تأثير أزمة كورونا على الاقتصاد في العراق

نعتقد ان تأثير ازمة كورونا ستظهر في الشهر السابع من هذا العام إذا استمر توقف بعض المصانع الصينية، وعمل بعضها بصورة جزئية، مع ضرورة استغلال هذه الأزمة في جذب الاستثمارات الأجنبية الباحثة عن سلاسل إمداد بديلة للصين ويجب عليها فحص الآثار الاقتصادية المحتملة، فإنّ تفشي فيروس كورونا الذي طال أمده سيؤثر بالنهاية في سلاسل القيمة العالمية، والأسواق المالية، وتدفق رأس المال، ومستويات الأسعار، ما يؤثر في كل من الشركات والأسر، والتحوّل الاقتصادي ككل، وهذه الآثار تحتاج إلى دراسة بمزيد من التفصيل، ستؤدي الأوضاع الحالية لإعادة هيكلة خريطة سلاسل الإمداد العالمية والتي كانت ترتكز بشكل أساسي في الصين معتمدة في ذلك على التكنولوجيا الأمريكية، وبالتالي من الممكن أن يستغل العراق موقعه لجذب العديد من الشركات الصينية وكذلك العالمية التي تبحث عن موقع جديد لتوطين استثماراتها وخطوط إنتاجها، يكون أكثر أمانًا لتفادي العقوبات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة الامريكية.

لذا نرى: أولًا: ضرورة تشكيل لجنة عليا لتوحيد وتنسيق جهود جذب وتسويق الاستثمارات في العراق داخليًّا وخارجيًّا فهذا الموقف يواجه أزمه متكررة في أغلب البلدان النامية حاليًا فكل جهة تعمل بنشاط وقوة في سبيل جذب الاستثمارات ولكن دون تنسيق فعلي أو فعال مع باقي الجهات مما يتسبب دائمًا في ضعف المردود مع استبعاد جهات في غاية الأهمية من المشاركة غالبًا كالبورصة وبنوك الاستثمار والوحدات المصرفية والمؤسسات المالية غير المصرفية، ويجب أن تتضمن هذه اللجنة الوزارات، والهيئات، والمراكز والبرامج الحكومية لمحاولة وضع آليات لانتظام جهود الجهات الحكومية على صعيد توحيد الرسائل الاتصالية والنشاطات التسويقية، وجذب وتسويق الفرص الاستثمارية بصورة متكاملة ويستدعي ذلك تشكيل لجنة في الهيئة الوطنية للاستثمار تعمل على إيضاح أدوار الجهات ذات العلاقة ومسؤولياتها، من خلال توزيع المهام المنوطة بكل جهة، والخروج بنموذج حوكمة محدد وواضح.

ثانيًا: من الهام قيام الهيئة الوطنية للاستثمار والهيئات في المحافظات تتولى مراجعة الإجراءات والقوانين المتعلقة بالاستثمار في الأنشطة والمجالات كافة، الأمر الذي يعطي ثقة لجميع المستثمرين العراقيين والأجانب بأن المرحلة المقبلة ستشهد نقلة نوعية في منظومة الاستثمار، وهو ما سينعكس إيجابًا على معدلات الاستثمار داخل العراق.

ثالثًا: تساهم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في إرسال إشارة واضحة إلى القطاع الخاص تؤكد توفر العمليات الشفافة والفعالة من أجل تحديد مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتطويرها وإجراء المفاوضات والشراء وتنفيذها ورصدها ويستلزم الأمر إرساء البيئة المؤسسية للشراكة بين القطاعين العام والخاص.

رابعًا: منظومة الجذب الاستثماري يجب أن تتضمن وبشكل أساسي التوسع في إنشاء المناطق الحرة العامة بعد أن باتت تشكل عنصرًا أساسيًّا في المنظومة الاقتصادية الشاملة التي تساهم في نمو الناتج الإجمالي، كما أنها أحد الحلول المبتكرة التي لجأت إليها دول العالم للاستثمار في صناعة المستقبل، وتحقيق الازدهار الاقتصادي وهو ما يستدعي إنشاء مناطق حرة جديدة بهدف جذب المستثمرين عبر توفير مزايا تنافسية عالمية.

خامسًا: وضع برنامج متكامل للإصلاحات المقترحة لتحسين ترتيب العراق في مؤشر التنافسية العالمي وينبغي إدراك أن التحدي الأساس للاستثمار ليس في الحصول فقط على ترتيبات متقدمة في مؤشرات التنافسية ولكن في تحقيق التحسن المستمر في هذه الجوانب، مع إدراك حقيقة تدفق الاستثمارات للاقتصاد، فرغم أن المؤشرات قد تقدم انطباعًا جيدًا، إلا أن الأهمية الحقيقية تكمن في قدرات الاقتصاد نفسه على منح المستثمرين عوائد إيجابية في ظل مناخ استثماري محفز مع وضع الخطط والسياسات التي تساعد على الابتكار وتوطين التكنولوجيا، وذلك بالتركيز على تطوير البحث العلمي لما له من أهمية في تحسين القدرة التنافسية سواء من خلال رفع الإنتاجية، أو من خلال تحسين جودة المنتجات وتطويرها لتحسين تنافسية المنتج.

سادسًا: وضع برنامج متكامل لخطوات جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى العراق يتضمن متابعة الشركات القائمة والتواصل مع المستثمرين وإمدادهم بالمعلومات الخاصة بالاستثمار وتشكيل لجان التعاون الاستثماري محليًّا وخارجيًّا وتعريف مجتمع الأعمال بالدور الجديد لخدمات المستثمرين والخارطة الاستثمارية والحوافز وإعداد مؤتمرات المختلفة بصفة دورية والترويج للمناطق (الحرة / الاستثمارية) الجديدة والترويج للمشروعات الكبرى ومساعدة المستثمرين الأجانب في إيجاد شركاء عراقيين (Match Making). ودراسة وحل المشاكل والعقبات التي تواجه المستثمرين.

وحتى يمكن إنجاح جهود الترويج للاستثمار في العراق يستلزم الأمر التطوير والتحديث المستمر بهدف تنفيذ الآتي: تطوير وتحديث الخارطة الاستثمارية لتتضمن أهم الفرص الاستثمارية، وتوزيع الفرص جغرافيًّا على الخارطة الاستثمارية لجمهورية العراق وإتاحتها للمستثمر مع بيان البنية التحتية والمزايا المحددة مع تحديد القطاعات الرئيسية ذات الأولوية لجذب الاستثمارات الأجنبية والوطنية التي تساهم في تقديم تكنولوجيا أكثر جدية وفاعلية للنفاذ إلى سلاسل التوريد العالمية والتي من شأنها تقليل تكاليف الإنتاج وزيادة فرص التصدير واستهداف الدول ذات الأولوية لجذب الاستثمارات الأجنبية.

سابعًا: إنشاء منطقة الصناعية الكبرى وسيسهم في تبني التقنية وأفضل الممارسات في المنطقة والعالم كما سيتيح فرصة التعاون مع مختلف الجهات الحكومية والمؤسسات العالمية والشركات الخاصة، في إطار الجهود الرامية إلى تطوير حلول فاعلة لتحديات القطاعات الحيوية وإعداد الكفاءات ورفع مستوى القدرات، وبناء مواهب متقدمة في المجالات ذات العلاقة بالثورة الصناعية.

ثامنًا: من الضروري زيادة الحوافز الضريبية أو الحوافز غير الضريبية مما سيساهم في تنشيط عملية الجذب الاستثماري وتحقيق الهدف من هذه الحوافز بالإضافة إلى تفعيل الحوافز الضريبية الجديدة والتي صدرت بموجب تعديل القانون مما سيشجع الشركات على إعادة استثمار فوائض الأرباح المحققة ضمن نتائج أعمالها مجددًا مما سيرفع من معدلات الاستثمار.

تاسعًا: ضرورة وضع برنامج زمني متكامل لربط جميع الجهات المعنية بالاستثمار إلكترونيًّا بحيث يتم إصدار الاجازات بصورة موحدة من خلال منظومة رقمية متكاملة وفي المحافظات ذات النشاط الاستثماري المحدود.

عاشرًا: البدء في وضع برنامج متكامل لمراجعة التكاليف التي تتعرض لها الشركات بدءًا من مرحلة التأسيس وحتى مرحلة التشغيل بصورة تعكس عنصر المنافسة على مستوى قطاعات الاستثمار بأنواعها إلى جانب زيادة الدور الذي تلعبه السياسات الحكومية في عملية تشجيع الاستثمار.

حادي عشر: إنشاء وحدة مركزية تتبع مجلس الوزراء لكي تتولى عمليات المتابعة والتقييم والتنسيق فيما يخص عمليات الاستثمار كافة بالاضافة إلى تحليل كل المتغيرات الاستثمارية محليًّا وعالميًّا وتتضمن هذه الوحدة بالإضافة إلى إدارتها التنفيذية مركزًا لمعلومات الاستثمار وبياناته متضمنًا وضع برنامج للمتابعة والتقييم فيما يخص عمليات وإجراءات ونظم الاستثمار على مستوى العراق.

مع أهمية إنشاء مركز معلومات موحد بهيئة الاستثمار كأداة استراتيجية توظف الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة ورفع جودة مخرجات عميات الهيئة العامة للاستثمار. ويعمل النظام على جمع المعلومات المتعلقة بالقطاعات والشركات العالمية، بهدف بناء شبكة معلوماتية تقدم بيانات لحظية وبعيدة المدى بجميع قطاعاتها الرئيسة على أن يتمتع النظام بقدرات عالية، حيث تمت برمجته ليتطور بشكل مستمر وبطريقة آلية.

وخلال مراحله الأولية يشمل رؤية تنفيذية تعمل على تقديم الشركة من منظور شامل، وعرض كامل لهيكلة الموردين المعتمدين لكل شركة، والتوزيع الجغرافي لأرباح الشركات، وقوائم الخدمات والمنتجات لكل شركة، وملفات تعريفية للرؤساء التنفيذيين والموظفين، إضافة إلى تقارير الأبحاث الخاصة بالقطاعات، وتقارير الأبحاث الخاصة بالدول، وتحليلات تفصيلية للأفكار، ونشاطات الشركة.

نؤكد على أن استراتيجية كهذه ينبغي أن تكون شاملة لجوانب التمويل وإتاحة التكنولوجيا وبناء المهارات أي ببساطة صياغة وتطبيق استراتيجية تصنيع، ولا يمكن لهذا أن يتحقق دون دراسة الأدوات المتاحة للدولة، والتي تشتمل على شق سياسات كإجراءات الدعم والتحفيز والاستثمارات العامة في مجالات التدريب المهني والتعليم الصناعي، وفي شق الترتيبات المؤسسية للشراكة بين الدولة والمنتجين في وقت لم تعد فيه الدولة تضطلع بالقسم الأكبر من الإنتاج والتوزيع المباشرين للسلع والخدمات. ولعله يكون من المناسب النظر إلى حالات نجح فيها «تعميق الصناعة» من خلال إيجاد شبكات من الصناعات المغذية المرتبطة بصناعات نهائية كما هو الحال في تايوان أو في كوريا الجنوبية أو في الصين، وكلها من الحالات الفذة في مجال التطوير الصناعي.

 

رابط المصدر:

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M