كورونا في مصر: ما مدى قدرة النظام الطبي على التصدي لانتشار الجائحة؟

دلال العكيلي

 

لايزال فيروس كورونا يواصل انتشاره في مصر كالهشيم في النار منذ بداية شهر مايو، حيث تتزايد الأعداد يومًا بعد يوم دون توقف، كما أن حالات الوفاة في زيادة مُستمرة، والسؤال الذي يُراود الجميع بشكل يومي، ما هو عدد الإصابات في مصر اليوم؟!، فمع دخول فيروس كورونا المستجد مصر مُنذ عدة شهور تتزايد الأعداد بشكل مُستمر، ولكن يُعتبر هذا التزايد غير مُقلق على الإطلاق بالمُقارنة بالعديد من دول العالم الأخرى وكذلك العديد من الدول العربية مثل السعودية على سبيل المثال، والسؤال الأهم الآن ماذا يُخبئ لنا فيروس كورونا المستجد كوفيد 19؟

ولعل الأوضاع في مصر اقل توتراً من باقي دول العالم، اذ ارتفعت حالات الشفاء من فيروس كورونا المستجد إلى 1945، وذلك بعد تعافي 58 وتسجيل 495 حالة جديدة، وأوضح المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان المصرية، خالد مجاهد، أنه تم تسجيل 495 حالة جديدة ثبتت إيجابية تحاليلها معمليا للفيروس، من بينهم أجنبيان، وذلك ضمن إجراءات الترصد والتقصي التي تجريها الوزارة، وفقا لإرشادات منظمة الصحة العالمية، وأشار أيضا إلى أنه تم تسجيل 21 حالة وفاة جديدة، موضحا أن إجمالي العدد الذي تم تسجيله في مصر بفيروس كورونا الجمعة، هو 8476 حالة، من بينهم 1945 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفيات العزل والحجر الصحي، و503 حالات وفاة.

تمديد حالة الطوارئ

مدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حالة الطوارئ لثلاثة أشهر “نظراً للظروف الأمنية والصحية الخطيرة” التي تعيشها بلاده، بحسب ما نُشر في الجريدة الرسمية وأعلنت حال الطوارئ في كافة أرجاء مصر في أعقاب اعتداءين نفّذهما متطرفون في التاسع من نيسان/أبريل 2017 واستهدفا كنيستين قبطيتين في طنطا (دلتا النيل) والإسكندرية (شمال) وأسفرا عن سقوط 45 قتيلا، ويعزّز قانون الطوارئ بشكل كبير صلاحيات السلطات الأمنية في التوقيف والمراقبة ويتيح فرض قيود على حرية التحرّك في بعض المناطق.

وجاء في نصّ قرار الرئيس المصري بحسب الجريدة الرسمية “نظراً للظروف الأمنية والصحية الخطيرة التي تمرّ بها البلاد وبعد أخذ رأي مجلس الوزراء، قرّر (رئيس الجمهورية) أن تعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر اعتباراً من 28 أبريل 2020″، ونصّ القرار على أن “تتولّى القوات المسلّحة وهيئة الشرطة اتّخاذ ما يلزم من إجراءات لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين”.

وأضاف “يُعاقب بالسجن كل من يخالف الأوامر الصادرة”، ويأتي تمديد الطوارئ هذه المرة تزامناً مع تفشّي جائحة فيروس كورونا المستجدّ في العالم التي تخطّت وفياتها 200 ألف حالة، ووفقاً لوزارة الصحة المصرية بلغ عدد المصابين بفيروس كورونا المستجدّ في البلاد أكثر من 4500 شخص توفي منهم أكثر من 300 وتماثل للشفاء حوالى 1200 وافق البرلمان المصري نهائياً على تعديل قانون حالة الطوارئ بما يمنح رئيس البلاد الحقّ في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الطوارئ الصحية.

ومن بين التدابير التي يمكن لرئيس البلاد اتخاذها في حالة الطوارئ الصحية “تعطيل الدراسة بالجامعات والمدارس، وتعطيل العمل كلياً أو جزئياً بالوزارات والمصالح”، وعلى خلفية كوفيد-19، تطبّق الحكومة المصرية بالفعل التدابير المشار إليها في القانون الجديد منذ آذار/مارس لمحاولة احتواء الوباء، بالاضافة إلى فرض حظر تجوال ليلي من التاسعة مساء (19،00 تغ) حتى السادسة صباحا ( 4،00 تغ).

وفرضت حالة الطوارئ للمرة الأولى في عهد السيسي في تشرين الأول/أكتوبر 2014، لكنها اقتصرت في البداية على محافظة شمال سيناء مع فرض حظر التجوال في بعض مناطقها، ومنذ إطاحة الجيش المصري بالرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي في تموز/يوليو 2013 عقب احتجاجات شعبية ضده، تدور مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومسلحين إسلاميين متطرفين، بينها الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية (ولاية سيناء) المسؤول عن تنفيذ عدد كبير من الاعتداءات الدامية في البلاد ضد الشرطة والجيش والمدنيين خصوصا في شمال ووسط سيناء، وتسبّبت هذه المواجهات بمقتل المئات من الطرفين. لكنّ وتيرة الهجمات الجهادية تراجعت بشكل ملحوظ في ظل عملية عسكرية شاملة بدأها الجيش المصري في شباط/فبراير 2018 “لمكافحة الارهاب”.

إصابات كورونا 4782 بينها 337 حالة وفاة

قالت وزارة الصحة المصرية في بيان إن البلاد سجلت 248 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد و20 حالة وفاة، وقال خالد مجاهد المتحدث باسم الوزارة في البيان “إجمالي العدد الذي تم تسجيله في مصر بفيروس كورونا المستجد، هو 4782 حالة من ضمنهم 1236 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفيات العزل والحجر الصحي، و337 حالة وفاة” وأضاف مجاهد “جميع الحالات المسجل إيجابيتها للفيروس بمستشفيات العزل والحجر الصحي تخضع للرعاية الطبية، وفقا لإرشادات منظمة الصحة العالمية”، وتواجه السلطات تحديا في مواجهة الفيروس في بلد يبلغ عدد سكانه مئة مليون نسمة يعيش كثيرون منهم في مناطق ريفية على طول نهر النيل وفي ظل نظام صحي يعاني بشدة من العمل بما يفوق طاقته.

تأجيل مشروعات قومية كبرى حتى 2021

قالت الرئاسة المصرية إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أجل افتتاح مشروعات قومية كبرى، من بينها المتحف المصري الكبير ونقل الموظفين الحكوميين للعاصمة الإدارية الجديدة، من العام الحالي إلى عام 2021 بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، وكان من المقرر افتتاح المتحف الجديد هذا العام كما كان من المقرر نقل المجموعة الأولى من الموظفين الحكوميين للحي الحكومي في العاصمة الإدارية الجديدة في يونيو حزيران.

وقال بيان الرئاسة “وجه الرئيس بتأجيل فعاليات وافتتاحات المشروعات القومية الكبرى التي كان من المفترض القيام بها خلال العام الحالي 2020 إلى العام القادم 2021، بما في ذلك الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وكذلك افتتاح المتحف المصري الكبير ومتحف الحضارة المصرية، وذلك نظرا لظروف وتداعيات عملية مكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد سواء على المستوى الوطني أو العالمي”، وقالت حكومة السيسي من قبل إنها تريد البدء في نقل أعمال إدارة البلاد إلى العاصمة الإدارية الجديدة التي تقع على بعد 45 كيلومترا تقريبا إلى الشرق من القاهرة في موعد قريب من منتصف العام الجاري، لكن المشروع الذي تبلغ تكلفته 58 مليار دولار واجه صعوبات في جمع التمويل إضافة لتحديات أخرى بسبب انسحاب بعض المستثمرين.

عاملو قطاع الصحة منبوذون

دخل الطبيب المصري أحمد نجم في عزل ذاتي في بيته، بعدما ظهرت عليه أعراض مشابهة لجائحة كوفيد-19، إلا أنه فوجئ بمطالبات عديدة من جيرانه بالرحيل خشية أن ينشر بينهم الفيروس المستجد، وبينما يتلقى العاملون في قطاع الصحة الاشادة والترحاب في دول عديدة في العالم خصوصا وأن حياتهم أصبحت على المحك في معركتهم ضد كورونا المستجد، قد يشهد منهم في دول أخرى بعضا من العدائية والشكوك، وعلى الرغم من أن حكومة البلد العربي الأكثر سكانا حرصت على مدح وتشجيع العاملين في مجال الصحة، حتى أنها أطلقت عليهم لقب “جيش مصر الأبيض”، في اشارة إلى معطف الأطباء، لا يزال الكثيرون منهم يواجهون سوء المعاملة من قبل البعض في المجتمع.

كان نجم قد أجرى على نفسه اختبار كشف كورونا المستجد وعلى الرغم من أن النتيجة كانت سلبية، إلا أن واقع تعامله بشكل متكرر مع حالات المرض المشتبه بها دفعه إلى أن يقرر عزل نفسه كإجراء وقائي، وبينما كان الطبيب ذو الـ31 ربيعا ينعزل عن العالم الخارجي، لم يسلم من شائعات جيرانه، بمحيط سكنه في محافظة الإسماعيلية، عن إصابته بالعدوى ورفضه للعلاج، وعلى الرغم من محاولات الطبيب البائسة لتوضيح أمره إلى العامة، لم تتوقف مضايقات السكّان ومطالبتهم له بالرحيل “لأن هناك العديد من الأطفال وكبار السن”، على حد قوله لوكالة فرانس برس.

ووصلت المضايقات إلى تقديم تقرير إلى الشرطة ضد نجم الذي اضطر تدريجيا إلى الرحيل والبحث عن مكان آخر،وقال لفرانس برس “أُصيب الناس بحالة من الهلع و الأمر أصبح مبالغا فيه وكأنه بالضبط وصمة عار .. كأننا (الأطباء) أصبحنا منبوذين”، العاملون الصحيون في مصر كغيرهم في أماكن كثيرة أُنهكوا وهم يصارعون فيروس كورونا المستجد لساعات طويلة مع ارتفاع عدد الحالات وبالتالي زيادة احتمالية إصابتهم بالمرض، وثبٌت اصابة حالات عديدة من الأطقم الطبية في عدد من مستشفيات القاهرة والمحافظات الأخرى، ومن بين 43 أصيبوا بالمرض، تُوفي أربعة أطباء، حسب بيانات نقابة أطباء المصرية، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يمثل العاملون في مجال الصحة حوالى 13% من إجمالي حالات الإصابة بـالوباء المؤكدة في مصر، والتي تجاوزت 3000 حالة بينهم 250 حالة وفاة.

حتى بعد الموت، اعترضت مجموعة من القرويين في محافظة الدقهلية في دلتا النيل، على دفن جثمان طبيبة توفيت اثر اصابتها بكوفيد-19، وقامت السلطات بتفريق تظاهرات الأهالي التي استمرت لساعات اعتراضا على دفن الجثمان، كما تم توقيف 23 شخصا في إطار تحقيق قرر النائب العام المصري حمادة الصاوي فتحه في الواقعة التي وصفها بـ”عمل ارهابي”، وقدّم رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي العزاء لعائلة الطبيبة وقال في بيان مخاطبا العاملين في الصحة “لا تلتفتوا لهذه الصغائر، ولا تشغلكم هذه الممارسات والمواقف المشينة من البعض عن معركتكم الشريفة”.

وتقول ممرضة مصابة بكورونا المستجد من نفس المحافظة إنه كان يتم الاتصال بها وآخرين من زملائها المصابين من قبل غرباء، بعدما وجدوا اسماءهم منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت في مقطع فيديو نُشر على منصات التواصل وكانت ترتدي كمامة على وجهها “وجدنا ناس تتصل منهم من كان يقول قولا حسنا، ولكن كان منهم من يقول أننا من نشرنا الوباء وأننا مصدر العدوى”، وأضافت “لقد تعبنا بالفعل وحالتنا النفسية أصبحت مدمرة”، وقالت دينا عبد السلام، وهي طبيبة من الاسماعيلية، إن جيرانها وصموها لأنها تعمل في مستشفى تتلقى حالات يُشتبه باصابتها بكورونا المستجد.

وبعد انتقالها إلى سكن جديد لتكون بعيدة عن عائلتها كإجراء وقائي، فوجئت عبد السلام بجيرانها يصرخون في الشارع ويتهمونها بـ”جلب المرض” إلى المنطقة، وعلى الرغم من تدخل الشرطة واعتذار جيرانها في نهاية الأمر، تقول عبد السلام في مقطع فيديو انتشر على الانترنت “لا أتقبل الاعتذار .. لقد أصبح الطبيب مثل شخص مشبوه”، وأضافت “حرام عليكم ما تفعلونه بنا .. يكفي ما نعانيه”.

ويشكو أطباء آخرون من القاهرة ومن الإسكندرية وأماكن أخرى على فيسبوك من رفض بعض سيارات الأجرة نقلهم أو رفض عمّال توصيل الطعام للمنازل من تنفيذ طلباتهم بسبب مخاوف العدوى، وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر جون جبور لفرانس برس إن مثل هذه المعاملة للعاملين في الرعاية الصحية “يمكن أن تجعل الوضع الصعب بالفعل أكثر صعوبة”، وعلّق “إن استهداف مقدمي الخدمات الأساسية… سوف يضعف معركتنا ضد كوفيد-19 ويمكن أن يضر بشدة الأمة بأكملها”.

ومع تصاعد الشكاوى، أفادت وسائل الإعلام المحلية أن مجلس النواب يبحث تجريم “التنمر” ضد العاملين في الصحة، في الوقت نفسه، ظهر مؤخرا العديد من المصريين في مقاطع الفيديو الأخيرة بُثّت على الإنترنت يتجاهلون قواعد التباعد الاجتماعي التي تهدف إلى الحد من خطر العدوى في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، وقالت الصيدلية هبة الفقي التي أجبرت مؤخرا على الخروج من سيارة أجرة لكونها عاملة صحية “انهم يخرجوا (ما بداخلهم) ضدنا بدلا من توقفهم عن العادات التي من الممكن أن تعرضهم للمرض”.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/reports/23156

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M