كيف تتطلع “اتفاقات أبراهام” إلى السير إلى الأمام وليس إلى الوراء

ديفيد ماكوفسكي

 

في 15 أيلول/سبتمبر، استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد ونظيره البحريني عبد اللطيف الزياني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء توقيعهم اتفاقيات التطبيع التاريخية الجديدة في حديقة البيت الأبيض. وتشير نظرة أولية إلى نص هذه الوثائق – التي يُطلق عليها مجتمعةً تسمية “اتفاقات أبراهام” – إلى النقاط التي تلتقي بها مع المعاهدات السابقة التي وقعتها إسرائيل مع مصر والأردن، والأهم من ذلك تشير إلى النقاط التي تختلف فيها معها.

تناقض مع المعاهدات السابقة

ركزت المعاهدة الموقعة مع مصر عام 1979 وتلك الموقعة مع الأردن عام 1994 بدرجات متفاوتة على حل القضية العالقة للنزاع المسلّح. ففي حالة مصر، كان نطاق المناطق العسكرية المحظورة في شبه جزيرة سيناء عاملاً بالغ الأهمية نظراً لأن مصر وإسرائيل خاضتا حروباً ضد بعضهما البعض في الأعوام 1948 و1956 و1967 و1973. واندلعت هذه الحرب الأخيرة قبل سنوات قليلة من زيارة الرئيس المصري أنور السادات المثيرة للإهتمام إلى القدس عام 1977. ولم يتمكن قادة آخرون في المنطقة من تجاوز مثل هذه الصدمات الأخيرة – فقد عارضوا إقدام مصر على رسم مسارها الخاص إلى درجة جعلت “جامعة الدول العربية” تنقل مقرها الرئيسي من القاهرة إلى تونس العاصمة وعدم عودتها إلا بعد مرور عقد من الزمن.

أما بالنسبة للمعاهدة مع الأردن، فقد سعى الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين إلى تعطيل أي إمكانية لتجدّد النزاع من خلال التوصل إلى حلول جديدة خاصة بالأراضي (على سبيل المثال، تأجير إسرائيل للأراضي الحدودية لمدة خمسة وعشرين عاماً) والتوصل إلى تفاهمات في اللحظة الأخيرة بشأن حقوق المياه. وفي ذلك الوقت، كانت قضايا المياه سبباً جذرياً للصراع في الشرق الأوسط؛ لكن حدتها تراجعت اليوم إلى حدّ ما نظراً للتقدم المحرز في تحلية مياه البحر.

وباختصار، شكّلت المعاهدتان اتفاقيتان بين حكومتين سعتا إلى طي صفحة الصراع العسكري مع إسرائيل، حتى في ظل بقاء القضية الفلسطينية دون حلّ ومسألة التطبيع بين مجتمعات هذه الدول غير مؤكدة. وفي المقابل، فإن الاتفاقين الموقعين في الخامس عشر من أيلول/سبتمبر الحالي خاليان إلى حد كبير من أعباء الماضي.

ومن أسباب ذلك، لا تجمع حدود مشتركة للإمارات والبحرين مع إسرائيل ولم يخوضا البلدان أبداً حرباً ضدها في أرض المعركة، لذلك لا يوجد إحساس بصدمة عامة لدى أي من الطرفين. وعلى الرغم من أن دول الخليج شاركت رسمياً في المقاطعة العربية لإسرائيل منذ عام 1948، إلا أنهما أقامتا روابط شبه سرية بدرجات متفاوتة مع الدولة اليهودية في السنوات الأخيرة. وفي خطوة لها دلالتها، عندما حث المسؤولون الفلسطينيون “جامعة الدول العربية” على إدانة الاتفاق الإماراتي الجديد، أشارت المنظمة بدلاً من ذلك إلى أنه يحق لكل دولة عربية اتخاذ قراراتها السيادية الخاصة بشأن مثل هذه الأمور – في خطوة بعيدة كل البعد عن معارضتها الدراماتيكية لـ “اتفاقيات كامب ديفيد” عام 1979.

وينطوي الاتفاقان الموقعان هذا الأسبوع على رسم مسار جديد للمنطقة، قائم على تقارب عربي-إسرائيلي وثيق فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية والفرص الاقتصادية. وتتمتع الاتفاقيتان أيضاً بإمكانيات كبيرة لتشجيع السلام بين الشعوب (والذي يشمل روابط السياحة والتجارة والاستثمار) بدلاً من أن يكون فقط بين الحكومات.

نقاط نصية جديرة بالملاحظة

هل تهم التسمية فعلاً؟ إن نص الاتفاق الإماراتيالإسرائيلي أطول من الاتفاق البحريني لأنه تسنّى لحكومتي البلدين عقد جولة من مجموعات العمل الثنائية في الأسابيع التي سبقت حفل التوقيع (وغطت قضايا مثل الطيران المدني والاستثمار، على الرغم من أن هناك بالطبع المزيد من التفاصيل الفنية التي يجب تسويتها في الأشهر المقبلة). وأراد المسؤولون الإسرائيليون إطلاق تسمية “معاهدة سلام” على الاتفاق الإماراتي ليكون متساوياً مع المعاهدات السابقة – وأشاروا إلى أمثلة مشابهة في التاريخ الحديث حيث وَصفت دول لا تدخل في نزاعات مباشرة اتفاقياتها بأنها “معاهدات سلام”. وفي نهاية المطاف، حملت الوثيقة عنوان “اتفاقية سلام «اتفاقات أبراهام»: معاهدة سلام، علاقات دبلوماسية وتطبيع كامل بين الإمارات العربية المتحدة ودولة إسرائيل”.

وفي المقابل، تمّ الإعلان عن الإنجاز البحريني في 11 أيلول/سبتمبر، قبل أيام قليلة فقط من موعد الحفل. وبالتالي فإن الوثيقة الناتجة موجزة ً للغاية، وعنوانها: “«اتفاقات أبراهام»: إعلان سلام وتعاون وعلاقات دبلوماسية ودية وبناءة”.

مكان إسرائيل في المنطقة: تتضمن اتفاقية الإمارات فقرة حول كيف أن العرب واليهود “ينحدرون من السلف نفسه: إبراهيم” وكلاهما من السكان الأصليين في الشرق الأوسط. وتكتسي هذه الصياغة أهمية لأنها تدحض بوضوح الإدعاءات القائمة منذ فترة طويلة في العالم العربي بأن الصهيونية غريبة على المنطقة.

السلام الثقافي. يقول المسؤولون الإسرائيليون الذين انخرطوا بشكل وثيق في الاتفاق الإماراتي في المجالس السرية إن الإماراتيين كانوا حريصين على التركيز على التفاهم بين الأديان والتسامح الديني. وكما ينص الاتفاق بحدّ ذاته، “يتعهد الطرفان بتعزيز التفاهم المتبادل والاحترام والتعايش المشترك وثقافة السلام بين مجتمعيْهما المتأثران بروح سلفهما المشترك، إبراهيم، والحقبة الجديدة من السلام والعلاقات الودية المعلن عنها في هذه المعاهدة، بما في ذلك من خلال تطوير برامج بين الشعبين، وحوار بين الأديان، وتبادلات ثقافية وأكاديمية وشبابية وعلمية وغيرها بين شعبيهما”. وبالفعل، ينطوي الاتفاق على وعد جوهري على وجه التحديد لأن كلا الطرفين يدركان الحاجة إلى التواصل على المستوى المجتمعي، وليس على المستوى الحكومي فقط.

ويقيناً، أن معاهدتي إسرائيل مع مصر والأردن ذكرتا العديد من قضايا التطبيع نفسها المنصوص عليها في المعاهدة مع الإمارات. ومع ذلك، تم أحالة هذه القضايا إلى حد كبير إلى الملاحق ولم يتم الوفاء بها عملياً قط. على سبيل المثال، تشير المعاهدة الأردنية إلى نشاط بين الأديان (المادة 9.3) وتبادلات ثقافية/علمية (المادة 10)، ولكن لم يتحقق أي منها خلال العقود التي تلت إبرام المعاهدة.

التركيز على القضايا الثنائية. لا تريد البحرين وإسرائيل والإمارات أن تُتهم بمحاولة التفاوض نيابةً عن الفلسطينيين أو الاستيلاء على دور الأردن كوصي على جبل الهيكل/الحرم الشريف في القدس. وبالتالي، لا ينص الاتفاقان على إدخال أي تغييرات على دخول الأماكن المقدسة في تلك المدينة. وبدلاً من ذلك، ينصب تركيزهما بالكامل على القضايا الثنائية مثل حركة الملاحة الجوية والتجارة وفرض الضرائب. ويمكن أن يكون الاتفاق الإماراتي أيضاً نموذجاً لاتفاقات إسرائيلية أكثر شملاً مع البحرين وغيرها من الشركاء العرب المحتملين. وفي الوقت الحالي، تمت صياغة وثيقة ثالثة وتم التوقيع عليها هذا الأسبوع – إعلان اتفاقات أبراهام” الأكثر إيجازاً وتعميماً – تهدف إلى تشجيع التطلعات الإقليمية المشتركة من أجل السلام، وفقاً لبعض المسؤولين.

هل يتم الإعداد لهيكل أمني في المنطقة؟ تنص الفقرة السابعة من الاتفاق الإماراتي على ما يلي: “إن الطرفين مستعدان للانضمام إلى جهود الولايات المتحدة لإعداد وإطلاق ‘أجندة استراتيجية للشرق الأوسط’ من أجل توسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري والاستقرار وغيرها من أشكال التعاون في المنطقة. وهما ملتزمان بالتعاون مع بعضهما ومع الولايات المتحدة والآخرين، وفق ما تقتضيه الظروف، للدفع قدماً بقضية السلام والاستقرار والازدهار في العلاقات بينهما ومن أجل الشرق الأوسط ككل، بما في ذلك من خلال السعي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”.

من الناحية النظرية، يمكن اعتبار الإشارة إلى “الأمن والاستقرار في المنطقة” بمثابة عنوان لتعاون أمني أوسع نطاقاً. ومع ذلك، لا تدعو المعاهدة إلى إنشاء تحالف دفاعي متبادل، لذلك لا يمكن تفسيرها منطقياً بأنها تشير إلى إيران – وفي الواقع، أراد المسؤولون الإماراتيون أن يتجنبوا كلياً أي انطباع من هذا القبيل. ومع ذلك، قد يعتبر بعض المراقبين أن الفقرة 7 ستوحّد تلك الحكومات في المنطقة التي لا تشعر بالارتياح تجاه الإسلام السياسي، وربما تشجعها على تشكيل محور ضد الدول التي تفضله بشدة (على سبيل المثال، إيران وتركيا وقطر).

الخاتمة

في النهاية، إن التصميم السياسي لطرفي الاتفاق هو الذي سيحدد ما إذا كانت المعاهدة ستصبح حبراً على ورق أو ستتبلور إلى خطة عمل. فبالنسبة لإسرائيل والإمارات، ينبع السبب المنطقي وراء الاتفاق من التوافق الكبير بينهما على جبهتين: تهميش القوى الأكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة وسط مخاوف من انسحاب أمريكي تدريجي منها، وتذليل العقبات بين بلدين من أكثر دول الشرق الأوسط اعتماداً على العولمة وتركيزاً على التكنولوجيا. وكان هذا المنطق نفسه هو الذي دفع بوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش إلى التصريح علناً بأنه يتوقع “سلاماً دافئاً”، وأن إسرائيل حريصة بالتأكيد على مواصلة مساعيها الرامية إلى إنهاء عزلتها الإقليمية. ومع ذلك، إذا ما همدت العزيمة السياسية لأي من الطرفين لأي سبب كان، فلن تتمكن حتى أفضل الاتفاقات من دفع عجلة السلام قدماً.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/how-the-abraham-accords-look-forward-not-back

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M