كيفية الاستثمار في ثورة البيانات

 

يمثل الاعتماد على إحصاءات عالية الجودة أداة ضرورية لواضعي السياسات الذين يريدون رسم معالم الطريق نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 حتى يتسنَّى لهم رسم صورة واضحة لاقتصاداتهم ومواطنيهم على تنوع شرائحهم. وشأنهم شأن الخرائط الرقمية التي تعودنا عليها، فإنهم يحتاجون إلى أن تتسم هذه الإحصاءات الجوهرية بدقة متزايدة وسهولة الوصول إليها وأن تكون مُفصَّلةً ومُحدَّثةً.

“في حين لا يعد التمويل المُحرِّك الوحيد، فإن المستويات الحالية للدعم المحلي والدولي للبيانات والإحصاءات متواضعة للغاية بحيث أنها ببساطة لا تلبي الطلب المتزايد الذي تخلقه مبادرات عالمية مثل أهداف التنمية المستدامة.” — تقرير آفاق تنمية القدرات الإحصائية 2019، الشراكة في الإحصاءات من أجل التنمية في القرن الحادي والعشرين.

من يعالج فجوات التمويل؟

يعمل الصندوق الاستئماني لبناء القدرات الإحصائية مع الأجهزة الإحصائية والوزارات المعنية في مختلف أرجاء المعمورة، في ظروف بالغة الصعوبة في أغلب الأحيان.ففي السودان على سبيل المثال، يساعد الصندوق على تحسين عملية جمع البيانات الإدارية، وبناء مهارات

يعمل الصندوق الاستئماني لبناء القدرات الإحصائية مع الأجهزة الإحصائية والوزارات المعنية في مختلف أرجاء المعمورة، في ظروف بالغة الصعوبة في أغلب الأحيان. ففي السودان على سبيل المثال، يساعد الصندوق على تحسين عملية جمع البيانات الإدارية، وبناء مهارات “ثقافة البيانات” لدى الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني والعاملين في الوزارات التنفيذية. © أنكور ناغار/البنك الدولي.

في مطلع القرن الحالي، حينما كان المجتمع الدولي لا يولي اهتماما كبيرا لتمويل البيانات والإحصاءات، أطلق البنك الدولي الصندوق الاستئماني لبناء القدرات الإحصائية بالتعاون مع مانحين منهم كندا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وكوريا وهولندا وسويسرا ووزارة التنمية الدولية البريطانية.

ومنذ عام 1999، قدَّم الصندوق تمويلا مُركَّزا لأنشطة التخطيط والإنتاج والنشر والاستخدام للإحصاءات الآنية – مثل الإستراتيجيات الوطنية لتطوير الإحصاءات، والمسوح الأسرية، والإحصاءات السكانية، والبيانات المفتوحة، وغيرها- لمساعدة البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط على تعزيز ثقافة وضع السياسات على أساس الشواهد والدروس المستفادة.

وتماشيا مع نموذج البيانات الذي يُركِّز على أهداف التنمية المستدامة، وسَّع الصندوق نطاق تركيزه في عام 2016 ليستكشف أساليب جمع البيانات التي تستخدم تقنيات مبتكرة مثل التعلُّم الآلي، والاستشعار عن بُعد، واستلهام الحلول من الجمهور، والطائرات المُسيَّرة. وتضمَّن هذا مساندة مشروعات تجريبية من شأنها توسيع آفاق وحدود تحليل بيانات التنمية، وذلك بهدف تعميم الإجراءات التدخلية الناجحة.

ومن إجراء مسوح استقصائية للسكان البدو في المناطق النائية في منغوليا، والتشجيع على البيانات المفتوحة في فييتنام، وتطوير أنشطة التعداد الاقتصادي في بوتان، وإعداد الإستراتيجية الوطنية لتطوير الإحصاءات في مصر، وبدء إعداد الحسابات القومية في جيبوتي، ووضع نظام لرصد الصراع في نيجيريا، إلى مشروعات أخرى كثيرة— يعمل الصندوق مع الأجهزة الوطنية للإحصاءات والوزارات في شتَّى أرجاء المعمورة والتي تعمل في أغلب الأحيان في ظروف بالغة الصعوبة.

“يجب علينا الاستثمار في البلدان في كل مرحلة من المراحل من تحسين أساليبها إلى جمع بيانات أفضل، وإخفاء هوية المعلومات وتصنيفها، وزيادة قدراتها على استخدام البيانات وتحليلها لإحداث أثر إنمائي حقيقي.” هايشان فو، مدير مجموعة بيانات اقتصاديات التنمية، مجموعة البنك الدولي.

ما سبب فعالية التمويل المقدم من الصندوق الاستئماني لبناء القدرات الإحصائية؟

في منغوليا، يساند الصندوق مسحا استقصائيا عن أسر السكان البدو في المناطق الريفية النائية من أجل تيسير اتخاذ قرارات تشمل الجميع

في منغوليا، يساند الصندوق مسحا استقصائيا عن أسر السكان البدو في المناطق الريفية النائية من أجل تيسير اتخاذ قرارات تشمل الجميع “ولا تترك أحدا خلف الركب”. © إيردين أورتشير بادارتش/البنك الدولي

مع ترسُّخ عقلية المستثمر حول التمويل لبيانات التنمية، باتت الإشارة إلى ما يُسمَّى “النفط الجديد” قالبا مبتذلا فقد بريقه. فمن منظور الصندوق الاستئماني لبناء القدرات الإحصائية، قد يكون التمثيل الأفضل لتصور الإمكانات التي تنطوي عليها البيانات هو تسخير الطاقة المتجددة في بيئة دائمة التطور.

ومن خلال تركيزه الفريد على الاستجابة للاحتياجات الملحة للبلدان، وفي الوقت نفسه مراعاة المنظور طويل الأمد، طوَّر الصندوق الاستئماني لبناء القدرات الإحصائية قدرته على التكيُّف بسرعة مع الأولويات القطرية المتغيرة وإحداث أثر دائم من خلال منح صغيرة نسبيا تقل في العادة عن 500 ألف دولار.

التمويل المقدم من الصندوق لمختلف البرامج (لمشروعات جارية في يونيو/حزيران 2019)

فيما يلي بعض الأسباب وراء فعالية التمويل الذي قدمه الصندوق على مدى عقدين في تقوية أسس النظم الإحصائية الوطنية، وتوسيع آفاق وحدود بيانات التنمية من خلال مبادرات مبتكرة:

اتسامه بالمرونة في تلبية مطالب واحتياجات البلدان.

كان الصندوق الاستئماني لبناء القدرات الإحصائية من البداية مُصمَّما كأداة تمويل ذات مرونة عالية ونطاق عمل واسع في مختلف البلدان والمجالات. ومع استمراره في دعم أولوياته الرئيسية في بناء القدرات الإحصائية والإستراتيجيات الوطنية لتطوير الإحصاءات، أطلق الصندوق في كثير من الأحيان برامج جديدة استجابة للبيئة الإحصائية المتغيرة وما يستجد من مطالب البلدان واحتياجاتها. وكان من بين هذه البرامج: البيانات المفتوحة (2012)، وإنتاج البيانات (2015)، والابتكارات في مجال بيانات التنمية (2016)، والبيانات الشاملة للجميع (2019).

تحفيز المساندة للبلدان والتمويل المستدام

نظرا لأن أحجام ما يقدمه من منح صغيرة نسبيا، يسعى الصندوق جاهدا لتمويل مشروعات يمكنها تحفيز مساندة متواصلة لبناء القدرات الإحصائية. ويتضمن هذا تقديم منح تُصرف على وجه السرعة لمشروعات تلبي الاحتياجات الحيوية للبيانات، وتؤدي إلى إنتاج إحصاءات ترى البلدان والجهات المانحة أنها مفيدة في تخصيص الأموال اللاحقة. والمنح التي يقدمها الصندوق ذات نفع كبير أيضا للبلدان في تجريب أفضل الممارسات الدولية التي قد لا تكون بخلاف ذلك مجدية من خلال مشروعات تضعها البلدان.

تعزيز التعاون على كل المستويات

نظرا لأن عمل الصندوق الاستئماني لتنمية القدرات الإحصائية يشمل مشروعات على المستوى الإقليمي أو العالمي أو تخص بلدانا بعينها، فإن الصندوق أقام علاقات تعاون وثيقة على كل مستوى. فعلى سبيل المثال، في لبنان، ساعد الصندوق المستشفيات على التعاون مع وزارة الصحة في تطوير المرصد الوطني للبيانات الحيوية. ومثالا على التعاون على المستوى الإقليمي، ساعد الصندوق في تدريب الموظفين في خمسة بلدان جزرية صغيرة في البحر الكاريبي للمواءمة بين إحصاءات الطاقة. وعلى المستوى العالمي، يساعد الصندوق في تعميم الممارسات الجيدة في مختلف البلدان. ومن ذلك، أن منهجية التعلم الآلي “BOOST” –وهي أسلوب لجمع بيانات المالية العامة يتسم بأنه اقتصادي في تكلفته وجُرب في أوغندا- تم تطبيقها على الحسابات القومية للتعليم في كوسوفو، وبوركينا فاصو، وتوغو بدعم من الصندوق الاستئماني.

“الصندوق الاستئماني لتنمية القدرات الإحصائية فريد في أن أنشطته تتضمن تقديم الدعم من خلال المنح لتطوير الإستراتيجية، وبناء القدرات الإحصائية، وإنتاج البيانات، والابتكارات في مجال الإحصاءات. ويرعى هذا النهج متعدد القطاعات التطوير المستدام للنظم الإحصائية في البلدان المستفيدة.” — الهيئة الاستشارية للصندوق الاستئماني لتنمية القدرات الإحصائية 2017.

ما هي الخطوة التالية لتمويل الاحتياجات إلى البيانات المتصلة بأهداف التنمية المستدامة؟

© البنك الدولي

مع الحاجة المتزايدة لواضعي السياسات إلى بيانات عالية الجودة ومصنفة تصنيفا دقيقا لتوجيه السعي نحو أهداف التنمية المستدامة، تتأهب البلدان لمواجهة وقت مثير وإن كان عصيبا. فيجب عليهم تعزيز قدرتهم الفنية على تقديم البيانات اللازمة لمتابعة أهداف التنمية المستدامة، وكذلك النهوض بقدراتهم حتى يتسنَّى لهم مسايرة مُقدِّمي البيانات ومستخدميها الجدد الذين ينضمون إلى ثورة البيانات.

علاوة على ذلك، فإن السياق الذي تعمل فيه الاقتصادات يتغير، ولمعالجة فجوات البيانات والتحديات الملحة مثل تغيُّر المناخ، والهجرة، والأوبئة، يجب على الحكومات توسيع آفاق وحدود أساليب وتقنيات البيانات بالتعاون مع أوساط مجتمع البيانات خارج الأجهزة الإحصائية الوطنية. ويتطلب هذا موارد، وتشير التقديرات إلى أن الفجوات القائمة في المساعدات الإنمائية الرسمية اللازمة لتلبية الاحتياجات إلى البيانات الخاصة بأهداف التنمية المستدامة تتراوح حاليا بين 100 مليون دولار و700 مليون دولار سنويا. 8 وفي الوقت نفسه، يقترب الصندوق الاستئماني لتنمية القدرات الإحصائية –وهو متمرس في تقديم التمويل لبيانات التنمية- من موعد إقفاله في عام 2020.

ونظرا لتجزؤ الدعم التمويلي لبيانات أهداف التنمية المستدامة في الوقت الحالي،5 فإن المجتمع الدولي يحتاج إلى صندوق تمويل عالمي مُنسَّق يمكنه التنسيق بين الموارد لتلبية احتياجات البلدان إلى البيانات الخاصة بأهداف التنمية المستدامة، وتحقيق أولويات خطة عمل كيب تاون العالمية من أجل بيانات التنمية المستدامة.

وبينما تتبلور المحادثات، وحتى يتم ابتكار برنامج جديد لبيانات أهداف التنمية المستدامة- فإن الطلب على خدمات صندوق متمرس وإن كان مرنا مثل الصندوق الاستئماني لتنمية القدرات الإحصائية –الذي اكتسب خبرات ميدانية على مدى عقود، ولديه ارتباطات عميقة في الأجهزة الإحصائية الوطنية ومجتمع الإحصاءات- سيبقى إن لم يتعزز أكثر من أجل استخدام التمويل لبيانات أهداف التنمية المستدامة بفعالية.

وعليه، نرجو أن تستمر في متابعة هذه المساحة، وإلقاء نظرة على مدونتنا السابقة عن المسح الأسري المتكامل في سيراليون الذي أُجري بينما كان البلد يسعى جاهدا للتعافي من آثار وباء الإيبولا.

 

المراجع:
• عمر سراج الدين، وهيروكي يماتسو، وكريستينا فيسر، ونوبو يوشيدا، وأندرو إل. دابالين، 2015. حرمان البيانات: حرمان آخر ينبغي إنهاؤه (بالإنجليزية). ورقة عمل أبحاث السياسات رقم 7252، واشنطن العاصمة، مجموعة البنك الدولي.
• قاعدة بيانات الأمم المتحدة العالمية لمؤشرات أهداف التنمية المستدامة حتى 6 أغسطس/آب 2019.
• منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، تقرير المعونات الإنمائية 2017: البيانات من أجل التنمية، مطبوعة منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، باريس.
• خطة عمل كيب تاون العالمية لبيانات التنمية المستدامة، شعبة الإحصاءات بالأمم المتحدة.
• تقرير آفاق تنمية القدرات الإحصائية 2019، الشراكة في الإحصاءات من أجل التنمية في القرن21
• أصوات: آفاق التنمية، “البيانات من أجل تعزيز أثر التنمية: لماذا ينبغي لنا الاستثمار في البيانات، والبشر، والأفكار” هايشان فو، البنك الدولي.
• تقرير عن الاجتماع الرابع عشر للهيئة الاستشارية للصندوق الاستئماني لتنمية القدرات الإحصائية، البنك الدولي.
• الشراكة في الإحصاءات من أجل التنمية في القرن الحادي والعشرين (2019)، “تحديات التمويل لتطوير النظم الإحصائية: استعراض خيارات التمويل”، ورقة المناقشة رقم 14، الشراكة في الإحصاءات من أجل التنمية في القرن الحادي والعشرين، باريس.
رابط المصدر:

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M