القرن العشرين، حيث ترأست الوزارة الباكستانية مرتين، الأولى ما بين عامي 1988 و1990 والثانية ما بين عامي 1993 و1996، وتم اغتيالها في 27 ديسمبر 2007.

والدها هو الرئيس الأسبق ذو الفقار علي بوتو مؤسس حزب الشعب، ومؤسس أيديولوجيا الاشتراكية الإسلامية الديموقراطية الباكستانية، وقد تولى منصب وزير الخارجية مرتين. وعقب الهزيمة العسكرية أمام الهند في حرب العام 1971، قدم رئيس الجمهورية يحيى خان استقالته، وتم اختيار ذو الفقار علي بوتو لمنصب رئيس الجمهورية في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أعاد ذو الفقار علي بوتو النظام البرلماني للبلاد، وبعد أن ترأسها ما بين عامي 1971 و1973 أصبح رئيسًا للوزراء ما بين عامي 1973 و1977 حيث جرى انقلاب عسكري وتم إلقاء القبض عليه ثم إعدامه في 4 أبريل 1979.

وبوتو الكبير له موقف شهير مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، رواه المؤرخ والكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في كتابه “الانفجار”؛ إذ شغل بوتو منصب وزير الخارجية ما بين عامي 1963 و1966، ثم ما بين عامي 1971 و1977، وفى المرة الأولى طلب لقاءً سريًا مع الزعيم المصري، وأخبره نصًا أن الغرب بدأ في تصفية زعماء حركة عدم الانحياز، وأن عبد الناصر هو الهدف التالي، حيث قال عبارته التي أصبحت شهيرة بسبب كتاب هيكل “إنهم يصطادونك يا سيدي”.

في هذا اللقاء سأله عبد الناصر عن سنه نظرًا لملامحه الشابة، وللمفارقة تنبأ عبد الناصر في هذا اللقاء بأن بوتو سوف يكون له شأن أكبر في بلاده، وبالفعل تولى بوتو رئاسة بلاده بعد زهاء عام من وفاة عبد الناصر.

هذا الموقف يوضح بجلاء العلاقة الوثيقة بين آل بوتو وجمهورية مصر العربية، ويوضح أن بوتو لم يكن منسجمًا مع الرؤية الأمريكية بنسبة 100% عكس خلفه ضياء الحق الذي قام بتحركه ضد بوتو بحكم أمريكي، رغم أن ذو الفقار علي بوتو ولاحقًا بينظير بوتو كلاهما وافق على المخطط الأمريكي بحقن أفغانستان بفيروس الإسلام السياسي انطلاقًا من باكستان لاستهداف الاتحاد السوفيتي، ولكن آل بوتو لم يتفقوا مع مؤامرات الغرب حيال المنطقة العربية عمومًا وحكام مصر والسعودية على وجه التحديد.

ووالد ذو الفقار على بوتو هو الزعيم “شاه نواز بوتو”، من أبرز ساسة الهند في العشرينات والثلاثينات، حيث عين ضابطًا بالجيش البريطاني وحصل على رتبة فارس ولقب خان، كما كان أخيه “نبي بخش بوتو” من المشرعين الذين قادوا العملية القانونية والدستورية لفصل باكستان عن الهند.

وعائلة بوتو تنتمي إلى إقليم السند، الذي كان من أهم معاقل الحضارات الهندية قبل انفصال باكستان عن الهند ومعها إقليم السند، وقد لعبت الأسرة أدوارًا تاريخية قبل وبعد استقلال باكستان، وقد شكل إعدام ذو الفقار نقطة تحول في العائلة؛ إذ انقسمت ما بين أرملته نصرت بوتو التي تولت رئاسة الحزب وشاركتها في هذا الجناح ابنتها بينظير بوتو، حيث رأى كلاهما أن النضال السلمي ضد نظام ضياء الحق هو الاختيار الأمثل.

أما الجناح الثاني، متمثلًا في مرتضى وشاهنواز أبناء ذو الفقار بوتو، فقد اختلفوا مع أمهم وأختهم وقرروا الذهاب إلى حمل السلاح عبر تشكيل تنظيم ذو الفقار بأيديولوجيا يسارية، وبدأوا في الأعمال الإرهابية داخل باكستان. شاهنواز بوتو وجد مسمومًا في فرنسا عام 1985، وقد اتهمت العائلة زوجته ريحانا بالتورط في اغتياله بتواطؤ من الغرب، وقد سارعت ريحانا باللجوء إلى أمريكا حتى اليوم مع ابنتها ساسي بوتو.

أما نصرت بوتو أرملة ذو الفقار بوتو فقد أخذت ما تبقى من العائلة ولجأت إلى لندن، وهي سيدة من أصول إيرانية واسمها الحقيقي نصرت أصفهاني، من عائلة الحريري الثرية في أصفهان، حاول البعض نسبها إلى أكراد إيران لأن أمها كردية ولكن الأب من أكبر عائلات تجارة السجاد الفارسي في أصفهان منذ عشرات السنين.

وحينما عاد ابنها مرتضى بوتو إلى باكستان عام 1993، ظل رافضًا الصلح مع بينظير بوتو، وحينما أصبحت الأخيرة رئيسة للوزراء رفضت العفو عنه وطبقت القانون، وحدث اشتباك بين الشرطة وخلية مرتضى بوتو ما أدى إلى مصرع الأخير عام 1996 وقررت نصرت بوتو التقاعد في دبي حتى وفاتها عام 2011، وقد سبق وان سلمت رئاسة الحزب إلى ابنتها بينظير عام 1982 ثم روعت باغتيالها عام 2007 لتشهد نصرت بوتو اعدام زوجها ومصرع أبنائها واغتيال بنتها في حياة حافلة لقبت خلالها بـ “أم الديموقراطية الباكستانية”.

أرملة مرتضى بوتو، اللبنانية غنوة بوتو، حاولت هدم حزب الشعب عبر تأسيس “حزب الشعب – شهيد بوتو” وهو أحد ثلاثة أحزاب منشقة عن حزب الشعب الباكستاني، أما ابنة مرتضى فهي الشاعرة والكاتبة فاطمة بوتو من زوجته الأفغانية، وتحمل الجنسية الباكستانية والأفغانية، وقررت الابتعاد عن السياسة، بينما الابن الثاني هو ذو الفقار بوتو الحفيد يعمل ممثلًا في أمريكا.

واليوم، أغلب الكوادر المتمردة عن حزب آل بوتو انضمت إلى حركة الإنصاف بزعامة عمران خان، ممتاز علي خان بوتو ابن عم الرئيس ذو الفقار علي بوتو، شغل منصب حاكم إقليم السند (1971 – 1973) ورئيس وزراء الإقليم (1972 – 1973) وهو اليوم من كبار قادة حركة الإنصاف، وكذا ابنه أمير بخش بوتو زعيم الفرع السندي للحركة.

وقد حرص وزير الخارجية الجديد بوتو زرداري على لملمة آل بوتو حوله اثناء أدائه اليمين حيث شهدت القاعة حضور عدد من أقاربه، على رأسهم أخته آصفة بوتو، إضافة إلى خالته سنام بوتو ابنة الرئيس بوتو وشقيقة بينظير بوتو.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/69513/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M