تكليف الكاظمي ووهم الأحزاب الشيعية

مسلم عباس

رسميا كلف رئيس الجمهورية برهم صالح، رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي، الذي لا يُعْرَف عن سيرته الذاتية سوى العمل في مجال الصحافة الأجنبية وكتابة التقارير والمقالات الصحفية، ثم تعيينه من قبل رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي كرئيس لجهاز المخابرات، ومن سيرته أيضا انه متهم بتمرير معلومات مخابراتية للقوات الامريكية عن اللواء الإيراني قاسم سليماني ورئيس اركان الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس اللذين تم اغتيالهما بضربة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي مطلع العام الجاري.

في الخطوة الأولى للتكليف هناك خرق دستوري، فلا توجد كتلة اكبر لترشيح رئيس للوزراء، ولا توجد كتلة سياسية تتبنى الكاظمي، بل هناك اجماع كما يبدو في الصورة الظاهرة لحظة التكليف، اذ حضر نواب عن كتلة دولة القانون، وممثل عن مسعود برزاني، وعن تحالف الفتح، وتحالف القوى العراقية، وعن تحالف النصر، بالإضافة الى حضور بعض الشخصيات والكتل السياسية المتوسطة والصغيرة، والمكلف مرضي عنه شيعيا وسنيا وكرديا، ويبدو ان هناك موافقة أمريكية وايرانية على هذا المرشح.

اذا استحصل المكلف لرئاسة الوزراء على كافة الشروط التي تؤهله ليحصل على التصويت داخل مجلس النواب خلال عرض برنامجه الحكومي وتشكيلته الوزارية، اما بعض المعترضين على التكليف وهم عدد من الفصائل الشيعية المسلحة، واعتراض خجول من بعض من يمثلون التظاهرات فلا اثر لهم لحد الان ما دام الحظر الصحي مستمر بالنسبة للمتظاهرين، وبالتالي يقل تاثيرهم على عملية التصويت، اما الفصائل المسلحة فانها ستخضع للامر الواقع، لا سيما اذا حصل المكلف على موافقة إيراني، ما يفرض على الفصائل الموافقة بحكم عدم مخالفة التعليمات التي تلزم نفسها بها، وهي عدم مخالفة قرارات الحكومة الإيرانية التي تمثل حكم ولاية الفقيه.

في رحلة التكليف من محمد علاوي ومرورا بعدنان الزرفي وصولا الى مصطفى الكاظمي، وقعت الكتل الشيعية تحت رحمة الضغوط الخارجة عن سيطرتها وتوزعت وفق الاتي:

اولاً: ضغوط السياسة التوافقية، فالكتل الشيعية وان كانت تملك النسبة الأكبر من مقاعد مجلس النواب، والدستور يسمح لها بتشكيل الحكومة لكنها لم تفعل ذلك منذ حكومة المالكي ومرورا بالعبادي وعبد المهدي، والى مرحلة تكرار التكليف بدون التاليف، لان العملية السياسية في أساسها لا تحتكم الى منطق الأغلبية انما للمنطق التوافقي، وهنا يتم تمييع الأغلبية وسحب جزء كبير من قوتها لصالح التوافق، ونعلم ان التوافق أساسه التفاوض القوي، وهذا ما لا تجيده الكتل الشيعية التي تخشى انفلات منصب رئيس الوزراء من الطائفة الشيعية، او تقسيم العراق الى ثلاث دول، فتوافق على شروط قاسية لصالح الكتل الأخرى مقابل الحصول على موافقتها ودخولها في بالتشكيل الوزاري.

ثانياً: ضغوط الشارع، رغم ان الكتل الشيعية تمثل المحافظات الشيعية، الا انها تواجه مدا شعبيا رافضا لها، فهي المستهدفة من التظاهرات التي انطلقت مطلع تشرين الأول من العام الماضي، واستمرت حتى اعلان الحظر الصحي نتيجة انتشار وباء كورونا، وهذا الشارع يستمد شرعيته من ذاته باعتباره صاحب الحق الأول دستوريا في تعيين ممثليه وتعيين الحكومة التي يرغبها، كما انه مدعوم بشكل قوي من قبل المرجعية الدينية في النجف الاشرف التي لم تتخلى عن التظاهرات، انما زادتها قوة واعطتها الحافز للاستمرار، حتى ان خطاب استقالة عبد المهدي عنونه بانه استجابه لمطالب المرجعية الدينية التي تمثل الشارع العراق.

ثالثاً: ضغوط دولية وإقليمية، هنا تعاني الأحزاب الشيعية من ضغوط متضاربة، مرة من الجمهورية الإسلامية في ايران التي تريد الكثير من الأحزاب الشيعية وتحملها اكثر من طاقتها، وفي بعض الأحيان قد لا تتفهم طهران الواقع العراقي بقدر ما تتفهم منطق مصالحها، وهو ما أوقع الأحزاب الشيعية في أخطاء سياسية ابعدتها عن الشارع، بل جعلت طهران من الأحزاب الشيعية لا تفكر الا في اخراج القوات الامريكية، وضمان استمرار الحكومة المرضي عنها في طهران باي ثمن كان، والنتيجة انفصال تام عن القاعدة الشعبية.

والضغط الثاني الذي تتعرض له الأحزاب الشيعية يأتي من الولايات المتحدة الامريكية، التي لا تفهم اطلاقا معنى المصالح العراقية، تقوم بانشاء القواعد العسكرية، وتمنع تسليح الجيش عبر حجزها على طائرات اف16 لعدة سنوات رغم الحاجة الماسة لها، وتمنع استيراد الأسلحة من روسيا، وهذا كلف العراق خسائر كبيرة وانهيار منظومته الأمنية والعسكرية، كما ان واشنطن لا تأبه بالواقع الاقتصادي المتردي الذي ياثر مباشرة على القواعد الشعبية للأحزاب الشيعية، وفوق كل هذا تريد منها الموافقة على مرشح توافقي وان لم توافق فيتم فرض عقوبات او استبعاد بعضها من العملية السياسية.

رابعاً: البنية المؤسسة للأحزاب الشيعية ذاتها، فهي احزاء تاسست في الخارج لتعارض الحكم في الداخل، وهي مدينة للخارج اكثر من الداخل، وترى في ذلك الخارج المنقذ في الشدائد، ولا تثق بنظام الحكم حتى وان كان بيدها، فتجدها تأسس المليشيات التي تتعارض واسس الدولة الحديثة، لانها مفطومة على المعارضة، لا ترى في العراق الا السياسة، لا ترى الشارع، ولا ترى عامة الناس، ولا تتبع مشكلاتهم، ولا تقوم بحلها في الوقت المناسب، تترك الشعب يتضور من الازمات وحينما يخرج ضدها بتظاهرة سلمية تتهمه بالولاء للخارج.

جاء تكليف مصطفى الكاظمي ليكشف جميع اوراق الأحزاب الشيعية، ويبرز ضعفها امام المتغيرات السياسية، ويؤكد مرة أخرى ان الحكم الفعلي في العراق ليس للأحزاب الشيعية، بل هو حاصل جمع الأحزاب العراقية مجتمعة، يضاف لها المتغير الإقليمي والدولي، وحتى وان حصلت على ثلاثة ارباع مقاعد البرلمان فانها لا تستطيع تشكيل حكومة عراقية بدون موافقات جميع الأطراف بصغيرها وكبيرها.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/22859

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M