تهديد غير مسبوق.. كيف توظف روسيا البعد النووي في حربها في أوكرانيا؟

مروة عبد الحليم

 

أكثر ما لفت الانتباه في الهجوم الروسي على أوكرانيا أنه لأول مرة تعصف حرب واسعة النطاق ببلد يملك عددًا كبيرًا من المفاعلات النووية، وآلاف الأطنان من الوقود النووي المستهلك عالي الإشعاع. وما زاد الوضع تعقيدًا هو استهداف موسكو لمحطات الطاقة النووية والسيطرة عليها، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة حول: ما هي دوافع موسكو للسيطرة على تلك المحطات؟ ومدى أهميتها في الصراع الدائر؟ والمخاطر المحدقة حال وقوعها بيد القوات الروسية أو تعرضها لهجوم؟ وأخيرًا، هل سيشكل الغزو الروسي لأوكرانيا تهديدًا نوويًا غير مسبوق؟

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ورثت كييف ترسانة نووية كبيرة جعلتها ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، تتكون من أكثر من مئة صاروخ باليستي عابر للقارات من نوع UR-100N، بالإضافة إلى قرابة 50 قطارًا نوويًا من طراز RT-23 Molodets، وأسطول من القاذفات الاستراتيجية المزودة بالأسلحة النووية، وهو ما يعني أن أوكرانيا كانت قد نشرت أو خزنت حوالي 1700 رأس نووي.

بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، وقَّعت كل من أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا في عام 1994 على مذكرة بودابست، والتي أصبحت بمثابة اتفاقية دولية حول ضمانات الأمن على ضوء انضمام أوكرانيا إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ووفقًا للمعاهدة، تم القضاء على الترسانة النووية على أراضي أوكرانيا، وأعادت أوكرانيا جميع أسلحتها النووية إلى روسيا بحلول عام 1996، وسمحت المعاهدة لخمس دول فقط في العالم بحيازة الأسلحة النووية، هي الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وتوضح الوثيقة التي وقعتها كييف كيف تأخذ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا على عاتقها عدة التزامات تجاه أوكرانيا، بما فيها الالتزامات المتعلقة بـ “استقلالها وسيادتها” و”الحدود الحالية” للبلاد. وتعهدت الدول الثلاث بعدم استخدام التهديد بالقوة العسكرية أو بالإكراه الاقتصادي ضد أوكرانيا، واستخدام نفوذها في مجلس الأمن الدولي للدفاع عنها “في حال أصبحت أوكرانيا ضحية لعمل عدواني أو عرضة للتهديد بعدوان تستخدم فيه الأسلحة النووية”.

ورغم أن اتفاقية بودابست كانت بمثابة “تطمينات أمنية” حصلت عليها أوكرانيا مقابل التخلي عن ترسانتها النووية، لكن كييف وافقت مقابل ثلاثة ضمانات أمنية لحمايتها من أي هجوم روسي محتمل:

الضمان الأول: طلبت كييف تعويضًا ماليًا عن قيمة اليورانيوم عالي التخصيب في الرؤوس الحربية النووية، والذي يمكن مزجه لاستخدامه كوقود للمفاعلات النووية، ووافقت روسيا على دفع تلك المبالغ.

الضمان الثاني: تعلق بتغطية كلفة التخلص من الصواريخ البالستية العابرة للقارات وصوامعها ومنصات إطلاقها، ووافقت الولايات المتحدة على تغطية تلك التكاليف.

الضمان الثالث: كان يتعلق بحصول كييف على ضمانات لأمنها بمجرد تخلصها من الأسلحة النووية، وهو ما تضمنته مذكرة بودابست.

ومع هذا فقد خرقت موسكو مذكرة بودابست، منذ ضم شبه جزيرة القرم بعام 2014، ثم شنت مع الانفصاليين الموالين لها حربًا لأكثر من 5 سنوات في إقليم دونباس بشرق أوكرانيا، ما أسفر عن مقتل أكثر من 13 شخص ألف، ودفع نحو مليوني شخص للنزوح من منازلهم. بينما تنفي موسكو ذلك، وتقول إن سكان القرم مارسوا حقهم في تقرير المصير بموجب ميثاق الأمم المتحدة عندما صوتوا لصالح الانفصال عن أوكرانيا والعودة إلى روسيا. وحسب روسيا فإن الصراع في منطقة دونباس حرب أهلية شنتها كييف ضد المناطق الانفصالية وليس صراعًا دوليًا.

وحاليًا تشن موسكو عملية عسكرية على أوكرانيا برًا وبحرًا وجوًا، في أكبر هجوم تشنه دولة على أخرى في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وجعل الرئيس الروسي مذكرة بودابست حبرًا على ورق. ليس هذا فحسب، بل تهربت كل الدول من تنفيذ التزاماتها تجاه سلامة الأراضي الأوكرانية بحجة خرقها مذكرة بودابست وتقديمها طلبات للانضمام إلى الناتو.

وفي هذا الشأن، يبالغ بعض السياسيين في تقدير الالتزامات التي قطعتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بموجب مذكرة بودابست؛ إذ رأت تلك الأصوات أنه بإعلان روسيا الحرب على أوكرانيا فقد أعلنت الحرب أيضًا على ضامني الأمن الأوروبي، أي الولايات المتحدة وبريطانيا.

ولكن يشير علماء القانون إلى أن المذكرة لا تلزم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالدفاع عن أوكرانيا ضد معتدٍ أجنبي. إنها تمنحهما فقط مبررًا إضافيًا إذا اختارتا التدخل عسكريًا. بمعنى آخر، إنها تأكيد أمني وليست ضمانًا أمنيًا، على عكس التزام أعضاء حلف الناتو بالدفاع المشترك أو التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان.

خريطة المفاعلات النووية في أوكرانيا والمخاطر التي قد يسببها الغزو الروسي

وفقًا لأرقام الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 2020، تعد أوكرانيا سابع أكبر منتج للكهرباء النووية في العالم. وتنتشر بها خمس محطات للطاقة النووية، أربعة منها مجهزة بـ 15 مفاعلًا نوويًا في الخدمة، تعود جميعها إلى الحقبة السوفيتية. وتعد الطاقة النووية ذات أهمية متزايدة لإمدادات الطاقة في أوكرانيا. وفي عام 2014 سيطرت الجماعات الانفصالية المدعومة من روسيا على منطقة دونباس الكبيرة المنتجة للفحم. وقبل ذلك، كان الفحم يوفر 41% من طاقة البلاد وتطلعت أوكرانيا إلى الطاقة النووية والمتجددة لتعويض النقص.

الغزو الروسي لأوكرانيا.. مخاوف من تكرار ″كارثة تشرنوبيل″ جديدة | سياسة  واقتصاد | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW | 04.03.2022
  1.  محطة زابوريجيا للطاقة النووية

تعد محطة زابوريجيا للطاقة النووية، التي بنيت بين عامي 1984 و1995، أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا وتاسع أكبر محطة للطاقة النووية في العالم. بها ستة مفاعلات، وستة حمامات تبريد بها مئات الأطنان من الوقود النووي عالي الإشعاع. يولد كل منها 950 ميجاوات، ويبلغ إجمالي إنتاجها 5700 ميجاوات، وهو ما يكفي من الطاقة لحوالي 4 ملايين منزل. في الأوقات العادية تنتج خُمس الكهرباء في أوكرانيا وما يقرب من نصف الطاقة المولدة من مرافق الطاقة النووية في البلاد.

تقع المحطة النووية في مدينة إنيرهودار بمقاطعة زابوريجيا، جنوبي أوكرانيا، وتحديدًا على ضفة خزان كاخوفكا المتفرع من نهر دنيبر. وتملكها وتديرها شركة توليد الطاقة النووية الأوكرانية. بجانب أنها تقع على بعد 200 كم من إقليم دونباس، و550 كم جنوب شرق كييف. ويُخشى من سيناريو تعرضها لانفجارات تطال المفاعلات والتبريد وتؤدي إلى كارثة أكبر من تلك التي جرت في فوكوشيما عام 2011.

وخلص بحث أجراه خبراء منظمة السلاح الأخضر إلى أن زابوريجيا تتعرض لخطر شديد بعد سيطرة القوات الروسية عليها. وبعد الهجوم الروسي على زاباروجيا، أُغلق أحد المفاعلات للصيانة، وفُصل مفاعلان آخران وكان الآخر يعمل بنسبة 60% من الطاقة، في حين تم تبريد اثنين آخرين، واحتُفظ “بالاحتياطي” في وضع الطاقة المنخفضة. وجميع أنظمة السلامة في المفاعلات الستة في المحطة لم تتأثر إطلاقًا، ولم تنطلق أي مواد مشعة، وإن هذه المفاعلات أكثر أمانًا من العديد من المفاعلات القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية مثل تشيرنوبل.

  1. محطة جنوب أوكرانيا

وهي ثاني أكبر محطة نووية في أوكرانيا، تقع في الجنوب الغربي، تضم ثلاثة مفاعلات وتقع على بعد 350كم من جنوب العاصمة كييف حيث يشتد القصف جوًا والانفجارات على الأرض ما يجعلها عرضة كذلك إلى سيناريو كارثي. وهي المحطة الوحيدة في أوكرانيا التي تستخدم بشكل مضاعف مرافق التخزين المائي لتوليد الطاقة النووية والمرنة عبر نهر يوجني بوغ.

بدأ بناء محطة تخزين الطاقة المائية في عام 1981، وتم تشغيل أول وحدة طاقة هيدروليكية في أواخر عام 2006. تُنتج سنويًا ما يتراوح بين 17 إلى 20 مليار كيلو وات/ساعة من الطاقة. تمثل حوالي 10٪ من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في البلاد، وحوالي 20٪ من الطاقة التي يتم توليدها عبر المحطات النووية. تضم وحدتين للطاقة الكهرومائية بسعة 11.5 ميجاوات. وتولّد وحدات الطاقة الخاصة بها أكثر من 35 مليون كيلو وات/ساعة.

  1. محطة ريفني النووية

تضم أربعة مفاعلات نووية، تقع شمال غرب أوكرانيا وعلى بعد 400 كم من كييف، وهي بذلك بعيدة عن مناطق القتال، لكنها تبقى هدفًا محتملًا للقوات الروسية التي باتت تتقدم شمالًا أيضًا. وهي واحدة من أفضل المجمعات النووية في العالم. تجاوز الإنتاج السنوي للكهرباء بها 17 مليار كيلو وات/ساعة. وإجمالي سعة المفاعلات النووية الأربعة 2880 ميجاوات وهي:

وحدة الطاقة رقم 1: تضم المفاعل النووي من نوعVVER-440، بدأ العمل به عام 1980، ويعمل بسعة 440 ميجاوات.

وحدة الطاقة رقم 2: تضم المفاعل النووي من نوع VVER-440 أيضًا، ودخل حيز التشغيل عام 1981 لإنتاج 440 ميجاوات.

وحدة الطاقة رقم 3: تحتوي على المفاعل النووي من نوع VVER -1000 بسعة 1000 ميجاوات، وبدأت عملية التشغيل عام 1986.

وحدة الطاقة رقم 4: تضم أيضًا المفاعل النووي من نوع VVER – 1000 لإنتاج طاقة بسعة 1000 ميجاوات منذ بدء العمل به عام 2004.

  1. محطة خميلنيتسكي النووية

تقع في غرب أوكرانيا وهي أصغر محطات الطاقة النووية، تضم مفاعلين نوويين وفي الوقت الحالي هي الأبعد عن القتال الدائر في البلاد على غرار المحطات الثلاثة الأخرى، تم تشغيلها وبنائها في الثمانينيات. تتكون المحطة من وحدتين تشغيليتين للطاقة النووية، بجانب وحدتين قيد الإنشاء، ويمكن للمفاعلات بها ونوعها VVER-1000 إنتاج طاقة تتراوح بين 4000 و5200 ميجاوات. تجاوز إنتاجها السنوي للكهرباء 15 مليار كيلو وات/ساعة.

  1. مفاعل تشيرنوبل

يحتوي مفاعل تشيرنوبل على أربعة مفاعلات نووية خارج الخدمة، ويقع حاليًا تحت سيطرة القوات الروسية. شهد المفاعل عام 1986 أكبر كارثة نووية في تاريخ البشرية إذ انفجر أحد المفاعلات وأدى إلى تلوث ثلاثة أرباع أوروبا تقريبًا. وقد أُغلقت المفاعلات الأربعة في تشيرنوبل منذ عقود. وفي غضون ستة أشهر من الكارثة، تم على عجل بناء غطاء مؤقت، أو “تابوت”، لتغطية المفاعل المتضرر وحماية البيئة من الإشعاع. وفي نوفمبر 2016، تم وضع غطاء آمن جديد فوق التابوت القديم لمنع إطلاق نحو 220 طنًا من المواد عالية الإشعاع. 

وأثرت العناصر المشعة السيزيوم والبلوتونيوم والاسترونتيوم بشكل أساسي على أوكرانيا وبيلاروسيا المجاورة ومناطق من روسيا وأوروبا. وتختلف التقديرات فيما يتعلق بالوفيات المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن الكارثة مما يقدر بالألوف إلى نحو 93 ألف وفاة إضافية بالسرطان في جميع أنحاء العالم. وبالتالي فإن الهجوم الروسي يهدد، في حال استهداف هذه المنشآت النووية، بجعل مناطق شاسعة في أوروبا وكذلك روسيا غير صالحة للحياة لعقود قادمة.

ويرى الخبراء أنه على الرغم من أن الهجوم على زابوريجيا كان خطيرًا، إلا أن هناك اختلافات مهمة بين محطتي تشيرنوبل وزابوريجيا. فموقع زابوريجيا أكثر أمانًا، حيث يقع في مبنى خرساني مقوى بالفولاذ يمكنه تحمل الأحداث الخارجية الشديدة، سواء كانت طبيعية أو تدخل بشري، ولا يحتوي مفاعل زابوريجيا على أي جرافيت. ولكن في تشيرنوبل، تسبب الجرافيت في حريق كبير وكان مصدر عمود الإشعاع الذي انتشر عبر أوروبا.

قد يتسبب انقطاع إمدادات الطاقة بالمحطة في حدوث مشكلات خطيرة. ولا يمكن إيقاف تشغيل المفاعلات مثل إمدادات الطاقة التقليدية. يجب تبريدها ببطء لأكثر من 30 ساعة، الأمر الذي يتطلب إمدادًا ثابتًا بالكهرباء للمحطة. ويمكن أن يؤدي انقطاع إمدادات الطاقة، وبالتالي عملية التبريد، إلى تسرب الإشعاع. ويحدث هذا إذا تجاوز الوقود النووي درجة انصهاره واخترقت المواد المشعة مرافق الاحتواء. وهو ما حدث في محطة فوكوشيما اليابانية في أعقاب كارثة تسونامي عام 2011. حيث أدى فقدان الطاقة إلى فقدان التبريد، مما تسبب في انهيار ثلاثة من مفاعلاتها النووية.

دوافع موسكو للسيطرة على محطات الطاقة النووية

سيطر الجيش الروسي في وقت مبكر من هجومه على أوكرانيا على محطة تشيرنوبل، وواصل تقدمه بقصف خارجي لمحطة زابوريجيا أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا والاستيلاء عليها، ويقترب الآن من موقع ثالث، وهو محطة الطاقة النووية في جنوب أوكرانيا. وسيطر أيضًا على مفاعلات أصغر ومواقع التخلص الإشعاعي التي تخزن النفايات من عمليات الطاقة النووية في جميع أنحاء أوكرانيا. وسيطرت القوات الروسية كذلك على محطة كاخوفكا للطاقة الكهرومائية على نهر دنيبر في جنوب أوكرانيا، ومحطة ثانية للطاقة الكهرومائية شمال كييف.

هناك تاريخ طويل من الهجمات التي تشنها الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على المفاعلات النووية. ولكن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها محطة طاقة نووية مدنية عاملة لهجوم عسكري. فقد سبق ووقعت عمليات هجوم ضد محطات طاقة نووية لكنها لا تعمل، مثل قصف إسرائيل لمفاعل نووي عراقي عام 1981 قبل أن يبدأ تشغيله. والهجوم الأمريكي على مفاعلين عراقيين للأبحاث خلال حرب الخليج الأولى في عام 1991. وقصفت إسرائيل مفاعلًا قبل التشغيل في سوريا في عام 2007. وبالمثل، قصفت إيران مفاعلًا قبل التشغيل في العراق خلال الحرب الإيرانية العراقية.

ومن خلال الاستيلاء على المفاعلات النووية الأوكرانية، تسعى روسيا إلى ملاذ آمن لقواتها العسكرية، أو تأمل في استغلال سيطرتها على توليد الكهرباء. ولكن هذا التكتيك ينطوي على مخاطر جسيمة ويعرض تشغيل مرافق الطاقة النووية للخطر، مع ما يترتب على ذلك من عواقب صحية وبيئية لا يمكن التنبؤ بها.

وتقوض روسيا بذلك المعايير والتقاليد القانونية الدولية المقبولة على نطاق واسع، والتي تستفيد منها هي نفسها. وإلى أن يتم اعتماد قواعد أكثر صرامة وقابلية للنفاذ ضد مهاجمة المنشآت النووية المدنية، فإن المجتمع الدولي بأسره معرض لخطر كبير.

وبالتالي، فإن استراتيجية روسيا لتقويض المقاومة الأوكرانية من خلال الاستيلاء على المفاعلات النووية  تسعى إلى:

تحقيق مكاسب عسكرية: كان أحد الأهداف الأولى لروسيا عند غزوها لأوكرانيا هو الاستيلاء على محطة تشيرنوبل للطاقة النووية، فهي تقع على أقصر طريق من بيلاروسيا إلى العاصمة الأوكرانية كييف، وبالتالي فالمحطة بحسابات المنطق تقع على خط هجوم القوات الروسية المهاجمة لأوكرانيا. وهي ملاذ آمن للقوات الروسية من الهجمات المضادة بسبب الكم الهائل من المواد المشعة التي لا تزال موجودة في منطقة تشيرنوبل المحظورة، وهو ما يقوض قدرة القوات الأوكرانية في شن هجوم على تلك المنطقة، فالجيش الأوكراني لا يمكنه بأي حال من الأحوال قصف أي منشأة نووية.

وبالمثل، فإن الاستيلاء على محطة زابوريجيا هدف استراتيجي آخر للقوات الروسية، ليس لتفجيرها ولكن يمكنها من التقدم نحو الشمال والاتجاه نحو المنطقة الجنوبية لكييف وبالتالي السيطرة على مناطق الطاقة، وهي سيطرة استراتيجية للجيش الروسي للحصول على إمدادات الطاقة لأجهزته وعتاده العسكري. وأيضًا السيطرة على أي عمل معادٍ يمكن أن يقوم الأوكرانيون به للدفاع عن أنفسهم. وستسمح السكك الحديدية في محطة زابوريجيا للقوات الروسية بنقل فرق المدرعات الخاصة بها بشكل أسرع ودون استهلاك الكثير من الوقود.

الحد من تطوير قنبلة قذرة: تروج موسكو إلى أنها ترغب في تأمين محطة تشيرنوبل في حالة نشوب حرب طويلة الأمد في أوكرانيا؛ إذ ترى أن المتمردين الأوكرانيين يمكن أن يضعوا أيديهم على المواد المشعة لصنع قنابل قذرة، وهي لا تريد مواد نووية فضفاضة تطفو في المنطقة المحيطة بها. و”القنبلة القذرة” عبارة عن ذخيرة معبأة بمتفجرات عادية ممزوجة بمواد مشعة قادرة على تلويث مناطق شاسعة في حالة تفجيرها.

وتدعي روسيا أن أوكرانيا تطور أسلحة نووية في محطة تشيرنوبل، وثمة معلومات تشير إلى أن المنطقة المحيطة بالمحطة المنكوبة استُخدمت أيضًا للأعمال الخاصة باستخراج البلوتونيوم، وأن معدل الإشعاع المرتفع في هذه المنطقة مكّن القائمين بهذه الأنشطة من إخفائها. وأن الولايات المتحدة زودت أوكرانيا بمعدن البلوتونيوم لمساعدتها في تطوير أسلحة نووية، وكثفت أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة نشاطها لاستكشاف اليورانيوم.

وروجت التقارير الروسية كذلك إلى أن أوكرانيا يمكن أن تحصل على أسلحة نووية في غضون بضعة أشهر. وصوروا خطة مزعومة من قبل المتشددين الأوكرانيين لتفجير مفاعل أبحاث في معهد خاركوف الفيزيائي التقني بهدف تلويث مدينة خاركيف.

الحفاظ على أوراق الصراع: ينظر إلى انخفاض اعتماد أوكرانيا على روسيا لتلبية احتياجاتها من الطاقة النووية على أنه أحد الأسباب التي تجعل القوات الروسية تستولي على المنشآت النووية. ووفقًا للرابطة النووية العالمية WNA، تتلقى أوكرانيا معظم خدماتها النووية ووقودها النووي من روسيا، ولكنها خفضت بشكل مطرد من هذا الاعتماد. وقالت المنظمة النووية العالمية: “في عام 2004، طلبت أوكرانيا إنشاء مفاعلين جديدين كبيرين وتخطط الحكومة للحفاظ على الحصة النووية في إنتاج الكهرباء حتى عام 2030، وهو ما سيشمل إنشاءات جديدة كبيرة، وبحلول عام 2030، سيتم رفع قدرة الطاقة النووية من 5000 إلى 7000 ميجاوات”.

وعقب الغزو الروسي على أوكرانيا، بات حتميًا على أوكرانيا الارتباط بسوق الكهرباء الأوروبية حتى لا تتخبط فى ظلام دامس في حالة انقطاع في التيار الكهربائي، مما قد يجبرها إلى تعديل أوراق الصراع. ووافق وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي على ‬ربط سريع لمنظومة للكهرباء في أوروبا بالشبكة الأوكرانية، وهو تحرك سيزيد استقلال أوكرانيا عن روسيا. ويشار إلى أن أوكرانيا فصلت شبكتها للكهرباء عن منظومة روسية في أعقاب الغزو، وطلبت ربطًا طارئًا بمنظومة أوروبية.‬ ‬

التحكم في إنتاج الطاقة وبث الخوف: تزوّد المفاعلات النووية البلاد بما نسبته 50% من الكهرباء، وأصبحت السيطرة الروسية على محطات الطاقة النووية ذات أولوية كبيرة في حربها على أوكرانيا لأنها تسمح لها بقطع التيار الكهربائي عن المدن الكبيرة، وتجميد سكان كييف والمدن الأخرى وإجبارهم على الخضوع، وبالتالي حمل الناس على المغادرة، واستنفاد قدرة المقاومين وإرادتهم على الدفاع وزيادة الضغط على الأوكرانيين.

وهناك أيضًا التأثير النفسي لاستخدام “الخوف كسلاح”؛ إذ تسمح حيازة الأسلحة النووية لهم بـ “خلق معلومات مضللة، وبث الرعب بين المواطنين أن روسيا ربما تحتاج إلى المنشآت النووية لدعم الرواية التي كانت تروج لها بأن أوكرانيا كانت تسعى إلى الحصول على أسلحة نووية كمبرر للهجوم.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/68137

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M