سد الثغرات في الدفاعات الجوية السعودية

مايكل نايتس و كونور هايني

 

ليس هناك سرّ غامض في أسباب فشل المملكة العربية السعودية في اعتراض الهجوم الأخير على بقيق وخريص: فقد فاقت دفاعاتها الجوية طاقتها، وافتقرت بشكل كبير إلى التنسيق، ناهيك عن عدم تشغيلها في ظل أجواء مهيّأة للحرب. ولا يعني هذا الفشل أن الصواريخ الإيرانية الجوالة وضربات الطائرات بدون طيار ستنجح في كل مرة، لكنها تؤكد ضرورة تقديم مساعدة دفاعية عملية من الخارج، واستعادة الردع من خلال فرض تكاليف على إيران.

كيف يعمل الدفاع الجوي السعودي

يمكن مقارنة نظام الدفاع الجوي المتكامل كالذي تملكه السعودية بالجسم البشري، حيث يمثّل قسم المراقبة الجوية العينين والأذنين، بينما يُعتبر نظام إدارة المعركة بمثابة الدماغ والجهاز العصبي الذي يعالج المعلومات ويتخذ القرارات ويوزّع المهام على أعضاء الجسم الأخرى. أما أنظمة التحكم في الأسلحة واعتراضها (صواريخ أرض-جو، والبنادق، ووحدات الحرب الإلكترونية) فهي العضلات والأطراف التي تنفّذ العمل الفعلي. ولا يمكن لأي نظام دفاع جوي متكامل أن يكون فعالاً ما لم تعمل جميع هذه الأنظمة سويّة؛ ويتطلب هذا المستوى من التنسيق تدريباً منتظماً.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي، خصصت السعودية مبالغ طائلة لمثل هذه الأنظمة، ولكن حتى نظام الدفاع الجوي المتكامل الحسن التجهيز لا يستطيع تأمين الحماية من كل خطر داهم، وخاصة عندما لا تغطي أنظمة الرادار والاعتراض في المملكة سوى قطاعات استراتيجية من البلاد. ومن المهم تحديد أولويات التهديدات في دولة كبيرة مثل السعودية، التي لديها مساحات شاسعة من التضاريس الفارغة، والأهداف الاستراتيجية المنفصلة على نطاق واسع، والجهات الفاعلة العدائية المحتملة على حدود متعددة. وتاريخياً، واجهت السعودية أربعة أنواع من التهديدات لمجالها الجوي، التي ساهمت جميعها في تحديد شكل نظام دفاعها الجوي المتكامل، وهي:

  • الغارات الجوية الإيرانية: في ثمانينات القرن الماضي، شنّت إيران هجمات جوية وصاروخية على السعودية خلال الحرب مع العراق، الأمر الذي دفع الرياض إلى تركيز اهتمامها على الناحية الشمالية الشرقية. وفي عام 1984، قامت طائرة اعتراضية سعودية بإسقاط مقاتلتين إيرانيتين في منطقة اعتراض الدفاع الجوي إلى الشرق المعروفة باسم “خط فهد”.
  • صواريخ سكود من العراق وإيران. بعد قيام العراق في عهد صدام حسين باستهداف المملكة من خلال قيامها بإطلاق 41 صاروخاً من طراز “سكاد” في عام 1991، ركزت الرياض على بناء دفاعات قادرة على مواجهة تهديدات الصواريخ البالستية االعالية الارتفاع من الشمال (العراق) أو الشمال الشرقي (إيران).
  • هجمات الحوثيين من اليمن. أدّت الحرب المستمرة في اليمن إلى إرغام الرياض على تحويل العديد من قوات الدفاع الجوي نحو الجنوب الغربي من البلاد. ووفقاً للبيانات السعودية، أطلق المتمردون الحوثيون 1204 طائرة بدون طيار و 1207 صاروخاً باليستياً بعيدة المدى عبر الحدود بين آذار/مارس 2015 وآب/أغسطس 2019. وشملت بعض تلك الضربات صواريخ باليستية بعيدة المدى تصل إلى الرياض وينبع، بينما ركزت هجمات أخرى على صواريخ قصيرة المدى ومنخفضة الارتفاع، الأمر الذي يمثل تحدياً دفاعياً جوياً معقداً.
  • التوغل الإيراني المنطلق من العراق: في 14 أيار/مايو، تم استهداف محطات سعودية لضخ النفط بطائرتين بدون طيار بعيدتَي المدى، تم إطلاقهما من العراق. وبذلك سجّلت هذه الضربات تجديداً في نقاط الانطلاق وتحليقاً على ارتفاع منخفض.

نقاط الضعف المعروفة

تشير قائمة التهديدات المذكورة أعلاه إلى أن هجوم الرابع عشر من أيلول/سبتمبر جاء في وقتٍ كانت فيه الدفاعات الصاروخية السعودية تعمل فوق طاقتها ومثقلة بالأعباء. ويبدو أن الضربة المزدوجة التي نُفّذت بواسطة طائرات بدون طيار وصواريخ جوالة قد دخلت المملكة من ناحية الشمال بالقرب من الحدود مع العراق والكويت، الأمر الذي شوّش الدفاعات الجوية التي تحمي المناطق المستهدفة لأن معظمها يواجه الشرق ولا يتمتع بتغطية كاملة على مدار 360 درجة. والواقع أن هذا المسار، مقروناً بإمكانيات التحليق على ارتفاع منخفض التي تتمتع بها الأسلحة المستخدمة، قد استغل الثغرات التي يعاني منها نظام الدفاع الجوي المتكامل بسبب شحّ أنظمة الرادار والعوائق المادية مثل تقوّس الأرض.

لقد كان أمام إيران عقود طويلة لرصد الدفاعات الجوية السعودية ومن المحتمل أنها أدركت جميع نقاط الضعف هذه. وربما كان الهدف من الهجوم الذي وقع في 14 آيار/مايو من العراق هو اختبار نفس نقاط الضعف هذه.

وتكمن المشكلة الأخرى في فشل النظام السعودي في الرد [على الهجوم] عندما أشارت المعلومات التفصيلية من وسائل التواصل الاجتماعي والتقارير المحلية إلى هجوم وشيك. ولا يتعين على شبكة المراقبة الجوية الاعتماد على الرادارات والتقنية ذات الصلة فقط – على سبيل المثال، طوّر العراق في عهد صدام حسين شبكة متمكّنة من أجهزة المراقبة البصرية والمحطات الصوتية للإبلاغ عن أصوات الصواريخ الجوالة القادمة. ومع ذلك، فشل نظام الدفاع الجوي السعودي المتكامل في دمج المعلومات المتاحة بسهولة في هذه الحالة، مما يعكس نقص التدريب في الدفاعات الجوية في شمال البلاد. وفي المقابل، أصبح مجموع العاملين الأكثر خبرة على الجبهة اليمنية بارعين في استخدام أجهزة المراقبة البصرية للمساعدة في توجيه الرادارات إلى المتجه الصحيح في وضع الشعاع الضيق، مما يمنحها الحساسية اللازمة لتحديد الأهداف الصغيرة.

وحتى لو تم إصدار تحذير مناسب، فإن اعتراض الهجوم كان سيصبح أمراً صعباً ومحفوفاً بالمخاطر في الأنظمة الحالية التي تملكها السعودية. فمدافعها الأقدم المضادة للطائرات والموجهة بالرادار من طراز “سكايغارد” وصواريخ أرض-جو القصيرة المدى من طراز “شاهين” التي تملكها، قد صُممت لمواجهة الطائرات وقد تواجه صعوبات في اعتراض صواريخ وطائرات بدون طيار أصغر حجماً وأبطأ سرعة. إن استخدام أنظمة الدفاع هذه في المناطق المبنية أو المجال الجوي المدني قد يثير مخاوف بشأن الأضرار الجانبية وعدم تحديد الهوية. ولتقليل هذه المخاطر إلى الحد الأدنى أثناء الانخراط في هجوم بنجاح خلال الدقيقتين إلى الثلاث دقائق بين اكتشاف الهجمات وفترة تأثيرها على الأهداف، سيحتاج الطاقم المحلي إلى اتخاذ إجراءات جريئة ودقيقة وأخذه في نظر الاعتبار وجود مساحة صغيرة لسوء التقدير.

تعزيز الدفاعات وقوة الردع السعودية

لا تكمن المشاكل الرئيسية في شبكة الدفاع الجوي السعودية، في أنواع صواريخ الاعتراض الموجودة لديها، وبالتالي فإن شراء المزيد من هذه الأنظمة لا يشكل حلاً. وقد عرضت موسكو بيع صواريخ من طراز “إس-400” للمملكة، ولكن إذا كانت صواريخ الاعتراض الروسية هي الحل، لكان الوضع في سوريا المجاورة سيبدو مختلفاً تماماً – فلم تكن القوات الإيرانية هناك قد تعرضت للضرب بشكل متكرر من قبل إسرائيل، ولم تكن الطائرات بدون طيار لتنظيم «الدولة الإسلامية» قد ضَربت بانتظام المواقع الروسية في قاعدة “حميميم” الجوية، ولم يكن المرتزقة الروس في دير الزور قد سُحقوا من قبل طائرات سلاح الجو الأمريكي في شباط/فبراير 2018.

إن ما تحتاجه السعودية فعلاً هو المشورة الأمريكية حول كيفية إيجاد مزيجٍ من الحلول الكفيلة بردع الهجمات المستقبلية وزيادة فعالية نظام الدفاع الجوي المتكامل.

  • الحلول غير الفعالة: من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة قد ساهمت في تحسين قدرة الدفاعات السعودية الموجّهة نحو اليمن على اعتراض الهجمات المنخفضة الارتفاع، لذلك يجب الارتقاء بالدفاعات الموجهة نحو الشمال ونحو الشرق لتصل إلى المستوى نفسه. ويمكن أن يؤدي تحليل نقاط الضعف التي تشوب نظام المراقبة الجوية إلى التوصل إلى حلول مصممة خصيصاً للحد من البقع المحجوبة وتكوين صورة أكثر دقة عن التهديدات الآتية. ويمكن أن يساعد النقل المتكرر وغير المتوقّع للمكونات الرئيسية لنظام الدفاع الجوي المتكامل مثل رادارات “باتريوت” وأنظمة الدفاع قصيرة المدى، على تعقيد أي تخطيط إيراني مستقبلي، وهو الأمر بالنسبة لاستخدام عمليات التمويه والإخفاء والخداع.
  • الحلول الفعالة: إنّ الاستثمار في أنظمة دفاعية قصيرة المدى وأكثر حداثة على غرار منظومة “أفنجر/سانتينل” (Avenger/Sentinel) الأمريكية أو “بانتسير” (Pantsir) الروسية قد يمكّن السعوديين من توسيع نطاق التغطية في خطهم الدفاعي الأخير، خاصةً مع أنظمة المراقبة الجوية الحديثة الإضافية. وفي غضون ذلك، يمكن أن يؤدي تطوير سيناريوهات تدريب أكثر صرامة مع تعزيز المساءلة والتفكير الناقد إلى زيادة فعالية النظام الحالي بأقل تكلفة.
  • الحلول المتعددة الجهات: يجب على المسؤولين الأمريكيين إعادة تفعيل التعاون في شبكة واسعة من أنظمة الدفاع الجوي في الخليج، لأن الاستثمارات السعودية والكويتية والبحرينية والإماراتية قادرة أن تفعل الكثير لتعزيز الأمن في المنطقة. على سبيل المثال، ربما كان السعوديون قد ردّوا على الهجوم الأخير في وقتٍ أكثر مناسبة لو كانوا مطّلعين على صورة الدفاع الجوي الكويتية. ولتسهيل الاختبارات والتدريب اللازمين لجعل هذا التعاون ممكناً، بإمكان الولايات المتحدة استخدام “مركز الحرب الجوية” الحالي في الإمارات. ينبغي على واشنطن وشركائها النظر بجدية أكبر في الجهود البحثية التعاونية، باستخدام التقنية الأمريكية وأموال الخليج لتطوير الدفاعات الصاروخية من الجيل التالي (على سبيل المثال، أنظمة الطاقة الموجهة).

فضلاً عن ذلك، قد تستفيد السعودية من واقع أن إيران لم تعد تملك عنصر المفاجأة الذي انطوى عليه هجوم 14 أيلول/سبتمبر، على الأقل ليس بنفس الدرجة. فالخطوة التي اتخذتها طهران كانت أكثر جرأة مما توقعه الكثيرون، حيث أنها ضربت علناً ومن مدىً بعيد هدف الطاقة الأكثر أهمية في العالم. ونتيجة لذلك، يدرك السعوديون وشركاؤهم حالياً أنه لا توجد أهداف لا تتمكن إيران من الوصول إليها وليست هناك أسلحة لا تستطيع الحصول عليها. وسوف يكون إحداث مفاجأة تكتيكية أكثر صعوبة أيضاً، لأن دقة الأسلحة الإيرانية وقدراتها على التحليق على ارتفاعات منخفضة أصبحت الآن مفهومةً على نحو أوضح.

وفي الوقت نفسه، من غير المرجح أن تستخدم طهران المقاربة نفسها إذا ما هاجمت السعودية مرة أخرى. فمنذ عام 2017 وحده، استهدفت إيران المملكة السعودية بهجمات سيبرانية، وبغاراتٍ من قبل المسلحين المتطرفين الشيعة في المنطقة الشرقية المضطربة، وبضربات حوثية بالصواريخ البالستية، وعمليات تخريب أو استيلاء ضد السفن، وبطائرات بدون طيار تم إطلاقها من العراق، فضلاً عن الهجوم الأخير بالصواريخ الجوالة/الطائرات بدون طيار من الشمال. وإذا كانت هذه الهجمات تتبع نمطاً ما، فهو أن إيران لا تضرب مرتين متتاليتين في المكان نفسه، ضد نقطة الضعف نفسها، وباستخدامها الوسائل نفسها. وفي الواقع، يبدو أنها تتوق لاختبار قدراتها وإظهار مجموعة أدواتها القسرية بينما تبقى [هجماتها] غير متوقعة.

وهذا الأمر يؤكد أهمية تعزيز حالة الاستنفار العامة لنظام الدفاع الجوي المتكامل في السعودية والحفاظ على اتصالات وثيقة مع الشركاء الدوليين. وقد سبق أن أبدت الرياض استعدادها للانتقال إلى حالة حرب عبر اختبار صفارات الإنذار التي تُطلق خلال الغارات الجوية كما فعلت في 20 أيلول/سبتمبر، وهي خطوة رئيسية لحكومة تُفضل أن تُطمئْن الجمهور بدلاً من الاعتراف بنقاط ضعفها. وفي المرحلة القادمة، يجب على المملكة السعودية أن تضع في اعتبارها أن نظام الدفاع الجوي المتكامل نفسه قد يصبح هدفاً في المستقبل ذو أولوية للهجمات الإيرانية أو الهجمات الإلكترونية.

وأخيراً، يتعين على الولايات المتحدة العمل مع المجتمع الدولي لردع الهجمات الإيرانية على السعودية. وقد تكسب عمليات نشر القوات الأمريكية التي أُعلن عنها مؤخراً مزيداً من الوقت بالنسبة للرياض لتحسين دفاعاتها والاستفادة من التدريب والمعدات الأمريكية، لكن الوجود الأمريكي المستمر هو واحد فقط من العديد من العناصر الضرورية لحل طويل الأجل. وتبدو طهران مصممة على مواصلة تصعيدها ضد السعوديين وسوق الطاقة العالمي إلى أن تصبح التكلفة مفرطة للقيام بمثل هذه الهجمات. وتتمثل إحدى الطرق لزيادة هذه التكلفة في فرض رقابة دبلوماسية متعددة الأطراف في الأمم المتحدة، لأن النظام الإيراني قد يكون حساساً للعزلة الدبلوماسية من قبل الجهات الفاعلة الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا واليابان والصين. يجب على واشنطن أيضاً العمل مع الرياض بشأن اتخاذ إجراءات انتقامية هادئة ومبتكرة تستهدف الأفراد الرئيسيين في «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني أو الأصول الاقتصادية التابعة لـ “الحرس” (وهو خيار سيتم مناقشته في دراسة مقبلة لمعهد واشنطن).

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/plugging-the-gaps-in-saudi-arabias-air-defenses#.XY4PskX5xdM.twitter

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M