ورقة تهديد لما بعد الاتفاق: ماذا تقصد إيران بـ”سيف ديموقليس”؟

علي عاطف

 

بعد إعلان الأطراف المتفاوضة في فيينا مؤخرًا عن قرب التوصل إلى اتفاق نووي وحلها للعقبات “الرئيسة” التي كانت تعيق هذا المسار، قال مستشار الأمن القومي الإيراني علي شمخاني في 22 فبراير الجاري في تغريدة على تويتر إن قدرات بلاده النووية سوف تكون “ضمانة حقيقية للوفاء بالالتزامات” من جانب الأطراف الأخرى. ووصف شمخاني إمكانية توظيف بلاده سياسيًا لاستئناف الأنشطة النووية بأنها ستكون مثل “سيف ديموقليس” أي بمعنى “التهديد المستمر”.

وتشير هذه القصة بالأساس إلى رواية نشرها الفيلسوف الروماني القديم “شيشرون” في القرن الرابع قبل الميلاد حينما استدعى الملك “ديونيسوس الثاني” حاكم مدينة سيراكيوز بجزيرة صقلية آنذاك أحد أفراد حاشيته ويُدعى “ديموقليس” ليجلس مكانه في عرشه ليوم واحد؛ لأنه سُمع عن الأخير أنه كان يريد خوض هذه التجربة. وحين جلس ديموقليس على عرش الملك ديونيسوس الثاني لاحظ وجود “سيف” فوق رأسه معلق بخيط رفيع للغاية. وحينئذ، خشي ديموقليس كثيرًا من هذا السيف والاستمرار في هذه المحاكاة وطالب بإنهائها على الفور.

لقد أراد مستشار الأمن القومي الإيراني شمخاني في الواقع من نشر هذه التغريدة والتطرق لهذه القصة أن يعلن عن “الضمانة” التي كانت تبحث عنها إيران منذ أشهر بشأن طبيعة ردة فعلها حال خروج أي طرف من المشاركين في الاتفاق النووي منه في وقت لاحق، أي بعد التوصل إليه قريبًا.

فقد كانت إيران تبحث منذ أشهر عن هذه الضمانة، وتحدثت مع الأوروبيين وطالبت حتى الكونجرس الأمريكي بإصدار “إعلان سياسي” كتعهد بعدم خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مرة أخرى مثلما حدث في مايو 2018، إلا أن هذه المحاولات الإيرانية باءت بالفشل وأعلنت الأطراف المتفاوضة في النمسا عن أنه لا يمكن إلزام أية إدارة أو حكومة مستقبلية من الدول المشاركة في الاتفاق النووي بعدم الخروج المستقبلي من الاتفاق النووي. بجانب أن موافقة الكونجرس الأمريكي على مثل هذه الضمانة تتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ وهو أمر غير متوقع.  وفي هذا الصدد، يمكننا القول إن المسؤولين الإيرانيين متوجسون كثيرًا من مستقبل الاتفاق النووي مع تولي رئيس جديد للولايات المتحدة في المستقبل.

لماذا تريد إيران مثل هذه “الضمانة”؟

ينبغي أولًا التأكيد على أن تغريدة شمخاني وتصريحات المسؤولين الإيرانيين والأمريكيين والأوروبيين أيضًا تدل على أن التوصل القريب للاتفاق النووي بات أمرًا لا شك فيه، وأن ما يجري التباحث حوله في الوقت الراهن هو كيفية حل المشكلات العالقة غير الرئيسة الأخرى التي تستحوذ على أهمية كبرى أيضًا لدى مختلف الأطراف. وهو ما تفسره الزيارات الأخيرة المتبادلة بين إيران وقطر وعمان.

إن طرح إيران استئناف أنشطتها النووية مستقبلًا لا يُعد نتيجة مباشرة لقصة خروج واشنطن من الاتفاق عام 2018، بل لخشية إيران من تكرار سيناريو العقوبات الاقتصادية من جديد.  فإعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الخروج من الاتفاق وفرضه حزمًا متتالية من العقوبات ضد إيران في ظل الركود الاقتصادي القائم بالفعل بات درسًا وقصة لا ترغب إيران في حدوثها مجددًا لأن الهدف الإيراني الأساسي من الانخراط في المفاوضات النووية اقتصادي بالأساس، فإذا ما أعيد فرض العقوبات لن يصبح الاتفاق ذا فعالية كبيرة بالنسبة لإيران.

محادثات فيينا: عودة لاتفاق 2015 أم صياغة اتفاق جديد في 2022؟

رفضت إيران ومنذ اللحظة الأولى لتولي الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي، الحكم العام الماضي التفاوضَ على الملف الصاروخي أو ما يتعلق بالتحركات العسكرية الإيرانية في إقليم الشرق الأوسط. ويبدو أن طهران رفضت أيضًا وبشكل غير معلن وضع ملفات أخرى مثل قضية الطائرات المسيرة على طاولة التفاوض.

إن ما تم تداوله والتباحث بشأنه بشكل مباشر في فيينا خلال الأشهر الماضية، منذ انعقاد الجولة الأولى في المفاوضات النووية في شهر أبريل 2021 وحتى اليوم في فيينا، تمحور حول نقطتين رئيسيتين:

  • ضمان “تقييد” الأنشطة النووية الإيرانية خلال المرحلة المقبلة:  

ويعني هذا أن النشاط النووي في إيران سوف يستمر ولن يختفي بشكل كامل، وهو ما تنص عليه بنود اتفاق عام 2015 والاتفاق الجديد أيضًا المتوقع الإعلان عنه خلال أيام أو أسابيع قليلة في العاصمة النمساوية. ولقد وظفت إيران –ولا تزال- هذا الأمر محليًا، حينما تشير إلى أن الاتفاق النووي منحها حق تخصيب اليورانيوم بشكل رسمي، وهو أمر كان يجري انتقاده قبل الاتفاق الأول، وتسبب في فرض حزم من العقوبات ضد إيران في السابق.

ولذا، فإن اتفاق فيينا 2022 لا يعني انتهاء الأنشطة النووية الإيرانية، بل تقييدها محليًا ومراقبتها دوليًا. ولكن وعلى أي حال، فإن المطلب الأساسي للمشاركين في مفاوضات فيينا سيكون قد تحقق ويمكن الحديث حينئذ عن عدم توصل إيران إلى سلاح نووي، وهو المسعى الذي أكدت عليه إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حتى قبل دخوله البيت الأبيض في 20 يناير 2021.

  • رفع العقوبات تدريجيًا عن إيران:  

ويمثل الشرط الإيراني الرئيس للتوقيع على الاتفاق النووي. وكان الدافع الأساسي في إصرار طهران على إلغاء العقوبات ناتجًا عن تجربة السنوات الماضية على وجه الخصوص، والتدهور الذي لحق بالاقتصاد الإيراني؛ إذ تتوجس السلطات الإيرانية خيفة من تداعيات استمرار العقوبات على الداخل سياسيًا.

ولكن هذه العقوبات، وكما تشير المصادر الأمريكية، لن يتم رفعها دفعة واحدة، بل إنها تؤكد أن ذلك سيكون تدريجيًا وعلى خطوات، إذ إن رفع كل دفعة من العقوبات يحتاج إلى خطوات متتالية داخل المؤسسات الأمريكية المعنية. ولا يعني هذا أن جميع العقوبات المفروضة على إيران، سواء قبل 2018 أم بعدها سيتم رفعها، بل إن حزمًا عدة دولية وأمريكية من هذه العقوبات سوف تظل وتبقى كما هي؛ لأن بعضها يتعلق بتحركات إيرانية في الخارج سواء في إقليم الشرق الأوسط أو خارجه، والبعض الآخر ذو صلة وثيقة ببرنامج الصواريخ الإيرانية وداعميه. لذا، لا يمكن عمليًا إلغاء جميع أو أغلب العقوبات الخارجية على إيران.

وعليه، فإذا حاولنا الإجابة على التساؤل الرئيس، سنجد أن الاتفاق النووي المتوقع التوصل إليه في فيينا قريبًا يُعد أقرب إلى إعادة صياغة اتفاق عام 2015 منه إلى كونه اتفاقًا جديدًا خلال العام الحالي؛ إذ إنه ركز بصورة أساسية على تقييد النشاط النووي الإيراني كمسعىً غربي حثيث مقابل الإفراج عن الأموال وإلغاء العقوبات كمطلب إيراني.

الخلاصة

بعد أشهر من البحث والجدل المحلي في إيران بشأن طريقة الحصول على “ضمانة” لعدم خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي أو أي قوى دولية أخرى من المشاركين في المفاوضات، انتهت إيران إلى بديل محلي تستطيع تنفيذه بسهولة ألا وهو عودة تخصيب اليورانيوم بمستوى عالٍ. ولعل هذا الخيار قد لجأت طهران إليه بالفعل بعد مايو 2018، حينما وصلت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% منذ ما يقارب العام.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67665/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M