خطوات إيران النووية والمدير الجديد لـ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”

سايمون هندرسون و إلينا ديلوجر

 

في 29 تشرين الأول/أكتوبر، اختار أعضاء مجلس إدارة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” (الوكالة الدولية”)، الذين اجتمعوا في فيينا، مديراً عاماً جديداً ليحل محل يوكيا أمانو الياباني، الذي توفي في تموز/يوليو بعد مرض طويل. والمرشح الفائز، الذي ما زال عليه الحصول على موافقة كاملة من الأعضاء، هو رافائيل ماريانو جروسي من الأرجنتين، الذي حصل على أغلبية الثلثين اللازمة في الاقتراع الثالث. وكان منافسه المدير العام بالنيابة لـ “الوكالة الدولية” كورنيل فيروتا من رومانيا. وكلاهما يتمتعان بخبرة كبيرة في الدبلوماسية النووية، لكن صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت أن فيروتا أراد مواصلة النهج المتعمد والحذر الذي اتبعه أمانو، بينما يفضل جروسي إعادة تنظيم الوكالة، تشمل اتباع نهج “حازم ولكن عادل” تجاه إيران.

خطط طهران

إن التحدي الإيراني هو فني ودبلوماسي. وتتولى “الوكالة الدولية” مهمة مراقبة التزام البلاد بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» (“الخطة”) التي أُبرِمت في عام 2015 والتي وافقت بموجبها الجمهورية الإسلامية مع الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على تسوية “تضمن أن يكون برنامج إيران النووي سلمياً حصراً”. ولكن إدارة ترامب انسحبت من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في أيار/مايو 2018، مستشهدة بأوجه قصور “الخطة” في  مكافحة الإرهاب. ومن ثم، في وقت سابق من هذا العام، أعلنت إسرائيل أنها اكتشفت وسرقت جزءاً من أرشيف إيران [النووي] مما يشير إلى أن طموحات طهران في مجال الأسلحة النووية التي لم تعترف بها إيران قط، كانت أكبر بكثير وأكثر تقدماً مما كان مقدراً من قبل.

ومنذ أيار/مايو 2019، أعلنت طهران عن سلسلة خطوات تقلّص التزاماتها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، مبررة ذلك بسبب العداء الأمريكي كما تدّعي، والعقوبات المتزايدة المفروضة عليها، لا سيما على صادراتها من النفط، وإلغاء الإعفاءات ذات الصلة بالطاقة النووية. ووعدت إيران بمواصلة خفض التزاماتها على فترات أمدها ستين يوماً إذا لم يتم تخفيف العقوبات:

  • في 8 أيار/مايو، أعلنت إيران إنها لن تلتزم بعد الآن بالحد الأقصى البالغ 300 كيلوغرام المفروض على مخزونها من سداسي فلوريد اليوارنيوم (“UF6“) المخصب إلى نسبة 3,6 في المائة في نظير اليورانيوم “U-235” الحاسم. (يحتوي اليورانيوم العادي على 0.7 بالمائة من “U-235“. أما سداسي فلوريد اليورانيوم – كغاز – فهو المادة الأولية لأجهزة الطرد المركزي، على الرغم من أنه مادة صلبة في درجة حرارة الغرفة.)
  • في 7 تموز/يوليو، بدأت إيران بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة تتجاوز 3.67 في المائة لتصل إلى 4.55 في المائة. (التخصيب لأكثر من 90 في المائة ضروري لسلاح نووي.)
  • في 6 أيلول/سبتمبر، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده تلغي التزامها بجدول زمني معين لاستئناف أعمال البحث والتطوير النووية غير المقيدة. وبعد ذلك بوقت قصير، بدأت في تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً من المسموح بها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، مما قد يُقصّر الوقت لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب  اللازم لصنع سلاح نووي. (الرقم المعتاد المُعطى لكمية هذه المواد المتفجرة النووية اللازمة هو 25 كيلوغراماً – حوالي 55 رطلاً – وهي بحجم فاكهة الليمون الهندي تقريباً.)
  • من المتوقع الإعلان عن الخطوة التالية، الرابعة، في الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول/نوفمبر.

وبالتوازي مع هذه التغييرات، اقترح كبار المسؤولين الإيرانيين بشدة الخطوات التي يمكن أن تأتي بعد ذلك. وتشمل هذه زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة فيما يتخطى حدود «خطة العمل الشاملة المشتركة» البالغة 5,060، من خلال إعادة فتح منشأة التخصيب “فوردو” في أعماق الجبل من أجل الاستخدام النووي، والتي بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» كان من المقرر أن تُعاد برمجة هذه المنشأة وتوجيهها للبحوث غير النووية. كما تطرقت التعليقات إلى مفاعل “آراك” للمياه الثقيلة، وهو أمر مثير للقلق لأن تصميمه الأصلي مواتٍ لإنتاج البلوتونيوم، وهو متفجر نووي محتمل آخر. وفي تشرين الأول/أكتوبر، قال الرئيس روحاني إن العمل يجري على تصميم جهازين للطرد المركزي لم يتم الكشف عنهما سابقاً، هما “IR-7” و “IR-9“. ويمكن تقصير عملية التخصيب باستخدام أجهزة طرد مركزي أعلى سرعة وأطول حجماً، ولكن ذلك يتطلب منها أن تكون مصنوعة من مواد أكثر صلابة، مثل الفولاذ الخاص عالي المقاومة أو ألياف الكربون.

ومن المحتمل أن تكون المشكلة الكبرى التي سيواجهها المدير العام الجديد لـ “الوكالة الدولية” هي الفرضية التخمينية الإيرانية عن إمكانية أن تشمل خطوتها الرابعة تقييد إمكانية اطلاع “الوكالة الدولية” على أنشطتها عبر وقف تنفيذ إيران لاتفاقات الضمان التي التزمت بها سابقاً. وتسمح هذه الاتفاقات لـ “الوكالة الدولية” إجراء عمليات تفتيش وتدقيق في إيران، وفي بلدان أخرى أيضاً، بواسطة مزيج من زيارات المتخصصين وأجهزة الرصد التي يتم التحكم بها عن بُعد، والإبلاغ عن جميع أنشطتها النووية، وخاصة إنتاج اليورانيوم المخصب.

وتفاقمت المخاوف بشأن مخزونات اليورانيوم الإيراني المخصب حين أدلى المرشد الأعلى علي خامنئي بتصريح في 9 تشرين الأول/أكتوبر. فوفقاً لـ “هيئة الإذاعة البريطانية”، قال في مقطع فيديو نُشر على حسابه الرسمي على موقع “تويتر”: “إن تطوير وتخزين [القنابل النووية] أمر خاطئ” لأن استخدامها محرّم”. وأشار الخبراء في شؤون الانتشار النووي، الذين لفتوا إلى ضرورة التنبه إلى ما لا يقوله المسؤولون الإيرانيون بقدر ما يجب التنبه إلى ما يقولونه، إلى أن هذه الصياغة لا تحول دون تجميع المواد النووية المتفجرة.

المخاوف المتعلقة بالمشتريات

لا تزال المشتريات غير المشروعة تُشكّل مصدر قلق خاص للمجتمع الدولي. فمنذ عام 2015، أشار كل تقرير ربع سنوي لـ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بشأن إيران إلى امتثال البلاد لالتزاماتها، ولكن في تموز/يوليو 2019 وُجهت الاتهامات إلى ثلاثة إيرانيين في نيويورك بمحاولة تصدير “عدة أطنان” من ألياف الكربون بطريقة غير مشروعة، وهي مواد يمكن استخدامها في مخاريط أنف الصواريخ وفي بعض أنواع أجهزة الطرد المركزي [المعدّة] للتخصيب أيضاً. وأحد الإيرانيين، الذين تم تسليمه من ألمانيا، هو قيد الاحتجاز؛ والاثنان الآخران طليقان. وفي عام 2018، أبلغت الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة بشكل منفصل عن حالات تصدير “عناصر مزدوجة الاستخدام” ذات هدف نووي محتمل إلى إيران. وشملت الشحنة التي أَبلغت عنها الولايات المتحدة ألياف الكربون.

لقد ذُكر القليل عن الدور المحتمل للخبراء الأجانب في مساعدة إيران على الحصول على المواد والمعدات واستخدامها. فقد استفادت كل من باكستان، التي تلقت منها إيران تقنية التخصيب في الماضي، والعراق في نهاية حكم صدام حسين، إلى حد كبير من المساعدات الخارجية التي وفّرها [بعض] الأفراد، وفي حالة باكستان، من الصين أيضاً. وتجدر الإشارة إلى أن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” ليست منظمة تجسس ولا قوة شرطة. وفي حين أن الحفاظ على حرية الوصول الكامل للمفتشين إلى داخل إيران أمر مهم، إلّا أنه يبقى هناك دور حاسم للجمارك وعملاء المخابرات في الخارج.

ومما يثير الاهتمام أيضاً هو العثور مؤخراً على آثار لليورانيوم في منشأة لتنظيف السجاد في إيران، لم يتم الإعلان عنها لـ “الوكالة الدولية” كونها ذات صلة بالأسلحة النووية. وفي أيلول/سبتمبر، وأثناء وجود المدير العام بالنيابة لـ “الوكالة الدولية” كورنيل فيروتا، في طهران لحضور اجتماعات [تتعلق ببرنامج إيران النووي]، دفع هذا المسؤول إيران إلى تحسين تعاونها مع منظمته. وقال في مؤتمر صحفي “الوقت هو جوهر الموضوع”، وأضاف بأنه يعتقد أن “تلك الرسالة كانت مفهومة جيداً.” وقد اعتُبرت تفاصيل القضية موضوع البحث سرية، لكن تم فيما بعد تقديم “وصف عام للغاية” للدبلوماسيين الملحقين بـ “الوكالة الدولية”. كما أخبر متحدث باسم الوكالة الصحفيين أن إيران تجري تعديلات على مجموعات من أجهزة الطرد المركزي، المعروفة باسم الآلات التعاقبية، وهي من نوع وحجم محظورين بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة». وتضمّنت التعديلات 164 آلة تعاقبية من نوع “آي-أر 2م” و”آي-أر-4″. وتستخدم هذه الآلات التعاقبية للتخصيب من 0.7 في المائة “يو -235” إلى 3 في المائة، ومن 3 في المائة إلى 20 في المائة. وهذا الرقم الأعلى بنسبة 20 في المائة مثير للقلق لأن الانتقال من هذا المستوى إلى المواد المستخدمة في صنع القنابل النووية يعتبر أمراً سهلاً نسبياً.

البحث عن توضيح حول موضوع مُعقّد

ربما تصب الطبيعة التقنية للنقاش لصالح إيران لأن التعديلات المعلنة في الالتزامات الإيرانية، المقترنة بتكهنات حول الخطوات التالية، تولّد عناوين دون سياق. وإليكم بعض التوضيح:

  • هناك حاجة إلى 5000 كيلوغرام من اليورانيوم الطبيعي لإنتاج 25 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المائة اللازم لصنع قنبلة ذرية واحدة من تصميم الأسلحة القديمة نسبياً التي يفترض امتلاك إيران لها.
  • سيستغرق حوالي 5000 جهاز طرد مركزي من نوع “آي آر-1” الإيراني حوالي عام – وهو ما يسمى بفترة تجاوز العتبة النووية – لإنتاج كمية اليورانيوم العالي التخصيب اللازم لصنع قنبلة نووية. وستكون هناك حاجة إلى حوالي 1000 جهاز طرد مركزي من نوع “آي آر-2إم” الإيراني لتحقيق النتيجة نفسها – على الرغم من أنه لأسباب فنية، لا يمكن لـ “آي آر-1” أن ينتج يورانيوم عالي التخصيب، وقد لا تتمكن إيران من جعل “آي آر-2إم” يعمل بشكل صحيح، أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن التصاميم الأكثر “تطوراً” قد لا تعمل بكفاءة أو قد يستغرق الأمر سنوات لتطويرها.

ومع ذلك، لا يوجد مجال للتهاون. فاستمرار إيران باستخدام أجهزة الطرد المركزي وإجراء الأبحاث بشأنها يتيحان لها اكتساب الخبرة والمعرفة. ويُظهر الأرشيف النووي الذي استحوذت عليه إسرائيل أن إيران أجرت قدر كبير من العمل في تصميم سلاح داخلي الانفجار يتم فيه إقحام نواة من اليورانيوم العالي التخصيب في كتلة حرجة لتوليد سلسلة من التفاعلات المتفجرة من الحجم الذي دمّر مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في عام 1945.

وببساطة، ينبغي النظر بقلق شديد إلى أي ابتعاد إيراني عن شروط «خطة العمل الشاملة المشتركة»، خاصة بسبب السلوك الخطير الذي مارسته إيران، وإن كان قد نُفي، في الآونة الأخيرة في منطقة الخليج، والذي شمل وضع ألغام أرضية على الناقلات بدءاً من أيار/مايو ولا سيما هجمات الطائرات بدون طيار على منشأة بقيق السعودية لمعالجة النفط في أيلول/سبتمبر. وهذا هو المحيط الدبلوماسي الأوسع الذي ينتظر المدير العام الجديد لـ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” ونهجه الأكثر صرامة فيما يتعلق بقضية إيران.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/irans-nuclear-steps-and-the-new-iaea-chief

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M