تصاعد الدور.. كيف توظف بريطانيا قدراتها العسكرية والاستخباراتية في أوكرانيا

مروة عبد الحليم

 

ما زال عالقًا في أذهان الساسة البريطانيين ما قاله رئيس الوزراء السابق “نيفيل تشامبرلين” عندما وصف محاولة ألمانيا ضم تشيكوسلوفاكيا في عام 1938 بأنها “شجار في بلد بعيد بين أشخاص لا نعرف عنهم شيئا”. والآن تقف بريطانيا مستنفرة في مقدمة الصف الغربي معلنة عن انخراط رئيس الوزراء “بوريس جونسون” وجهاز استخبارته MI6 بشده دبلوماسيًا وعسكريًا وسط الأزمة الأوكرانية. متعهدًا بأن غزو الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” يجب أن يفشل وأن ينظر إليه على أنه فاشل.

واحدة من النتائج المتناقضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو الدور المعزز الذي تلعبه في الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا. فقد أظهرت المملكة المتحدة أنها شريك قوي لكييف في توفير الأسلحة الدفاعية ودعم السلامة الإقليمية لأوكرانيا. وقبل الغزو الروسي، كان التزام المملكة المتحدة أقوى بكثير من شركائها في القارة على مستوى الاتحاد الأوروبي وبين العواصم الكبرى بداية من برلين مرورًا بباريس وستوكهولم.

ليس من مصلحة بريطانيا أن يقع حلفاء أوروبا الشرقية تحت مظلة النفوذ الروسي، فقد قال جونسون “لا يمكننا المساومة على رؤية لأوروبا موحدة وحرّة والتي برزت بعد نهاية الحرب الباردة عام 1989، لأنّ روسيا أشهرت مسدّسا على أوكرانيا”. هذا الالتزام ليس بجديد ويقع على عاتق المملكة المتحدة واجب قانوني للدفاع عن وحدة الأراضي الأوكرانية. في عام 1994، وقعت بريطانيا – إلى جانب الولايات المتحدة – مذكرة بودابست تعهدت فيها “باحترام استقلال وسيادة أوكرانيا وحدودها الحالية”. كما وعدت بتقديم المساعدة إذا “أصبحت ضحية لعمل عدواني”. وكان ذلك مقابل تخلي أوكرانيا عن ترسانتها الضخمة من الأسلحة النووية.

إن مصالح المملكة المتحدة هي مصالح خاصة بها، قادرة على النظر إلى أوكرانيا من خلال منظور الدفاع والأمن بشروط ثنائية، منفصلة عن أي طموحات كبرى لسياسة خارجية ودفاعية على مستوى القارة بأكملها مقترنة بالتكامل الاقتصادي. ووضعت “خطة عمل مؤلفة من 6 نقاط” لمواجهة الغزو الروسي تتضمنت حشد تحالف إنساني دولي لأوكرانيا، ودعم قدرة البلاد على الدفاع عن نفسها، وزيادة الضغط الاقتصادي ضد النظام الروسي إلى الحد الأقصى، ومنع “التطبيع الخبيث” لما تفعله روسيا بأوكرانيا، فضلًا عن متابعة المسار الدبلوماسي توصلًا إلى خفض للتصعيد وإطلاق “حملة سريعة” لتعزيز الأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية. وحظرت المملكة المتحدة كل واردات الطاقة الروسية، وفرضت عقوبات على المزيد من البنوك وكثفت إمداداتها من الأسلحة إلى أوكرانيا.

وفي خطوة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير الماضي، توجه رئيس الوزراء “بوريس جونسون” إلى كييف في 9 أبريل، لتقديم حزمة جديدة من المساعدات البريطانية المالية والعسكرية لأوكرانيا. وأبلغ جونسون رئيس الوزراء الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” أن بريطانيا ستقدم لأوكرانيا 120 عربة مدرعة وأنظمة صواريخ جديدة مضادة للسفن، وهذه المساعدات تضاف إلى معدات عسكرية متطورة بقيمة 100 مليون جنيه إسترليني. كما ستضمن بريطانيا قرضا بقيمة 500 مليون دولار إضافية من البنك الدولي لأوكرانيا وستقوم بتحرير الرسوم الجمركية على معظم الواردات من أوكرانيا واتخاذ تدابير أخرى لتحرير التجارة.

السلاح البريطاني لتعزيز التقدم الأوكراني

حافظت بريطانيا على دعمها الهادئ للجيش الأوكراني، وكان لها مقاربة استباقية لعبت دورًا مهمًا في كبح تقدم القوات الروسية. فكانت أول دولة ترسل إمدادات عسكرية إلى أوكرانيا قبل بداية الحرب، وفتح الجيش البريطاني خطًا جويًا عسكريًا لم يتوقف، ينتقل بين القواعد العسكرية البريطانية قبل أن يحط في أوكرانيا، محملا بالأسلحة والخبراء العسكريين. 

على مدى السنوات السبع الماضية، دربت المملكة المتحدة أكثر من 22 ألف عسكري أوكراني كجزء من عملية Orbital ومبادرة التدريب البحري بقيادة المملكة المتحدة، بما في ذلك التعامل مع الأجهزة المتفجرة المرتجلة وتكتيكات المشاة والمهارات الطبية والخدمات اللوجستية والقيادة والتخطيط. ولم تخف بريطانيا الحركة الدؤوبة لطائراتها العسكرية، بل أعلنت صراحة أنها تزود الجيش الأوكراني بالسلاح، وأرسلت 800 جندي خلال العام الماضي من أجل الإشراف على تدريب الجيش الأوكراني، ووضع إستراتيجيات الدفاع الحربي لمواجهة أي اجتياح عسكري. وبعد الغزو العسكري قامت وزارة الدفاع البريطانية بإنزال 600 جندي من قوات النخبة بالأراضي الأوكرانية.

  1. صواريخ مضادة للدبابات

أرسلت المملكة المتحدة ألفي قطعة من الأسلحة المضادة للدبابات، من طراز “NLAW” ووصول 30 جندي من القوات الخاصة لتزويد القوات الأوكرانية بالمعرفة المطلوبة لاستخدام السلاح بشكل ناجع وهو ما كان له تأثير على الأرض، وساعد بشكل كبير في التصدي للدبابات الروسية لقدرته على الوصول لهدف يبعد عنه بمئات الأمتار، وله قدرات تدميرية كبيرة، ويتمتع بدقة تصل إلى 90%، كما أن حمله ونقله من مكان إلى آخر يجري بسهولة، لأنه أخف بكثير مقارنة بأنظمة (Javelin) الأمريكية المضادة للصواريخ.

تعد الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات التي تم إرسالها من بريطانيا، من أحدث الأسلحة الموجودة حاليًا، يقول عنها مصنعوها إنها “أول نظام صاروخي يمكن للجندي المنفرد أن يطلقه، ويقضي بسرعة على أية دبابة قتال رئيسية في طلقة واحدة فقط بضربها من أعلى، وقد استخدمه الجيش البريطاني خلال غزو أفغانستان ضد حركة طالبان.

كما أرسل الجيش البريطاني أيضًا صواريخ من طراز (AT4)، وهي صواريخ سويدية الصنع، وتُعتبر الأكثر انتشارًا في فئة الصواريخ المضادة للمدرعات والدبابات، وتعمل بنظام الطلقة الواحدة، وحققت نجاحات كبيرة خلال العقود الماضية، ما جعلها من أكثر الصواريخ مبيعا لمواجهة الدبابات، وأيضًا بالنظر لدقتها في إصابة الهدف. ولا يستطيع هذا الصاروخ تدمير دبابة قتالية بشكل كامل، إلا أنه يستخدم في حرب الشوارع، لسهولة حمله ونقله بين المباني وإطلاقه، حيث لا يتجاوز وزنه 8 كيلوجرامات.

  1. صواريخ مضادة للطائرات

أعلن وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، أن بلاده ستزود أوكرانيا بصواريخ ستارستريك “Starstreak” المضادة للطائرات. وهو نظام دفاع جوي بريطاني قصير المدى محمول على الكتف لمساعدة البلاد في الدفاع عن نفسها ضد الغزو الروسي. وأظهر مقطع فيديو لطائرة هيلوكوبتر هجومية روسية من طراز “Mi-28N”، تنشطر إلى نصفين فوق منطقة لوهانسك شرقي أوكرانيا، بواسطة صاروخ ” Starstreak” أطلقه مقاتلون أوكرانيون.

ويعتبر نظام الصواريخ المحمولة “ستارستريك” الأكثر تقدمًا في بريطانيا. ويعادل الصاروخ صواريخ ستينجر أرض – جو أمريكية الصنع التي تم توفيرها لأوكرانيا من قبل الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا وغيرها منذ الغزو الروسي. ويتم توجيه ستارستريك بالليزر بمدى يصل إلى 7 كيلومترات، على عكس ستينجر، التي تعتمد على الأشعة تحت الحمراء، وهي مصممة لتكون أكثر صعوبة في التشويش. وتصل سرعته إلى ثلاثة آلاف ميل في الساعة، وهو أسرع صاروخ قصير المدى.

وبسبب تعقيد استخدامه، يجب أن تتدرب القوات عليه وتسجل ألف ضربة ناجحة على جهاز محاكاة، قبل أن يُسمح لهم بإطلاق صاروخ منه. ولمساعدة الأوكرانيين على إتقان استخدامه، أرسلت وزارة الدفاع البريطانية فريقًا من مشغلي “ستارستريك” وجهاز محاكاة إلى موقع سري في دولة مجاورة للتدريب. ويتميز الصاروخ بوجود ثلاث فوهات إطلاق يمكنها أن تطلق الصواريخ معا أو بالتتابع، كما يمكن أن تطلق المنظومة صاروخين نحو أهداف وهمية لتفسح المجال للصاروخ الثالث للاتجاه وإصابة الهدف. ويمكن إطلاقه من مختلف المنصات الأرضية والبحرية والجوية، لكنه مصمم بالأساس للتعامل مع التهديدات الجوية.

  1. صواريخ مضادة للسفن

خلال زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى كييف، وعد بإرسال صواريخ مضادة للسفن، قادرة على مهاجمة السفن والبوارج الحربية الروسية، التي تقصف عددًا من المدن الأوكرانية. حيث لا يزال الجناح الجنوبي لأوكرانيا مهددًا من قبل البحرية الروسية التي حاصرت موانئ بحرية مهمة في أوكرانيا. ومنعت القوات الروسية حوالي 300 سفينة من مغادرة البحر الأسود، تاركة أحد طرق التجارة العالمية الرئيسية للحبوب مسدودًا تقريبا، مما أدى إلى خنق الاقتصاد الأوكراني وإغلاق طريق إعادة الإمداد المحتمل. في المقابل، يستخدم الروس البحر الأسود وبحر آزوف لتقديم الدعم اللوجستي لقواتهم على الشاطئ. وتلقي روسيا باللوم في هذا التوقف على ارتفاع مخاطر الألغام التي قالت إن البحرية الأوكرانية زرعتها.

  1. صواريخ نبتون

تعهدت بريطانيا بإغراق أسطول البحر الأسود الروسي الذي يحاصر السواحل الأوكرانية. وزودت أوكرانيا بـ 100 صاروخRK-360MT Neptunes  المضاد للسفن لمحاربة السفن الروسية في البحر الأسود وبحر آزوف. الصاروخ قادر على تدمير أهداف في نطاق 300 كم. يزن 870 كجم ويحمل رأسًا حربيًا يبلغ وزنه 150 كجم، وهو قادر على تدمير أهداف تصل إلى 5000 طن، باستخدام توجيه راداري موجه إلى سفن العدو.

وتفيد مدونة BMPD التي يديرها مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات (CAST) ، وهي منظمة بحثية روسية مستقلة، أن أحد أقسام نبتون لديه عادة ست قاذفات USPU-360 قادرة على إطلاق وابل من الصواريخ المضادة للسفن البالغ عددها 24 صاروخًا في وقت واحد، مع فاصل زمني للإطلاق من 3 إلى 5 ثوان. ويمكن أن يقع المجمع على مسافة تصل إلى 25 كم من الساحل، ويستمر نشره حتى 15 دقيقة.

وقد أعلن الجيش الأوكراني استهداف الطراد الصاروخي “موسكفا”، الرائد في أسطول البحر الأسود الروسي، بصواريخ “نبتون”، التي تسببت في أضرار جسيمة. وتم إطلاقه على بعد 25 ميلًا بحريًا من جزيرة الأفعى. وسيؤدي استهداف الطراد إلى تراجع قوة موسكو في البحر الأسود بشكل كبير، كما أن غرقه يمثل ضربة قوية للهيبة الروسية بعد 7 أسابيع من الحرب. في المقابل، تؤكد روسيا أن سبب غرق الطراد هو سوء الأحوال الجوية. ولكن، أيا كان سبب خسارة الطراد “موسكفا”، فإن الحادث يمثل نكسة لروسيا. وإذا كان تأكيد أوكرانيا أنها أصابت السفينة في هجوم صاروخي صحيحًا، فسوف يسجل الهجوم في التاريخ باعتباره أحد أبرز الهجمات البحرية منذ بداية القرن.

   ب – صواريخ هاربون

تم إرسال نظام صواريخ Harpoon المضادة للسفن بعد زيارة جونسون لأوكرانيا، لاختراق الدفاعات الروسية وإنهاء حصارها لموانئ البحر الأسود. الصاروخ قادر على ضرب أهداف بحرية في نطاقات تتراوح بين 50 و150 ميلًا بحريًا.

يستخدم الصاروخ نظام توجيه متميز يمكنه من تتبع الهدف حتى عندما يتم قطع التوجيه الخارجي، ويتولى رادار الصاروخ تتبع الهدف ويجلب الشحنة المتفجرة، التي تزن أكثر من 200 كيلوجرام، إلى الهدف. تم تجهيز النظام برأس حربي شديد الانفجار يبلغ وزنه 500 رطل، وهذا النظام موجود على 600 سفينة حربية تابعة للناتو و180 غواصة حول العالم. مخصص للعمل في كل أجواء الطقس ويستطيع التحليق على ارتفاعات منخفضة على سطح البحر بصورة تجعل اكتشافه من قبل العدو في غاية الصعوبة، ويستخدم رادار إيجابي لتتبع الهدف.

الاستخبارات البريطانية ومحورية الدور

لم يكن للمساعدات العسكرية البريطانية أن تحقق تقدمًا في أوكرانيا بدون وجود تقديرات جهاز الاستخبارات MI6 الذي اعتمد عليه رئيس الوزراء البريطاني لإظهار الموقع العالمي لبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وإظهار الثقل المستمر للأجهزة الأمنية وإثبات أن المملكة المتحدة لا تزال قوية، وأن الأمن التقليدي هو أحد المجالات القليلة التي لم تتأثر بالبريكست.

خلف الكواليس اقترنت جهود MI6 بسلسلة من الإحاطات غير الرسمية التي خرجت منها المعلومات، مدعومة باقتباسات عن مسؤولين. فكان لجهاز الاستخبارات دورًا نشط قبل الغزو تعلق بكشف التحركات العسكرية وأن روسيا لديها وجود عسكري كبير، يمكنه شن غزو دون سابق إنذار. ووفقاً لتلك المعلومات نشرت وزارة الدفاع البريطانية رسمًا توضيحيًا لمحاور الغزو المحتمل لأوكرانيا. وتقييمات أخرى تستهدف المدنيين، وأن روسيا تسرع تعزيز القوات قرب الحدود الأوكرانية وأن غزوًا قد يحدث خلال أيام. ودق جهاز الاستخبارات ناقوس الخطر بشأن المؤامرات الرامية إلى تنظيم انقلاب في كييف، وإقامة نظام موالي لموسكو، وأن روسيا كانت تفكر في صنع فيديو يظهر هجومًا مزيفًا بطائرة بدون طيار لتبرير التدخل العسكري. وإرسال مخربين إلى شرق أوكرانيا لمهاجمة الانفصاليين الروس هناك، مما يجعل الأمر يبدو وكأن أوكرانيا هي المعتدية وأن قوات بوتين كانت تأتي لإنقاذها.

أما الدور اللاحق لجهاز الاستخبارات البريطاني تمثل في الكشف عن الأنشطة العسكرية المكثفة للقوات الروسية جنوب أوكرانيا وشرقها، وسعي القوات لبسط سيطرتها الكاملة على ماريوبول، وحذر من الألغام في البحر الأسود، وأنها تشكل خطرًا جسيمًا على الأنشطة البحرية. وهي التقديرات التي بناء عليها أرسلت بريطانيا مضادات للسفن ساعدت في استهداف الطراد الروسي. كما سلطت الاستخبارات الضوء على إخفاقات روسيا في الحرب والانقسامات داخل الدائرة المحيطة ببوتين. وأن بوتين لم يكن على علم أن جيشه يخسر المتطوعين الذين تم تجنيدهم، مما يدل على انقطاع واضح في حصول الرئيس الروسي على معلومات موثوق بها.

وساهمت التقارير الاستخباراتية في تقديم سرد دقيق للواقع القاتم للصراع، والانتهاكات المروعة التي ارتكبتها القوات الروسية، والتي قد تشكل جرائم حرب. ومع توقعات الاستخبارات البريطانية، بأن المرحلة التالية من الغزو الروسي لأوكرانيا ستكون حرب عصابات ومعارك كر وفر في المدن الأوكرانية، أقدمت بريطانيا على تزويد الجيش الأوكراني بصواريخ (LAW M72)، وهي مضادة للدبابات تم تصميمها في الولايات المتحدة، ويتم تصنيعها في النرويج. وكانت مضادة للدبابات فقط، لكن في سنة 2018، تم تطويرها لتصبح قادرة على اختراق البنايات والإسمنت المسلح، وعلى ضرب التحصينات العسكرية في حرب الشوارع.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/69154/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M