موسكو في عيد النصر وخطاب الرئيس بوتين

بوتين روسيا

لواء دكتور/ محمد قشقوش

 

ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابه في الاحتفال السنوي التقليدي بالميدان الأحمر بموسكو في ذكرى التاسع من مايو عام 1945، وهي ذكرى انتصار الحلفاء (السوفيت من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى) على ألمانيا قائدة المحور بما يسميه السوفيت ثم الروس الانتصار على النازية خلال الحرب الوطنية العظمى، وذلك في تقليد سنوي مستقر منذ أول احتفال في العام التالي للحرب بواسطة الرئيس السوفيتي الأسبق جوزيف ستالين. ورغم أن ألمانيا وقّعت وثيقة الاستسلام في برلين قبل منتصف ليلة 8/9 مايو، إلا أنه وافق الثانية صباح التاسع من مايو بتوقيت موسكو.

وفي احتفالات السنوات الأولى كان يتم الاحتفال بعرض عسكري للقوات والأسلحة التي شاركت في الحرب بالفعل، وينتهي الاحتفال بخطاب الرئيس إلى العالم وشعوب اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية الخمسة عشر ومنها روسيا وأوكرانيا. ولكن بمرور الزمن تقادمت تلك الأسلحة التي شاركت في الحرب العظمى وظهرت أجيال جديدة منها، وكذلك نظم تسلح جديدة تقليدية وفوق تقليدية لم تكن موجودة من قبل. وتباعًا غادر الدنيا المحاربون أنفسهم، ولم يبق حاليًا إلا العدد اليسير منهم فقد مضى على نهاية تلك الحرب سبعة وسبعون عامًا، لذلك تغيّر شكل الاحتفال التسليحي والبشري، فالتسليحي ينقسم إلى مرحلتين: الأولى باستعراض نماذج من الأسلحة التي شاركت في الحرب بالفعل مع صيانتها وأشهرها الدبابة (تي 34)، ومدفع الاقتحام على شاسيه دبابة (إ س يو 100) (بعض تلك الأسلحة استخدمتها مصر في حرب أكتوبر 1973 المجيدة!). والمرحلة الثانية هي استعراض أحدث ما في الترسانة التسليحية السوفيتية/الروسية على الترتيب. أما الاستعراض البشري فقد انقسم إلى قسمين أيضًا: الأول بما يسمى (الفوج الخالد)، ويضم من هم على قيد الحياة من المحاربين القدماء في تلك الحرب، وصورًا لمن استُشهدوا في الحرب أو ماتوا لاحقًا يحملها رموز الدولة بمن فيهم الرئيس، كما رأينا الرئيس بوتين منذ أيام.

اختُتِم الاحتفال بالخطاب المنتظر من الرئيس بوتين حيث تراوح الخطاب بين المباشرة أو الرمزية أو الدلالات المفتوحة. خاصة أنه بعد شهرين ونصف تمامًا منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في الرابع والعشرين من فبراير الفائت وكانت أهم نقاطه ما يلي:

١. “نحن ندافع عن الوطن الأم وأمنه”: وإذا كانت “نحن” تعود إلى روسيا الاتحادية الجغرافية الحالية، فإن المعنى الأرحب يتعدى تلك الحدود الجغرافية إلى أجزاء من الاتحاد السوفيتي السابق ذي الجذور العرقية واللغة الروسية والحدود المتاخمة، كما تم في شمال جورجيا وشبه جزيرة القرم ويتم الآن في إقليم دونباس في شرق أوكرانيا المتاخم للحدود الغربية الروسية، والمنقسم إلى جمهوريتين اعترفت بهما روسيا قبل الحرب بيومين.

٢. “جنودنا من مختلف القوميات يساعدون روسيا وهذا سر قوتنا”: في إشارة إلى بعض جمهوريات روسيا الاتحادية، وخاصة جمهورية الشيشان ذات المقاتلين الأكفاء الذين حسموا المعارك في مدينة وميناء ماريوبول الاستراتيجي ضد كتائب آزوف القوية، مما حدا بالرئيس بوتين أن يمنح رتبة الفريق الشرفي للجيش الروسي إلى الرئيس الشيشاني رمضان قديروف.

٣. “أنتم تحاربون من أجل الوطن وأمن دونباس”: وهذا ربط إضافي بين هذا الإقليم رغم وجوده داخل أوكرانيا وبين والحدود الروسية المشتركة، حيث يمثل أهمية قصوى لروسيا كنطاق أمن، ويعتبر منطقة تركيز الجهود القتالية الرئيسية الروسية بالمقارنة بقطاعات ومدن أوكرانية أخرى بما فيها كييف العاصمة. ولذلك لا يُتنظر أن يوقف الجيش الروسي القتال أو البدء في محادثات سياسية رئيسية قبل الاستيلاء التام على الإقليم وتأمينه بما في ذلك مدينة وميناء ماريوبول كمنفذ تجاري استراتيجي للإقليم إلى العالم عبر بحر آزوف ثم البحر الأسود.

٤. “تأمين حدود الوطن في مواجهة النازيين أمر لا مفر منه”: وهو مصطلح يطلقة الرئيس بوتين والقيادة الروسية ويضاف إليه أحيانا (القوميون الجدد) الذين يقاتلون القوات الروسية في هذا الإقليم. بينما يعتبرهم الجيش الأوكراني جزءًا من قواته التي تحاول إخضاع إقليم دونباس الأوكراني المتمرد الذي يريد الانشقاق والانضمام إلى روسيا التي حولته إلى جمهوريتين واعترفت بهما كما سبق.

٤. “الخطر كان يهددنا وكان يجب أن نفعل ما فعلناه”: وهي إشارة إلى الجهود الروسية السابقة للحرب لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الأطلنطي (ناتو) وتمدده إلى الحدود الروسية وتهديد أمنها القومي.

وأنهى الرئيس بوتين الخطاب دون إعلان انتصار على أوكرانيا، ودون إعلان الحرب عليها، والاكتفاء بمسمى “العملية الخاصة في أوكرانيا”.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19434/

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M