نظرية أعمار الدول عند ابن خلدون

ابن خلدون ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون الحضرمي  اختلف في نسبته قيل أنه عربي الأصل و قيل أنه أمازيغي لكن الكل متفق على جلالة قدره و عبقريته و خلدون هو جده العاشر نسب إليه و اشتهر به ، العالم المؤرخ الفيلسوف الاجتماعي العربي المسلم واضعُ علم الاجتماع شهد له القاصي و الداني ولد في تونس عام ٧٣٢ للهجرة و تعلم فيها على يد ثلة من العلماء و ظهرت عبقريته في العشرين من عمره  و خاض ابن خلدون في عالم السياسة و تنقل بين الأمراء و السلاطين فمن تونس إلى المغرب و من المغرب إلى الأندلس حتى انتهى به المطاف في مصر حيث عين قاضيا للمالكية و عزل و أعيد عدة مرات و تفرغ في آخر حياته للتدريس حتى توفي فجأة عام ٨٠٨ للهجرة عن عمر يناهز الثمانية و السبعين عاماً  ، يفتخر به المؤرخون الأسبان إذ عاش فترة من حياته في الأندلس و هي  أسبانيا و أجزاء من البرتغال و فرنسا حاليا لقبه بعض المؤرخين الأسبان بفيلسوف التاريخ الأفريقي واشتهر بمقدمته الشهيرة المعروفة بمقدمة ابن خلدون ، و هي مقدمة لكتابه العبر و ديوان المبتدأ و الخبر و هو بحق عملٌ رياديٌ متكامل حيث وضع فيها نظريات و أسس علم الاجتماع تحت مسمى فن العمران بل وضع جل فلسفته فيها ، قسّم ابن خلدون كتابه المقدمة إلى ستة فصول و تحت كل فصل ذكر جملةً من النظريات ، و من نظرياته أن للدول أعماراً طبيعية كما للأشخاص و أعمارُ الأشخاص كما زعم المنجمون و الأطباء مائة و عشرون عاماً و تختلف أعمار الأجيال من جيل إلى جيل بحسب قرانات القمر فعند البعض تكون خمسون عاماً تزيد و تنقص و أعمار هذه الملة من الستين إلى السبعين و لا تزيد أعمار الأشخاص عن مائةٍ و عشرين عاماً إلا في القليل النادر كما في قوم نوحٍ عليه السلام و أعمار الدول على الأغلب ثلاثة أجيال و الجيل هو عمر شخص واحد من العمر الوسط فيكون أربعين عاماً الذي هو عمر النشوء و النمو ، ثم ذكر ابن خلدون ما بنى عليه نظريته هذه قائلاً: و إنما قلنا أن عمر الدولة لا يعدو في الغالب على ثلاثة أجيال لأن الجيل الأول لم يزالوا على خلق البداوة وخشونتها وتوحشها من شظف العيش والبسالة والافتراس والاشتراك في المجد، فلاتزال بذلك سورة العصبية محفوظة فيهم فحدهم مرهف، وجانبهم مرهوب، والناس لهم مغلوبون .

والجيل الثاني تحول حالهم بالملك والترفه من البداوة إلى الحضارة ومن الشظف إلى الترف والخصب ومن الاشتراك في المجد إلى انفراد الواحد به وكسل الباقين عن السعي فيه، ومن عز الاستطالة إلى ذل الاستكانة، فتنكسر سورة العصبية بعض الشيء. وتؤنس منهم المهانة والخضوع، ويبقي لهم الكثير من ذلك، بما أدركوا الجيل الأول وباشروا أحوالهم وشاهدوا من اعتزازهم وسعيهم إلى المجد ومراميهم في المدافعة والحماية، فلا يسعهم ترك ذلك بالكلية، وإن ذهب منه ما ذهب، ويكونون على رجاء من مراجعة الأحوال التي كانت للجيل الأول أو على ظن من وجودها فيهم.

وأما الجيل الثالث فينسون عهد البداوة والخشونة كان لم تكن، ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر، ويبلغ فيهم الترف غايته بما تفنقوه  من النعيم وغضارة  العيش، فيصيرون عيالا على الدولة، ومن جملة النساء والولدان المحتاجين للمدافعة عنهم، وتسقط العصبية بالجملة، وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة ويُلبسون على الناس في الشارة والزي وركوب الخيل وحسن الثقافة يموهون بها، وهم في الأكثر أجبن من النسوان على ظهورها فإذا جاء الطالب لهم لم يقاوموا مدافعته فيحتاج صاحب الدولة حينئذ إلى الاستظهار بسواهم من أهل النجدة، ويستكثر بالموالي، ويصطنع من يغني عن الدولة بعض الغناء” حتى يتأذن الله بانقراضها، فتذهب الدولة بما حملت  ، و لهذا كان انقراض الحسب في أربعة آباء فالأول باني المجد و عالم بما عاناه ، و الثاني سامع بما كان غير معاين له مع تقصير فيه و الثالث حظه الاقتفاء و التقليد فإذا جاء الرابع توهم أن ذلك البنيان لم يأت بعناء و لا كلفة و لا جهد و لا يعلم كيف كان وجودها و لا سببها و يتوهم أنه النسب فقط و يرى أن له فضل على أهل عصبيته فيحتقرهم و يحتقرونه فتنشأ العداوات و ينهدم البناء ،و ذكر ابن خلدون العصبية أساساً لبناء الدولة إذ أن الدولة لا تنشأ إلا بالمغالبة و الممانعة و لا تكون المغالبة إلا بالعصبية لما فيها من النعرة و استماتة كل واحد دون صاحبه ، و هذه الأجيال التي ذكرناها عن عمر الدولة هي مائة و عشرون عاماً و لا تعدو الدول هذا العمر إلا في القليل النادر إن عرض لها عارض.

 

رابط المصدر:

https://www.politics-dz.com/%d9%86%d8%b8%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%ae%d9%84%d8%af%d9%88%d9%86/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M