جهود الحشد الشعبي جاءت بفعل فتاوى عراقية أم إيرانية ؟

بهاء النجار

بعد سقوط الموصل ودخول داعش بقوة للساحة العراقية بعد أن كانت مقتصرة على محافظة الأنبار وبعض المناطق العراقية صدرت فتاوى من مراجع الدين في العراق بمقاتلة داعش وطردهم من ارض العراق والحفاظ على مقدسات هذا الشعب وحماية أبنائه بعد أن خان الكثير من القادة العسكريين شرف هذه المهنة الشريفة ، وعلى أساس هذه الفتاوى تشكل ما يسمى اليوم بـ(الحشد الشعبي) الذي خاض ويخوض أعتى المعارك مع التكفييريين وقدموا المئات بل الآلاف من أبناء الشعب العراقي ليحققوا انتصارات سجلها التأريخ بدمائهم ، وقد اشترطت المرجعيات الدينية في العراق أن يكون التطوع ضمن المؤسسات العسكرية الرسمية كي لا تتشكل قوى خارج إطار القانون فتكون المشكلة مشكلتين وتتأسس دولة داخل دولة ، فهبّ المؤمنون لتلبية نداء مراجعهم كي يقضوا على خوارج العصر (داعش) .
ولكن ما إن نسمع نشرات الأخبار ونرى لافتات الشهداء في شوارع المدن العراقية الوسطى والجنوبية تتشكل لدينا رؤية أخرى لذلك الحشد ، فلا يختلف اثنان عن أن أبرز الفصائل المسلحة التي انضوى تحت لوائها آلاف المتطوعين من الحشد الشعبي هم (كتائب حزب الله ، ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق) ، ولا يشك أحد بأن هؤلاء الفصائل الثلاثة تُدعم من قبل إيران ، بل في بعض الأحيان تقرّ قيادات تلك الفصائل بتلك الحقيقة أو نجدها من خلال لافتات شهدائهم ، حيث نرى صور المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي تعتلي صور أغلب شهداء الحشد الشعبي ، والقليل منها تحمل صور لمراجع دين من داخل العراق .
وإذا قَرَنا فتاوى المرجعيات الدينية في النجف الأشرف بما جرى من تطوع فإننا نؤكد حقيقة أن الحشد الشعبي جاء بفعل فتاوى مراجع دين خارج العراق وتحديداً بتوجيه ورعاية من المرشد علي الخامنئي ، فمراجع الدين في النجف الأشرف اشترطت – كما ذكرنا – أن يكون التطوع ضمن مؤسسات الولة العسكرية وما حصل على أرض الواقع هو تطوع ضمن فصائل مسلحة تأتمر بأوامر قيادات ليست رسمية وليس لها ارتباط بالقائد العام للقوات المسلحة حتى لو أراد البعض أن يثبت ذلك ، وهو ما دفع البعض الى تسمية الحشد الشعبي بـ(المليشيات) .
وهنا لا أريد أن أدافع عن الإيرانيين بقدر ما أريد أن أوضح صورة غامضة لدى الأغلبية ، فمناقشة قضية بموضوعية تعرفنا الحقيقة ، ففتاوى الجهاد عادة تصدر من مراجع الدين الذين يقرّون بالولاية العامة التي تعني تدخل الفقهاء بالسياسة ومن دونها لا يمكن أن تصدر مثل هذه الفتاوى ، إضافة الى ذلك فإن فتوى الجهاد تحتاج الى ترتيب لأمور الملبين للفتوى ووضع آليات تنظم أمور الفتوى حتى تؤتي أكلها ، وكي لا تذهب دماء هؤلاء الأبرياء وأرواحهم سدىً بلا ثمر ويستغل آخرون هذا الاندفاع لتحقيق مصالح ومطامع شخصية وفئوية ، هذا فضلاً عن مدى استجابة الناس لتلك الفتوى كماً ونوعاً ، وكلما توفرت هذه العوامل لدى فقيه تمكن من أن يغيّر ويؤثر في الساحة والعكس أيضاً صحيح .
وربما لا يختلف معي أحد عندما أقول أن السيد الخامنئي هو أكثر مراجع الشيعة متوفرة فيه هذه العوامل لذا نجد تأثيره في الساحة العراقية – والإقليمية عموماً – خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار إمكانية الدولة الإيرانية من الناحية المالية والإعلامية والاستخبارية والعسكرية والفنية والتقنية المسخرة له والتي لم تتوفر لفقيه آخر سواء داخل العراق أو خارجه ، وهذه العوامل ربما تتوفر في بعض الفقهاء في العراق ولكن بكل تأكيد ليس كتوفرها في السيد الخامنئي ، وهناك من الفقهاء من لم تتوفر فيهم أهم عامل من تلك العوامل وهو القول بـ(الولاية العامة) فبالتأكيد مثل هؤلاء الفقهاء لا يمكن أن يصدروا فتوى الجهاد من الأصل لذلك سوف لن يؤثروا في الساحة ، نعم هناك من حاول – ونجحت محاولته – أن يلصق فتوى الجهاد ببعض المرجعيات الدينية كي يحقق مبتغاه لأنه يعلم أن الشارع العراقي لا يسمع لمرجعية أخرى ، ولكن هذا لا يعني أن تلك الفتوى صدرت
بالفعل من مرجع ديني بعيد عن التدخل في السياسة والجهاد ، بل حتى رسالته العملية لا تحوي على (باب الجهاد) .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M