هل يكون مايو المقبل المحطة الأخيرة في رحلة إنقاذ الخزان صافر؟

نرمين سعيد

 

في ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثي، رست الناقلة العملاقة صافر التي كانت تستخدم كمرفق عائم للتخزين والتفريغ وترسو قبالة محطة نفط البحر الأحمر اليمنية في رأس عيسى. قبل أن تتوقف عمليات الإنتاج والتفريغ والصيانة في عام 2015 بسبب الحرب في اليمن، لتحذر الأمم المتحدة من أن السلامة الهيكلية للناقلة قد تدهورت بشكل كبير وأنها معرضة لخطر الانفجار.

وبعد ثمانية أعوام من استمرار الكارثة العائمة، نجحت الجهود الأممية في وضع حد لها بعدما قررت الأمم المتحدة شراء ناقلة نفط كبيرة لتخزين نحو 1.1 مليون برميل من النفط، سيتم نقلها من السفينة المتهالكة قبالة الساحل اليمني في محاولة لاحتواء الكارثة؛ خصوصًا أن التسريب الناتج عن تهالك الخزان صافر يوازي أربع مرات التسريب الذي حدث في عام 1989 من الناقلة إكسون فالديز قبالة ألاسكا.

ولكن حتى الآن لم يتقدم أحد للتبرع بناقلة، ولا توجد شركة مستعدة لاستئجار سفينة واستخدامها في منطقة تشهد حربًا مستمرة، رغم إعلان الأمم المتحدة أن تكلفة تدارك الكارثة بعد وقوعها ستتجاوز العشرين مليار دولار، ومن هنا تبذل المنظمة الأممية جهودًا ضخمة لتفريغ صافر من النفط بتكلفة 129 مليون دولار، وشراء سفينة لتحميله بقيمة 55 مليون دولار.

وحتى الآن تمكنت الجهود الأممية من تقديم تعهدات بقيمة 95 مليون دولار، معظمها من قبل الحكومات، تم دفع 75 مليون دولار منها. وحسب توقعات الأمم المتحدة فإن العملية إذا سارت كما هو مخطط لها فسيتم تفريغ الناقلة في أوائل مايو القادم، مع الإشارة إلى أن عملية التفريغ لا يمكن دفعها من ثمن النفط المباع لصعوبة تحديد المالك.

حساسية التوقيت

مع استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية، يبدو العالم غير مستعد لكارثة جديدة، خصوصًا ما إذا كانت ستؤثر على أسعار الطاقة وحركة التجارة العالمية وبالتالي اضطراب سلاسل الإمدادات والتأثير على الأمن الغذائي. ولا شك أن كارثة الخزان صافر ستسفر عن أزمة اقتصادية عالمية، سيكون جوهرها ارتفاع أسعار النفط، وما يترتب عليه من: تأثيرات على النمو العالمي، وارتفاع التضخم، وتضرر الدول الأوروبية التي تعتمد بدرجة كبيرة على استيراد النفط، بينما ستكون الدول المنتجة وبالأخص الخليجية وروسيا هي المستفيد الأكبر.

وربما كان هذا هو الدافع وراء تكثيف الأمم المتحدة لجهودها في هذا التوقيت بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي؛ في محاولة للإسراع باحتواء الكارثة قبل حلول مايو القادم، خصوصًا أن الدول الأوروبية كانت من أكبر المتأثرين بارتفاع أسعار الطاقة جراء العقوبات المفروضة على موسكو، ووصلت مستويات التضخم فيها إلى معدلات غير مسبوقة. وربما تؤدي كارثة جديدة إلى عدم قدرة الحكومات الأوروبية على الصمود في مواجهة المحتجين، خصوصًا أنها تقوم بإنفاق المليارات لدعم استمرار الحرب في أوكرانيا في وقت يعاني فيه المواطن الأوروبي في الداخل.

ومن جهة أخرى، فإن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لا يرغبان في إلقاء ورقة رابحة على الطاولة الروسية التي ستكون من أكبر المستفيدين حال تعطل حركة الملاحة في موانئ البحر الأحمر وارتفاع أسعار الطاقة؛ لأن روسيا في هذه الحالة ستتمكن من بيع نفطها المغرق بالعقوبات بأسعار أرخص، حتى وإن كان عبر وسيط ثالث حيث سترغب الدول التي تشتري النفط الروسي في تجنب العقوبات.

ومن جانب آخر، فإن الحديث عن اتفاق بين إيران والسعودية ربما يدفع بالحوثي إلى عرقلة تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الأمم المتحدة؛ خصوصًا أن الحوثي يرى أن أي تقارب بين طهران والرياض سيتضمن تفاهمًا على تحديد طبيعة العلاقات بين النظام الإيراني وميليشيا الحوثي بما يتواءم مع المصالح السعودية التي ترى نشاط الحوثي على السواحل اليمينية من أكبر المهددات لأمنها، ومن هنا فعلى الأمم المتحدة المسارعة بتنفيذ الاتفاق لأن فرص مراوغة الحوثي ضخمة في ظل التغيرات السياسية الحالية.

مخاطر التأجيل

بالإضافة إلى المخاطر البيئية المباشرة، سيكون لانسكاب النفط الكبير أيضًا تداعيات اقتصادية وإنسانية كبيرة على السكان الذين عانوا بالفعل بسبب سنوات من الحرب في اليمن× إذ يحتاج ما يقرب من 17 مليون شخص إلى مساعدات غذائية. وقالت الأمم المتحدة إن الكثير من هذه المساعدة يدخل عبر الموانئ القريبة، وهي شريان حياة إنساني يمكن أن يغلق في حالة حدوث تسرب نفطي.

وستهدد الكارثة كذلك سبل عيش مجتمعات الصيد في البلاد، حيث يعمل ما يقرب من نصف مليون شخص في قطاع صيد الأسماك. ولا تقتصر هذه الآثار على اليمن فقط وإنما اعتمادًا على الموسم، سينتقل النفط إلى أجزاء أخرى من البحر الأحمر، ويمكن أن يؤثر على ساحل البحر الأحمر السعودي بأكمله، ويمكن أن يؤثر على إريتريا والصومال وجيبوتي.

وعليه، تكثف الأمم المتحدة جهودها لتفريغ الناقلة بحلول مايو؛ فخلال الصيف تميل الانسكابات إلى التحرك جنوبًا وشرقًا وعلى طول الساحل اليمني، بينما في الشتاء تميل الانسكابات إلى التحرك شمالًا على طول ساحل البحر الأحمر. لكن حالة اللا يقين تؤدي إلى مجموعة واسعة من المسارات المحتملة عبر البحر الأحمر، مما يدل على إمكانية الحركة في أي من الاتجاهين لكلا الموسمين. مما يعني أن ممرات التجارة العالمية في البحر الأحمر ستصبح مهددة هي الأخرى، خصوصًا أن اليمن يشهد حربًا ستؤدي إلى عرقلة جهود الإنقاذ حال وقوع الكارثة التي عمل الحوثي على توظيفها كورقة ابتزاز للمجتمع الدولي وكذلك للحكومة الشرعية في اليمن. ويقاس على ذلك  أن الحوثي سبق وهدد بإفراغ حمولة النفط في مياه البحر أو تفخيخ الناقلة وتفجيرها إذا ما حاولت قوات التحالف السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها.

مع الأخذ بالحسبان أن  التقديرات تُشير إلى تبخر حوالي 51% خلال 24 ساعة من التسرب؛ نظرًا لطبيعة النفط المخزن على “صافر” كونه من النوع الخام الخفيف، مع بقاء المكونات الأثقل على الماء. وبمرور ستة أيام سيظل 39.6% من النفط طافيًا، فيما ستزيل محاولات التنظيف كمية ضئيلة من الزيت خلال الأيام الستة الأولى.

وكانت مصر من الدول التي أكدت ضرورة تكثيف جهود حماية الممرات البحرية الدولية وإيجاد حل لأزمة الخزان “صافر” في أقرب وقت، وهو ما شدد اتفق عليه الرئيس السيسي في لقائه مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في يونيو 2022؛ إذ تعد حماية أمن الملاحة في منطقة البحر الأحمر وباب المندب أمرًا حيويًا بالنسبة للقاهرة، ويمثل انهيار الناقلة صافر كارثة بيئية وأمنية واقتصادية ستشمل اليمن ومصر وكافة الدول المطلة على البحر الأحمر.

وتأتي أهمية الجهد المصري مع الدول المطلة على البحر الأحمر من أن حادثًا بهذه الضخامة سيسفر عن خسائر اقتصادية فادحة ستطول البلدان المطلة على البحر الاحمر، فمن المتوقع تدمير حوالي 850 ألف طن من الأسماك في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وتدمير المزارع السمكية ما سيؤثر على صناعة الصيد، إذ سيفقد 126 ألف صياد مصدر دخلهم، من بينهم 76 ألف صياد في محافظة الحديدة.

ولا شك أن حلحلة أزمة الخزان صافر حاليًا تصب في مصلحة الدور المصري في تأمين أمن الملاحة في منطقة البحر الأحمر  خصوصًا بعدما أعلنت القوات المسلحة المصرية  عن تولي قيادة المهام المشتركة (153) المكلفة بحماية حركة الملاحة البحرية ومكافحة الإرهاب في مناطق البحر الأحمر، وخليج عدن وباب المندب، وهي خطوة مهمّة لتحقيق الاستقرار في المنطقة التي تشهد أوضاعاً غير مستقرة تهدد حركة الملاحة خلال الأعوام الماضية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75999/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M