تدهوُر التنوع البيولوجي في إفريقيا يهدد الأمن البشري

ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو

يُهدِّد تدهور التنوع البيولوجي البيئي الهائل في إفريقيا سبل العيش لملايين الأفارقة، ويعزز انعدام الأمن الغذائي، ويزيد النزاعات على الأراضي وانتقال الأمراض حيوانية المنشأ التي يمكن أن تتحول إلى أوبئة جديدة.

القيمة الاقتصادية للطبيعة في دعم سبل العيش في إفريقيا:

تُشكِّل القارة السمراء، 20% من مساحة العالم، وتحتضن ربع أنواع الثدييات في العالم وخمس أنواع الطيور، فضلاً عن أن ما لا يقل عن سدس أنواع النباتات في العالم مستوطنة في إفريقيا، عطفًا على امتلاك القارة  مساحة كبيرة من الأراضي الخصبة التي تحظى باهتمام عالَمي.

ويعتمد أكثر من 62% من سكان المناطق الريفية في إفريقيا على النظم البيئية الطبيعية المتنوعة للقارة في توفير احتياجاتهم المتعلقة بالمياه والطاقة والصحة، وضمان سبل عيشهم. ويشكل هذا التنوع البيولوجي رصيدًا جِينِيًّا هائلاً لا تقتصر إيجابياته على سكان تلك النظم البيئية فحسب وإنما تَطال العالم برُمته.

وتمتلك القارة أيضًا حوالي سُدس الغابات المتبقية في العالم، بما في ذلك تلك التي تُشكّل حوض الكونغو، وهي غابة مطيرة تبلغ مساحتها 240 مليون هكتار تمتدّ على ثمانية بلدان إفريقية، وتدعم 80 مليون شخص في المنطقة. غالبًا ما يُعتَبر حوض الكونغو الرئة الخضراء الثانية في العالم، ويمتصّ 4% من انبعاثات الكربون العالمية كلّ عام، ممَّا يُعوّض أكثر من الانبعاثات السنوية للقارة الإفريقية بأكملها.

وفقًا لـIPCC (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ) تُوفِّر الغابات الطبيعية 21% من دَخْل الأسر الريفية في 11 دولة إفريقية والأغذية البرية (بما في ذلك صيد الأسماك) التي تساهم في صحة ملايين الأفارقة.

وهناك نظامان إيكولوجيان بَحريان على طول الساحل الغربي لإفريقيا – تيار بنغيلا في جنوب شرق المحيط الأطلسي وتيار الكناري في شمال شرق المحيط الأطلسي- لهما أهمية اجتماعية واقتصادية هائلة بالنسبة للبلدان المجاورة، وكذلك بالنسبة للإمدادات الغذائية العالمية. إلى جانب الأجزاء الشرقية من المحيط الهادئ، تحتوي على ارتفاع مستمر في المياه العميقة الغنية بالمغذيات؛ مما يؤدي إلى إنتاجية بيولوجية عالية؛ نظرًا لتوفيرها 20% من محصول الأسماك في العالم.

وعطفًا على الغابات الاستوائية المطيرة، تُعتبر الشعاب المرجانية موردًا قيّمًا للمجتمعات الساحلية، وتمثل 25% من الحياة البحرية باعتبار أن أكثر من 500 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعتمدون على النُّظم الإيكولوجية للشعاب المرجانية في عائدات الغذاء والسياحة وصيد الأسماك وحماية السواحل. وتُشكّل أنظمة الشعاب المرجانية، الممتدة من مصر إلى جنوب إفريقيا، مصدر الغذاء لملايين الأفارقة وحماية السواحل.

الأسباب ودواعي تدهور التنوع البيولوجي:

يواجه التنوع البيولوجي الهائل في إفريقيا تحدِّيًا نتيجة استمرار فقدان الأنواع والموارد الطبيعية. وفقًا لــــــــ IUCN (الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة)؛ فإن أكثر من 6400 نوع من الحيوان، و3100 نوع من النبات مهددة بالانقراض في إفريقيا. وقد كشفت الدراسات الاستقصائية لمجموعات الطيور الإفريقية عن انخفاض على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، وهو نَمط مشابه على الأرجح لنمط مجموعات الأسماك والنباتات، على الرغم من محدودية البيانات. بشكل عام، تشير التقديرات إلى انخفاض أعداد أنواع الفقاريات في إفريقيا بنسبة 39% منذ عام 1970م.

تحتضن إفريقيا 9 من 36 نقطة ساخنة للتنوع البيولوجي العالمي (تُعرَف بأنها مناطق بها أكثر من 1500 نوع نباتي مستوطن فقدت ما لا يقل عن 70% من نباتاتها الأصلية الأولية). في جزيرة مدغشقر، على سبيل المثال، 82% من النباتات و90% من الحيوانات مستوطنة وتخلق معًا أنظمة بيئية لا يمكن الاستغناء عنها. وفقًا للعلماء، فإن الاستغلال المفرط وحده يُهدّد 62% من الفقاريات في هذه الجزيرة الفريدة بيئيًّا، بينما تهدد الزراعة غير المستدامة 57%. تشكل هاتان الظاهرتان معًا خطرًا على 90% من جميع أنواع النباتات في مدغشقر. ومن بين 40283 نوعًا من النباتات، المعروفة والمستخدمة من البشر في جميع أنحاء العالم للأدوية والغذاء والتخفيف من تغيُّر المناخ، يوجد 5% (1916 في المجموع) في مدغشقر و1596 منها منتشرة.

النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي في إفريقيا:

إن الممارسات المدمرة في المجال الزراعي والتعدين وصيد الأسماك هي المحركات الرئيسية لتدهور النظام البيئي وفقدان التنوع البيولوجي في إفريقيا. وتشير التقديرات إلى أن نحو 20% مساحة أرض إفريقيا (6,6 مليون كيلومتر مربع) تتدهور بسبب تآكل التربة والتملح والتلوث وفقدان الغطاء النباتي أو خصوبة التربة. على سبيل المثال، يفقد حوض نهر الكونغو ما بين 500000 و1.2 مليون هكتار من الغابات المطيرة سنويًّا ممَّا أدَّى إلى انخفاض بنسبة 30% في الغطاء الشجري على مساحات كبيرة من المناطق الاستوائية الإفريقية منذ عام 2001م.

وفيما يتعلق بالحيوانات والنباتات البرية، توصّل تقييمٌ أجراه IUCN (الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية) على خمس مجموعات تصنيفية (الثدييات والطيور والبرمائيات والشعاب المرجانية والسيكاد) إلى أن جميع الأنواع تدهورت بشكل مطرد بين عامي 1993 و2016م.

وفقًا للتوقعات الحذرة، فإن من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأزرق في إفريقيا (الذي يشمل الموانئ وصيد الأسماك والسياحة والأنشطة الاقتصادية الساحلية الأخرى) من 296 مليار دولار في عام 2018م إلى 405 مليارات دولار بحلول عام 2030م. ومع ذلك، فإن الحوادث المتكررة من تبيض المرجان الهائل في شرق إفريقيا، وهجرة الحيوانات والنباتات البحرية خارج موائلها، وتوجهها نحو القطب من شأنها أن تؤدي إلى انكماش بنسبة 30% في هذا القطاع، وهذا يعني فقدان سبل عيش ملايين الصيادين الأفارقة.

العوامل المؤدية إلى التغيّر البيولوجي:

على الرغم من أن تغير المناخ ليس العامل الرئيسي، إلا أنه يؤدي إلى تفاقم فقدان التنوع البيولوجي بسبب الإنسان.

وفي ظل ارتفاع مستويات الاحتباس الحراري (GWL) فوق 1.5 درجة مئوية من المتوقع:

– أن يفقد نصف الأنواع التي تم تقييمها من الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيّر المناخ أكثر من 30% من سكانها أو موطنها الطبيعي.

– أكثر من 10% من النباتات والفقاريات واللافقاريات في 90% من إفريقيا مهددة بالانقراض المحلي.

– ستنخفض إمكانات الصيد للمصايد البحرية بأكثر من 12% في العديد من دول غرب إفريقيا. تشير تقديرات أخرى إلى أن الكتلة الحيوية للأسماك في الحزام الاستوائي حول إفريقيا ستنخفض بنسبة 30% بحلول عام 2050م.

– ينتشر خطر التنوع البيولوجي المفاجئ والشديد في التنوع البيولوجي في معظم أنحاء إفريقيا، بعد 2 درجة مئوية GWL، ويؤدي إلى التداعيات التالية:

– احتمال زعزعة استقرار كمية الكربون في الغابات المطيرة الإفريقية.

– خطر الانقراض المحلي لأكثر من 50% من أنواع النباتات والفقاريات والحشرات في خُمس إفريقيا.

– خطر الانقراض الكلي لثلث أسماك المياه العذبة، وأكثر من 90% من الشعاب المرجانية في المياه الدافئة؛ علمًا بأن بعض أكثر الشعاب المرجانية تهديدًا هي موجودة في مدغشقر وجزر القمر وماسكارين.

وبالتوازي مع تسارع وتيرة تدهوُر التنوع البيولوجي البحري في إفريقيا بسبب الاحترار العالمي، يمتص المحيط حوالي 23% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في الغلاف الجوي. وتؤدي زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون إلى تحمُّض المحيطات، وتعريض صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية للخطر إلى جانب إضعاف الشعاب المرجانية، مما يؤثر على حماية السواحل. وفقًا للفريق الحكومي الدولي المعنيّ بتغير المناخ، أدى ذلك إلى انخفاض 20% في الكتلة الحيوية للعوالق النباتية في غرب المحيط الهندي منذ الستينيات (مما قد يؤدي إلى انخفاض في صيد التونة). ومن المتوقع أن يكون لذلك تأثير خطير على حوالي 30 نوعًا من مصبات الأنهار والأسماك البحرية (بما في ذلك الأنشوجة والسردين والنازلي والكركند).

تغطي الشعاب المرجانية في شرق إفريقيا -من كينيا إلى جنوب إفريقيا- 11،919 كيلو مترًا مربعًا من الشعاب المرجانية، وتمثل 5% من إجمالي مساحة الشعاب المرجانية في العالم. لقد خلّفت أحداث تبيض المرجان الهائل في غرب المحيط الهندي في أعوام 1998 و2005 و2010 و2016م بالفعل غطاء المرجان عند 30-40% فقط من مستويات عام 1998م.

وتشكل النظم الإيكولوجية الساحلية، بما في ذلك أشجار المانغروف والأعشاب البحرية والشعاب المرجانية، موائل حيوية لتكاثر الأسماك وعزل الكربون وحماية السواحل. يمكن لفدان من أشجار المانغروف تخزين ما بين 5 إلى 10 أضعاف الكربون أكثر من فدان من الغابات المطيرة. وعليه سيكون لاختفائهم تأثير ليس فقط على المجتمعات الساحلية الإفريقية، ولكن أيضًا على الكوكب برمته.

التهديدات الأمنية الناجمة عن تدهور التنوع البيولوجي:

1- انعدام الأمن الغذائي، وتزايد حوادث النزاع

يُشكّل تحويل الموائل الطبيعية إلى أراضٍ زراعية منخفضة الإنتاجية عاملًا رئيسيًّا في فقدان التنوع البيولوجي في إفريقيا، وفي المناطق القاحلة وشبه القاحلة؛ حيث تؤثر خسائر التنوع البيولوجي وتدهور النظم الإيكولوجية على نوعية التربة والنباتات، مما يؤثر على الإنتاج الزراعي. كما يؤدي اختفاء المناطق الأحيائية التي يغلب عليها الكلأ إلى تقليل مساحة المراعي ويؤثر على تربية الماشية. يسهم الضغط المتزايد على الأراضي في نزوح السكان وتصعيد النزاعات بين المزارعين ومربي الماشية.

ونتيجة لتغيُّر أحوال المحيطات، قد لا تؤدي القيود الموسمية وحظر الصيد في بعض المناطق غرضها باعتبار احتمال ميل الصيادين إلى المغامرة إلى المناطق البحرية المحمية، حال انتقال الأرصدة السمكية من منطقة إلى أخرى، مما قد يضر بالموارد الضعيفة التي تحتويها. ويمكن أيضًا أن يحدث الصيد غير المشروع وغير المُبلَّغ عنه وغير المنظَّم عندما تعبر الأرصدة الحدود الوطنية، وينتهي بها المطاف في مناطق الصيد في بلدان أخرى. وقد وقعت بالفعل بعض هذه الصراعات بين الصيادين المحليين والأجانب في غرب إفريقيا.

2- الصحة العامة

تُعتبر حواف الغابات الاستوائية منصة انطلاق مهمة لفيروسات بشرية جديدة؛ حيث تظهر الحواف المعنية عندما يبني الإنسان الطرق أو يزيل الغابات لإنتاج الأخشاب وممارسة الزراعة. وحال فقدان أكثر من 25% من الغطاء الحرجي الأصلي؛ فمن المرجّح حدوث احتكاك البشر والماشية مع الحياة البرية. كما يؤدي الصيد والنقل والزراعة وتجارة الحيوانات البرية مقابل الغذاء والحيوانات الأليفة والطب التقليدي إلى تفاقم مسارات الانتقال ومتابعة إزالة الغابات عن كثب.

على سبيل المثال، الخفافيش هي الخزانات المحتملة للإيبولا والنيباه والسارس والفيروس الذي يسبب كوفيد- 19.

وقد كشفت منظمة الصحة العالمية عن أن عدد الأوبئة حيوانية المنشأ في إفريقيا (لا سيما في جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا) ارتفع بنسبة 63% في العقد 2012-2022م مقارنة بالفترة 2001-2011م.

التطلعات المستقبلية:

 لم يَفُت الأوان بعدُ لتحسين مستقبل العديد من الحيوانات والنباتات المهدّدة رغم اختفاء العديد من الأنواع منها؛ فضلاً عن أن آمالاً كبيرة تُعلّق على المبادرات، التي تُركِّز على ريادة الأعمال والتعليم وبرامج الزراعة المستدامة التي تحترم التنوع البيولوجي، في حماية التنوع البيولوجي في إفريقيا ومواطنيها. إلى جانب هذه المبادرات التي تركّز على المواطنين، يمكن للحكومات الإفريقية وشركائها الدوليين التركيز أيضًا على الحوكمة التي تحترم التنوع البيولوجي.

1- ضرورة تنفيذ الاتفاقيات وتطبيق القوانين القائمة

إن العديد من البلدان الإفريقية أطراف في مختلف الاتفاقات الإقليمية والدولية لمكافحة الاتجار بالموارد الطبيعية مثل الحياة البرية والأخشاب، غير “أن سدّ الفجوة بين الأُطر والتنفيذ الفعال –من خلال تسخير قوة وخبرات المجتمعات المحلية والمجتمع المدني وخدمات إنفاذ القانون- سيؤدي إلى نتائج مفيدة للتنوع البيولوجي والمجتمعات التي تعتمد عليه بشكل مباشر”.

2- ضرورة تطوير استخدام أرصدة الكربون لتسهيل حماية النظم الإيكولوجية

 أصدرت الغابون أرصدة الكربون للمساعدة في حماية غاباتها المطيرة في أكتوبر 2022م -وهو أكبر إصدار على الإطلاق، ومن المحتمل أن تصل قيمته ملياري دولار-. يمكن أن يساعد استخدام أرصدة الكربون تلك وأنظمة الدخل الأخرى القائمة في الحفاظ على المحميات الطبيعية، مع توليد الدخل للمجتمعات المحلية. وبمراقبة المجتمع المدني، يمكن أن تكون هذه الأموال مصدرًا للاستثمار في التنويع الاقتصادي وسبل العيش المستدامة.

3- ضرورة تعزيز جمع البيانات للاسترشاد بها في وضع السياسات

على الرغم من التقدم المثير للإعجاب الذي تم إحرازه مؤخرًا في تتبُّع التجارة في منتجات التنوع البيولوجي وتدهور التنوع البيولوجي، لا تزال العديد من المناطق المعرضة للخطر غير معروفة، وحتى الغابات الأولية الغنية بالتنوع البيولوجي في حوض الكونغو والشعاب المرجانية قبالة الساحل الشرقي لإفريقيا ليست في معزل عن ذلك. ومن الضروري تكريس المزيد من الموارد والاهتمام بجمع البيانات وتعزيز الترابط بين العلوم والسياسات داخل المؤسسات الحكومية لزيادة الوعي وتوجيه السياسات الفعَّالة.

.

رابط المصدر:

https://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%AA%D8%AF%D9%87%D9%88-%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D9%8A%D9%87%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%8A#sthash.CeSqELxG.V0JoyN8s.dpbs

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M