هل يحد تصنيف “فاجنر” منظمة إجرامية من ممارسة أنشطتها العسكرية؟

أحمد السيد

 

لم يكن قرار الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف مجموعة “فاجنر” منظمة إجرامية أمرًا مُفاجئًا؛ فقد كان القرار متوقعًا خاصة بعد تمكن قوات “فاجنر” من السيطرة على بلدة “سوليدار” في منطقة “دونيتسك” الواقعة على مسافة حوالي 15 كم من مدينة “باخموت”، وذلك بعد دحرها للجيش الأوكراني. وبهذا القرار ستتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من فرض عقوبات على مجموعة “فاجنر” الروسية، مع حث دول أخرى لاتباع نفس النهج، وذلك في محاولة أمريكية لشل تحركات “فاجنر” خاصة في ظل تنامي نفوذها في مناطق عِدة بدول العالم.

في هذا السياق، ربُما يكون من المُهم التطرق لما تقوم به الشركة الروسية العسكرية الخاصة، وهل تُعد “فاجنر” بمثابة الغطاء الذي تمارس من خلاله روسيا نفوذها في مناطق عِدة؟ وهل يُحد قرار الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف المجموعة بأنها مجموعة إجرامية عابرة للحدود من نشاطها المتنامي؟ سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة من خلال السطور التالية.

متى وكيف تأسست مجموعة “فاجنر”؟

تأسست شركة “فاجنر” في عام 2013 على يد شخصيتين مقربتين من الكرملين، وهما “ديمتري أوتكين” الضابط السابق في وحدة القوات الخاصة وهو بمثابة مدير المجموعة الميداني، و”يفغيني بريغوجين” رجل الأعمال الروسي المقرب من فلاديمير بوتين، ويعرف بـ “طباخ بوتين” لامتلاكه شركة “كونكورد” المُنظمة لحفلات الاستقبال في الكرملين.

وكان “ديمتري أوتكين” قد حصل في عام 2016 على وسام الشجاعة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وسُجِّلت “فاجنر” كشركة تجارية خاصة تسعى إلى تحقيق الربح، وتم تسجيلها في الأرجنتين، ولها مكاتب في كل من بطرسبرج (المقر) وهونج كونج، ومعسكر تدريب في موسكو.

توصف “فاجنر” بأنها شركة عسكرية روسية خاصة، ولكن البعض يراها بمثابة مجموعة عسكرية شبه رسمية حيث أنها وحدة مُستقلة يراها البعض تتبع وزارة الدفاع الروسية. وقد بدأت العمل لأول مرة مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، ونفذت هجمات في شرق أوكرانيا. ووفقًا لتقارير غربية، فإن عدد مُقاتلي “فاجنر” خلال الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة حاليًا ارتفع من 1000 مُقاتل إلى ما يقرب من 20000 ألف مُقاتل في أوكرانيا، بما يُمثل 10% من القوات الروسية على الأرض. ووفقًا لمؤسس فاجنر “يفغيني بريغوجين”، فإن مهمة “فاجنر” تتمثل في توفير بيئة مريحة لتوليد أفكار جديدة بغية تحسين القدرة الدفاعية لروسيا.

تنامي النشاط

وُجّه سيل من الاتهامات لـ “فاجنر” بتنفيذ عمليات عسكرية في مناطق مُختلفة من العالم بما فيها أفريقيا وأمريكا اللاتينية فضلًا عن مناطق النزاعات في الشرق الأوسط. ففي سوريا انتشرت “فاجنر” لدعم النظام السوري منذ عام 2016 خصوصًا حول حقول النفط في دير الزور، وخطفت الأضواء أكثر بعد مقتل عدد من أفرادها في غارة أمريكية عام 2018. وتنشط المجموعة كذلك في ليبيا مُنذ عام 2016.

وتنتشر مجموعة “فاجنر” في جمهورية أفريقيا الوسطى لحراسة مناجم الذهب والألماس، وتشير تقارير إلى وجود لها في كل من: “مدغشقر” و”موزمبيق” و”السودان”، وكان آخر انتشار لها في “مالي” بعد انسحاب القوات الفرنسية من هناك.

وفي أوكرانيا ومُنذ العام 2014، كانت “فاجنر” تقوم بتدريب عناصر من “الانفصاليين” الموالين لروسيا في الشرق الأوكراني، وكان التدريب على حرب العصابات، حتى أضحت بعض مناطق شرق أوكرانيا شبيهة إلى حد كبير بالعديد من الأحياء السورية.  وبعد النجاح في الميدانين السوري والأوكراني، اكتسبت شركة “فاجنر” خبرة كبيرة في التعامل مع الإرهاب والبيئات العدائية، وباتت نقطة تحول فارقة في أي صراع تكون روسيا طرفًا فيه، وهو ما اتضح في العملية العسكرية الروسية المُستمرة منذ شهور في أوكرانيا، حيث تمكن القوات الروسية بمساعدة قوات “فاجنر” من السيطرة على بلدة “سوليدار” الأوكرانية، كما سنرى في السطور التالية.

“فاجنر” في الحرب الروسية الأوكرانية

تتمثل مهام “فاجنر” في الوقت الحالي في تشييد التحصينات والمُشاركة في الخطوط القتالية بنشاط كبير في كل من جمهوريتي “دونيتسك” و”لوهانسك” الشعبيتين، وذلك إلى جانب القوات الروسية. ويقوم مدربو الشركة الخاصة كذلك بتدريب المواطنين المنتسبين لها. ومؤخرًا أعدت مجموعة “فاجنر” الروسية محتوى فيديو باللغة الصربية يشجع المواطنين الصرب على التجنيد في الحرب، وهو ما أثار استياءً واسعًا.

وبرز دور مجموعة “فاجنر” في الحرب الأوكرانية بسبب ضروراتها المتمثلة بالمواجهة المباشرة، وهذا النوع الخاص من القتال يحتاج إلى مثل هذه المجموعات التي قد تقوم بعمل استخباراتي أو أعمال هندسية، مع الخبرة العالية لعناصرها في تنفيذ هذه المهام. وفي هذا السياق، تعتمد القوات الروسية على قوات “فاجنر” في الاختراق والتقدم والقتال وجهًا لوجه.

واليوم يدور الحديث عنها بشكل مُكثف لأنها أدت دورًا كبيرًا في مدينة “سوليدار” الواقعة على مسافة حوالي 15 كم من مدينة “باخموت”، وتمكنت القوات الروسية بفضل ومساعدة قوات “فاجنر” في السيطرة على المدينة بعد معارك دامية مع القوات الأوكرانية. ويزعم مسؤولون أمريكيون أن “فاجنر” تمتلك مقاتلين بالآلاف في أوكرانيا، وأن أعضاء المجموعة يشنون معارك وحشية ضد القوات الأوكرانية كما ظهر ذلك في مدينة “باخموت”. وتتهم الولايات المتحدة مؤسس فاجنر “يفغيني بريغوزين”، بالسعي وراء حقوق التعدين في المدن الأوكرانية.

تصنيف “فاجنر” منظمة إجرامية

نتيجة لما سبق، قامت الولايات المتحدة الامريكية بتصنيف مجموعة “فاجنر” الروسية منظمة إجرامية دولية، وذلك وفق ما أعلنه البيت الأبيض يوم الجمعة 20 يناير 2023. ووفق منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي “جون كيربي” فإن وزارة الخزانة الأمريكية ستُجمد أي أصول لمجموعة “فاجنر” في الولايات المتحدة الأمريكية، وتمنع الأمريكيين من تقديم أي أموال أو بضائع أو خدمات لها.

ووفقًا لـ “جون كيربي”، فإن ذلك القرار سيساعد “واشنطن” على ملاحقة أنشطة أعمال فاجنر في جميع أنحاء العالم، بل وإعطاء الدول والمؤسسات الأخرى الضوء الأخضر لأن تحذو حذو البيت الأبيض. علاوة على أن القرار الأمريكي يأتي إدراكًا للتهديدات العابرة للقارات التي تُشكلها مجموعة “فاجنر”.

القرار الأمريكي أشار أيضًا إلى أن “فاجنر” ارتكبت فظائع وانتهاكات لحقوق الإنسان في أوكرانيا وأماكن أخرى حول العالم. ويأتي ذلك الإجراء عقب شهر من فرض وزارة التجارة الأمريكية قيودًا على “فاجنر”؛ في محاولة لمنعها من الحصول على العناصر التي تستخدم التكنولوجيا الامريكية.

وقدم “كيربي” صورًا لعربات سكك حديدية روسية تسافر من روسيا إلى كوريا الشمالية في نوفمبر 2022، زاعمًا أن تلك العربات حملت شحنة لصواريخ المشاه من كوريا الشمالية، وصواريخ أخرى لاستخدمها من قِبل فاجنر. وهو ما يمثل انتهاكًا لقرارات مجلس الامن وفقًا له. وتقدر الولايات المتحدة الامريكية أن “فاجنر” تُنفق حوالي 100 مليون دولار شهريًا في الحرب، وأنه في حالات معينة كان المسؤولون العسكريون الروس تابعين لقيادة “فاجنر”. في السياق ذاته، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن العقوبات ستدخل حيز التنفيذ الأسبوع المُقبل.

تداعيات القرار الأمريكي 

● تأتي العقوبات الأمريكية هذه المرة لتستهدف بشكل مُحدد مجموعة “فاجنر” فالولايات المتحدة فرضت عقوبات على روسيا في شتى المجالات، بعض هذه العقوبات أثر بشكل عرضي على المتعاقدين العسكريين مثل “فاجنر” لكن هذه العقوبات تستهدف بالتحديد قوات “فاجنر”.

● سيدفع قرار الولايات المتحدة بتصنيف “فاجنر” مجموعة إجرامية إلى حث دول أخرى على اتخاذ خطوات مُشابهة؛ خاصة في ظل تنامي نشاط “فاجنر” في دول أخرى مثل سوريا وليبيا والسودان وإفريقيا الوسطى وموزمبيق ومالي.

●تصنيف “فاجنر” مجموعة إجرامية يرسل رسالة قوية للغاية ليس فقط لروسيا ولكن أيضا للدول والكيانات التي تحاول بالفعل اللجوء والاستعانة بخدمات “فاجنر”.

في الأخير، وعلى الرغم من تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة “فاجنر” بأنها منظمة إجرامية؛ فإنه لا يُعتقد أن يؤثر ذلك على نشاط المجموعة فيما تقوم به من عمليات عسكرية خاصة؛ إذ أنها جماعة عسكرية هادفة للربح، وتعتمد في بقائها على مُمارسة أنشطتها. وفي ظل تمكنها من السيطرة على بلدة “سوليدار” الأوكرانية؛ ستعمل روسيا على مواصلة دعم المجموعة بكافة السُبل لتحقق مزيدًا من الانتصارات في ميدان المعركة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75194/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M