فيروس كورونا ومعوقات التعليم الالكتروني في العراق

مسلم عباس

مع انتشار فيروس كورونا في العراق، بظهور عدد من الاصابات في العاصمة والمدن الوسطى والشمالية، تعطلت المدارس والجامعات بعد اسابيع من انتظام الدوام في المؤسسات التعليمية التي كانت معطلة منذ تشرين الاول من العام الماضي استجابة للتظاهرات المطالبة بالاصلاح السياسي وتحسين الوضع الاقتصادي والخدمي في البلد.

هذا التعطيل الاجباري خوفا من زيادة رقعة الانتشار للفيروس يزيد متاعب القطاع التعليمي، ويجعل العام الدراسي الحالي هو الاسوأ من حيث انتظام الدوام واكمال المنهج الدراسي والحصص التدريبية للطلبة، بل ان بعض الجامعات والمدارس لم ينتظم دوامها اصلا حتى داهمتها عطلة كورونا الاجبارية الوقائية، امر يجعل ضياع سنة دراسية حالة ممكنة، لكن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لها حلولها الطارئة، فقد دعت اساتذة الجامعات الى التواصل الالكتروني مع الطلبة، ونفس الامر طلبته وزارة التربية من المدرسين والمعلمين.

فهل يمكن فعلا تحقيق التواصل بين الطلاب والاساتذة الكترونيا؟

ما مدى فعالية التعليم الالكتروني؟

وزارة التعليم بدعوتها للدروس الالكترونية كانها تخلط بين التعليم الالكتروني المنهجي والتعلم الذاتي المنتشر حاليا في موقع يوتيوب، اذ يقوم أستاذ متمرس او مغمور بتقديم دروس معينة لبعض الطلبة الذين يحبون هذه المادة وربما لا تكون من ضمن تخصصهم الدراسي، ولا يحتاجون في نهاية الدرس الى اختبار يؤهلهم الى المرحلة التالية.

نلاحظ عدم اخذ وزارة التعليم للموضوع بجدية كافية، فهي لم تقدم تعليمات واضحة للاساتذة والطلبة تبين لهم كيفية تحقيق تواصل فعال يؤدي اغراضه التعليمية على اكمل وجه، فضلا عن عدم تحديد موعد للبدء في البرنامج التعليمي الالكتروني (باستثناء بعض الكليات والجامعات التي اعلنت انشاء حسابات الكترونية) ولم تبين (الوزارة) ايضا كيفية تواصل الاساتذة والطلبة معا وما نسبة فعالية التدريس الالكتروني، فهذه المشاريع ليست امنية تتحقق من تلقاء نفسها، انما هي عمل جاد يتحول الى واقع فعلي يعتمد على عناصر اربعة (البنية التحتية التقنية والمنظومة الادارية للمؤسسات التعليمية، والكادر التدريسي، والمنهج الدراسي، الطالب)، واي نقص في واحد منها يؤدي الى خلل في المنظومة كاملة، فاذا كانت المنظومة تعمل وفق نظام تعليمي معين، يتوجب على كل عناصر السلسلة ان تعمل وفق ذات النظام، واذا تحولت الى نظام الكتروني، يجب ان تتحول كل عناصر السلسلة الى النظام الالكتروني، هل هذا موجود في العراق؟ وهل يمكن تطبيقه خلال الفترة الطارئة الان؟

اولاً: البنية التحتية التكنلوجية والمنظومة الادارية للمؤسسة التعليمية

الحديث عن البنية التحتية والنظام الإداري معقد للغاية، اذ ان التبليغ الذي اوصت به وزارة التعليم أساتذة الجامعات يجعلهم تقنيين واداريين ومصممين للبرامج التعليمية فضلا عن كونهم أساتذة، ولا يمكن في هذه الحالة تحقيق الفائدة من التعليم الالكتروني لان الأستاذ يجب ان يتفرغ للمادة الدراسية دون الدخول في قضايا إدارية او تقنية، فحتى دروس التعليم الذاتي المقدمة في موقع يوتيوب تحتاج الى تقني مساعد للمدرس او يبذل المدرس جهدا إضافيا لاعداد المادة وتقديمها.

على مستوى التكنلوجيا المتقدمة تفتقر المؤسسات التعليمية العراقية الى البنية التحتية التكنلوجية، اذ لا توجد مختبرات كافية ولا تقنيين يساعدون في اعداد النظام التعليمي ومراقبة الأخطاء في حال حدوثها، او تقديم المساعدة للأساتذة والطلبة على حد سواء، راجع الكليات العراقية فلا تجد فيها الا مختبرا واحدا يعمل فيه مختص واحد في علم الحاسوب والتقنيات الحديثة، وتفتقر المختبرات الى الأجهزة المتقدمة للعمل، يضاف لها ضعف الانترنت او غيابه عن اغلب الجامعات.

اما بالنسبة للنظام الاداري للمؤسسات التعليمية فهناك اعتماد كبير على الاساليب التقليدية في الادارة، ولم تصل الى نسبة بسيطة من استخدام التقنيات الالكترونية الحديثة، والسبب في ذلك هو غياب البنية التحتية التقنية التي يمكن من خلالها ارسال واستقبال التوجيهات والتعليمات الادارية وسبل التحقق منها واعتمادها في المخاطبات الرسمية، وقد تتاخر لايام واسابيع لان كتابا رسميا لم يصل اليها بالشكل الورقي رغم انه متوافر على الانترنت وتتداوله مواقع التواصل الاجتماعي.

في العراق لا توجد لدينا ثقافة الإدارة الالكترونية الا في نطاق محدود والمؤسسات العراقية عموما مصممة للتعامل التقليدي الذي يعتمد ارسال رزمة من الأوراق المستنسخة والاصلية وحضور الشخص بنفسه، والموظف الإداري في وزارة التعليم او وزارة التربية لا يختلف عن اقرانه في الوزارات الأخرى.

ثانياً: الكادر التدريسي

اغلب الكوادر التدريسية العراقية من الفئات التي نشأت وتعلمت منذ سنوات طويلة لم يكن الانترنت فيها موجودا، والكوادر الاحدث تتلمذت وتعودت على طريقة الذين سبقوهم وهي الطريقة التقليدية في التعليم القائمة على حضور الأستاذ في القاعة والقاء المحاضرة، وحينما نطرح فكرة التعليم الالكتروني فان النقاش الاساسي هو عدم قدرة الملاكات التعليمية أصلا في تطوير أساليب التعليم منذ سنوات، وتاخرها عن تحديث الأساليب القديمة الورقية، فهل يعقل ان نطلب ممن فشل في تطوير نظام نشأ على يديه ان يطور اساليبه الى نظام لا يعرف منه الا الابجديات، ليس هذا فحسب بل نطلب منه ان يكون أستاذا وتقنيا واداريا في هذا النظام التعليمي المتقدم.

ثالثاً: المنهج الدراسي

المنهج الدراسي تنتجه مجموع القرارات الصادرة من القيادة العليا في المؤسسة التعليمية، واذا كنا قد تحدثنا عن الملاكات التدريسية التقليدية وغير القادرة على التفاعل مع التطورات الجديدة فاننا امام منهج دراسي تعده فئة صغيرة من القيادات الجامعية التقليدية التي لا تنتمي الى هذا العصر من التطور والحداثة، اغلبها من فئات كبار السن الذين يتفاخرون بانهم كانوا يهربون امام استاذهم المرعب، نحن امام فئة من الأساتذة تعد منهجا دراسيا يتوافق مع أسلوب التلقين القديم وتطلب من الأستاذ نسبة من النجاح وامتحانا تقويميا في نهاية السنة، وهذا لا يتوافق مع نظام التعليم الالكتروني الذي يعتمد على المنهج التفاعلي ويحتاج الى أسلوب تدريس من قبل أستاذ حصل على تدريب كافٍ في مجال التعامل مع الدرس الالكتروني.

رابعا: الطالب

في النظام التعليمي التقليدي الطالب هو الحلقة الأضعف، وهو الذي لا يستطيع النقاش ولا المطالبة بحصص تتناسب ومتطلباته المعرفية، لا يستطيع اخذ دوره ليكون عنصرا فاعلا في المجتمع، كل ما عليه حفظ ما يطلبه منه الأستاذ بكل ادب واحترام، الطالب يأتي للجامعة من اجل تدجينه وتحويله الى حمل وديع لا ان نفتح عقله وندله على المصادر المعرفية التي اطلعنا عليها سابقا، لذلك تعود الطالب ان مهمته في الجامعة هي تنفيذ تعليمات الأستاذ بحذافيرها من اجل الحصول على الدرجة الممتازة بغض النظر عن طبيعة ما كسبه من معارف حقيقية.

الطالب لا يذهب للجامعة من اجل زيادة غلة المعرفة لديه، بل يحاول الحصول على شهادة تؤهله للدخول في نظام التعيينات الحكومية ونظامها الإداري التقليدي الذي لا يتطلب مهارات معينة بقدر ما يحتاج الى ورقة مثبتة فيها الدرجات التي تبين ان الطالب قد اكمل اربع سنوات دراسية في الجامعة، وانه مستعد لينظم الى جيش من الإداريين التقليديين، هذا الطالب لم يتعود يوما ان بذل الجهد في التعلم الحقيقي سوف يؤهله للحصول على افضل وظيفة، تعلم هذا الطالب ان الفن الحقيقي في الجامعة هو في كيفية تجاوز اربع سنوات دراسية باي طريقة كانت، ومن ثم فهو لا يتفاعل مع الأستاذ في الصف الالكتروني، ولا يمكنه ان يدخل للصف الالكتروني في ظل غياب العقوبات الرادعة من قبل الأستاذ.

في الخلاصة، لا يمكن لوزارة التعليم تطبيق ما دعت اليه بالاعتماد على التعليم الالكتروني لاسباب تقنية وأخرى إدارية، فضلا عن أسباب تتعلق بالاساتذة والطلبة، وحداثة النظام الذي لم يتعاملوا معه سابقا، والوزارة التي اطلقت فكرة التعليم الالكتروني للطلبة يبدو انها خلطت بين التعليم الالكتروني الجامعي القائم على التنظيم، والتعلم الذاتي المنتشر حاليا في مواقع الانترنت، ونحن بامس الحاجة الى التعليم الجامعي الالكتروني لانه يفترض ان يبنى على أسس علمية وخطة مدروسة توصل الطلبة الى اهداف محددة تقدم في النهاية خدمة عامة للبلد.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/education/22450

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M