هل الاستبداد نتيجة حتمية للديمقراطية؟

حاتم حميد محسن

كان افلاطون اول منْ فكّر وكتب حول الديمقراطية، تنبّأ بان ترك الناس يحكمون أنفسهم سيقود الجماهير بالنهاية لتأييد حكم المستبدين. البعض قد يُصاب بالصدمة من وجود مثل هذا الارتباط لكن عند النظر حاليا الى ما يحصل في العالم السياسي الحديث فان الأمر يبدو أقل غرابة.

في الدول الديمقراطية مثل تركيا والمملكة المتحدة وهنغاريا والبرازيل والولايات المتحدة نجد ان الغوغائيين المعارضين للنخب يركبون موجة الشعبوية المتأججة بالشعور القومي. انها اشارة على ان القيود الليبرالية على الديمقراطية بدأت تتآكل.

فلسفياً تعني كلمة “ليبرالية” شيئا ما مختلف عن السياسات الامريكية الموالية للأحزاب. الليبرالية كفلسفة تعطي الاولوية لحماية الحقوق الفردية بما فيها حرية التفكير والدين واسلوب الحياة تجاه فكر الجماهير واساءة استخدام سلطة الحكومة.

أين كانت المشكلة في اثينا؟

في اثينا الكلاسيكية التي هي مهد الديمقراطية، كانت التجمعات الديمقراطية ميدانا مليئاً بالبلاغة المتحررة من أي التزام بالحقائق.

ارسطو وتلاميذه لم يحددوا بعد المبادئ والمفاهيم الاساسية للمنطق، لذا فان اولئك الساعين للتأثير على الناس تعلّموا من السوفسطائيين ومعلمي البلاغة كيفية السيطرة على عواطف الناس بدلا من التأثير على تفكيرهم المنطقي. ومن هنا فان السلطة يمكن ان يحوز عليها أي شخص يستطيع السيطرة على الرغبة الجماعية للمواطنين مباشرة عبر مخاطبة عواطفهم بدلا من استعمال الدليل والحقائق لتغيير عقولهم.

التأثير في الناس باستخدام الخوف

في “تاريخ حرب البيلوبونيس” وهي الحرب التي دارت بين اثينا وسبارطة، يذكر المؤرخ اليوناني ثيوسيدايد (Thucydides) مثالا عن السياسي ورجل الدولة اليوناني بريكلس (pericles (المنتخب ديمقراطيا وغير المستبد، كيف انه مع ذلك كان قادراً على التلاعب واستغلال المواطنين الاثنيين:

“متى ما أحس ان الغطرسة تجعلهم اكثر ثقة من الوضع الجدير بالاستحقاق، فهو سيقول شيئا لإلقاء الخوف في قلوبهم، وعندما يراهم خائفين جدا ودون سبب واضح، هو يسعى لإعادة الثقة لهم مرة اخرى. لذا فان ما كان سائدا تحت اسم الديمقراطية كان عمليا حكومة بواسطة الرجل الاول”.

الكلام المضلل هو عنصر ضروري للطغاة لأنهم يحتاجون لدعم الناس. الاستغلال الدوغمائي لشعب اثينا ترك ميراثا من عدم الاستقرار وإراقة الدماء وحروب التطهير العرقي التي وُصفت في تاريخ ثيوسيدايد.

ذلك السجل يفسر لماذا انتقد سقراط الذي عوقب بالموت الديمقراطية الاثنية لأنها رفعت عاليا الرأي الشعبي على حساب الحقيقة. تاريخ اليونان الدموي هو ايضا يفسر لماذا ربط افلاطون الديمقراطية مع الاستبداد في الكتاب الثامن من “الجمهورية”. انها كانت ديمقراطية منفلتة دون قيود على الحوافز السيئة للأغلبية.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/21372

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M