هل سيشعل الفساد المستشري فتيل الخريف العربي؟

كشف تقرير جديد صادر عن منظمة الشفافية الدولية بشأن الفساد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن أن معظم سكان المنطقة يرون أن الفساد في تزايد، وأن حكوماتهم لا تقوم بما يكفي للحد من المشكلة.

خلال الشهرين الماضيين، اجتاحت موجة من الاحتجاجات شوارع مصر والعراق ولبنان. وبلغ عدد المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع في لبنان أكثر من مليون شخص ينددون بالظلم، وكان ذلك غالبا في تحدّ للقمع العنيف الذي تمارسه السلطات. وعلى الرغم من اختلاف المطالب التي نادى بها المحتجون في البلدان الثلاثة، بل تختلف حتى فيما بين الحركات في نفس البلد، إلا أن هذا الغضب العارم قام على قاسم مشترك بينها: الفساد وسوء الإدارة المالية للحكومات.

تفشي الفساد يقترن بالنيل من الحقوق

في آخر مقياس للفساد العالمي الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية للفترة 2015-2016، بلغت نسبة الرشوة أعلى مستوياتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقارنة ببقية المناطق في العالم وفقا لردود المشاركين في المسح، حيث أفاد 30% منهم بأنهم دفعوا رشوة لقاء الحصول على خدمة في القطاع العام في تلك السنوات. وكشف مؤشر مدركات الفساد للعام 2018 عن عجز معظم البلدان في المنطقة على إحراز التقدم في مواجهة الفساد.

وأفادت كندة حتّر، المستشارة الإقليمية المعنية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى منظمة الشفافية الدولية، أنه “لا يمكن الفصل بين موجة الاحتجاجات الحالية التي تندد بالفساد والسيطرة القمعية للدولة وخرق العقد الاجتماعي. فالسبب في اندلاع كل هذه الاحتجاجات التي يشهدها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2019، يعود إلى فشل الحكومات في تلبية مطالب المواطنين التي ما زالوا ينادون بها منذ انطلاق احتجاجات الربيع العربي في 2010. وتستوجب مواجهة تحدي الفساد المستشري في معظم الدول العربية إصلاحات شاملة ومنهجية تقطع الطريق أمام استحواذ الأنماط والأطراف القديمة على الحكم أو عودتها إلى المشهد بعد فترة التهدئة. وهو ما لم يتحقق في معظم البلدان، ولم يقع إدخال الإصلاحات الصارمة الرامية إلى محاربة الفساد استجابة لمطالب المحتجين.”

لبنان

كانت الخطط الحكومية الرامية إلى فرض الضرائب على الرسائل الهاتفية المرسلة عبر الانترنت الشرارة الأولى التي أشعلت فتيل الاحتجاجات التي يشهدها لبنان حاليا، ولكنها لم تكن سوى القطرة التي أفاضت كأس سنوات من الغضب إزاء فساد الحكومة وسوء تصرفها، بدءاً من تفاقم أزمة النفايات بسبب إسناد عقد التخلص من النفايات إلى زعيم سياسي وصولا إلى تفشي الفساد الصغير في جميع مجالات الحياة.

وكشف مقياس الفساد العالمي لسنة 2015 عن أن من يعيشون في لبنان هم أكثر من يعتقد أن الفساد قد بلغ أعلى مستوياته في مكتب رئيس الوزراء وفي صفوف نواب الشعب والموظفين الحكوميين والمستشارين المحليين.

وينبغي اعتماد خطة شاملة لمكافحة الفساد الممنهج الذي ما انفك يتفاقم عبر السنوات. ولكن رد الحكومة والإجراءات التي اقترحتها فور اندلاع الأزمة كانت متواضعة للغاية، في حين أن ضمان مستقبل خال من الفساد كما ينشده الشعب يستوجب إصلاحات جذرية. وللتوصل إلى الحل يجب أن يكون المسار تشاركياً، أي على الحكومة أن تشرك المجتمع المدني والمواطنين ليكون التغيير مستداماً ولاستعادة ثقة المواطنين في إطار منظومة جديدة. ويشمل ذلك الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي طال انتظارها والعمل على تحديد المعايير التي ستقوم عليها محاربة الفساد.

العراق

في ظل ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب وضعف الجهود الإصلاحية؛ احتشد آلاف العراقيين، معظمهم من الشباب، في شوارع العراق في مطلع شهر أكتوبر. وتلى ذلك مشاهد صادمة للقمع العنيف الذي مارسته قوات الأمن حيث استخدمت الرصاص الحي ضد حشود المتظاهرين السلميين، وأودت بذلك بحياة أكثر من مائة شخص وإصابة الآلاف.

وهيمنت المجموعات الطائفية على الساحة السياسية العراقية منذ الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 الذي أطاح بصدام حسين. وأدت تجذر السلطة فيما بين هذه المجموعات إلى إحداث انقسامات في صفوف الشعب وفسح المجال أمام الأحزاب السياسية لتهيمن على حيز أكبر من مجالات الحياة. وألقى ذلك بظلاله على كل الأصعدة بدءا من فرص العمل وصولا إلى توزيع العقود الحكومية مما شكل أرضية خصبة لتفشي الفساد. وقبل فترة قصيرة، في شهر سبتمبر تحديدا، أغلقت قناة الحرة، وهي قناة مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد قيامها بالحديث عن الفساد في هذه المجموعات الطائفية. ويتعين أن تستند جهود مكافحة الفساد في العراق إلى تكريس احترام الحقوق والحريات الأساسية مثل حرية التجمع والاحتجاج والتعبير.

مصر

دعا المحتجون في أيلول/سبتمبر إلى تنحي الرئيس عبد الفتاح السيسي عن السلطة وكانت هذه الاحتجاجات من بين الحالات النادرة التي يخرج فيها المتظاهرون للتعبير عن معارضتهم للحكومة الاستبدادية منذ استحواذ السيسي على السلطة بعد انقلاب 2013 الذي قام به بعد سنتين من خروج المتظاهرين الذين أجبروا حسني مبارك على التنحي وإنهاء حكمه الذي دام 30 عاماً.

وكان الفساد المستشري في صفوف الجيش ودور الجيش في اقتصاد البلاد من العوامل الأساسية التي أججت غضب الناس ودفعتهم للخروج إلى الشوارع الشهر الماضي. وفي مطلع هذا العام مُررت مجموعة من التعديلات الدستورية لتعطي الجيش سلطات أعلى في البلاد. علاوة على ذلك، يتقلد أقارب السيسي مناصب محورية في مختلف المؤسسات على غرار الوكالات الاستخباراتية.

واحتُجز آلاف المتظاهرين إثر القمع العنيف للاحتجاجات التي أصبحت غير قانونية منذ تولي السيسي مقاليد الحكم سنة 2013. وبات هامش الحرية للمجتمع المدني ضيقا بدرجة خطيرة، حيث انتشرت حالات الاختفاء القسري والإقامة الجبرية وحالات التعذيب.

بارقة أمل

في هذه المنطقة التي أصبح من النادر فيها إيجاد سبب يبعث على التفاؤل فيما يتعلق بجهود مكافحة الفساد، ظهرت بعض بوادر الأمل هذا العام. ففي تونس، التي أُجريت فيها الانتخابات الأخيرة في ظروف سلمية، سُجلت مشاركة واسعة وواعدة للشباب والمجتمع المدني في الشأن العام، وهو ما يُمهد الطريق نحو تطوير منظومة الضوابط والتوازنات في البلاد. وتقول كندة حتّر في هذا الصدد: “بعد الثورة التي انطلقت سنة 2010 وسقوط نظام بن علي سنة 2011، تغيرت المنظومة برمتها في تونس. وقد مرت هذه المرحلة بانتكاسات، إلا أن الانتخابات التي أجريت هذا الأسبوع تكشف عن الوعي العام بالحاجة إلى المساهمة في المنظومة والمشاركة في إحداث التغيير ومطالبة ممثلي الشعب به. وثبت أن هذا هو الطريق الذي سيؤدي إلى إرساء قواعد متينة تستند إليها الديمقراطية.”

أما في الجزائر، فقد أدت احتجاجات حاشدة في مطلع عام 2019 إلى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وفسحت المجال أمام تعزيز مشاركة المجتمع. ولكن “الحراس الكبار” لا يزالون على رأس السلطة، ولايزال المحتجون يطالبون بالتغيير على الرغم من القمع الشديد لحرية التعبير. وإن لم يحدث تغيير يضمن تكريس الحوكمة الرشيدة والمساءلة في الحياة السياسية في الجزائر، سيظل الفساد الذي اتسم به النظام السابق والذي كان الدافع وراء الاحتجاجات الشعبية على حاله.

وشهد صيف هذا العام أيضا الإطاحة بالحكومة في السودان، التي حصلت على 16 نقطة فقط من 100 نقطة على مؤشر مدركات الفساد، وهي بذلك تكاد تكون في آخر ترتيب 180 دولة. ويقبع الآن الديكتاتور الذي كان على رأس السلطة، عمر البشير، في السجن على خلفية اتهامات بالفساد، بعد أن أطاح به الجيش عقب الاحتجاجات. وخرجت مظاهرات مؤخرا تطالب بحل حزبه بينما تعمل إدارة عسكرية – مدنية مشتركة على تأمين انتقال البلاد نحو الديمقراطية.

الشتاء على الأبواب؟

لقد شهد عام 2019 موسما آخر من رياح التغيير التي هبت على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تضرب بجذورها في نداءات التغيير التي ظهرت منذ عقد مضى. ولكن السؤال المطروح هنا هو: هل سيصغي الزعماء في المنطقة لمطالب المواطنين أم أنهم سيواصلون طريقهم على نفس المنوال؟ فالإصلاحات الهشة لن تتمكن من إرضاء شعوب أنهكتها عقود من إفلات زعمائها من العقاب، ويُرجح أنها ستقتصر على تأجيل انفجار الغضب الشعبي القادم.

والأهم من ذلك أنه يتعين على الحكومات أن تحترم الحق في الاحتجاج السلمي وأن تتفاعل على نحو بناء مع الحركات الناشئة للمجتمع المدني.

غياب النزاهة السياسية
يُقوّض ثقة سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الديمقراطية

في مشهد أعاد إلى الأذهان لمحات من الربيع العربي الذي اندلع أوائل سنة 2010، شهد عدد من الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مؤخرا خروج المحتجين للتعبير عن غضبهم ضد حكوماتهم. ونزل المواطنون إلى الشوارع من فرط ما أصابهم من إحباط جراء الإفلات من العقاب الذي يتمتع به قادتهم المتورطون في الفساد والذين لا يتحلون بالنزاهة السياسية.

ويكشف مقياس الفساد العالمي – الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2019 عن أن المواطنين ينظرون إلى القادة في المنطقة هي صورة أشخاص يخدمون مصالحهم الشخصية على حساب المواطنين الذين يُفترضوا أن يعملوا لصالحهم. ولذلك تداعيات وخيمة على ثقة المواطنين في المؤسسات الديمقراطية، حيث عبّر 52 في المائة من المواطنين عن عدم رضاهم عن مستوى الديمقراطية في بلدهم.

وحين طُلب من المواطنين التعبير عن رأيهم في الفساد حسب المؤسسات، رأوا أن أعضاء البرلمان والموظفين الحكوميين ورؤساء الدول هم الأكثر فسادا. ويرى قرابة نصف المُستجوبين (44 في المائة) أن أعضاء البرلمان متورطون في الفساد، كما يرى 39 في المائة منهم أن الرئيس أو رئيس الوزراء متورط في الفساد.

شراء السلطة

تغيب النزاهة السياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إذا حضرت الانتخابات بشكل خاص. وهو ما ينعكس في التمويل غير المعلن عنه للأحزاب السياسية والذي تحصل عليه بأساليب ملتوية، إلى جانب شراء الأصوات وانتشار الأخبار الكاذبة خلال الحملات وأنشطة أخرى تلقي بتبعاتها على العملية الانتخابية.

وأشارت النتائج إلى أن رشوة تُعرض على قرابة مواطن واحد من بين ثلاثة مواطنين مقابل الإدلاء بصوته في الانتخابات الوطنية أو الإقليمية أو المحلية.

ويصل هذا المعدل في لبنان إلى قرابة مواطن واحد من بين كل مُواطنيْن اثنين (أي 47 في المائة) وهو ما يؤكّد الرابط الوثيق بين المال والسلطة. وخلال الانتخابات التشريعية والبلدية التي أُجريت سنة 2018، لاحظت الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، وهي الفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية في لبنان، بعض المشاكل الهامة التي تسببت فيها الثغرات التي تشوب القانون الانتخابي في البلاد.

فعلى سبيل المثال ارتفعت الحوافز لشراء الأصوات بسبب اللبس القانوني في تعريف شراء الأصوات ورفع سقف الإنفاق الانتخابي بموجب قانون سُنّ مؤخرا. وفي الفترة السابقة لانتخابات عام 2018، قامت مؤسسات الدولة بتوظيف 4500 شخص على نحو غير قانوني ويُزعم أنها قامت بذلك بهدف شراء أصواتهم وأصوات أفراد عائلاتهم.

وتبيّن أن مُشكلة شراء الأصوات أقل انتشارا في الأردن وفلسطين، ولكن هذا لا يمنع أن عددا كبيرا من المواطنين يُعرض عليهم المال أو الهدايا مقابل تصويتهم لمُرشحين مُعينين (26 في المائة و12 في المائة تباعا).

ما يحدث حين يرفض المواطن الرشوة

أفاد المواطنون أيضا بأنهم يتلقون تهديدات بالانتقام منهم في حال رفضوا التصويت على نحو مُعين. وتسود هذه الممارسة في لبنان بشكل خاص، حيث تلقى شخص من بين أربعة أشخاص (28 في المائة) تهديدات في حال لم يمتثل لما طُلب منه. ولا غرابة في أن يرى 89 من اللبنانيين أن الفساد الحُكومي يُشكل معضلة كبرى، وتفوق هذه النسبة المعدل الإقليمي (83 في المائة) الذي يبعث أصلا على القلق.

انتشار الأخبار الكاذبة في فترة الانتخابات

يواجه الناخبون في المنطقة أيضا تفاقم ظاهرة الأخبار الكاذبة التي ترمي إلى تضليل المواطنين وتحويل وجهة الانتخابات كما هو الحال في بقية أنحاء العالم.

إذ يرى 52 في المائة من مواطني الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن الأخبار الكاذبة غالبا ما تنتشر في فترة الانتخابات، في حين يرى 8 في المائة فقط أن ذلك لا يحدث أبدا.

ويرى 59 من المواطنين في الأردن أن الأخبار الكاذبة تنتشر غالبا للتأثير على نتائج الانتخابات، ويحمل العديدون في لبنان وفلسطين نفس الرأي (58 في المائة و39 في المائة تباعا).

وتنتشر في المنطقة قوانين الجريمة الإلكترونية التي تقمع كل من يحاول التصدي للأخبار الكاذبة عن طريق نشر الحقائق والتعبير عن الآراء الشخصية. ففي الأردن على سبيل المثال، يُساهم أحد القوانين في التضييق على منظمات المجتمع المدني والإعلام والمواطنين إذا ما أرادوا مُساءلة القادة المتورطين في الفساد. حتى أن السجن كان مصير بعض المواطنين الذين عبروا عن آرائهم على شبكة الإنترنت. كما أن ضعف قوانين الحصول على المعلومات أدى إلى تقويض جهود الأردنيين الساعية إلى التبليغ عن الفساد والتنديد به.

كيف نُحقق النزاهة ونقضي على الفساد

على السياسيين أن يتنزّهوا عن الفساد إن أرادوا استعادة ثقة الرأي العام. وعلى القادة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن يتصرفوا باستمرار بما يخدم المصلحة العامة وأن يتخذوا قراراتهم في كنف الانفتاح والشفافية. وعلى الحكومات:

تعزيز النزاهة الانتخابية لضمان انتخابات عادلة وديمقراطية

على الحكومات أن تحرص على تنظيم انتخابات تنافسية في مناخ يتسم بالعدل والشفافية. وعلى الحكومات أن تفرض عقوبات على عمليات شراء الأصوات وتهديد الناخبين لتضمن ممارسة المواطنين لحقهم الديمقراطي دون إكراه أو خوف.

تعزيز استقلالية القضاء وتكريس الفصل بين السلطات

على المؤسسات الحكومية أن تضمن الفصل بين السلطات وتُكرّس منظومة ديمقراطية تعتمد على الضوابط والتوازنات. ومن الضروري ضمان سلطة قضائية قوية ومستقلة ورقابة صارمة على السلطة التنفيذية.

تعزيز الشفافية والحصول على المعلومات

على الحكومات أن تقوم ببلورة القوانين المتعلقة بالحصول على المعلومات وأن تحرص على فرضها وتطبيقها على نحو فعال. وعليها أن تُطبّق معايير البيانات المفتوحة عن طريق النشر المُسبق للمعلومات المتعلقة بالميزانيات ومكاسب المسؤولين الحكوميين وترشيد الحصول على الخدمات الحكومية. وبنشر هذه المعلومات للعلن يُمكن للحكومات أن تتصدى للأخبار الكاذبة وتدعم استناد الصحافة إلى

آراء المواطنين: الفساد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

لقد تزايد زخم التنديد بالفساد خلال السنوات الماضية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وضاق الناس ذرعا بالفساد المستشري في مختلف أنحاء المنطقة، من لبنان والسودان، حيث خرج ملايين الناس إلى الشوارع في مطلع هذا العام للتنديد بصوت عال بممارسات حكوماتهم، إلى الثورات العربية التي أطاحت بالزعماء الفاسدين منذ زهاء عشر سنوات.

ولكن، للأسف، لم يتغير الكثير على امتداد هذا العقد. وفي سنة 2010، قام البائع المتجول التونسي، محمد البوعزيزي، بإضرام النار في جسده احتجاجا على فساد الشرطة وأشعل بذلك فتيل الربيع العربي. ولكن، بعد مرور تسع سنوات على وفاته، تشير نتائج مقياس الفساد العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن الشرطة مازالت في صدارة المؤسسات التي تطلب وتتلقى الرشوة في مختلف أنحاء المنطقة.

ويكشف الإصدار العاشر لمقياس الفساد العالمي أن قرابة ثلثي المُستجوبين (65 في المائة) في البلدان الستة الخاضعة للاستطلاع يرون أن الفساد يتفاقم في بلدهم، وأن الحكومات لا تبذل قصارى جهدها لمكافحة الفساد (66 في المائة).

ويُعد مقياس الفساد العالمي أكبر استطلاع للرأي العام والأكثر تفصيلا فيما يتعلق بآراء المواطنين عن الفساد وتجاربهم مع الرشوة، حيث يعكس آراء أكثر من 6,600 مواطن من الأردن ولبنان والمغرب وفلسطين والسودان وتونس.

وللمرة الأولى أيضا، يُقيّم مقياس الفساد العالمي انتشار الواسطة، أو استغلال العلاقات الشخصية، للحصول على الخدمات العامة في البلدان الثلاثة: الأردن ولبنان وفلسطين.

علاوة على ذلك، جمع التقرير بيانات عن “الابتزاز الجنسي”، باعتباره أحد أكثر الأشكال السائدة للفساد القائم على النوع الاجتماعي، إلى جانب بيانات أخرى عن علاقة الفساد بالانتخابات، مثل شراء الأصوات والأخبار الكاذبة.

الواسطة

“الواسطة أصبحت نمط عيش. فأنت تحتاج إلى واسطة للدخول إلى سوق العمل، تحتاج إلى واسطة للحصول على ترقية، تحتاج إلى واسطة للدخول إلى أماكن مُعيّنة، تحتاج إلى واسطة لتقبلك الجامعة بل تحتاج إليها حتى لتحصل على سرير في المستشفى. أظن أننا سنحتاج إلى الواسطة حتى في يوم القيامة.”- رامي (35 سنة)، مقابلة مع مجلة Vice

وعلى الرغم من انخفاض معدلات الرشوة في دول مثل الأردن وفلسطين، غالبا ما يلجأ المواطنون إلى الواسطة، أو بعبارة أخرى استخدام العلاقات الشخصية، للحصول على الخدمات العامة التي يحتاجون إليها. وكشفت النتائج عن أن أكثر من شخص واحد من بين ثلاثة أشخاص (38 في المائة) في الأردن ولبنان وفلسطين، قد حصل على الخدمات التي يحتاجها من المصالح الحكومية باستخدام الواسطة خلال الـ12 شهرا الماضية. ويعادل ذلك ما يقارب 3.6 مليون شخص. المزيد من المعلومات.

مدى تأثير الفساد على المرأة

يجد عدد مُفزع من المواطنين أنفسهم مُكرهين على تقديم خدمات جنسية مقابل الحصول على خدمات عامة، من قبيل الخدمات الصحية والتعليمية في إطار ممارسة تُعرف بالابتزاز الجنسي. وللمرة الأولى، توصلت نتائج مقياس الفساد العالمي في لبنان وفلسطين والأردن إلى أن شخصا واحدا من بين خمسة أشخاص يتعرض للابتزاز الجنسي من أجل الحصول على خدمات حكومية أو يعرف شخصا تعرض له.

غياب النزاهة السياسية

ومما يثير القلق أيضا، توصل التقرير إلى أن الفساد ينتشر بشكل كبير خلال فترة الانتخابات. وأشارت النتائج إلى أن الرشوة تُعرض على قرابة شخص واحد من بين ثلاثة أشخاص مقابل الإدلاء بصوته في الانتخابات الوطنية أو الإقليمية أو المحلية خلال السنوات الخمس الماضية. وفي بعض الدول، يتلقى المواطنون أيضا تهديدا بالانتقام إذا لم يُصوتوا على النحو المطلوب منهم. المزيد من المعلومات.

ما رأي الناس عموما بشأن الفساد؟

كشفت النتائج عن أن 65 في المائة من الأشخاص يرون أن الفساد يتفاقم في بلدهم، ويرى 66 في المائة منهم أن حكومتهم لا تبذل قصارى جهدها لوضع حد للفساد.

كما يرى 44% من المستجوبين أن معظم النواب والموظفين الحكوميين أو كلهم متورطون في الفساد.

ما هي تجارب المُواطنين مع الرشوة؟

توصل التقرير أيضا إلى أن شخصا واحدا من بين خمسة أشخاص ممن تلقوا خدمات عامة من قبيل الخدمات الصحية والتعليمية، قد دفع رشوة خلال العام الماضي. ويُعادل ذلك حوالي 11 مليون مواطنا في البلدان الستة التي شملها الاستطلاع.

وسُجلت أعلى معدلات الرشوة في المنطقة في مؤسسة الشرطة (22 في المائة) وتليها مباشرة مرافق الخدمات العامة، مثل الكهرباء والماء، ومصالح إسناد وثائق الهوية والمحاكم (16 في المائة لكل منها).

اتخاذ الإجراءات اللازمة

لا تزال الطريق طويلة أمام الحكومات لتضمن قيام المواطنين بالكشف عن الفساد على نحو آمن ودون خوف أو ترهيب. ولكن على الرغم من المخاوف التي تساور المواطنين من الانتقام، يرى مواطن من بين كل مواطنين اثنين أن عامة الناس قادرون على المساهمة في القضاء على الفساد.

دولة تحت المجهر: لبنان

حظيت لبنان من بين الدول الست بنصيب الأسد من مُدركات الفساد وتجارب المواطنين معه. ومن بين المشاغل الرئيسية التي أعرب عنها المواطنون اللبنانيون، الفساد الانتخابي وضعف آليات الكشف عن الفساد.

ويرى 87 في المائة من المواطنين اللبنانيين أن حكومتهم لا تبذل قصارى جهدها للتصدي للفساد، وهو المعدل الأعلى في المنطقة. كما سُجلت أعلى معدلات الفساد بشكل عام (41 في المائة) والواسطة (54 في المائة) في لبنان، هذا إلى جانب أعلى معدل لشراء الأصوات (47 في المائة).

التوصيات

على الحكومات أن تُبرهن على إرادة سياسية جادة وحقيقية لمكافحة الفساد إن أرادت كسب ثقة المواطنين. ومن جملة التدابير الرئيسية التي يُمكن اتخاذها:

1) نزاهة الانتخابات: الحرص على نزاهة الانتخابات وتسليط عقوبات على شراء الأصوات.

2) الكشف عن الفساد: تمكين كاشفي الفساد والمجتمع المدني والإعلام لرصد حالات الفساد والتبليغ عنها.

3) الواسطة: مُحاربة الأعراف الاجتماعية التي تُشرّع استخدام الواسطة واستحداث التدابير الرادعة لاستخدامها.

4) الفصل بين السلطات: إرساء منظومة تعتمد على الضوابط والتوازنات وضمان استقلالية القضاء.

5) الابتزاز الجنسي: الإقرار بأن الابتزاز الجنسي يُمثّل شكلا من أشكال الفساد وضمان تجهيز منظومة العدالة بالآليات اللازمة التي تُمكنها من البت في هذه الحالات.

6) الحق في الحصول على المعلومات: بلورة قوانين الحق في الحصول على المعلومات وتطبيقها وتعزيز الشفافية.

7) الالتزامات: تطبيق الالتزامات الراهنة المُتعلقة بمكافحة الفساد، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

ومنظمة الشفافية الدولية هي منظمة مجتمع مدني دولية قادت جهود مكافحة الفساد خلال الـ25، وأطلقت مؤشر مدركات الفساد سنة 1995 ليصبح إحدى أهم الإصدارات البحثية لمنظمة الشفافية الدولية وأبرز المؤشرات العالمية لانتشار الفساد في القطاع العام. ويعطي المؤشر لمحة سنوية عن الدرجة النسبية لانتشار الفساد من خلال ترتيب الدول والأقاليم في مختلف أنحاء العالم.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/reports/21511

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M