اعداد: السفير بلال المصري – ســفيـر مصر السابق لدي أنجولا وساوتومي والنيجر –
مدير المركز الديمقراطي – مصر – القاهرة
مقدمة:
شهدت الشهور الست الماضية من عام 2018 فيما يتعلق بالعلاقات المصرية / السودانية أحداثاً متنوعة تعكس قدراً كبيراً من إفتقاد الثقة والخشية المُتبادلة مما أفقد أو كاد أن يُفقد هذه العلاقات الممر الضيق الذي تسير فيه هذه العلاقات منذ أن أظلمت سماء هذه العلاقات في عام 1990 نتيجة إختلاف طبيعة النظامين بالخرطوم والقاهرة بعدما أعلن السودان بعد الإنقلاب العسكري في 30 يونيو 1989 عن تبنيه النهج الإسلامي ومسئوليته عن دور رسالي إسلامي وهو نهج رأت القاهرة أن يُشكل تهديداً لها بالإضافة إلي كونه يُعبر عن ميل واضح للإستقلال عن سياسات القاهرة علي الصعيدين الثنائي والإقليمي , وتطور هذا التباين الحاد بين البلدين ليظهر واضحاً في تباين رؤي البلدين في قضايا ذات علاقة مباشرة بالأمن القومي كقضية مياه النيل فتوقف إنعقاد اللجنة الفنية المُشتركة الدائمة لمياه النيل في الفترة ما بين 1990 وحتي 1998 بسبب تردي علاقاتنا مع السودان وهي لجنة مُنشأة بموجب نص بإتفاقية الإنتفاع الكامل لمياه النيل المُوقعة بين مصر والسودان في 8 نوفمبر 1959, كما كان النزاع علي السيادة علي حلايب ودخول وتمركز القوات المُسلحة المصرية في مارس 1992 بهذه المنطقة لأول مرة في تاريخ هذا النزاع مما أدي مع عوامل أخري إلي ضيق مسارات العلاقات الثنائية , في الوقت الذي نمت وأزدهرت فيه العلاقات الإثيوبية / السودانية وإتساع مساحاتها التي إمتدت لآفاق مختلفة ومتنوعة أضافة قوة لمجمل هذه العلاقات .
بإلقاء نظرة فاحصة علي أحداث رئيسية العلاقات المصرية / السودانية في قضايا مثل العلاقات العسكرية والنزاع الحدودي والمصالح الإقتصادية ومياه النيل وتلك الأخيرة يقتضي تناولها تفصيلاً تقرير مُستقل لا مجال هنا لبيانه لكنها قضية خلافية للغاية بين إثيوبيا والسودان من جهة ومصر من جهة أخري وهي جميعاً وبصفة عامة كالقضايا الثنائية الأخري بين البلدين طرأت عليها أحداث سلبية تدعو إلي مقارنتها بالتطورات الإيجابية في العلاقات الإثيوبية / السودانية , ومن خلال هذه المقارنة القسرية ربما أمكن الوصول إلي تحديد قدر عدم الثقة والخشية المُتبادلة بين القاهرة والخرطوم , وهو أمر مُؤسف لكنه يتسق مع السياق العام للعلاقات العربية وتفوق قوي الجذب وربما الإخضاع من قبل القوي الخارجية سواء الإقليمية (كحالة إثيوبيا فيما يتعلق بالعلاقات المصرية /السودانية) أو الدولية للدول العربية بدون أي إستثناء , وهو ما يمكن إستنتاجه من واقع الأحداث التي تتعلق بالقضايا المُشار إليها , علي النحو التالي :
العلاقات العسكرية :
إقترح السودان علي مصر في إطار النأي بالعلاقات عن تبادل الإتهامات المُتعلقة بتهديد الأمن والإستقرار بكلا البلدين إلي إقتراح أعلنه السفير السوداني بالقاهرة , فقد أشار موقع EGYPT INDEPENDENT في 9 مارس 2018 إلي تصريحاته التي أدلي بها في 8 مارس السفير أمام مؤتمر صحفي عقده بمقر السفارة , وكان من بينها قوله ” أن السودان لديه إتفاقيات مُختلفة قيد التطبيق مع مصر والسعودية مُشيراً إلي أن بلاده إقترحت علي مصر إقامة ” قوة عسكرية مُشتركة ” تقوم بدوريات لمراقبة الحدود وحمايتها ” , و لم يكن هذا المقترح جديداً , فقد سبق لوزير الخارجية السوداني الإشارة إليه خلال زيارته للقاهرة في يونيو 2017, كذلك فخلال الزيارة التي قام بها مدير المخابرات العسكرية المصرية للخرطوم في 11 أكتوبر 2017 والتي كانت مقدمة لتنفيذ الإتفاق الذي تم بين وزيري دفاع مصر والسودان , أُتفق فيه علي عقد إجتماعات منتظمة للجنة عسكرية مُشتركة لتنشيط التعاون والتنسيق فيما يتعلق بالسيطرة علي الحدود , وكان السبب المباشر لذلك الإتفاق هو إتهام السودان الذي وجهه في مايو 2017 لمصر بإمدادها تمرد دارفور بآليات إستخدمها التمرد في الهجوم إنطلاقاً من ليبيا علي مواقع حكومية سودانية بدارفور , في هذا الإطار إلتقي وزير الدفاع السوداني مدير المخابرات العسكرية المصرية بحضور مدير المخابرات العسكرية السودانية حيث بحثا معاً طرق التحكم والرقابة علي الحدود المُشتركة , وقد أشار البيان الصادر بشأن هذه الزيارة إلي أن وزير الدفاع السودان شدد علي الحاجة إلي محاربة تهريب الأسلحة والبشر عبر الحدود كما أكد علي أن هناك حاجة لإقامة نقاط عبور وقنوات إتصال بين القوات المسلحة لمصر والسودان , وعلي التوازي مع اللجنة العسكرية تكونت في فبراير 2018 لجنة أخري تضم وزير خارجية ومديري المخابرات العامة لمصر والسودان , وذلك في القمة الثلاثية بين رئيسي مصر والسودان ورئيس وزراء إثيوبيا والتي عُقدت في يناير 2018 , مهمتها ” إزالة أي عقبات يمكن أن تعرقل علاقة الأخوة والتضامن والمصير الموحد في مواجهة التحديات الثنائية ” , وقد تعددت اللقاءات العسكرية الثنائية كمحاولة لتجاوز تبعات إذاعة تقارير سودانية عن دعم مصري لجماعت سودانية مُسلحة في إرتريا علي حدود السودان الشرقية وكذلك إذاعة تقارير إثيوبية أخري تتحدث عن أن مصر أرادت إستبعاد السودان من المفاوضات الثلاثية التي تجري لأكثر من عامين لحل الخلاف المصري / الإثيوبي حول سد النهضة الإثيوبي وأثره الضارعلي مصر , ومما قد يُعزز المخاوف السودانية أن الزيارة التي قام بها للقاهرة الرئيس الإرتري أسياس أفورقي في 9 يناير 2018وأستغرقت يومان جاءت مُترافقة مع نشر القوات المُسلحة السودانية قوات من “الدعم السريع” وصلت علي مقربة من الحدود الأرترية / السودانية بولاية كسلا بشرق السودان , وقد نشر موقع MIDDLE EAST MONITOR في 4 يناير 2018 نقلاً عن جريدة الشرق “القطرية” قولها أنه وفي أعقاب التنسيق مع الإمارات العربية وصلت قوات مصرية إلي أرتريا اليوم وأن هذه القوات مُسلحة بأسلحة عالية التقنية مدعومة بمركبات مُدرعة ثقيلة وأن إجتماعاً عُقد جمع ممثلين عن مصر والإمارات والمعارضة السودانية تمثل جماعات دارفورية ومن شرقي السودان , وأشارت “الشرق” إلي أنه يُعتقد لدي بعض الدوائر أن التواجد العسكري المصري بإرتريا رد علي سماح السودان بوضع يد تركيا علي جزيرة سواكن كجزء من سياسة تركية أوسع مدي تتعلق بأفريقيا , لكن مصادر مُطلعة أفادت صحيفة SUDAN TRIBUNE في 7 يناير 2018 بأن سبب نشر القوات السودانية يعود إلى أوضاع داخلية في إريتريا ينتظر أن تسفر عن موجة لجوء كبيرة صوب الحدود السودانية ربما يتسلل من خلالها مسلحون تابعون لحركات دارفور أو المعارضة الإثيوبية , ولذلك سارعت السودان بالتنسيق والتشاور في هذا الموقف , فيما ذكرت قناة “الجزيرة” أن مصادر أبلغت مراسلها بإثيوبيا بوصول تعزيزات عسكرية من مصر تشمل أسلحة حديثة وآليات نقل عسكرية وسيارات دفع رباعي إلى قاعدة “ساوا ” العسكرية بإريتريا في محاولة للربط بين المشهدين وللإيحاء بأن ثمة تحركات عسكرية بين مصر والسودان عند الحدود الإريترية , وهو ما نفته القاهرة بوضوح في حينه , لكن علي أي الأحوال فقد إستدعي هذا الموقف وفقاً لما نشرته وكالة أنباء السودان الرسمية صباح السبت 6 يناير 2018 إصدار والي كسلا لقرار بإغلاق جميع المعابر الحدودية مع دولة إريتريا اعتبارا من مساء الخامس من شهر يناير من العام 2018 ولحين توجيهات أخرى ، استنادا على المرسوم الجمهوري رقم (50) لسنة 2017 الخاص بإعلان حالة الطوارئ في ولاية كسلا , كما تزامن مع زيارة الرئيس أفورقي للقاهرة والأنباء التي نُشرت عن تمركز قوات سودانية علي الحدود مع أرتريا إصدار وزارة الخارجية السودانية بيان مقتضب في 5 يناير 2018 تضمن ” استدعاء سفير السودان لدى القاهرة إلى الخرطوم بغرض التشاور” , وبالإضافة إلي ذلك ترددت أنباء عن رغبة مصر في استبعاد السودان من مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا , وهو ما نفاه أيضاً المتحدث باسم الخارجية المصرية في حينه , لكن إستدعاء السفير كان في خلفيته تصريح لوزير الخارجية السوداني قال فيه ” إن مصر استخدمت لسنوات طويلة جزءًا من حصة السودان من مياه النيل ، وإن مصر منزعجة لأنها ستخسر تلك المياه عند اكتمال بناء سد النهضة لكونه سيمكّن السودان من حصته بالكامل ” , ولذلك كان الإقتراح السوداني بتشكيل قوة سودانية / مصرية مُشتركة علي الحدود نتيجة لمناخ قاتم غشي سماء العلاقات الثنائية ساده إستمرار الملاسنات المتبادلة في وسائل إعلام البلدين بسبب الموقف السوداني المُؤيد لإثيوبيا في مسألة سد النهضة الخلافية مع مصر وكذلك بسبب جزيرة سواكن وما تردد عن إتفاق تركيا مع السودان خلال زيارة الرئيس التركي أردوغان لها زيارته في 24 ديسمبر 2017علي إقامة قاعدة عسكرية تركية , لكن يبدو أن تصاعد التوتر إلي هذه الدرجة لم يكن مُحتملاً من الجانبين خاصة الجانب المصري , لذا قرر السودان عودة سفيره للقاهرة لمقر عمله بالقاهرة في 6 مارس 2018 , وكانت عودته مُقدمة وربما مُبرراً مُشجعاً لقيام مدير المخابرات العامة المصرية بالإنابة بزيارة للخرطوم في 10 مارس 2018 إلتقاه خلالها الرئيس السوداني , ووفقاً لما أوردته وكالة الأنباء السودانية SUNA فقد ناقشا ” أهمية الإتصالات بين البلدين والتحديات بالمنطقة والتي لا يجب أن تؤثر علي العلاقات بين البلدين ” , ومع ذلك لم يحدث للآن أي تقدم يُذكر بشأن تشكيل هذه القوة التي ألح علي تشكيلها الجانب السوداني الذي في تقديري كان يستهدف تحقيق بعض الأهداف منها توفير قدر من الإطمئنان عن النوايا المصرية الحالية والمُستقبلية إزاء السودان خاصة وأن الرئيس السوداني أعلن في 22 مايو 2017 عن تورط مصر في دعم تمرد دارفور وقال” لقد إستولينا علي مركبات مدرعة وقدر كبير من السيارات العسكرية الأخري والمعدات” وأضاف ” إننا نقولها بكل يقين أنها مركبات مدرعة مصرية , مصر التي لم تمدنا أبداً بأي دعم طيلة 20 عاماً في معركتنا بجنوب السودان ” , كما بث التليفزيون السودان حينها فيلم يعرض هذه المعدات والمركبات المدرعة بعد أن صادرها الجيش السوداني من متمردي دارفور , هدف آخر قد يسعي لتحقيقه الجانب السوداني وهو أنه وفي غياب إطار تعاهدي منذ أن جمد الصادق المهدي رئيس وزراء السودان إتفاقية الدفاع المُشترك الموقعة بين مصر والسودان في 15 مايو1976 , فقد تُعتبر هذه القوة المُقترحة بمثابة قناة يحتاج إليها الجانبين للتعامل وبوضوح وبصفة مباشرة في المشكلات الأمنية والعسكرية ذات الصلة , في ضوء نقص المعلومات عن تفاصيل المقترح السوداني بتشكيل هذه القوة .
في تقديري أن الجانب المصري لم يستجب لإنشاء هذه القوة والتي قد تتضمن صلاحياتها ونقاط تمركزها ومدي مهامها – وفقاً للرؤية السودانية – العمل أيضاً بداخل حلايب المُتنازع عليها علي إعتبار أنها منطقة بها تواجد شرطي سوداني , وسيبرر الجانب السوداني ذلك بأنه علي غرار الدوريات الأمنية المُشتركة بين السودان وإثيوبيا في منطقة الحدود المُشتركة بالقلابات والفشقة والحميراء والتي مازالت موضع خلاف وليس نزاع , وهو أمر إن كان صحيحاً فسيرفضه الجانب المصري , ليقضي علي المقترح , وهو ما أعتقد في ضوء المعلومات المُتاحة أن هذه القوة التي إقترحها السودان تعرضت للتسويف ثم الإعراض عنها من الجانب المصري خاصة وأن الأعباء العسكرية والأمنية التي تثقل كاهل المؤسستين العسكرية والأمنية المصرية لن تبرر إضافة عبء جديد مشكوك في مردوديته وكفاءته , فالأعباء المُلقاة علي كاهلي القوات المُسلحة المصرية والسودانية ثقيل للغاية فالرئيس البشير نفسه صرح عام 2015 بأنه ” لو أن 100% من ميزانية الدولة خُصصت للجيش لتأمين البلاد ما كان ذلك كافياً “, كما أن تشكيل القوة المُشتركة بحاجة إلي تمويل خاص فالقوة المُشتركة ليست بالفكرة المُجردة عن الواقع الذي يشير إلي إتساع وتعدد مهام القوات المُسلحة للبلدين , كما أنه لا يجب أن نغفل عن أن إستمرار عدم الإستقرار السياسي بمصر والسودان وإن بشكل ووصف مختلف هنا عن هناك إلا أن المحصلة أن عدم الإستقرار الداخلي قد يصل لدرجة الغليان بالنظر إلي إستمرار تصاعد وتيرة الضغوط السياسية والإقتصادية والإجتماعية , كما لا يجب أن نفصل بين منطقة الحدود المُشتركة بين مصر والسودان وتفكك الوضع العسكري والأمني والسياسي في ليبيا والتي لمصر إزاء قضيتها رؤية مختلفة عن الرؤية السودانية وهو ما يقطع الطريق أمام تناولهما لمصادر التهديد الأمني والعسكري لكل منهما علي حدة , وطالما ظلت الرؤية متباينة بين مصر والسودان في شأن قضية ليبيا وقضايا أمنية أخري فستظل قدرتهما علي إستكمال دائرة سيطرة القوة المُشتركة المُقترحةعلي حدودهما المُشتركة ناقصة , إذ أن الحدود الليبية مع مصر والسودان في حالة إنشاء القوة المصرية / السودانية لحماية حدودهما تظل عاملاً مُتحكماً في كفاءة أداءها إن نشأت .
لكن وعلي الجانب الآخر نري وضعاً مختلفاً ووظيفة مختلفة يؤسس الجانبين الإثيوبي والسوداني عليها إقامة ” قوة مُشتركة ” لهما , ففي 27 أبريل 2018 إنتهت أعمال دور إنعقاد اللجنة العسكرية الإثيوبية / السودانية في أديس أبابا وُقع خلاله بروتوكول دفاع وحماية ونوُقشت عدد من المسائل ذات الإهتمام المُشترك وعبر الجانبان في نهاية الإنعقاد عن ” الحاجة للوفاء بالنتائج المُحققة والإستعداد للتضامن التام في تأمين الحدود المُشتركة وتبادل المعلومات والسيطرة علي الجماعات المُنتشرة ومحاربة تهريب البشر والأسلحة , والمخدرات والجريمة العابرة ” , وأتفق الجانبان علي تشكيل “قوة مُشتركة” لحماية مشروع سد النهضة الإثيوبي , كما إتفقا علي تفعيل القوات للحفاظ علي الأمن والإستقرار والتعاون في مجالات التدريب وتبادل الخبرات ( إقترح الجانب السوداني خلال الإجتماع الرابع عشر للجنة الفنية السودانية / الإثيوبية المُشتركة في أكتوبر2016 بالخرطوم تمركز وحدات عسكرية بالحدود المُشتركة بين البلدين) , وقد نشرت بعض وسائل الإعلام الإلكترونية الإثيوبية بالتزامن مع إنعقاد هذه اللجنة خبراً مفاده أن القوات الإثيوبية أحبطت مُخططاً تدعمه إرتريا للهجوم علي موقع مشروع سد النهضة الواقع علي بعد 20 كم من الحدود الأإثيوبية / السودانية , وأن القوات الإثيوبية قتلت 13 من هؤلاء المُهاجمون والذين ينتمون لحركة التحرير الشعبية لبني شنقول جوميز , وهو ما نفته الحكومة الأرترية واصفة هذا الإتهام بأنه “مثير للضحك” .
من الواضح أن إثيوبيا أدركت من خلال خوضها لأزمة مشروع سد النهضة وهو واحد من مشروعات سدود مُدرجة علي قائمة بجدول زمني تزمع إثيوبيا إقامتها علي النيل الأزرق مُستقبلاً , أدركت أنه لابد من إحكام تأمين مواقع هذه السدود , وفي هذا الإطار وبالرغم من أن إثيوبيا التي حلت سلاحها البحري عام 1991 ليس لها منفذ بحري بعد أن نالت إرتريا إستقلالها عنها عام 1993 إلا أن وطأة هذه المخاوف الإثيوبية دعتها إلي وضع خطط لإنشاء سلاح بحري وذلك في إطار عملية إصلاحات عسكرية تمضي فيها قدماً , ولقد صرح رئيس الوزراء الإثيوبي Abiy Ahmed تأكيداً لذلك في لقاء مع كبار العسكريين الإثيوبيين بقوله ” متابعة للجهود المبذولة لبناء قدرة لدفاعنا الوطني , فإننا ننشئ واحدة من أقوي نظم الدفاع الجوي والبري بأفريقيا ” وتابع قائلاً ” يجب علينا إنشاء قدرة للقوة البحرية في المستقبل ” * ( وكالة Reuters بتاريخ 3 يونيو2018 نقلاً عن Fana Broadcasting) * , وفي الواقع فإن الخطط الإثيوبية لإنشاء قدرة بحرية عسكرية لا تعتمد علي الجغرافيا فإثيوبيا دولة حبيسة لكنها تعتمد علي السياسة فالعلاقات الإثيوبية / السودانية أظهرت أزمات واجهتها الدولتان خلال العقود الثلاث الماضية منها علي سبيل المثال لا الحصر الحرب الأرترية / الإثيوبية ومواجهة السودان للتمرد الجنوبي وسد النهضة الإثيوبي أنها مؤسسة علي مساحة مُشتركة بنظرية أمنهما القومي تتسع بتوالي الأزمات التي تواجهها الدولتان , ولذلك فما صرح به رئيس الوزراء الإثيوبي عن إنشاء قدرة بحرية له صلة بتطور سابق , إذ سبق وأن أُعلن وزير الخارجية الإثيوبي Workneh Gebeyehu في 3 مايو 2018 في نهاية محادثات بين رئيس الجمهورية السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي بالخرطوم أن البلدان إتفقتا علي تنفيذ فوري لإتفاق التطوير والإدارة المُشتركة لميناء بورسودان الذي تستخدمه إثيوبيا لخدمة مناطقها الشمالية والشمالية الغربية * (APA في 3 مايو2018) , وبناء علي ذلك فمن المُتصور أن يؤدي إتفاق الإدارة المُشتركة لميناء بورسودان وهو الذي ينصرف معناه علي الإدارة لأغراض إقتصادية إلي تواجد مُحتمل لعناصر القدرة البحرية الإثيوبية المُزمع إنشاؤها جنباً إلي جنب مع البحرية السودانية بقاعدة بورسودان البحرية , فإثيوبيا وضعت – كما تقدمت الإشارة مُخططاً لسدود أخري بعد الفراغ من سد النهضة وبالتالي فإن خشيتها ستتصاعد من أجل حماية مواقع هذه السدود ولذلك فإن إتفاق الإدارة المُشتركة لميناء بورسودان ستستغله إثيوبيا في توسيع المدي الجغرافي لحماية سد النهضة وأي سدود أخري تُزمع إثيوبيا بناؤها , وذلك بصفة إستباقية بحيث من المُقدر ألا تكتفي العسكرية الإثيوبية بالتعاون مع العسكرية السودانية – التي لها مصلحة إقتصادية لا تقل عن المصلحة الإثيوبية من سد النهضة – بالدفاعات الأرضية المحيطة بموقع السد الذي يبعد 20 كم عن حدودها مع السودان , فالمخاوف الإثيوبية بعضها مؤسس علي معلومات غير مُوثقة لكن المُتفق عليه أنه إذا كان الأمر مُتعلق بالأمن القومي لبلد ما فإن المعلومات التي تتماس مع المهددات الأمنية لا تهمل وفي هذا يُشار إلي ما أشارت إليه صحيفة SUDAN TRIBUNE علي موقعها في 17 أبريل 2017 بالإحالة علي منظمة عفار البحر الأحمر الديموقراطية RSADO المُعارضة لنظام الحكم القائم بإرتريا أن حكومة أسمرا أعطت مصر الضوء الأخضر لبناء والحصول علي قاعدة عسكرية علي الأراضي الأرترية البالغ مساحتها 121,320 كم مربع (أكبر قليلاً من ولاية Pennsylvania الأمريكية) والتي تطل علي البحر الأحمر بساحل طوله 2,234 كم وأهم جزرها به جزيرة Dahlak , ولها حدود يبلغ مجمل 1,630 كم منها 1133 كم مع جيبوتي و912 مع إثيوبيا و605 كم مع السودان, وتحدد مصادر المعارضة الأرترية موقع هذه القاعدة بأنها في جزيرة (محلية) Nora أو Norah وهي ثاني أكبر الجزر المسكونة بأرخبيل Dahlak وتبلغ مساحتها حوالي 105 كم مربع , وتشير هذه المصادر إلي أن وفداً عسكرياً وأمنياً مصرياً قام بزيارة لأسمرا مطلع أبريل 2017 للإتفاق علي تمركزعدد يتراوح ما بين 2000 إلي 3000 من عناصر البحرية المصرية بهذه القاعدة البحرية بأرتريا الموضوعة حالياً تحت عقوبات الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم S/RES/2317 لعام 2016 والذي تم تجديده حتي 15 نوفمبر .
عندما نُلقي نظرة علي العلاقات العسكرية والمخابراتية الأمنية لمصر مع كل من السودان وإثيوبيا نجد أنها تكاد وأن تكون معدومة مع إثيوبيا وفي أضيق الحدود مع السودان وبالقدر اليسير الذي يتيح مناقشة تداعيات آنية للنزاع علي السيادة علي حلايب لا أكثر ولا أقل , فيما وعلي النقيض من ذلك نجد العلاقات العسكرية والمخابراتية بين إثيوبيا مُضطردة وتتسع بإتساع وتنوع مجالات العلاقات الثنائية سواء السياسية أو المائية (نهر النيل وسد النهضة) والإقتصادية وحركة الهجرة الإثيوبية والنزاع الحدودي الذي يُدار بأقصي درجات الحرص والهدوء , ومعني هذا ببساطة أن العلاقات المصرية / السودانية التي تُوصف في الخطب الرسمية بأنها أزلية لا علاقة لها بالأزل الآن فهي علاقات محدودة هشة مُهتزة وفي حدها الأدني الذي لا يكفي أي سياسي محترف كي ينقذها من الوهدة السحيقة التي سقطت فيها , فالعلاقات العسكرية الإثيوبية / السودانية كما سبقت الإشارة تشهد نقلة نوعية بتشكيل قوة مُشتركة للدفاع عن منشآت سد النهضة وهو تطور نوعي يتعدي العلاقات العسكرية ليؤكد أن نظريتي الأمن القومي لكل من السودان وإثيوبيا بهما مساحة مُشتركة أو لنقل مُتداخلة عبر عنها أوضح تعبير الرئيس السوداني في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين بثته وكالة الأنباء السودانية في 4 أبريل 2017 أشار فيه إلي ” إنه لا سقف للتعاون بيننا في المجال الأمني إذ إن أمن أثيوبيا هو أمن السودان , وأمن السودان هو أمن أثيوبيا ” , وهو ما أمن رئيس الوزراء الأثيوبي ديسالين عليه بقوله ” إن ما يمس أثيوبيا ينعكس على السودان ، وإن ما يمس السودان ينعكس على إثيوبيا , لذلك فإن البلدين مصممان على التعاون الوثيق في هذه المجالات كلها “ .
تتعدد القاءات والمباحثات الثنائية في الشأن العسكري والمخابراتي بين إثيوبيا والسودان وبالقدر الذي تتناول فيه بحث وحل مشكلات طارئة بالقدر نفسه تمضي قدماً نحو تطوير هذه العلاقات وتنويعها فعلي سبيل المثال وفي إطار اللقاءات الدورية بين العسكريتين الإثيوبية والسودانية , إجتمع قائد فرقة المشاة الثانية عشر في الجيش الإثيوبي وقائد الفرقة الرابعة مشاة بالجيش السوداني بحضور محافظ محافظة النيل الأزرق السودانية في Addis Ababa في 30 ديسمبر 2017 لبحث وسائل دعم الإستقرار بالمناطق علي طول الحدود المُشتركة ومتابعة التوصيات التي صدرت عن اللجنة العسكرية المُشتركة التي عُقدت في سبتمبر 2017 والتي وضعت خطة خماسية تتضمن جميع مجالات التعاون الثنائي التي نص عليها البروتوكول العسكري الذي وقعته البلدان عام 2009, هذا بالإضافة إلي مذكرة التفاهم التي وقعها الجانبان في أكتوبر 2017 التي تناولت تعزيز التعاون الأمني والعسكري لمحاربة الإرهاب , وفي الواقع فالتنسيق وتمازج المواقف السياسية بين السودان وإثيوبيا تخطي النطاق الثنائي ليعمل في النطاقين الدولي والإقليمي فنحن نجد علي سبيل المثال في متن برقية شفرية صادرة عن السفارة الأمريكية في أديس أبابا بتاريخ 8 يونيو 2009 ماجري في اللقاء الذي تم بين السفير الأمريكي هناك ورئيس المخابرات الإثيوبية Getachew Assefa والذي يعد واحداً من المُتشددين داخل اللجنة التنفيذية لحزب الجبهة الشعبية الثورية الديموقراطية الحاكم بإثيوبيا , حيث حث Getachew في حديثه إليه الولايات المتحدةعلي الإرتباط مع القيادة السودانية الحالية مُشيراً إلي أن السودان أكثر من الصومال فهي تمثل التهديد الأعظم للأمن الإقليمي والإستقرار وأن إرتريا تعد البلد الوحيد بالإقليم الذي يستفيد من عدم الإستقرار . * (UNDERSTANDING THE ETHIOPIAN HARDLINERS . EO 12958 DECL: 06/07/2019 ) , ولذلك يمكن القول أن حيز التناقضات في المواقف السياسية بين إثيوبيا والسودان دائماً ما يكون في حده الأدني فالبلدان علي الصعيد الإقليمي عدوهما واحد وهو إرتريا كما أن خصمهما واحد وهو مصر التي بسبب بطء أداءها في الملف الألإريقي وتركيزها المُبالغ فيه أحياناً لملف دول حوض النيل والذي تتناوله وعيناها علي مياه النيل فقد بالإنفصال عن متابعة دقيقة ويومية لمجريات السياسات الداخلية والخارجية لهذه الدول , أدي بالسياسة المصرية في أفريقيا عموماً ودول حوض النيل إلي أن تكون مُنفصلة عن الواقع السياسي بهذين النطاقين وهو وضع خطر , ويزيد الوضع سوءاً إذا ما أضفنا الدائرة المُفرغة التي أدخلت مصر نفسها فيها بموقفها الواضح في دعم نظام حكم رئيس جنوب السودان Salva kiir Mayardit في مواجهة خصمه Riek Machar زعيم المعارضة الجنوبية في الحرب الأهلية الدائرة في جنوب السودان منذ ديسمبر 2013 , وقد أخذ هذا الدعم أشكال عدة أهمها الدعم العسكري والسياسي والإقتصادي وقد ساندت مصر موقف الرئيس الرافض للدعم العددي كما أنها إمتنعت عن التصويت علي مشروع قرار أمريكي بفرض حظر علي السلاح لجنوب السودان , هذا وهو الأهم أن الموقف المصري الداعم لنظام Salva kiir كان موقفاً ذا إتجاه واحد بمعني أن مصر إهتمت بصفة تكاد تكون حصرية بدعم نظام Salva kiir دون النظر لتداعيات إستمرار الحرب الأهلية بجنوب السودان مُكتفية بعبارات صماء عن “ضرورة وقف الحرب” , فيما كان الموقف الإثيوبي من هذه المسألة ديناميكي ونشط وعملي إذ أن الموقف الإثيوبي بالإضافة إلي ذلك فهومُتوازن نسبياً بين طرفي هذه الحرب ويختلف كلية عن الموقفين المصري و الأوغندي في هذا الشأن , وفي هذا الإطار تولت إثيوبيا برعاية من رئيس وزرائها Hailemariam Desalegn بإعتبار عضوية بلاده في تجمع Intergovernmental Authority on Development أو ما يُعرف إختصاراً IGAD إدارة المفاوضات بين طرفي هذه الحرب مدعومة من الإتحاد الأفريقي وذلك حتي تم التوصل إلي إتفاقية أديس أبابا وتوقيع طرفي الحرب عليها في 17 أغسطس 2015 , والواقع أن إثيوبيا دفعها إلي ذلك عدة دوافع مُرتبطة ببعضها البعض أولها تأكيد الدور الإقليمي المُتميز لإثيوبيا في القرن الأفريقي علي نحو خاص , وثانيها الحرص علي إستقرار قوة التأثير المتبادل لإثيوبيا والسودان فيما يتعلق بدولة جنوب السودان , ثالثها خفض الأثر السلبي الناتج عن إستمرار تصاعد الحرب بالجنوب لما لذلك من تأثير علي معادلة الأمن القومي الإثيوبي خاصة في شقها الديموجرافي , إذ أن أعداداً من قبيلة Murle لجأت إلي إثيوبيا وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي Desalegn, on Monday في 18 أبريل 2016عبر بيان مُتلفز أن القوات الإثيوبية ستتعقب مسلحين من قبيلة Murle للمناطق التي أتوا منها في جنوب السودان لإنقاذ 100 طفل إثيوبي في قبضة هؤلاء , وأشارت الأنباء الواردة من أديس أبابا أن أبناء قبيلة Murle عبروا حدود جنوب السودان مع إثيوبيا وأغاروا علي 13 قرية إثيوبية بولاية Gambella الإثيوبية سكانها إمتداد ديموجرافي لقبيلتي Anyuak و Nuer *(التي ينتمي إليها Riek Machar خصم رئيس جنوب السودان Salva kiir) .
كما سبقت الإشارة هناك مساحة تتسع في العلاقات العسكرية بتطور مصفوفة العلاقات الثنائية المزدهرة بين إثيوبيا والسودان , بينما العلاقات العسكرية المصرية مع إثيوبيا معدومة وفي منسوب أقل من الحد الأدني مع السودان , في الوقت الذي تتنامي وتتعزز العلاقات العسكرية المصرية مع جنوب السودان , وفي هذا الإطار وقعت مصر وجنوب السودان في 23 مارس 2014 إتفاق تعاون عسكري ثنائي عقب زيارة قام بها Kuol Manyang Juuk وزير دفاع جنوب السودان للقاهرة , ووفقاً لمصادر أفادت صحيفةSudan Tribune فالإتفاق يتناول التعاون في مجالات المشاركة بالخبرات والتدريبللقوات الخاصة والمناورات المُشتركة والمشاركة في الندوات وعمليات البحث والإنقاذ , وهناك عدداً من المبررات والدوافع التي حملت مصر علي إنتهاج هذا الموقف الداعم لجنوب السودان في مقدمتها أن جنوب السودان يتعرض منذ إستقلاله عن السودان في 9 يوليو 2011 لضغوط إثيوبية قوية لحمله علي توقيع إتفاق التعاون الإطاري CFA المعروف بإتفاق عنتيبي بين دول حوض النيل والذي تعارضه مصر .
أضافت الحرب الأهلية الدائرة بجنوب السودان منذ ديسمبر 2013 دائرة عمل وحركة للعسكرية المصرية التي نشطت في دائرة عمل أخري هي البحر الأحمر , لكن السؤال الأهم هو : هل تمثل الحرب الأهلية بجنوب السودان من الوجهة العسكرية خطراً علي الأمن الإقليمي ؟ الإجابة يقيناً نعم ولهذا تسعي إثيوبيا إلي تسوية تفاوضية بين نظام الرئيس Salva kiir وخصومه بزعامة Riek Machar وهو ما لا تسعي إليه مصر تماماً وأوغندا كل بدرجة تتناسب مع تطلعاته في الوفاء بمتطلبات أمنه القومي , والسؤال التالي هو : هل تمثل جنوب السودان (وأرتريا) منصة عمل عسكري مصري ضد إثيوبيا ؟ الإجابة بإختصار هي : لا يمكن أن يكون الأمر علي هذا النحو , إذ أن العلاقات العسكرية المصرية مع جنوب السودان موضع متابعة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة وهي علاقات لن تتعدي في حدها الأقصي حد الدعم العسكري تسليحي كان أم تدريبي أم معلوماتي (والأخير دعم محدود لعدة أسباب) ولن تتجاوز ذلك لأسباب تتعلق بالعلاقات الإثيوبية / الأمريكية والدور الإثيوبي الضروري للولايات المتحدة في الصومال بالإضافة إلي أن العسكرية المصرية نفسها مُثقلة بمهام عسكرية متنوعة ومتباينة – لم تتم – لكنها أقل خطراً في الداخل المصري وخاصة تلك التي في سيناء التي أُعلن عن بدء إنسحاب القوات المُشتركة في عملية “سيناء 2018” منها توطئة لإعلان الإنتصار فيها علي الإرهاب (موقع MIDDLE EAST MONITOR بتاريخ 13 يونيو2018) وهي أنباء مشكوك في صدقيتها وفقاً للمعطيات الحالية , وعلي أي الأحوال فلن يتعدي التهديد العسكري المصري لإثيوبيا إنطلاقاً من جنوب السودان أو حتي إرتريا حد إحداث قلق منتظم لإثيوبيا وبقدر أقل للسودان .
في ضوء ما تقدم يمكن النظر إلي قوة وتماسك العلاقات العسكرية بين إثيوبيا والسودان من جانب وبين مصر والسودان من جانب آخر من خلال مسألة تشكيل القوة المُشتركة , إذ أن قوة العلاقات الثنائية ككل وتنوعها وتفاعلاتها الإيجابية أدت إلي تشكيل هذه القوة بين السودان وإثيوبيا وحصر مهمتها في حماية موقع مشروع سد النهضة أي حماية الأمن القومي الإثيوبي الذي أصبحت السودان أكبر مُستفيد إقليمي من نماءه , وعلي نحو مُغاير نجد أن تشكيل القوة المُشتركة بين مصر والسودان إستهدف تأمين حدودهما المُشتركة فقط , ومع ذلك لم تتفق البلدان علي أمرها من حيث المبدأ ناهيك عن تشكيلها , فخلافاً للحالة الإثيوبية / السودانية , نجد أن العلاقات المصرية / السودانية مؤسسة علي مجموعة من الأزمات التي تداخلت مع بعضها البعض مع طول مدة تفاعلات هذه الأزمات منذ 1990 وحتي وقتنا الراهن مما أدي إلي تداعيات أكبر عدداً من عددهذه الأزمات , ومن ثم كانت مسألة تشكيل قوة مصرية / سودانية مُشتركة مرآة عاكسة لإفتقاد الثقة والخشية المُتبادلة بين نظامين خلفيتهما ومرجعيتهما الرئيسية عسكرية .
النزاعان الحدوديان :
هناك نزاعان حدوديان تخوضهما السودان أولهما مع إثيوبيا , فوفقاً لتقرير مصلحة المساحة السودانية المُؤرخ في 31 مارس 1966 أي قبل 26 سنة من إعلان إستقلال إرتريا في 23 مايو 1993والذي يُبين وضع الحدود الإثيوبية / السودانية والذي قسم حدود السودان مع إثيوبيا قبل إستقلال إرتريا لقسمين القسم الأول يتعلق بالجزء الشمالي من إثيوبيا وطوله 1315 كم تقريباً والقسم الثاني ويتعلق بالجزء الجنوبي من إثيوبيا وطوله 290 كم تقريباً , أما القسم الأول فيبدأ من حدود السودان وإثيوبيا من نهاية حدود إرتريا وينتهي في تقاطع خط العرض 6 درجة شمالاً مع خط الطول 35 شرق جرينتش , وقد تم الإتفاق علي تعيين الحدود في هذه المنطقة بموجب معاهدة 1902 التي وقع عليها الجانب البريطاني والجانب الإثيوبي , وقد أُرفقت مع المعاهدة خريطة توضح الحدود المُقترحة وهي المُشار إليها ” بالخط الأحمر ” , كما نصت المادة الثانية من هذه المعاهدة علي قيام لجنة حدود مُشتركة لوضع الحدود المُقترحة علي الطبيعة , وبالفعل قامت الحكومة البريطانية من جانبها بتعيين الماجور كوين للإضطلاع بهذه المهمة , وقد أشار الجانب السوداني في تقريره هذا بأن هناك بعض التقارير ورد بها أن الإمبراطور منليك الثاني طلب من الحكومة البريطانية أن يمثل الماجوركوين الجانب الإثيوبي , علي أنه لا توجد وثيقة تثبت هذا التفويض , وقام الماجوركوين بمسح الحدود علي الطبيعة ووضع لها وصفاً عاماً ضمنه بروتوكول الحدود المُوقع عليه من الحكومة البريطانية في 27 يونيو 1903 والذي لم توقع عليه الحكومة الإثيوبية , وبالتالي فهي لم تعترف به حتي أيامنا هذه , وقد ورد بتقرير مصلحة المساحة السودانية أنه ” وبناء علي ما تقدم فإن بروتوكول كوين 1903 يعطي تفسيراً عملياً مقبولاً لمعاهدة 1902 , كما أن تفويض الإمبراطور منليك الثاني لكوين يعتبر بمثابة موافقة مبدأية علي بروتوكول الحدود , هذا في حالة وجود وثيقة تثبت هذا التفويض , وأن لجنة الحدود السودانية في تقريرها المؤرخ في 21 مارس 1966 رأت أن تقوم الخارجية السودانية بالإتصالات الدبلوماسية اللازمة للحصول علي موافقة إثيوبية رسمية علي هذا البروتوكول وإلا أصبح لا مناص من قيام لجنة مُشتركة من الجانبين لإعادة النظر في هذا البروتوكول ” , وتنظم الحدود في المنطقة الجنوبية من الحدود الإتفاقية المعقودة بين الحكومتين البريطانية والإثيوبية في 6 ديسمبر 1907 , وكان الغرض منها تنظيم الحدود بين إثيوبيا وشرق أفريقيا البريطانية ( الجزء الشمالي الشرقي من السودان آنذاك) وأوغندا ( الجزء الجنوبي الشرقي من جنوب السودان حالياً) , وقد وقع الإمبراطور منليك الثاني علي النسخة المكتوبة بالأمهرية من هذه الإتفاقية بينما لم يوقع علي النسخة التي بالإنجليزية .
يُلاحظ بأنه لم يرد ذكر السودان في الإتفاقية المُشار إليها , ذلك أن حدود السودان المعروفة في ذلك الحين كانت تنتهي عند خط العرض 6 شمالاً مع خط الطول 35 شرق جرينتش , ولكن وبعد أن عُقدت إتفاقية1914 بين السودان وأوغندا والمعروفة بخط أوغندا 1914 , أصبح السودان مُلزما تلقائياً بإتفاقية 1907 والتي كان مُرفقاً بها خريطة توضح باللون الأحمر الحدود المُقترحة , وقد نصت الإتفاقية المُشار إليها علي تشكيل لجنة مُشتركة لتخطيط الحدود علي الطبيعة ورشحت بريطانيا الماجور كوين علي رأس هذه اللجنة فيما لم تعين إثيوبيا ممثلاً لها فيها , رغم أن الماجور كوين ظل لشهرين في ادجيس ابابا ينتظر تعيين حكومة إثيوبيا لممثلها ولما لم تفعل إثيوبيا ذلك أضطر الماجور : كوين إلي مغادرة أديس أبابا . ووجد كوين أن الخط الأحمر شمال بحيرة رودلف لا يصلح حداً بين إثيوبيا وأوغندا ( السودان الجنوبي حالياً ) لعدم صلاحيته إدارياً , وعليه فقد قام بتعديله ليتمشي مع المعالم الطبيعية , وقد رفع كوين تقريراً لوزارة المُستعمرات البريطانية في الأول من نوفمبر 1909 أرفق به بروتوكول للحدود تضمن وصفاً عاماً لها من نقطة البداية بشرق أفريقيا حتي ملتقي نهري البيبور و أكوبو , والأمر الأكثر أهمية أخيراً- وفقاً لتقرير المساحة السودانية – أن مجلس الوزراء الإثيوبي أخطر الوزير المفوض البريطاني بأديس أبابا في نوفمبر 1910 بأن حكومة إثيوبيا لا توافق علي التحديد الذي قام به الماجور كوين وأنها تعتبر الخط الأحمر المُبين بالخريطة المُرفقة بمعاهدة 1907 هو الحد النهائي وقد رد الوزير المفوض البريطاني بأن بريطانيا لا توافق علي هذا الرأي , وقد أشار تقرير مصلحة المساحة السودانية بوضوح في هذا الشأن أن الخط الأحمر بمعاهدة 1907 يوضح الخطوط العريضة للحدود بالمنطقة وأنه قابل للتعديل حسب المعالم الطبيعية والحدود القبلية , فيما تري الحكومة الإثيوبية من جانبها – وفقاً للتقرير السوداني – الإعتراف بمعاهدة 1902 وخريطة الحدود المُرفقة بها وعدم الإعتراف ببروتوكول 1903 .
عند إسقاط مسألة النزاع الحدودي بين السودان وكلا من إثيوبيا ومصر سنجد مفارقة كالتي نجدها عند إسقاط النزاع الحدودي بين مصر وإسرائيل بشأن ” طابا ” علي الحالة المصرية مع السودان , فكلا من مصر والسودان بدرجة أو بأخري لم يتعاملا في شأن نزاعهما الحدودي علي حلايب بالأسلوب الودي الذي ميز تعاملهما في نزاعهما الحدودي مع إسرائيل وإثيوبيا علي التوالي , صحيح أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وفرت مرجعية لا مناص من اللجوء إليها في التفاوض ثم التحكيم في شأن نزاع طابا الذي تعلق بمواضع علامات حدودية , إلا أن علاقات مصر والسودان مرجعيتها أكثر صلابة بل أكثر عمقاً لأنها لم تُكتب علي أوراق بل كُتبت علي صفحة الحياة نفسها فدائما ما يصفها مسئولي مصر والسودان بالأزلية وهي صفة لا يمكن توفرها بأي حال في علاقات مصر بإسرائيل الدولة التي أُنشأت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المُتعلق بتقسيم فلسطين رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 .
فيما يتعلق بالنزاع الحدوي الثاني الذي يُواجهه السودان مع إثيوبيا فيبدأ الجزء الشمالي من حدود السودان وإثيوبيا من نهاية حدود إرتريا وينتهي في تقاطع خط العرض 6 درجة شمااً مع خط الطول 35 شرق جرينتش , وقد تم الإتفاق علي تعيين الحدود في هذه المنطقة بموجب معاهدة 1902 التي وقع عليها الجانب البريطاني والجانب الإثيوبي , وقد أُرفقت مع المعاهدة خريطة توضح الحدود المُقترحة وهي المُشار إليها ” بالخط الأحمر ” , كما نصت المادة الثانية من هذه المعاهدة علي قيام لجنة حدود مُشتركة لوضع الحدود المُقترحة علي الطبيعة , وبالفعل قامت الحكومة البريطانية من جانبها بتعيين الماجور كوين للإضطلاع بهذه المهمة .
أشار الجانب السوداني في تقريره هذا بأن هناك بعض التقارير ورد بها أن الإمبراطور منليك الثاني طلب من الحكومة البريطانية أن يمثل الماجور كوين الجانب الإثيوبي , علي أنه لا توجد وثيقة تثبت هذا التفويض , وقام الماجور كوين بمسح الحدود علي الطبيعة ووضع لها وصفاً عاماً ضمنه بروتوكول الحدود المُوقع عليه من الحكومة البريطانية في 27 يونيو 1903 والذي لم توقع عليه الحكومة الإثيوبية , وبالتالي فهي لم تعترف به حتي أيامنا هذه .
أورد تقرير لمصلحة المساحة السودانية *( من واقع صورة منه لدي) أنه ” وبناء علي ما تقدم فإن بروتوكول كوين 1903 يعطي تفسيراً عملياً مقبولاً لمعاهدة 1902 , كما أن تفويض الإمبراطور / منليك الثاني لكوين يعتبر بمثابة موافقة مبدأية علي بروتوكول الحدود , هذا في حالة وجود وثيقة تثبت هذا التفويض , وأن لجنة الحدود السودانية في تقريرها المؤرخ في 21 مارس 1966 رأت أن تقوم الخارجية السودانية بالإتصالات الدبلوماسية اللازمة للحصول علي موافقة إثيوبية رسمية علي هذا البروتوكول وإلا أصبح لا مناص من قيام لجنة مُشتركة من الجانبين لإعادة النظر في هذا البروتوكول ” , ويمتد خط الحدود الجنوبي من عند تقاطع خط العرض 6 شمالاً مع خط الطول 35 درجة شرق جرينتش إلي بحيرة رودلف , وتنظم الحدود في هذه المنطقة الإتفاقية المعقودة بين الحكومتين البريطانية والإثيوبية في 6 ديسمبر 1907 , وكان الغرض منها تنظيم الحدود بين إثيوبيا وشرق أفريقيا البريطانية (الجزء الشمالي الشرقي من السودان آنذاك) وأوغندا (الجزء الجنوبي الشرقي من جنوب السودان حالياً) , وقد وقع الإمبراطور منليك الثاني علي النسخة المكتوبة بالأمهرية من هذه الإتفاقية بينما لم يوقع علي النسخة التي بالإنجليزية , ووجد كوين أن الخط الأحمر شمال بحيرة رودلف لا يصلح حداً بين إثيوبيا وأوغندا (السودان الجنوبي حالياً ) لعدم صلاحيته إدارياً , وعليه فقد قام بتعديله ليتمشي مع المعالم الطبيعية , وقد رفع كوين تقريراً لوزارة المُستعمرات البريطانية في الأول من نوفمبر 1909 أرفق به بروتوكول للحدود تضمن وصفاً عاماً لها من نقطة البداية بشرق أفريقيا حتي ملتقي نهري البيبور و أكوبو ,الأكثر أهمية – وفقاً لتقرير المساحة السودانية – أن مجلس الوزراء الإثيوبي أخطر الوزير المفوض البريطاني بأديس أبابا في نوفمبر 1910 بأن حكومة إثيوبيا لا توافق علي التحديد الذي قام به الماجور / كوين وأنها تعتبر الخط الأحمر المُبين بالخريطة المُرفقة بمعاهدة 1907 هو الحد النهائي وقد رد الوزير المفوض البريطاني بأن بريطانيا لا توافق علي هذا الرأي , كما أشار تقرير المساحة السودانية أن الخط الأحمر بمعاهدة 1907 يوضح الخطوط العريضة للحدود بالمنطقة وأنه قابل للتعديل حسب المعالم الطبيعية والحدود القبلية , وأن الحكومة الإثيوبية من جانبها تري – وفقاً للتقرير السوداني – الإعتراف بمعاهدة 1902 وخريطة الحدود المُرفقة بها وعدم الإعتراف ببروتوكول 1903 , لكن يُلاحظ بأنه لم يرد ذكر السودان في الإتفاقية المُشار إليها ذلك أن حدود السودان المعروفة في ذلك الحين كانت تنتهي عند خط العرض 6 شمالاً مع خط الطول 35 شرق جرينتش , ولكن وبعد أن تم عقد إتفاقية1914 بين السودان وأوغندا والمعروفة بخط أوغندا 1914 , أصبح السودان مُلزما تلقائياً بإتفاقية 1907 والتي كان مُرفقاً بها خريطة توضح باللون الأحمر الحدود المُقترحة , وقد نصت الإتفاقية المُشار إليها علي تشكيل لجنة مُشتركة لتخطيط الحدود علي الطبيعة ورشحت بريطانيا الماجور / كوين علي رأس هذه اللجنة فيما لم تعين إثيوبيا ممثلاً لها فيها , رغم أن الماجور / كوين ظل لشهرين في ادجيس ابابا ينتظر تعيين حكومة إثيوبيا لممثلها ولما لم تفعل إثيوبيا ذلك أضطر الماجور : كوين إلي مغادرة أديس أبابا .
عند إسقاط مسألة النزاع الحدودي بين السودان وكلا من إثيوبيا ومصر سنجد مفارقة كالتي نجدها عند إسقاط النزاع الحدودي بين مصر وإسرائيل بشأن ” طابا ” علي الحالة المصرية مع السودان , فكلا من مصر والسودان بدرجة أو بأخري لم يتعاملا في شأن نزاعهما الحدودي بالأسلوب الودي الذي ميز تعاملهما في نزاعهما الحدودي مع إسرائيل وإثيوبيا علي التوالي , صحيح أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وفرت مرجعية لا مناص من اللجوء إليها في التفاوض ثم التحكيم في شأن نزاع طابا الذي تعلق بمواضع علامات حدودية , إلا أن علاقات مصر والسودان مرجعيتها أكثر صلابة بل أكثر عمقاً لأنها لم تُكتب علي أوراق بل كُتبت علي صفحة الحياة نفسها فدائما ما يصفها مسئولي مصر والسودان بالأزلية وهي صفة لا يمكن توفرها بأي حال في علاقات مصر بإسرائيل الدولة التي أُنشأت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المُتعلق بتقسيم فلسطين رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 .
قد يكون في تتبع تناول السودان لوضعية حدوده مع إثيوبيا – والتي لم تُحسم مادياً بعد – ما قد يلقي الضوء علي حقائق متنوعة تتعلق بالعلاقات السودانية مع كل مصر وإثيوبيا أي بين دولة منابع النيل وبين دولة المصب وهذه الثلاثية يعتبر السودان فيها الحلقة الوسطي للإتصال البري بين مصر وإثيوبيا وهي نظرة قلما تخالج مُتخذ القرار المصري وتسببت في تقديري في خسائر إستراتيجية لمصر , لكن علي أية حال يمكن إستنتاج أن السودان وإثيوبيا لديهما حرص متساو علي إبقاء النزاع الحدودي بينهما في أضيق نطاق حتي وإن ظل بلا حل حاسم , ولذلك ركزا علي إستثمار الجوانب الإيجابية التي تلبي حاجات الشعبين بل وتنمي الإستراتيجية المُتعلقة بنظرية الأمن القومي لدي كل منهما , فيما أدي نزاع مصر والسودان علي حلايب الذي غذاه الإختلاف المنهجي في منطلقات كل نظام والذي رأت فيه مصر- بلا مبرر منطقي – خطراً عليها فيما قبلت إثيوبيا الخلاف المنهجي بل وتعاملت معه وأستجابت السودان , ولهذا فقد أدي إنسياق مصر في التمسك ببعض التقاليد البالية التي ميزت إدارتها السياسية لملف السودان إلي تأثيرات سلبية متتالية علي ملفات ثنائية أخري أكثر حيوية بل وفي منتهي الخطورة كملف مياه النيل , وكان يمكن لمصر التعامل بشكل أفضل في هذا الملف لو أنها راعت موقع السودان من الوجهة المبدئية علي خريطة إستراتيجية الأمن القومي لها .
أما النزاع الحدودي الآخر الذي تواجهه السودان والذي مع مصر فقد تفجر لأول مرة عندما تلقت الخارجية السودانية في 29 يناير 1958 مذكرة من الحكومة المصرية أشارت فيها إلي أن قانون الإنتخابات السوداني أدخل المنطقة الواقعة شمال وادي حلفا (النتوء) والمنطقة المحيطة بحلايب وشلاتين الواقعة علي البحر الأحمر والتي تبلغ مساحتها 20,580 كم مربع ضمن الدوائر الإنتخابية للسودان , وأن هذا الوضع يتناقض مع كون خط 22 درجة شمال هو خط الحدود الفاصلة بين البلدين , وأكدت الحكومة المصرية في هذه المذكرة علي أن هذه المناطق تقع ضمن أراضيها , كما أشارت هذه المذكرة إلي رغبة الحكومة المصرية تسليم المساحة الواقعة إلي الجنوب من خط 22 درجة شمال (بارتازوجا) التي كانت قد وُضعت تحت إدارة الحكومة المصرية عام 1902 , وقبل أن ترد حكومة السودان علي هذه المذكرة وصل للحكومة السودانية ما يفيد بأن قوات من الجيش المصري في سبيلها للتمركز في حلايب , وعليه إستدعي وزير الخارجية السودانية بالنيابة محمد أحمد محجوب السفير المصري بالخرطوم في 11 فبراير 1958 وطلب منه أن ينقل للحكومة المصرية أن حكومة السودان تأمل في تكون المعلومات التي وردت بشأن القوة العسكرية المصرية المُتجهة إلي حلايب غير صحيحة , وأنه إذا ما ثبت صحتها فإن ذلك سيترك أثراً خطيراً علي العلاقات وأكد للسفير المصري أنه من المستحيل أن يوافق السودان علي ضم مصر لأرض ظلت تشكل جزءاً من السودان لأكثر من نصف قرن , وكانت مصر قبل إستدعاء سفيرها للخارجيىة السودانية قد بعثت بمذكرة أخري مؤرخة في 9 فبراير 1958 تسلمها رئيس الوزراء السوداني عبد الله خليل في 13 فبراير 1958 تضمنت إخطار الحكومة السودانية بنية الحكومة المصرية إجراء إستفتاء الوحدة بين مصر وسوريا وإنتخاب رئيس الجمهورية العربية المتحدة وأنه تطبيقاً لحقوقها المُعترف بها وبموجب سلطاتها السيادية تريد إستفتاء سكان المنطقة الواقعة بين مصر والسودان بشأن إستفتاء الودة وإنتخاب الرئيس معاً , ورفض السودان في 13 فبراير 1958 ما ورد بالمذكرة المصرية عن شمول عملية الإستفتاء لحلايب , وتضمن الرد السوداني الذي جاء علي لسان رئيس الوزراء للسفير المصري خلال لقاءهما أن منطقة حلايب أرض سودانية بموجب تعديلات إتفاقية الحكم الثنائي والتفاهمات التي تلتها وللإجراءات العملية والإدارية التي قام بها السودان في المنطقة خلال فترة الحكم الثنائي وسنوات الحكم المدني الأولي , وبالفعل قدم المندوب السوداني شكوي بلاده رسمياً في 20 فبراير 1958 لمجلس الأمن الدولي تطلب حكومة السودان من المجلس الدعوة للإجتماع ” لمناقشة الوضع الخطير القائم علي الحدود المصرية / السودانية ” وأشار نص الشكوي إلي ” هذا الوضع الناشئ عن تركز كثيف للقوات المصرية وتحركها بإتجاه الحدود السودانية ” وفي خطاب مُرفق بالشكوي طلبت الحكومة السودانية من مجلس الأمن بذل مساعيه الحميدة لوقف الإعتداء المصري الوشيك , وبسرعة دعا مجلس الأمن مصر والسودان في 21 فبراير 1958 لحضور مناقشة المسألة , وفي الإجتماع أشار ممثل السودان إلي ” أنه وفي 21 يناير 1958 طالبت مصر بأن تُسلم إليها منطقتين علي الحدود المصرية السودانية واللتين شكلتا جزءاً من السودان في نصف القرن الماضي , وفي 13 فبراير قالت مصر انها تنوي ضم سكان هذه المناطق في الإستفتاء الشعبي في 21 فبراير واخطرت الحكومة المصرية في 16 فبراير بأنها سترسل لجنة إنتخابية يصاحبها حرس الحدود لهذه المناطق , ولم يكن هناك وقت كاف للبت في في مسألة مهمة كهذه خاصة وأن السودان كان يُعد للإنتخابات العامة فيه في 27 فبراير , أما حكومة السودان من جانبها فقالت أنها ترحب بالتفاوض مع مصر , لكنها طلبت من مصر إرجاء النقاش فيها إلي ما بعد الإنتخابات السودانية ” .
أشار مندوب مصر لدي الأمم المتحدة السفير عمر لطفي في إجتماع مجلس الأمن المُشار إليه إلي أنه يأسف للمذكرة المُتسرعة بشأن هذه المسألة التي قدمها الجانب السوداني وأنه يشعر بأن تعبير ” العدوان الوشيك ” الذي ورد بهذه المذكرة كان مؤسفاً فليس لدي مصر قوات ماعدا حرس الحدود بقرب الحدود السودانية , وأنه وبالرغم من أن لمصر حقوق مؤسسة علي المنطقة المُتنازع عليها إلا أنها فضلت دائماً تبني موقف ينم عن التسامح والصداقة إزاء السودان , وقام المندوب المصري بإخطار الأمين العام للأمم المُتحدة أن مصر ستتبني موقفاً سلمياً ينم عن حسن الجيرة تجاه السودان وستتجنب أي تصرف أو بيان لا يتفق وهذا الموقف وأشار إلي أن الحكومة المصرية أجلت تسوية مسألة الحدود حتي ما بعد الإنتخابات السودانية , وفي إيجازه للمناقشات بشأن هذه المسألة أشار رئيس مجلس الأمن أنها ستظل علي أجندة المجلس .
لكن مصر أصرت علي إجراء الإستفتاء علي الوحدة مع سوريا وإنتخاب الرئيس عبد الناصر في منطقة حلايب ونتوء حلفا وبالفعل أخطرت الخارجية المصرية السفير السوداني بالقاهرة في 16 فبراير 1958 بأنه قد تم بالفعل إرسال لجنة إنتخابات ووحدة من حرس الحدود للمناطق المُتنازع عليها , وقرر مجلس الوزراء السوداني في إجتماعه بإتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية سيادة السودان علي أرضه وكان من بين هذه الإجراءات إجراء إتصالات علي أعلي مستوي وأن يقوم رئيس الوزراء السوداني بإجراء إتصال بالرئيس جمال عبد الناصر ورفع الأمر للجامعة العربية وإعلام الشعب السوداني , وحاول رئيس وزراء السودان عبد الله خليل الإتصال بالرئيس عبد الناصر في 17 فبراير 1958 فلم يتمكن لوجود الرئيس عبد الناصر في مكان غير معلوم وتم إجراء الإتصال مع وزير الداخلية زكريا محي الدين وطلب منه رئيس الوزراء السوداني نقل رغبة الحكومة السودانية للرئيس عبد الناصر في إرجاء مصر إتخاذ إجراءات الإستفتاء في المناطق المُتنازع عليها إلي ما بعد إجراء الإنتخابات السودانية مع إستعداد السودان للدخول في مفاوضات حول النزاع عقب إنتهاء الإنتخابات السودانية , وفي مساء هذا اليوم أذاع مجلس وزراء السودان بيان تضمن عزم حكومة السودان علي الدفاع عن الأراضي السودانية خاصة وأنه قد تم إكتشاف المعادن في منطقة حلايب وأن ذلك كان من بين الأسباب الكامنة وراء إدعاء مصر بشأن هذه المنطقة , وقامت الحكومة السودانية بإرسال جنود للمنطقة , إنسحبت القوة المصرية من حلايب وعاد الموقف في المنطقة لهدوءه المعتاد , لكن منذ 20 فبراير 1958 وحتي أيامنا هذه تحرص حكومة السودان علي تجديد تقديمها لهذه الشكوي بمجلس الأمن الدولي ,وكان آخر تصريح بشأن هذا الموقف ما أدلي به وزير الدفاع السوداني ونقلته وكالة ” أناضول ” في 15 أبريل 2014 وقال فيه ” إن موضوع النزاع السوداني المصري بشأن حلايب مازال مُدرجاً علي أجندة الأمم المتحدة وستستمر السودان في تجديد شكواها في هذا الشأن ” , ظل النزاع علي حلايب بين حركتي مد وجزر , ففي بدايات عهد الرئيس جعفر نميري قررت حكومة السودان إنشاء ما يُسمي بمحافظة حلايب بالرغم من العلاقات المتنامية بين السودان ومصر آنذاك إلي أن إختفت أو كادت مشكلة حلايب بتطبيق تجربة التكامل بين مصر والسودان والتي في إطارها عقدت اللجنة الوزارية العليا المُشتركة بين مصر والسودان دورتها السادسة بالأسكندرية في الفترة من 27 إلي 29 يونيو 1978 وبعد أن أستعرضت هذه اللجنة ما تم بشأن القرارات والتوصيات التي أتخذتها في إجتماعها الخامس وكذا تقارير اللجان الفنية بالإضافة لما تم في الإجتماعات الثنائية بين الوزراء المختصين إنتهت لإتخاذ عدة قرارات كان من بينها أن تشمل المنطقة المُتكاملة بين البلدين الحدود الجغرافية لكل من محافظة أسوان والمديرية الشمالية كاملتين بالإضافة لقرارات هامة أخري تُعمق التكامل .
في عهد الرئيس الأسبق مبارك عادت العلاقات المصرية / السودانية لأجواء التوتر والإلتهاب ثانية ,وكان ذلك لأسباب مختلفة أكثرها خطورة وتأثيراً الخلاف المنهجي في الهوية التي يعتنقها النظامين السياسيين فقد أعلن السودان بعد الإطاحة بالنظام الديموقراطي المُنتخب ( حكومة الصادق المهدي) في 30 يونيو 1989 أنه مسئول عن “مشروع إسلامي حضاري” , وهو أمر يقاومه النظام المصري الذي لم يُستدل علي هوية ما له طيلة 30 عاماً قضاها في حكم مصر , وبالتالي كان النزاع علي حلايب بإعتباره أضعف حلقات العلاقات المصرية / السودانية نطاقاً مناسباً لإظهار كلا النظامين بأسه للنظام الآخر , وهذه المرة أخذ هذا النزاع سمة أكثر خطورة إذ بعد دخول القوات المصرية لحلايب في مارس 1992 إقترب البلدان من الإشتباك عسكرياً وهو ما حدا بهما للإتفاق علي التباحث بشأن حلايب (وليس التفاوض) فعقدت لجنة حلايب أول إجتماع لها بالقاهرة في 16 مارس ثم عقدت إجتماعاً ثانياً في القاهرة في الفترة من 27 إلي 31 أكتوبر 1992 ولم تحسم النزاع بطبيعة الحال , لأنه في تقديري أنه وبعد الإنتشار العسكري المصري في مارس 1992 كان لابد للبلدين كل وفقاً لإعتباراته فتح ثغرة في الجدار الفاصل بينهما لتجنب الخيار العسكري الذي سيكون سابقة غير مقبولة نظراً للطبيعة شديدة الخصوصية التي تميز علاقتهما , لكن أيضاً تجب الإشارة إلي أن هناك طبقات سلبية متبادلة في العلاقات المصرية السودانية تكونت منذ الثورة المهدية التي إشتعلت لمدة أربع سنوات أي بين 1882 إلي 1885 وحتي أيامنا هذه , ولما لم تحقق الجولة الأولي ولا الثانية للجنة المُشتركة بشأن حلايب نتيجة إيجابية لتسوية النزاع فقد عُقدت دورتها الثالثة والأخيرة بالخرطوم في الفترة من 22 إلي 24 فبراير 1993 وقد حضرتها وتابعت مجرياتها , وقد إستهل رئيس الجانب السوداني الدورة بأن ذكر ” أن إختصاصات اللجنة المشتركة تنحصر في تدارس المهام المُوكلة إليها والتقدم بتوصياتها للجهات العليا بالبلدين وأنها ” تؤمن علي آراءها ومقترحاتها التي عبرت عنها في الجولة الثانية من المباحثات التي عُقدت في القاهرة في الفترة من 27 إلي 31 أكتوبر 1992 والتي وردت روحاً ونصاً في المحضر المُوقع عليه من رئيسي الجانبين , وأن الجانبان يؤكدا حرصهما علي تسوية الخلافات القائمة أو أي خلاف قد ينشا بينهما بالتفاوض المباشر وفي إطار اللجنة وفي ظل الحرص الدائم علي تجنب أي تصعيد لهذه الخلافات وتسويتها في إطار ودي بما يحفظ مصلحة الشعبين الشقيقين , وأنه من الضروري وقف كافة أو مختلف الحملات الإعلامية التي تؤثر سلباً علي مناخ العلاقات بين البلدين والعمل علي تهيئة الظروف الملائمة لإزالة مظاهر التوتر وتكريس الإيجابيات , كما أن اللجنة تؤكد ضرورة الإسراع في تكوين لجنة الإتصال المُشار إليها في البند ثانياً من محضر إجتماعها السابق علي أن تباشر عملها فوراً , وأنه مطلوب التوصل لوثيقة سرية ليست للنشر أو التداول وكذلك إصدار بيان صحفي ” , وواصل رئيس الجانب السوداني قائلاً ” يؤكد الطرفان بأنهما لا يسعيان لحل الخلاف بالوسائل العسكرية فمن وجهة نظرنا ان تسوي موضوعاً بشكل عسكري ونحن نحرص علي تسوية سلمية ولذلك حرصنا علي ان نشير في البيان إلي أن الطرفان يؤكدان حرصهما علي تسوية الخلافات القائمة أو التي قد تنشأ من خلال التفاوض المباشر بين البلدين وفي إطار اللجنة المُشتركة وفي ظل الحرص الدائم علي تجنب أي تصعيد لهذه الخلافات وتسويتها في إطار ودي بما يحفظ مصلحة الشعبين ” , لكن اللجنة لم تحقق شيئاً غير إبعاد إحتمالات الصدام العسكري فقط .
يظل النزاع علي حلايب نشطاً طالما ظلت جذور الخلاف المنهجي في العلاقات الثنائية بين مصر والسودان وهذا الخلاف أضيف إليه بعد أكثر خطورة بدعم السودان لإثيوبيا في إقامة سد النهضة بتصميمه الخلافي مع مصر بالرغم من السودان مُرتبط بإتفاقية ثنائية هي الوحيدة التي تربط دولتين من دول حوض النيل العشر , أعني إتفاقية الإنتفاع الكامل بمياه النيل المُوقعة بينهما في 8 نوفمبر 1959 , وهذه الإضافة فاقت – بالنسبة لمصر – خطورة التنازع المصري/السوداني علي السيادة علي حلايب , لكن ضيق قنوات الحوار وضعف الأداء السياسي المصري وإستثمار إثيوبيا لتنامي الخلافات المصرية / السودانية جعل ملفي سد النهضة وحلايب متداخلين بشكل أصبح فك الإرتباط الناشئ بينهما “عمل صعب” , فلم تكن الفترة ما بين 30 يونيو 2013 والوقت الراهن بإستثناء في ظلالها القاتمة المُخيمة علي العلاقات الثنائية , ولم يتراجع السودان عن ميله للتباعد عن مصر إذ لم يجد جديد موضوعياً في سياسة مصر تجاه السودان حتي يحدث تغيير ثوري يعيد العلاقات لطبيعتها المُميزة , لكن ظلت العلاقات السودانية / الإثيوبية تسحب أرصدة علاقات مصر بالسودان لتضيف قوة وثراء للعلاقات الإثيوبية / السودانية التي تتطور وتقوي بقوة بحيث أصبحت هذه العلاقات إستراتيجية في الوقت الذي فيه العلاقات المصرية / السودانية تكتيكية وتعيش يأسلوب From Hand to Mouth , ومن بين أمثلة عديدة متنوعة لمظاهر إستمرار التباين في النزاعين الحدودين للسودان مع مصر وإثيوبيا ما يلي :
– أعلن السودان في 21 ديسمبر 2017 عن أنه سيُخطر الأمم المتحدة رسمياً رفضه لإتفاق ترسيم الحدود البحرية بخليج العقبة والبحر الأحمر , وهو الإتفاق الذي وقعته مصر والسعودية بالقاهرة في 8 ابريل 2016 لعلاقته بالحدود البحرية بين مصر والسودان أمام ساحل حلايب علي البحر الأحمر , وأوضح الناطق باسم الخارجية السودانية أن الخطاب الذي سيُرسل للأمم المتحدة سيُشير إلي أن” حكومة السودان تعلن عن إعتراضها ورفضها لما يُعرف بإتفاق تعليم وترسيم الحدود البحرية بين مصر والسودان والذي وُقع بالقاهرة في 8 أبريل 2016 , …. ويؤكد السودان إعتراضه الكامل علي بما فيها من تعيين الحدود البحرية المصرية تعيين الاتفاقية للحدود البحرية المصرية بما في ذلك إحداثيات النقاط البحرية التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من الحدود البحرية لمثلث حلايب السوداني ” , من جهة أخري أشار وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور إلي أن بلاده دخلت في مباحثات مُؤخراً مع الرياض في شأن التناقض الواضح بين هذه الاتفاقية والإتفاقية المُوقعة بين السودان والسعودية في عام 1974 بشأن الاستكشاف والإستغلال المشترك للموارد بالمنطقة الواقعة بين البلدين بالبحر الأحمر , فيما أعلن الناطق باسم الخارجية المصرية رفضها للخطاب المُشار إليه والمرسل من حكومة السودان للأمم المتحدة وتأكيه علي أن حلايب وشلاتين مناطق تحت السيادة المصرية يسكنها مصريون .
– صرح إبراهيم الغندور نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالسودان في 8 يناير 2015 بأنه وفي إطار تنظيم الحكومة السودانية للإنتخابات العامة في أبريل 2015 بحلايب ” التي ستجري بالجزء الذي تسيطر عليه الحكومة السودانية منها ” (وهو الجزء الواقع جنوب خط 22 درجة شمالاً وهي منطقة خارجة عن مثلث حلايب المُتنازع عليه) , وهي الإنتخابات التي أشار مختار العصام رئيس هيئة الإنتخابات السودانية هذه الإنتخابات في نوفمبر 2014 أن الهيئة أنشأت لها 35مركز إقتراع بدون أن يحدد مواقعها .
– أعربت الحكومة السودانية في 18 ديسمبر 2017عن غضبها حيال خطط أعلنتها وزارة الري والموارد المائية المصرية لإقامة سد للتحكم والسيطرة وجمع مياه الأمطار في أودية وخيران منطقة شلاتين بحلايب , ذلك أن سامح صقر رئيس قطاع المياه الجوفية بوزارة الري المصري أدلي بتصريح لوكالة انباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية أشار فيها إلي أنه سيجري إقامة سد بقدرة حجز 7 مليون متر مكعب مياه بإرتفاع 12 متر بهذه المنطقة وأنه سيكون الأكبر بالصحراء الشرقية لمصر , وقد جاء تصريح مسئول الري المصري بعد أيام قليلة من تصريح ادلي به وزير الخارجية السوداني في مقابلة صحفية مع صحيفة” الشرق الأوسط” السعودية أعاد فيه التأكيد علي سودانية منطقة حلايب مُشيراً إلي أن بلاده دعت مصر للتفاوض أو اللجوء للتحكيم الدولي وقال” نأمل في أن أخواننا المصريين سيقبلون التفاوض , كما فعلوا مع أشقاؤنا السعوديين في موضوع جزيرتي تيران وصنافير , أو اللجوء للتحكيم الدولي كما فعلوا مع إسرائيل في شأن منطقة طابا , فكلا الخيارين سيمنعان أي مشاكل في علاقاتنا الأخوية” لكنه أضاف قوله ” سوف لا نجعل حلايب تسبب الضرر في علاقاتنا مع مصر , وعلي أية حال سوف لا نتنازل عنها ” .
– خلافاً للسلوك السياسي والأمني السوداني في ملف النزاع الحدودي مع مصر يميل السودان علي مختلف الأصعدة السياسية والأمنية إلي تدنية وتهوين أمر الخلاف الحدودي بينه وبين إثيوبيا خاصة في القضارف ومنطقة الفشقة علي نحو خاص والتي يقوم المزارعين الإثيوبيين بزراعتها تحت حماية القوات الإثيوبية وتعتبر خارج سيطرة السودان وتبلغ مساحتها 250 كم مربع يُزرع فيها نحو 600,000 هكتاروهي أرض شديدة الخصوبة ويخترقها أنهر ستيت والعطبرة وبسلم وذلك منذ بداية تسعينات القرن الماضي حتي وقت قريب , ففي مؤتمر صحفي مُشترك في ختام زيارة زيارة رسمية إستغرقت 3 أيام للخرطوم قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي Hailemariam Desalegn في 17 أغسطس2017 نفي الرئيس السوداني أن يكون هناك ثمة نزاع حدودي مع إثيوبيا فالبلدان يعملان علي تعزيز العلاقات الثنائية وتحقيق التكامل الإقليمي , ثم أوضح ما نصه” هناك إتفاق تام علي ترسيم الحدود وليس هناك ثمة عدم إتفاق علي شروط واختصاصات الترسيم بين البلدين , وكل ما تبقي هو وضع علامات الحدود في مكانها ,” وأشار إلي أن هناك آلية عالية المستوي ومُشتركة ترأسها مع رئيس الوزراء الإثيوبي بالإضافة إلي آليتين وزارية وفنية للأمن وأخري إقليمية لحماية الحدود بين البلدين . * (Sudan Tribune .17 أغسطس 2017)
– تُعقد إجتماعات اللجان الأمنية والعسكرية المُشتركة المُتعلقة بأمن الحدود المُشتركة بصفة تكاد وأن تكون مُنتظمة آخرها اللجنة المُشتركة المكونة من سلاحي مُشاة البلدين التي عقدت دورتها السابعة والعشرين بولاية كسلا بشرقي السودان في مارس 2018 التي عُقدت في 14 مارس 2018 , كذلك عقدت اللجنة الأمنية المُشتركة علي مستوي المنطقتين الحدوديتين لولاية القضارف ومحافظة Amhara الإثيوبية إجتماعها الأخير في أكتوبر 2017بمدينة بحر دار الإثيوبية , وهو الإجتماع الذي في نهايته رفعت توصية بإنشاء قوة مُشتركة علي طول الحدود المُشتركة (سبق وأن اقترح في الإجتماع 14 للجنة الفنية المُشتركة في مارس 2016 بالخرطوم موضوع إنشاء وحدات حدودية مُشتركة) , وهو نفس الإقتراح الذي قدمته السودان للجانب المصري , ولم يرد عليه إيجاباً حتي الآن , ويجدر بالذكر أن محافظ منطقة Amhara الإثيوبية جدد في الإجتماع جدية الحكومة الإثيوبية في وقف كل الإعتداءات التي يقوم بها المزاعين الإثيوبيين بالأراضي السودانية ومحاربة كافة أنواع التهريب للسلع وللسلاح والمخدرات . * (Sudan Tribune .10 أكتوبر 2017)
عند إسقاط مسألة النزاع الحدودي بين السودان وكلا من إثيوبيا ومصر سيجد المرء – كما أشرت – مفارقة كالتي نجدها عند إسقاط النزاع الحدودي بين مصر وإسرائيل بشأن ” طابا ” علي الحالة المصرية مع السودان , فكلا من مصر والسودان بدرجة أو بأخري لم يتعاملا في شأن نزاعهما الحدودي بالأسلوب الودي الذي ميز تعاملهما في نزاعهما الحدودي مع إسرائيل وإثيوبيا علي التوالي , صحيح أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وفرت مرجعية لا مناص من اللجوء إليها في التفاوض ثم التحكيم في شأن نزاع طابا الذي تعلق بمواضع علامات حدودية , إلا أن علاقات مصر والسودان مرجعيتها أكثر صلابة بل أكثر عمقاً لأنها لم تُكتب علي أوراق بل كُتبت علي صفحة الحياة نفسها فدائما ما يصفها مسئولي مصر والسودان بالأزلية وهي صفة لا يمكن توفرها بأي حال في علاقات مصر بإسرائيل الدولة التي أُنشأت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المُتعلق بتقسيم فلسطين رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 .
جدير بالإشارة إلي أنه وفي إطار تنسيق المواقف وتبادل التأييد والدعم السياسي المُتبادل ما بين السودان وإثيوبيا , وبالرغم من عدم تسوية النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان بصفة رسمية , فإننا نجد تصريحاً أدلي به Della Medicin نائب وزير الخارجية الإثيوبي لوكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية Ethiopia News agency أوضح فيه ” إن منطقة حلايب قد أدارتها السودان منذ عام 1956 وأنها كانت موضوعاً لإتفاقيات بين السودان والرئيس المصري الأسبق حسني مبارك , إذ أن المنطقة كانت نطاقاً لترتيبات تعاون مُشترك , وإذا ما كانت السودان ومصر تريدان بصدق تنمية المنطقة , فيلزم أولاً الإتفاق علي أنها تنتمي للسودان ووقتها يمكن وضع إتفاقات مُنفصلة بشأن الإستخدام الممكن لها ” ثم أردف فأشار إلي ” أن الوثائق التاريخية تثبت أيلولة المنطقة للسودان الذي أودع شكواه ضد مصر في هذا الشأن لدي مجلس الأمن الدولي عام 1958 ويجددها كل عام أملاً في أن يُطرح النزاع يوماً علي محكمة العدل الدولية” . * (موقع MIDDLE EAST MONITOR في 18 مايو 2017)
العلاقات التجارية بين السودان وكل من مصر وإثيوبيا :
يعكس مستوي التبادل التجاري وعلي مدي أوسع تعكس العلاقات الإقتصادية بين الدول الثلاث درجة نمو العلاقات السياسية , وإذا ما أعتبرنا السودان هو القاسم المُشترك في منظومة العلاقات الثلاثية التي تشمل مصر والسودان وإثيوبيا , فإننا والحالة هذه قد نتبين مستوي العلاقات السياسية بأقصي درجة وضوح من تتبع التبادل التجاري بين ثلاثتهم , وخلال الشهور الست الماضية حدث أن إستدعت الخارجية السودانية سفيرها بالقاهرة للتشاور في 5 يناير 2018 , وحينها طالبت العديد من الصحف السودانية بإلغاء اتفاقية الحريات الأربع التي وقعتها حكومتي السودان ومصر في الخامس من أبريل عام 2004 والتي تنص على إلغاء كافة القيود الخاصة بالحق في حرية الدخول والخروج والتنقل والامتلاك وأشارت هذه الصحف إلى أن هناك لجان وحملات شعبية تطالب بإلغاء الاتفاقية نظرا لعدم تطبيقها من الجانب المصري بحسب وصفهم , ووفقاً لتصريح أدلي به مدير إدارة مصر بالخارجية السودانية فإن مصر تأخرت في التوقيع على اتفاقية الحريات الأربع لاعتراضها على حرية التملك والتنقل للفئات العمرية ما بين 18 و49 من الرجال تخوفًا من أن تشكل تلك الفئة مشكلة أمنية , (وهو نفس الهاجس الذي بررت به القاهرة فرض تأشيرة مُسبقة لدخول مصر للسودانيين ) , وفي الحقيقة فإنه بالإضافة إلي الهاجس الأمني المُزمن فإن القاهرة والخرطوم بينهما حائط عال يمنع تناول هذه الإتفاقية وغيرها بالإيجابية الضرورية , وهذا الحائط المانع هو النزاع علي حلايب وعلاقات التحالف السوداني / الإثيوبي التي أصبحت حقيقة ماثلة والتي أصبحت من القوة بحيث جعلت من إثيوبيا والسودان قوتان إقليميتان في القرن الأفريقي , بعكس التحالف المصري / الإرتري الذي لا يُقارن بنظيره الإثيوبي / السوداني والذي يكتسب قوته من كونه لا يتضمن فقط المجال الأمني / العسكري الذي يتكون منه التحالف المصري / الإرتري بل يتجاوزه ليشمل الجوانب السياسية والإقتصادية والمائية والثقافية وبشكل عملي وتطبيقي لمعظم الإتفاقيات والبروتوكولات المُوقعة بين أديس أبابا والخرطوم وتبلغ 12 إتفاقاً منذ 2009 , ويكفي إثباتاً لذلك التطابق في الموقف السوداني مع الموقف الإثيوبي من سد النهضة .
بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان أقصاه عام 2012 حين بلغ 772 مليون دولار منهم بعد أن كان 66 مليون دولار عام 2000 , وقد إرتفعت الصادرات السودانية لمصر من 38 مليون دولار عام 2000 إلي 133 مليون عام 2012 كما إرتفعت الواردات السودانية من مصر من 27 مليون عام 2000 إلي 639 مليون عام 2012 وهو رقم أكبر من حجم التجارة بين إثيوبيا والسودان في تلك الفترة .
بلغت الصادرات الإثيوبية لمصر عام 2011 نحو 45,449,613 مليون دولار أمريكي , فيما بلغت واردات إثيوبيا من مصر عام 2011 نحو 76 مليون دولار أمريكي , ومن جهة أخري فقد بلغ مجمل التبادل التجاري لمصر والسودان عام 2000 نحو 66 مليون دولار وسجل نمواً سريعاً بحيث بلغ مجمل التبادل عام 2012 إلي 772 مليون دولار منهم 133 مليون دولار تمثل صادرات السودان لمصر , و639 مليون دولار تمثل واردات السودان من مصر , ولكن هذا الرقم إنخفض في عام 2016 , فوفقاً لتصريح أدلي بهأحمد حامد المدير بوزارة التعاون الدولي السودانية لوكالة Reuters في 27 أبريل 2017 فقد بلغ مجمل صادرات مصر للسودان 591 مليون دولار معظمها مواد غذائية وخضروات ( هناك رقم آخر لعام 2016 للواردات السودانية من مصر يبلغ 631 مليون دولار) , وهو حجم تبادلي أكبر كثيراً من الحجم التبادلي للتجارة فيما بين السودان وإثيوبيا .
تعتبر السودان ثالث أكبر مُستورد للسلع والبضائع الإثيوبية بعد الصومال وجيبوتي , أما السودان فققد بلغت قيمة صادراتها لإثيوبيا عام 2016 نحو 88,5 مليون دولار وتأتي إثيوبيا في الترتيب الرابع للصادرات السودانية بعد الإمارات والصين والهند , وقد شهد التبادل التجاري الإثيوبي / السوداني ذروته عامي 2011 / 2012 فقد بلغت الواردات الإثيوبية من السودان عام 2012 نحو 207 مليون دولار , إلا أن هذا الرقم هبط بعد إنفصال جنوب السودان عن السودان في 9 يوليو 2011 إذ بإستقلال الجنوب فقد السودان 75% من الموارد البترولية التي تتواجد بأراضي الجنوب خاصة في مناطق هجليج وعداريل والوحدة , وعموماً فقد بلغ حجم التبادل التجاري لإثيوبيا والسودان أقصاه عام 2011 حين بلغ 600 مليون دولار ثم هبط عام 2012 إلي 400 مليون دولار .
بلغ حجم التبادل التجاري بين السودان وإثيوبيا 400 مليون دولار , ويشتري السودان حالياً نحو 300 ميجاواط من الطاقة الكهربائية الإثيوبية وتوقع رفعها إلي 500 ميجاواط بعد قيام سد النهضة , وفي إطار البروتوكول الموقع بين البلدين في عام 2001 والمُنفذ في عام 2006 قام الجانبان بتجديده للمرة الثانية عام 2018عشر مُؤخراً واتفقا علي تصدير 12 ألف طن من البنزين شهرياً لإثيوبيا .
نشرت جريدة الصحافة السودانية علي موقعها بتاريخ 25 يونيو 2018 تصريحاً للخبير الاقتصادي د . هيثم محمد فتحي عضو هيئة المستشارين بمجلس الوزراء السوداني أشار فيه إلي ” اكتمال دراسة استراتيجية لربط إثيوبيا والسودان بطرق السكة الحديد ، فضلاً عن توقيع البلدين للعديد من الاتفاقيات أخيراً والدعوة لتوحيد العملة بين الدولتين ” مُنوهاً إلي أن ” آخر الإحصائيات أكدت وجود ما يقارب ستة ملايين إثيوبي في السودان تقدر تحويلاتهم إلي بلادهم بثلاثة مليارات دولار سنوياً ” , وهو ما سبق وأكده في 21 أكتوبر 2017 نائب الرئيس السوداني حسبو محمد عبد الرحمن في تصريح نشره موقع بتاريخ 22 أكتوبر 2017 بمناسبة ترأسه إجتماعات اللجنة الإقتصادية العليا الرابعة بين السودان وإثيوبيا بالخرطوم حيث قال ” إن لدي السودان استعداد للتعاون مع أثيوبيا في استخدام ميناء بورتسودان لنقل صادراتها ووارداتها، بجانب العمل على ربط البلدين بالطرق البرية والسكك الحديدية ” .
في الواقع فإن مصر والسودان وإثيوبيا لا يعتبر حجم التبادل التجاري بين ثلاثتهم مُعبراً عن المُتوقع من ثلاث دول يربط بينهم مجري نهر واحد هو نهر النيل ولا يفصل بينهم بلد رابع , لذلك ففي تقديري أن حجم التبادل التجاري بين ثلاثتهم حالياً يُعتبر مُفسراً لعدم الإستقرار النسبي في العلاقات الثنائية خاصة السياسية فمثلاً بالإضافة إلي العوامل الفنية والموضوعية نجد التبادل التجاري بين مصر والسودان دائم التعرض للهزات العنيفة في العلاقات السياسية خاصة تلك المُتولدة عن النزاع علي حلايب , فنجد إن إجتماعات اللجان المُشتركة المعنية بالتبادل التجاري تتأخر أو تُؤجل أو تُلغي أو نجد قرارات مُقيدة أو كابحة كذلك القرار الذي أعلنته حكومة السودان في نشرة الوكالة الرسمية للأنباء “ SUNA” في 30 مايو 2017 وصدر علي هيئة أمر أصدره رئيس الوزراء بكري حسن صالح يقضي بحظر كافة المنتجات الزراعية والحيوانية والتقاوي الزراعية من مصر وكذلك حظر إستخدام رجال الأعمال السودانيين للأراضي المصري في إستيراد بضائع للسودان , وجاء هذا التطور المُؤثر سلباً علي الإقتصاد المصري علي خلفية هذا القرار دورة عنيفة من توتر العلاقات الثنائية تخللها إتهام صريح وجهه الرئيس السوداني لمصر(المخابرات المصرية) بدعم شخصيات سودانية مُعارضة تقاتل القوات السودانية الحكومية بدارفور , وفي الواقع فإن العلاقات الثنائية بين مصر والسودان في شقها الإقتصادي والتجاري لم تتأثر فقط بالهزات والتوترات الثنائية المُتبادلة بل إنها تأثرت كذلك جزئياً أي في القطاع المصرفي في تسعينات القرن الماضي بسبب الحصار الإقتصادي والتجاري الأمريكي , كذلك هناك صعوبات موضوعية تعترض النموة التجاري بين مصر والسودان منها تداعيات قرار مصر تعويم الجنية المصري , كذلك فالإقتصاد السوداني هو الآخر يعاني من صعوبات جمة منها تناقص رصيد البنك المركزي السوداني من العملات الصعبة , وهو ما قد يمكن التغلب عليه أن قدمت الإمارات العربية المتحدة إيداعاً بمبلغ 1,4 مليار دولار (4 مليار درهم إماراتي) للبنك المركزي للسودان لمساعدة الحكومة السودانية علي التغلب علي الأزمة الحادة المتعلقة بموارد البنك من العملة الحرة والتي كانت أحد تداعيات إنفصال جنوب السودان في 9 يوليو 2011 إذ بسبب الإنفصال فقدت الخزينة العامة موارد من العملة الصعبة كانت تمثل 75% من مجمل هذه الموارد . * (موقع The Citizen نقلاً عن وكالة أنباء السودان في 13 مارس 2018)
من الواضح مع إستمرار الهزات ودورات عدم الإستقرار المُتتالية في العلاقات الثنائية المصرية / السودانية أن مستقبل هذه العلاقات لن تنفرج القنوات المُؤدية إليه إلا بسلوك مُتبادل يؤدي إلي تبني منهج مختلف وإيجابي يبعد أو يقلل من التأثيرات السلبية العنيفة للتباينات السياسية بين البلدين لتصل العلاقات الثنائية إلي مستوي العلاقات الإثيوبية / السودانية المُزدهرة وهذا المستوي يمثل الحد الأدني الواقعي للعلاقات المصرية / السودانية , ففي تقديري أن أسس هذه العلاقات لا تشوبها أي تناقضات طبيعية كتلك التي تشوب العلاقات الإثيوبية / السودانية والتي بالرغم من وجودها إستطاعت القيادتان في الخرطوم وأديس أبابا تجاوزها بل وتوظيفها إيجابياً لصالح العلاقات الثنائية , ومن المفارقات أن المرء يجد العلاقات المصرية / السودانية تفتقد إلي الثقة المُتبادلة وتتسم بخشية مُتبادلة أيضاً بدرجة أصبح المُشترك بين البلدين محدود جداً والولوج إلي أفق جديد ومستقبل واضح أمر في غاية الصعوبة , وربما تكفي الإشارة إلي أنه قبل إصدار قرار حكومة السودان لقراره المُتعلق بفرض الحظر علي إستيراد كل المنتجات الزراعية والحيوانية المصرية في 30 مايو 2017 وفي إطار زيارة رسمية إستغرقت 3 أيام قام بها الرئيس السوداني عمر البشير لإثيوبيا وأجتمع برئيس وزراءها Hailemariam Desalegn أعلنا في مؤتمر صحفي هناك في 4 أبريل 2017 عن إتفاقهما علي إقامة منطقة تجارة حرة وخط سكك حديدية وعلي الإستخدام المُنصف لمياه النيل , بل إن المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية ومركز الإعلام السودانية ونقلت عنهما وكالة للأنباء Reuters في 8 مايو 2018 أن الرئيس السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي Abiy Ahmedخلال زيارة الأخير للخرطوم إتفقا علي صفقة بموجبها تقوم البلدان بتطوير ميناء بورسودان السوداني المُطل علي البحر الأحمر لتسخدمه إثيوبيا الدولة الحبيسة , ووفقاً للمتحدث باسم الخارجية الإثيوبية Meles Alem فإن إثيوبيا بموجب هذه الصفقة التي لم تُكشف تفاصيلها المالية بعد ستكون شريكاً للسودان في إستخدام الميناء وأن إثيوبيا سيكون لها كلمة في تقرير رسوم المناولة , وقد جاء هذا الإتفاق مع السودان بعد إنهاء إثيوبيا لإتفاق مماثل مع جيبوتي في إطار سياستها لتنويع وصولها لموانئ بدول الجوار ولفك عزلتها البحرية ودعم إقتصادها , كذلك سبق إتفاق إثيوبيا مع جيبوتي إتفاق آخر أنهته مع الصومال ينص علي حصول إثيوبيا علي حصة تبلغ 19% بميناء بربرة الصومالي .
نتيجة :
أتاح تردي العلاقات المصرية / السودانية بصفة مُنتظمة منذ مُستهل تسعينات القرن الماضي وإلي الآن حيزاً يتسع يوماً بعد يوم لتبلور العلاقات الثنائية الإثيوبية / السودانية لتأخذ صفة التحالف , هذا التحالف الذي لفرط قوته ونموه وفر أسباب تطور العلاقات المائية والعسكرية والأمنية والإقتصادية مُحاطة بتنسيق سياسي علي مختلف المستويات , وهو تخاف يأتي خصماً من رصيد كان وفيراً للعلاقات المصرية / السودانية إلا أن هذه العلاقات لأنها أُديرت علي هدي نظرة أمنية كانت تُلقي الضوء علي نقاط محدودة , لذلك توترت وضاق أفقها مما جعل ملف تنازع السيادة علي حلايب يشل ويغل أيدي الساسة المصريين والسودانيين كنتيجة لإنقاذ العلاقات الثنائية من السقوط في وهدتها السحيقة الحالية ذلك السقوط الذي إستغلته إثيوبيا أيما إستغلال وأستفاد منه السودان مُجبراً أو مُختاراً بنسج علاقات تحالف مع إثيوبيا التي تتحرك بوعي إستراتيجي حالياً في محيطها بداً بالسودان ثم حالياً مع إرتريا لتضييق مساحة المناورة أمام السياسة الخارجية المصرية فبعد نحو 20 عاماً من الصراع المكشوف بين أرتريا وإثيوبيا أعلنت إثيوبيا قبولها التام لإتفاق الجزائر للسلام الموقع في 12 ديسمبر 2000 بينهما وبه مادة نصت علي تكوين لجنة مُشتركة للحدود EEBC كان أحد قرارتها منح مدينة Badme الحدودية لأرتريا وهو ما لم تنصاع إلي تنفيذه إثيوبيا آنذاك , لكن الإعلان الإثيوبي في 5 يونيو 2018 عن أن إثيوبيا ستقبل إتفاق السلام المُوقع بالجزائر كاملاً غير منقوص يعتبر خطوة كبري نحو إنهاء حالة الصراع المُميت مع أرتريا وقرب طي هذه الصفحة نهائياً , ولقد جاء الإعلان الإثيوبي في سياق عملية إصلاح سياسي وإقتصادي يقوم بها رئيس الوزراء الإثيوبي Abiy Ahmed وترافق مع الإعلان رسمياً عن إنهاء حالة الطوارئ بإثيوبيا مما أضاف مصداقية للقرار الإثيوبي المُشار إليه , والذي لم ترد عليه القيادة الأرترية إلا بعد نحو أسبوعين من صدوره ففي 20 يونيو أعلن الرئيس الأرتري عن ” أنه سيرسل وفداً لأديس أبابا للوقوف علي التطورات الجارية مباشرة وبعمق ولوضع خريطة خطة من أجل العمل المُستمر مُستقبلاً ” , فهذه الخطوة الإثيوبية يُضاف إليه تحرك سياسي مماثل وإن كان مختلفاً في أطرافه وطبيعته قامت به القيادة الإثيوبية الجديدة في إتجاه إنهاء الحرب الأهلية الدموية بجنوب السودان والمُستمرة منذ 15 ديسمبر 2013 حتي الآن وأستقطبت أطراف إقليمية منها من يدعم نظام الرئيس Salva Kiir Mayardit كحالة مصر ومنها من يدعم خصمه Riek Machar كحالة السودان بالرغم من تأكيده علي حياديته , فقد دعت إثيوبيا Kiir و Macharلزيارة أديس أبابا في 20 يونيو 2018 للتفاوض مُجدداً لمحاولة إنهاء الحرب الأهلية التي مزقت جنوب السودان , وبالرغم من أن الناطق باسم حكومة جنوب السودان Michael Makuei أعلن في 22 يونيو 2018 وبعد يوم واحد من لقاء Kiir و Machar برعاية رئيس الوزراء الإثيوبي عن فشل هذه المحاولة ورفض حكومة جوبا لأن يكون Machar عضواً بأي حكومة إنتقالية , إلا أن التحرك الإثيوبي فيما يتعلق بالموافقة الإثيوبية التامة علي التنازل عن مدينة Badme الحدودية المُتنازع عليها لأرتريا تنفيذاً لإتفاقية الجزائر وتجديد محاولة الوساطة والتوصل لحل تفاوضي للأزمة السياسية بجنوب السودانية وإنهاء الحرب الأهلية هناك , هذا التحرك حظي بتأييد ودعم من السودان وجيبوتي فقد أشار بيان صدر عن الخارجية الإثيوبية في 8 يونيو 2018 إلي أن كل من السودان وجيبوتي أعربا عن دعمهما القوي لحكومة إثيوبيا بشأن إلتزامها الحالي بالموافقة الكاملة علي تنفيذ قرار اللجنة الإثيوبية / الأرترية للحدود EEBC ” بشأن أيلولة مدينة Badmeلإرتريا , ” أن وزيري خارجية السودان وجيبوتي أشارا إلي أن الدور الإثيوبي ضخم فيما يتعلق بضمان السلام والإستقرار في القرن الأفريقي ” , فيما لم يصدر عن مصر رد فعل بشأن هذا التحرك الإثيوبي , وهو ما يشير إلي أن تحركات إثيوبيا مع السودان وكذلك مع الإقليم “القرن الأفريقي” قلصت من مجال التحرك السياسي المصري مع السودان وفي نطاق هذا الإقليم , مما يجعل من فرضية التقارب المصري / السوداني أقل إحتمالاً وهو ما سيساهم في المزيد من فقدان الثقة والخشية المُتبادلة بين مصر والسودان الذي هو الآخر يتحرك في القرن الأفريقي محيطه المباشر كأثيوبيا بحرية ومرونة وهو ما لا يتوفر لمصر التي يحرمها المستوي العالي والإستراتيجي من التنسيق بين إثيوبيا والسودان في مجالات المياه “سد النهضة” والمجالات العسكرية والإقتصادية وغيرها من الحركة الحرة في كل هذه المجالات , فلا حليف لها في منطقة القرن الأفريقي , وربما يوفر لها الرئيسين الأوغندي Yoweri Museveni و Salva Kiir Mayardit بديلاً لكنه ليس كافياً لإحتياجات مصر الإستراتيجية فملف مياه النيل لا يملك لاMuseveni و لا Kiir قول حاسم فيه فهو بيد التحالف الإثيوبي / السوداني الذي من الواضح أنه يسجل تقدماً سيؤثر بالسلب علي مصالح مصر الإستراتيجية علي إتجاهها الجنوبي وفقاً للمصطلح العسكري المصري .
إن مصر بحاجة إلي تخطيط سياسي مختلف بصفة منهجية جذرية لإستعادة المساحات التي تفقدها في أفريقيا وخاصة بمنطقتي حوض النيل و القرن الأفريقي فهما الأخطر علي أمنها القومي , فحالة التحالف الإثيوبي / السوداني دالة مؤكدة علي ذلك .
الـــــســــفـــيـــر بـــــلال الـــمـــصـــري – القــاهـــرة تحريراً في 25 يونيو2017
رابط المصدر: