فقه الأولويات

بهاء النجار

عادة تكون المسائل الابتلائية التي يمر بها المؤمنون هي تلك المسائل التي تتعارض بين أمرين فإما أن يقدِّم الأمر الأول ويقصّر بالأمر الثاني أو بالعكس ، فقد يكون الأمر الأول حرام والأمر الثاني واجب فالى من نلجأ ؟ وإلا فالمسائل الاعتيادية التي لا تتعارض مع غيرها فتكون أبسط بل ويمكن معرفة جوابها من خلال الرسائل العملية للفقهاء ، لذا كان من المهم بمكان أن نتعرف على بعض أساسيات التمييز بين هذه المسائل وأولوية إحداها على الأخرى .
تُقسم الأحكام الفقهية – كما هو معلوم لدى كثيرين – الى خمسة أقسام : واجب ، مستحب ، مباح ، مكروه ، وحرام ، فمن الممكن أن يقع المؤمن في مسألة ابتلائية بين أمرين أحدهما واجب والآخر مستحب ، فبالتأكيد سيتم تفضيل الواجب على المستحب ، طبعاً إذا كان بالإمكان الجمع بينهما فهو الأفضل ، ولكن لا بد لنا من معرفة الواجب من المستحب من المكروه من الحرام من المباح حتى نتمكن من تحقيق الأولوية ، وهناك أسس لا بد من معرفتها حتى نتوصل الى القرار الصحيح ، ومن هذه الأسس :
1) أن نعرف الحكم من رجال الدين المختصين بهذا الشأن وخصوصاً مراجع الدين أعلى الله مقامهم ، فنميز الواجب من المستحب من المكروه من الحرام من المباح .
2) أن نفضّل المسألة ذات البعد الاجتماعي على تلك التي ذات بعد فردي ، فمثلاً إذا عُرِض أمامنا أمر عبادي فردي (مثلاً صوم مستحب أوصلاة مستحبة) والذي يمكن أن يتزاحم مع أمر اجتماعي (مثل القيام بوظيفة منزلية مستحبة معينة ) فيكون تقديم الأمر الاجتماعي الذي فيه منفعة للآخرين على ذلك الأمر العبادي الفردي ، وإذا تمكن الشخص من أداء الأمرين معاً فهذا هو الأفضل والأكمل .
أو في بعض الأحيان يقوم أحدهم بصيام يوم مبارك للحصول على الثواب وبسبب هذا الصيام يتعب جسمه ويشعر بالصداع فيؤثر على علاقاته الاجتماعية والأسرية ، لذا فيجب أن لا يؤثر هذا الصيام المستحب سلباً على العلاقات الاجتماعية التي تعتبر في كثير من الأحيان واجبة أو مستحبة استحباباً مؤكداً فضلاً عن آثارها الوضعية .
3) أن نعطي الأولوية للمسائل العاجلة والمهمة على غيرها ، ففي علم الإدارة تُقسّم الأمور الى أربع أقسام :
– مهم وعاجل
– عاجل غير مهم
– مهم غير عاجل
– غير مهم غير عاجل
فتُقدم الأمور المهمة والعاجلة على غيرها من الأمور وتؤخر الأمور غير المهمة وغير العاجلة عن باقي الأمور ، بقي أن نعرف أن الأمور العاجلة تقدم على غير العاجلة حتى وإن كانت الثانية أهم من الأولى ، فمثلاً أداء الصلاة في وقتها أمر مهم لكنه غير عاجل إذ يمكن تأخيرها إذا طرأ أمر عاجل حتى وإن كان غير مهم بأهمية الصلاة مثل مرور فقير يطلب الصدقة ، فالصلاة من حيث الأهمية أهم من الصدقة لأن الصلاة واجبة والصدقة مستحبة ، ولكن تقديم الصلاة في مثل هذه الحالة قد تفوّت علينا ثواب الصدقة فنقدم الصدقة على الصلاة .
4) تقديم الأهم على المهم : فالأهم هو الالتزام بالأمور الواجبة وترك الأمور المحرمة ، ثم يأتي الالتزام بالمستحبات وترك المركوهات ، ثم العمل بالمباحات ، وتقديم الأوجب على الواجب والاستحباب المؤكد على المستحب ، وترك الحرام على ترك الأكثر حرمة ، وهكذا .
5) تقديم الأمور الإنسانية على باقي الأمور : حيث يروى أن مصلياً رأى ديكاً بيد أطفال ينزعون ريشه وهو يصيح إلا أن ذلك المصلي بقي على صلاته من دون الاكتراث لما يحصل بالديك ، فكان ذلك سبباً لغضب الله عز وجل ، فالعمل الإنساني يثاب عليه الإنسان حتى وإن كان غير مؤمن ، فينبغي أن لا يترك العمل الإنساني بأي حال من الأحوال .

مما تقدم تتبين خارطة الطريق لكل مؤمن في الالتزام بالأمور الشرعية من دون الوقوع في محذور أو التقصير في عمل ممدوح ، وحتى يكون الطرح أكثر وضوحاً سأطرح بعض المسائل وعلى القارئ أن يميز أي الأمور تقدم على غيرها :
* لو كان هناك إنسان يغرق ويحتاج الى إنقاذه استخدام معدات ووسائل لشخص ثالث فهل يُقدم إنقاذ الشخص الغارق على الاستئذان من صاحب المعدات الوسائل لاستخدامها في الانقاذ أم العكس ؟
* لو حان وقت الصلاة وأراد الموظف أن يؤدي الصلاة ولكن هذا سيؤخر معاملات المواطنين بحيث أن تأخيرها سيضر بهم ، فأيها يقدم الصلاة أم إكمال المعاملات ؟
* لو شنّ الأعداء هجوماً على المقدسات وكان الدفاع لصد هذا الهجوم واجباً كفائياً وأراد أحد المؤمنين أن يشارك في هذا الدفاع المقدس إلا أن أبواه يمنعانه من الذهاب بحيث يتأذيان من ذهابه ، فهل يلتزم بالدفاع أم يلتزم بطاعة والديه ؟ أو كان عليه دين هل يقدم تسديد الدين أم تلبية الواجب الكفائي ؟
* لو أرادت إمرأة مؤمنة أن تذهب الى زيارة الإمام الحسين عليه السلام – مثل زيارة الأربعين – ورفض زوجها ذهابها فهل تسمع لكلام زوجها أم تلتزم بالذهاب الى الزيارة ؟
* لو عُرِض أمام مؤمن أمر مختلف في حليته أو حرمته ، فهل الأفضل أن يبتعد عنه أم يلتزم به ؟
* لو أراد مؤمن أن ينصب موكباً في طريق زوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام ليقدم لهم الخدمة وكان عليه مستحقات مالية مثل الخمس أو الزكاة أو دين أو رد مظالم أو غيرها بحيث إذا أدى دفع المستحقات المالية سوف لن يتمكن من نصب الموكب وإذا نصب الموكب لم يتمكن من دفع تلك المستحقات فايهما يقدّم ؟
* لو أرادت إمرأة أن تواسي الزهراء عليها السلام بمصاب ولدها الحسين عليه السلام بلبس الملابس السوداء في محرم وصفر فوجدت ملابسها إما ضيقة وغير شرعية ولكنها سوداء أو ملابس شرعية وعريضة ولكنها ليست سوداء فأيهما تلبس ؟

وفقنا الله لما يحب ويرضا

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M