ألقت العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا 2022 بظلالها على عدد من القضايا الدولية والأقاليم، في ظل وصفها بأنها ليست مواجهة بين موسكو وكييف فحسب، بل مواجهة بين روسيا والغرب، لتنعكس هذه المواجهة على تحركات ومواقف الدول بما يتوافق مع مصالحها الوطنية، خاصة فيما يتعلق بقضاياها الإقليمية الخاصة، وهو ما ينعكس جليًا في شبه الجزيرة الكورية التي يشكل شطراها الجنوبي والشمالي طرفي نقيض في العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
وبوجه عام، فإن المواقف المتباينة ما بين روسيا والغرب فيما يخص أوكرانيا انعكست بشكل أو آخر على موقف كلا الكوريتين من القضية، فحينما صوتت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس 2022 بغالبية 141 عضوًا على قرار يطالب روسيا بالتوقف عن استخدام القوة في أوكرانيا، صوتت 5 دول ضد القرار بالطبع على رأسهم روسيا الاتحادية نفسها وإريتريا وسوريا وبيلاروسيا وأخيرًا كوريا الشمالية.[1]
إلا أن هذا لا يعد الموقف الأول الذي تسجله بيونج يانج لصالح موسكو داخل المحفل الدولي منذ بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا؛ ففي الأول من مارس 2022 أرجعت كوريا الشمالية على لسان سفيرها الدائم لدى الأمم المتحدة كيم سونغ أسباب الأزمة الأوكرانية إلى ما وصفه بالـ “الهيمنة الأمريكية”، ذاكرًا مواقف الغرب في العراق وأفغانستان وليبيا بذريعة السلم والأمن الدوليين[2].
وقد عارضت كوريا الشمالية كذلك –بين دول قليلة- مشروعات القرارات التي تدين موسكو في الأمم المتحدة. وإجمالًا فإن النمط التصويتي لكوريا الشمالية فيما يخص الأزمة الأوكرانية يعارض أي إدانة لروسيا، ما يشير إلى تضامن من جانب كوريا الشمالية التي تربطها علاقات قوية مع روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي الذي لطالما ساند كيم إل سونغ مؤسس كوريا الشمالية وحاكمها منذ 1948وحتى 1994.
لهذا، يطرح التساؤل حول أسباب هذه المساندة وكيف تنعكس على الموقف الدولي من كوريا الشمالية؟، وما هو موقف كوريا الجنوبية أيضًا من هذه العملية؟، وكيف تعظم من استفادتها من الأزمة الأوكرانية؟، وهو ما تحاول هذه الورقة البحثية الإجابة عليه.
أسباب مساندة كوريا الشمالية لروسيا في المحافل الدولية
إضافة إلى العلاقات التاريخية التي أشرنا إليها سريعًا في المقدمة، فإن العلاقات بين زعيمي الدولتين فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون تمثل أيضًا أهمية كبرى مع قيادتين تؤثر رؤيتهما الشخصية بنسبة كبيرة في سياسات بلادهما الخارجية، فمنذ عام 2015 كانت هناك مساعٍ من جانب بوتين للتواصل مع كيم حينما تمت دعوته لحضور احتفالات الذكرى السبعين للانتصار على النازية، إلا أن الدعوة لم تتكلل بالنجاح[3]، إلا أن كيم وفقًا لموقع نورث 38[4] ظلت لديه دعوة لزيارة روسيا منذ عام 2018.
وهو ما لم يتحقق سوى في أبريل 2019 حين دعت الحاجة إلى ذلك، فكان لقاء القمة بين الرئيس الروسي والزعيم الكوري الشمالي لأول مرة في فلاديفوستوك في توقيت غاية في الأهمية؛ إذ أتى بعد فشل قمة هانوي التي عقدت في فبراير 2019 والتي جمعت كيم بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومساعي إحلال السلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية التي كان يعمل عليها الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جيه إن، فكان على كيم استعادة الروابط التقليدية مع روسيا التي تظل دائمًا أحد البدائل -إلى جانب الصين- في إيجاد داعم في المحافل الدولية، خاصة في هذه المرحلة، مع طلب دعم من جانب موسكو للحصول على ضمانات أمنية للوصول إلى اتفاق خاص ببرنامجها النووي[5].
أتى ذلك وسط الانتقادات الواسعة ضد بيونج يانج بسبب برنامجها النووي والصاروخي أو ملف حقوق الإنسان، إضافة إلى التعاون التجاري وسط عقوبات خانقة، فيما وجدت موسكو في هذه القمة فرصة لاستعادة دورها في شبه الجزيرة الكورية كما كانت قبلًا خلال المحادثات السداسية 2003- 2009.[6]
هذا اللقاء كان الأساس الذي استندت إليه كوريا الشمالية في المرحلة التالية، ويدلل على ذلك ما ورد عن روسيا خلال الخطة الخمسية التي وضعها حزب العمال الحاكم في بيونج يانج خلال مؤتمر الحزب الحاكم في يناير عام 2021 حيث أشار إلى وضع حجر الأساس “لتوسيع العلاقات الودية”[7].
هدف المساندة الدولية من جانب موسكو تجاه بيونج يانج أتى ثماره بالفعل حينما قدمت الصين وروسيا مشروع قرار في نوفمبر 2021 يحث مجلس الأمن على إنهاء مجموعة من العقوبات ضد كوريا الشمالية بما في ذلك حظر صادرات المأكولات البحرية والمنسوجات، بعدها منعت موسكو وبكين عقوبات ضد 5 مسؤولين في كوريا الشمالية بمجلس الأمن الدولي في يناير من عام 2022 عقب سلسلة من التجارب الصاروخية، فقالت في مبررات الفيتو الخاص بها إن هنالك حاجة لمزيد من الأدلة لمساندة طلب الولايات المتحدة لفرض العقوبات[8].
وربما هذا كل هذه الأحداث تفسر المساندة القادمة من جانب كوريا الشمالية في الأمم المتحدة لروسيا، في مقابل الأمر ذاته من جانب موسكو لصالح بيونج يانج فيما يخص العقوبات الدولية والتي كان آخرها في مايو 2022 باستخدام حق الفيتو ضد مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن لفرض مزيد من العقوبات ضد بيونج يانج نتيجة تجاربها الصاروخية التي ازدادت وتيرتها خلال العام 2022[9]، علاوة على ذلك دعم المواقف الروسية فيما يخص الاعتراف باستقلال إقليمي دونيتسك ولوهانسك في يوليو [10]2022، ثم دعم موقف موسكو فيما يتعلق بضم الأقاليم الأربعة (دونتيسك، ولوهانسك، وخيرسون، وزابوريجيا) إلى روسيا الاتحادية على لسان جو تشول سو، المدير العام لإدارة المنظمات الدولية بوزارة خارجية جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية [11].
وبشكل أكثر عمومية، فإنه يمكن الوصول إلى تفسير لاستمرار العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا بل وتقويتها في السنوات الأخيرة وبعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من خلال النظر إلى مكانة روسيا في المجتمع الدولي وعلاقاتها بالولايات المتحدة التي تأرجحت بين التقارب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي “حقبة يلتسين”، والتباعد بينهما في السنوات الأخيرة، لاسيما مع استعادة روسيا لمكانتها كقوة كبرى مؤثرة في المجتمع الدولي خلال العقد الأخير، وهو عامل مؤثر على سلوك كوريا الشمالية تجاه التعامل مع الولايات المتحدة خصوصًا والمجتمع الدولي عمومًا، مضافًا إليه العلاقات الروسية الصينية التي تؤثر على كوريا الشمالية الساعية إلى إحداث التوازن في علاقاتها بين الدولتين الجارتين.
التبادل الاقتصادي دافع أكبر لكوريا الشمالية
ترتبط كل من روسيا وكوريا الشمالية بشريط حدودي بري قصير يمتد حوالي 17 كيلو مترًا، ما يجعل فرص التبادل التجاري والاقتصادي أكبر لاسيما في ظل الظروف الحالية المرتبطة بالعقوبات المفروضة على كل منهما.
ورغم أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر لكوريا الشمالية إلا أن بيونج يانج تنظر أيضًا إلى روسيا كشريك تجاري آخر يمكن التعامل معه في ظل عزلة دولية، لكن هذا التعاون يظل محدودًا نتيجة لما تفرضه العقوبات، ومحدودية المنتجات التي تستطيع كوريا الشمالية -التي تعاني من محدودية النقد السائل- تصديرها إلى روسيا، لكن مؤخرًا تم استئناف التبادل عبر خط السكك الحديدية بين البلدين في نوفمبر 2022، عبر شحنة من خيول “Orlov Trotter” الروسية التي عبرت الحدود إلى كوريا الشمالية.[12]
إلا أن هناك عدة جوانب يمكن التعاون فيها حتى الآن، أولها العمالة الكورية الشمالية حيث أشار نائب رئيس الوزراء الروسي مارات خوسنولين في سبتمبر 2022 إلى إن السلطات الروسية “تعمل على ترتيبات سياسية” لتوظيف العمالة الكورية الشمالية. ووفقا له، قد تتم دعوة عمال كوريا الديمقراطية، الذين يتراوح عددهم بين 20000 و50000 عامل، إلى روسيا؛ وذلك بشكل أساسي لتطوير البنية التحتية في الشرق الأقصى الروسي. ووفقًا لأرتيوم لوكين الأستاذ المساعد في قسم العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأقصى الفيدرالية في فلاديفوستوك، فإنه في حالة استخدام هذه العمالة فإنها ستحصل على أجرها باليوان الصيني بدلًا من الدولار الأمريكي في ظل فصل روسيا عن النظام المالي الخاص بالدولار. [13]
إضافة إلى العمالة، فإن استئناف تصدير البترول مجال آخر يمكن التعاون من خلاله، حيث أشار مسؤول بوزارة الخارجية الروسية مؤخرًا إلى أن روسيا مستعدة لاستئناف تصدير النفط والمنتجات البترولية إلى كوريا الديمقراطية، وأخيرًا فإن مجال السياحة أيضًا يعد مجالًا واعدًا قد تسعى إليه كوريا الشمالية من خلال استقبال السياح الروس لقضاء العطلة على شواطئ مدينة وونسان بدلًا من إيبيزا الإسبانية التي لم يعودوا قادرين على الذهاب إليها.[14]
هل تساعد كوريا الشمالية روسيا عسكريًا؟
هذا التساؤل كان يستحق أن يطرح في ظل الاتهامات الغربية لكوريا الشمالية بتقديم السلاح والذخيرة للجيش الروسي، حيث وجه هذا الاتهام لأول مرة من خلال تقرير للمخابرات الأمريكية في سبتمبر [15]2022، وظهر مرة أخرى في نوفمبر 2022 باتهام كوريا الشمالية بدعم شركة فاجنر العسكرية الروسية[16]. ولكن هذه الاتهامات يمكن دحضها من خلال 3 نقاط رئيسة:
النقطة الأولى هي النفي الرسمي المتكرر من جانب كوريا الشمالية، حيث نفت هذا الأمر لأول مرة على لسان مسؤول كبير بوزارة الدفاع الوطني في كوريا الشمالية في بيان نقلته وكالة الأنباء الكورية المركزية الرسمية، حيث أشار إلى أن بيونج يانج لم تصدر أبدًا أسلحة أو ذخائر إلى روسيا من قبل ولن تخطط لتصديرها، ونفيًا ثانيًا في نوفمبر للاتهام ذاته على لسان نائب مدير الشؤون الخارجية العسكرية بوزارة الدفاع الكورية الشمالية، ثم نفيًا أخيرًا في ديسمبر حول تقارير يابانية حول الموضوع ذاته. [17][18][19]
النقطة الثانية هي أن تصميمات السلاح الكورية الشمالية لا سيما الدبابات تعود إلى الحقبة السوفيتية، صحيح أن لدى كوريا الشمالية قدرات نووية لكن على مستوى السلاح التقليدي لا تزال تعتمد على هذا النوع من التصميمات، على سبيل المثال فإن جزءًا كبيرًا من الدبابات من طراز T-54/55 وT-62 السوفيتية المرخصة -حتى الدبابات التي تم بناؤها محليًا، مثل Chonma-Ho وPokpung-Ho الأحدث- هي مشتقات قريبة من النماذج السوفيتية والصينية، وبالتالي لن تستخدم روسيا أسلحة متأخرة في تصميماتها في مواجهة أوكرانيا.[20]
إضافة إلى ذلك الفارق الشاسع ما بين القوات الروسية وقوات كوريا الشمالية “الجيش الشعبي الكوري”، فوفقًا لموقع جلوبال فاير باور المعني بالشؤون العسكرية، تقع روسيا في المركز الثاني عالميًا فيما تقع كوريا الشمالية في المركز 30 عالميًا، وبالنسبة للمدفعية فإن روسيا الأولى عالميًا برصيد أكثر 7500 قطعة، فيما تقع كوريا الشمالية في المركز 40 عالميًا بـ700 قطعة.[21]
النقطة الثالثة أنه على فرض توريد كوريا الشمالية للسلاح إلى روسيا، فإن البنية التحتية لشبكة المواصلات البرية بين البلدين قد لا تسمح بذلك؛ إذ إن جسر Tumangang للصداقة بين كوريا الشمالية وروسيا الذي يبلغ طوله 800 متر يحوي شبكة للسكك الحديدية الروسية بكوريا الشمالية، لكن تتباين فيها قياسات القضبان التي يسير عليها قطارات كوريا الشمالية وروسيا، ما يعني استحالة أن يسير أي منهما على مسار الآخر، بجانب أن لقطات الأقمار الصناعية لدى موقع نورث 38 المتابع لشؤون كوريا الشمالية لم تلتقط ما يثبت صحة التقارير الاستخبارية الأمريكية حول هذا الأمر.[22]
السلاح النووي لكوريا الشمالية والأزمة الأوكرانية
المفارقة أن جزءًا من برنامج كوريا الشمالية الذي بدأ مطلع تسعينيات القرن العشرين قد بدأ على أكتاف العلماء الأوكرانيين وفقًا لمجلة تايم؛ إذ إن عددًا كبيرًا من العلماء المتخصصين في هذا المجال أصبحوا عاطلين عن العمل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وبحسب السفير الأمريكي السابق لدى أوكرانيا كارلوس باسكوال، كانت “هناك إغراءات هائلة للعلماء للحصول على بعض معارفهم وربما بيعها في مكان آخر”[23]، الأمر ذاته تحدث عنه الخبير في شؤون كوريا الشمالية ميكانو يوشيهرو في لقاء نقلته صحيفة دونغ آه إلبو الكورية الجنوبية عن راديو آسيا الحرة[24].
ورغم الدعم الكوري الشمالي للعمل العسكري الروسي في أوكرانيا، يطرح البروفيسور ليم إل تشول الأستاذ بمعهد دراسات الشرق الأقصى التابع لجامعة كيونغ نام الكورية الجنوبية في حديث لوكالة أنباء يونهاب نقطة أخرى غاية في الأهمية وهي أن الاجتياح الروسي يُوجِد مبررًا لبيونج يانج للاحتفاظ بترسانتها النووية والصاروخية؛ إذ إن أوكرانيا التي تخلت عن ترسانتها النووية عام 1994 بتوقيع مذكرة بودابست –حيث تخلت عن الترسانة النووية للاتحاد السوفييتي مقابل ضمانات أمنية- أصبحت عرضة الآن للهجوم من قوة عظمى مثل روسيا.[25][26]
الأمر ذاته يتحدث عنه السفير الكوري الجنوبي السابق لدى روسيا وأوكرانيا لي يانغ غو في حديث لموقع ان كيه نيوز المتخصص في شؤون كوريا الشمالية، فيرى أن بيونج يانج ستكون على قناعة أن أي اتفاق حول أسلحتها النووية مع الغرب سيفشل مثل مذكرة بودابست، مشيرًا إلى صعوبة إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن سلاحها النووي بعد هذه الأزمة. [27]
المساندة الشمالية لروسيا وتأخر رد الفعل الجنوبي
في بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، تأخرت إدارة الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جيه إن في إدانة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ووصفها بالغزو قبل اتخاذ موقف تشدد بعد ذلك، في الوقت نفسه كانت قد حصلت على إعفاء من الولايات المتحدة من قيود التصدير الموسعة التي تفرضها على روسيا نتيجة حربها في أوكرانيا، فضلًا عن أن سول حينها تجنبت فرض عقوبات أحادية مثل التي تبنتها أستراليا واليابان حلفاء واشنطن، إذ أشارت خارجيتها قبيل بدء العمليات العسكرية الروسية إلى أن سول ستنضم إلى المجتمع الدولي في فرض قيود على التصدير ضد موسكو حال حدوث غزو لأوكرانيا. [28]
يُرجع عدد من الخبراء ذلك إلى رغبة كوريا الجنوبية في عدم خسارة روسيا في دعم عملية السلام في شبه الجزيرة الكورية؛ فالإدارة الكورية الجنوبية السابقة –غادرت في مايو 2022 وكانت تنتمي للتيار الليبرالي– كانت تضع نصب عينيها مشروعين مهمين تشترك فيهما كوريا الشمالية وروسيا: الأول هو السكك الحديدية العابرة لسيبيريا، والثاني هو خط أنابيب الغاز الروسي بطول 1200 كيلو متر والذي يعبر كوريا الشمالية من أجل الوصول إلى مركز الصناعة في جنوب شبه الجزيرة الكورية، وكليهما كان ضمن سياسة مون جيه إن للتعاون تجاه الدول الواقعة شمال كوريا الجنوبية (كوريا الشمالية، وروسيا، والصين، ودول آسيا الوسطى، ومنغوليا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا) بحسب المحلل المتخصص في شبه الجزيرة الكورية جون لي في تصريحات لـ إن كيه نيوز.[29][30]
لكن رغم ذلك، يلحظ انضمام كوريا الجنوبية إلى منظومة العقوبات الدولية “الغربية” المفروضة على روسيا لتضعها موسكو على قائمة الدول “غير الصديقة”، وهي القائمة التي تضم أيضًا أستراليا واليابان.[31]
صعود اليمين الكوري الجنوبي والناتو والتوسع في تصدير السلاح
ما زاد من تعقيد الأمور في العلاقات بين كوريا الجنوبية وروسيا هو وصول الرئيس يون سوك يول المنتمي إلى حزب قوة الشعب اليميني إلى الحكم في سول في مايو 2022، والذي تتضمن رؤيته مزيدًا من الاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة والغرب سواء فيما يتعلق بالتعامل مع كوريا الشمالية أو القضايا الأخرى. [32]
وفي تطور لافت وعكس كل الرؤساء الكوريين الجنوبيين، شارك الرئيس يون في قمة الناتو التي انعقدت في نهاية يونيو 2022، وهي أول قمة لقادة حلف شمال الأطلسي عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، وأعلن خلال كلمته في القمة تخصيص 100 مليون دولار مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا، وهو ما استمر في الشهور اللاحقة، حيث قدمت أيضًا مولدات كهربائية ولقاحات، إضافة إلى الحديث مع القادة الأوكرانيين عن جهود إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب. [33][34]
هذا الاصطفاف والمواقف الكورية الجنوبية دفع لاحقًا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع “نادي فالداي” للتحذير من تدهور العلاقات بين موسكو وسول حال تقديم الأخيرة مساعدات عسكرية في أكتوبر من عام 2022، وهو الأمر الذي نفاه الرئيس الكوري الجنوبي بالإشارة إلى حرص بلاده على الحفاظ على “علاقات سلمية مع جميع الدول في أنحاء العالم”.[35]
فرصة سول لزيادة مبيعات السلاح لجيران روسيا
صحيح أن كوريا الجنوبية لم تقدم أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا، لكن الأزمة في أوكرانيا –حتى منذ أحداث ضم القرم في 2014- ربما عززت من فرصها كدولة مصدرة للسلاح عالميًا، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن التوسع في صادرات السلاح في كوريا الجنوبية هي سياسة كان يعمل عليها الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جيه إن، ويركز عليها الرئيس الحالي يون سوك يول.
والمتابع لصعود كوريا الجنوبية في هذا المجال سيلحظ صعودها في هذا المجال بين عامي 2000 و2020 من المركز 31 إلى المركز7 عالميًا ببيع ما قيمته 3 مليارات دولار، ثم مبيعات تصل إلى 7 مليارات دولار عام 2021، ثم قفزة كبرى عام 2022 في مبيعات سلاح تصل قيمتها ما بين 15- 20 مليار دولار في صفقات أسلحة لعدد من الدول من بينها بولندا التي تسعى من خلال هذه الصفقة لسد ما فقدته من الأسلحة والمساعدات العسكرية التي قدمتها لأوكرانيا والتي تقدر بحوالي ملياري دولار حتى أكتوبر 2022. [36][37][38]
وتضمنت الصفقة التي بلغ إجمالي قيمتها 6 مليارات دولار، دبابات من طراز K2 ومدافع الهاوتزر ذاتية الحركة K9 والتي تعد أحد أعمدة القوات البرية الكورية الجنوبية. [39] لكن هذه ليست المرة الأولى التي تتعامل فيها كوريا الجنوبية مع دول على حدود روسيا، فقد كانت أول صفقة للـk9 لبولندا عام 2014 عقب أزمة القرم، وحذت كل من فنلندا والنرويج حذوها في عام 2017، فيما كانت إستونيا أحدث من انضم إلى قائمة الدول التي تستورد هذا النوع من المدافع الهاوتزر لدرء أي غزو بري محتمل نظرًا لسرعة K9 وكفاءته وسعره الأرخص نسبيًا. [40]
الخلاصة
يأتي موقف كوريا الشمالية المؤيد للحرب الروسية في أوكرانيا في إطار المساندة المتبادلة مع موسكو التي أسهمت مع الصين في منع فرض مزيد من العقوبات على بيونج يانج ومسؤوليها، والإبقاء على موسكو كأحد البدائل القليلة جدًا للتبادل التجاري وإن كان بصورة أقل كثيرًا من بكين. علاوة على ذلك، فإن موقف روسيا من الولايات المتحدة والغرب أتى متسقًا مع توجهات كوريا الشمالية تجاه الغرب والولايات المتحدة في وقت كانت تبحث فيه بيونج يانج عن قوة كبرى صديقة تعوض الفراغ الذي تركه انهيار حليفها الأهم “الاتحاد السوفييتي” عام 1991.
إضافة إلى ذلك، عززت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من موقف كوريا الشمالية فيما يتعلق بتبرير عدم التخلي عن البرنامج النووي والصاروخي، مع عدم نجاح مذكرة بودابست التي تخلت أوكرانيا بموجبها عن الترسانة النووية التي ورثتها عن الاتحاد السوفيتي مقابل الضمانات الأمنية في حمايتها من تدخل قوة عظمى عسكريًا مثل روسيا، إضافة إلى الدعم الروسي والصيني في الأمم المتحدة عبر منع مزيد من العقوبات، ما يدفعها إلى تطوير ترسانتها العسكرية الصاروخية.
أما كوريا الجنوبية فقد صنفت دولة غير صديقة لروسيا، وتقف العلاقات بين موسكو وسول على المحك لا سيما مع السياسة الخارجية للرئيس الكوري الجنوبي الجديد يون سوك يول والمتمثلة في مزيد من الاصطفاف مع الغرب وتحديدًا حلف الناتو التحدي الرئيس لروسيا. على الجانب الآخر، تستغل كوريا الجنوبية الأزمة في أوكرانيا لزيادة مبيعاتها من الأسلحة لا سيما للدول المجاورة لروسيا أو تلك التي تقدم الدعم العسكري لأوكرانيا مثل بولندا.
على مستوى الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، فإن الأزمة في أوكرانيا عززت من انقسام المواقف بين شطري شبه الجزيرة، فيما يزداد التوتر في هذه المنطقة مع تطوير كوريا الشمالية لبرنامجها الصاروخي، مع ضمانة نسبية بعدم التعرض لمزيد من العقوبات الأممية، فيما يزداد التسلح من جانب كوريا الجنوبية التي أصبحت ليس فقط منتجًا للسلاح لكن أيضًا مصدرًا له.
المصادر
[1] الأمم المتحدة، الجمعية العامة تصوّت لصالح قرار يشجب “العدوان على أوكرانيا” ويدعو روسيا إلى سحب قواتها فورا، الموقع الرسمي للأمم المتحدة ( تم الدخول في 29 ديسمبر 2022)
الرابط: https://news.un.org/ar/story/2022/03/1095332
[2] The Korea Herald, NK ambassador to UN denounces US over Russia’s Ukraine invasion, March 2022, Link: https://www.koreaherald.com/view.php?ud=20220302000162
[3] CNN, رئيس كوريا الشمالية يلغي زيارته المقررة إلى موسكو للمشاركة باحتفالات النصر، أبريل 2015، (تم الدخول 30 ديسمبر 2022)
الرابط: https://arabic.cnn.com/world/2015/04/30/russia-kim-jong-un-visit
[4] Artyom Lukin, The Putin and Kim Rendezvous in Vladivostok: A Drive-By Summit, North 38, 2May 2019. (entered 29th of December 2022)
Link: https://www.38north.org/2019/05/alukin050219/
[5] CBS NEWS, Putin says Kim Jong Un needs internationally-backed security guarantees for a nuclear deal, 25 April 2019, (entered: 31 Dec. 2022) Link: https://www.cbsnews.com/news/putin-kim-jong-un-north-korea-summit-today-live-updates-2019-04-25/
[6] المحادثات السداسية، إذاعة كوريا الجنوبية الرسمية KBS.
رابط: http://world.kbs.co.kr/special/northkorea/contents/archives/six-party/3rd_round.htm?lang=a
[7] محمد صلاح الدين، قراءة في مؤتمر الحزب الحاكم في كوريا الشمالية.. العودة إلى المربع صفر، المرصد المصري التابع للمركز المصري للدراسات، 19 يناير 2022، (تم الدخول 29 ديسمبر 2022)
رابط: https://marsad.ecss.com.eg/49467/
[8] AP, Russia and China block new UN sanctions on 5 North Koreans, January 2022. (entered 29 Dec. 2022) Link: https://marsad.ecss.com.eg/67980/
[9] Reuters, China, Russia veto U.S. push for more U.N. sanctions on North Korea, 27 May 2022
Link: https://www.reuters.com/world/china-russia-veto-us-push-more-un-sanctions-north-korea-2022-05-26/
[10] روسيا اليوم، بوشلين: كوريا الشمالية اعترفت باستقلال جمهورية دونيتسك الشعبية، يوليو 2022 (تم الدخول ديسمبر 2022)
رابط: https://arabic.rt.com/world/1372304-بوشلين-كوريا-الشمالية-اعترفت-باستقلال-جمهورية-دونيتسك-الشعبية/
[11] Korea Central News Agency, Press Statement of DPRK Foreign Ministry Official, 4 October 2022 (entered December 2022) Link: http://kcna.kp/en/article/q/7e3faef687a3ebc81043508dcf34f21a.kcmsf
[12] Reuters, All the pretty horses: Equine passengers travel on first Russian train to N.Korea since COVID, 2 November 2022, (entered: 31 Dec, 2022) Link: https://www.reuters.com/world/all-pretty-horses-equine-passengers-travel-first-russian-train-nkorea-since-2022-11-02/
[13] ARTYOM LUKIN, Russia and North Korea: Moving Toward Alliance 2.0?, 38 North, 27 September 2022. Link: https://www.38north.org/2022/09/russia-and-north-korea-moving-toward-alliance-2-0/
[14] Ibid
[15] New york times, Russia Is Buying North Korean Artillery, According to U.S. Intelligence, 5 September 2022, Link: https://www.nytimes.com/2022/09/05/us/politics/russia-north-korea-artillery.html?action=click&module=Well&pgtype=Homepage§ion=US%20News
[16] BBC, North Korea sold arms to Russia’s Wagner group, US says, 22December 2022
Link: https://www.bbc.com/news/world-europe-64072570
[17] New York Times, North Korea Denies U.S. Claims of Arms Sales to Russia, September 2022, Link: https://www.nytimes.com/2022/09/22/world/asia/north-korea-russia-arms-us.html
[18] KCNA, Press Statement of Vice Director for Military Foreign Affairs of DPRK Ministry of National Defence, 8 November 2022, Link: http://kcna.kp/en/article/q/655a3c30289d0b5e7228f799f83e0bd9.kcmsf
[19] KCNA, Spokesman for DPRK Foreign Ministry Censures Japanese Media for False Report, December 2022. Link: http://kcna.kp/en/article/q/1d539af6f55646714cba575a13d14acb.kcmsf
[20] Asia Times, North Korea’s new battle tank baffles experts, October 2020. Link: https://asiatimes.com/2020/10/kpas-new-main-battle-tank-leaves-experts-baffled/
[21] https://www.globalfirepower.com/
[22] 38 North, Spotlight: North Korea-Russia Transport Infrastructure, September 2022, Link: https://www.38north.org/2022/09/spotlight-north-korea-russia-transport-infrastructure/
[23] Time, How North Korea Built a Nuclear Arsenal on the Ashes of the Soviet Union, February 2018:
Link: https://time.com/5128398/the-missile-factory/
[24] 동아 일보, 러시아 손 들어준 北, 핵미사일 기술 준 우크라 배신했나, 3March 2022,
link: https://www.donga.com/news/Politics/article/all/20220303/112133162/1
[25] 연합 뉴스, [우크라 침공] ‘국가주권’ 외치던 북한, 러시아 행위엔 ‘지지’, March 2022, Link: https://www.yna.co.kr/view/AKR20220303047600504
[26] Treaty of Budapest, Un website: https://treaties.un.org/Pages/showDetails.aspx?objid=0800000280401fbb
[27] NK News, DPRK unlikely to denuclearize after war in Ukraine: Ex-ROK ambassador to Kyiv, March 2022, link: https://www.nknews.org/2022/03/dprk-unlikely-to-denuclearize-after-war-in-ukraine-ex-rok-ambassador-to-kyiv/
[28] Yonhap News, S. Korea vows to join export controls against Russia, shuns its own sanctions, February 24, 2022. Link: https://en.yna.co.kr/view/AEN20220224011351325?section=national/diplomacy
[29] https://www.bukbang.go.kr/bukbang_en/vision_policy/strategy/
[30] NK News, How North Korea played into South Korea’s slow-motion condemnation of Russia, link: https://www.nknews.org/2022/03/how-north-korea-played-into-south-koreas-slow-motion-condemnation-of-russia/?t=1654324254079
[31] KBS, روسيا تحدد كوريا الجنوبية كدولة غير صديقة. 8 مارس 2022، رابط: http://world.kbs.co.kr/service/news_view.htm?lang=a&Seq_Code=68717
[32] وكالة يونهاب للأنباء، نتائج الانتخابات الكورية الجنوبية في مارس 2022، انفوجراف رابط: https://www.yna.co.kr/view/GYH20220310000700044
[33] Welson Center, South Korea’s Important Achievement at the NATO Summit, June 30, 2022, link: https://www.wilsoncenter.org/article/south-koreas-important-achievement-nato-summit
[34] يونهاب، رئيس الوزراء يؤكد دعم كوريا الجنوبية لأوكرانيا في محادثات هاتفية، 23 ديسمبر 2022، رابط: https://ar.yna.co.kr/view/AAR20221223003800885?section=search
[35] يونهاب، الرئيس يون يقول إن كوريا الجنوبية لم تقدم أبدًا أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا، أكتوبر 2022، رابط: https://ar.yna.co.kr/view/AAR20221028001000885
[36] Korea Economic Institute, 2022 in Review: South Korean Arms Exports, December 22, 2022. Link: https://keia.org/the-peninsula/2022-in-review-south-korean-arms-exports/
[37] روسيا اليوم، بولندا قدمت ملياري دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، 12 ديسمبر 2022، رابط: https://arabic.rt.com/world/1416369-بولندا-قدمت-2-مليار-دولار-من-المساعدات-العسكرية-لأوكرانيا/
[38] يونهاب، شركة هيونداي روتيم تبرم صفقة أساسية مع بولندا لتصدير ألف دبابة K2، 28 يوليو 2022، رابط: https://ar.yna.co.kr/view/AAR20220728001800885
[39] روسيا اليوم، بولندا تستلم من كوريا الجنوبية الدفعة الأولى من صفقة الدبابات والمدافع، 6 ديسمبر 2022، رابط: https://arabic.rt.com/world/1414509-في-بولندا-تم-استلام-شحنة-دبابات-ومدافع-من-كوريا-الجنوبية/
[40] The Diplomat, President Moon’s Legacy: Boosted Arms Exports for South Korea, 23 March 2022 Link: https://thediplomat.com/2022/03/president-moons-legacy-boosted-arms-exports-for-south-korea/
.
رابط المصدر: