ليبيا.. مستقبل جديد

عبد الستار حتيتة

 

تسعى ليبيا إلى الدخول في مستقبل جديد، خاصة بعد أن تجاوزت قوى سياسية واحدة من العقبات الكبيرة؛ المقصود بهذه القوى معظم أعضاء مجلس النواب، ومعظم أعضاء مجلس الدولة، والعقبة كانت تتمثل في التوافق على قاعدة دستورية تُجرى على أساسها الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

أين كانت تكمن المشكلة؟ وهذا يمكن اعتباره البند ثانيًا! الخلافات الجوهرية كانت كثيرة، منها مثلًا: هل يتم إجراء الانتخابات البرلمانية ثم انتخاب رئيس للدولة من أعضاء البرلمان الجديد؟ أم تجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متزامن؟، ومنها كذلك من يحق له الترشح؟ هل العسكريون ومزدوجو الجنسية؟ ومن لم تصدر أحكام نهائية بإدانتهم من القضاء؟ وغيرها من تفاصيل..

الحل الذي أمكن التوصل إليه بين تلك الأطراف الليبية، أخيرًا، بسبب الضغط الإقليمي والدولي، هو التوافق على مبادئ عامة في القاعدة الدستورية. والبند المهم في كل هذه الشروط أنه إذا لم تجر انتخابات الرئاسة بالتزامن مع انتخابات البرلمان فإن الانتخابات الأخيرة كأن لم تكن.

وجرى ترك باقي الترتيبات إلى القوانين المنظمة للعملية الانتخابية؛ أي أنه، وفقًا للتعديل الـ13 في الإعلان الدستوري أو ما يعرف بالقاعدة الدستورية، سيكون من حق الجميع الترشح لموقع رئيس ليبيا. وهذا وافق عليه مجلسا النواب والدولة، وهي خطوة مهمة إلى الأمام.

بمجرد إعلان المجلسين عن توافقهما حول القاعة الدستورية، ساد الارتباك داخل حكومة عبد الحميد الدبيبة، منتهية الولاية، وساد الارتباك كذلك في مقر البعثة الأممية في طرابلس؛ فحكومة الدبيبة تخشى خروجها من المشهد، لذا يبدو أنها تماطل، وأعلن رئيس هذه الحكومة تمسكه بأمور من شأنها أن تعرقل جهود مجلسي النواب والدولة، وهو أمر مطلوب لدى بعض الأطراف الإقليمية والدولية. والدبيبة، إجمالًا، يتبني خيار إجراء الانتخابات البرلمانية دون الرئاسية، وهذا أمر يبدو أنه غير مرحب به من غالبية الليبيين.

وعلاوة على ذلك، فإن البعثة الأممية برئاسة عبد الله باتيلي كانت لديها شكوك منذ أسابيع في قدرة المجلسين على التوصل إلى توافق بشأن القاعدة الدستورية. وتحدث باتيلي بمثل هذه الريبة في إحاطته لمجلس الأمن الدولي، منذ أيام. وأيد مساعيه عديد الدول. لكن ينبغي التفريق بين موافقة الجميع، في الداخل والخارج، على ضرورة إجراء الانتخابات قبل نهاية 2023، وبين شروط هذه العملية ومراحلها.

أخيرًا كانت مفاجأة التوافق الليبي-الليبي! يرجع الفضل في حدوث التوافق بين مجلسي النواب والدولة إلى جهود ترى ضرورة توصل الليبيين -وليس غير الليبيين- إلى حل مشاكلهم؛ أي: إجراء الانتخابات المتزامنة، وإقامة حكومة وطنية موحدة، وتوحيد مؤسسات الدولة، وتفكيك الميليشيات، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من على الأراضي الليبية.

لماذا هي مفاجأة؟ ولمن؟ الذي فوجئ هي البعثة الأممية؛ لأن رئيسها كانت لديه خطة مغايرة، وهي تشكيل لجنة حوار ليبية خاصة تقوم بوضع التشريعات المنظمة للانتخابات. وعندها قد تظهر تفضيلات من بعض الأطراف، لإجراء الانتخابات البرلمانية، واختيار الرئيس من بين أعضاء البرلمان، وليس عبر انتخابه بشكل مباشر من الشعب، وهذا يأتي على هوى الدبيبة ومؤيديه.

لكن لماذا التخوف من هكذا خطوة؟ السبب هو أن هناك شكوكًا حول مغبة حدوث تلاعب في الانتخابات البرلمانية، وبالتالي اختيار الرئيس الذي تريده أغلبية البرلمان.. ليس الرئيس فقط، بل رئيس الحكومة أيضًا. وبالتالي تغليب بعض الفرق على فرق أخرى، والاستمرار في المشاكل نفسها التي تسببت في الخلافات بين الليبيين لسنوات.

دون الخوض في مزيد من النقاط الملتهبة، إلا أنه وبمجرد توافق المجلسين حول القاعدة الدستورية، شعرت البعثة الأممية بأن هناك جهودًا ليبية خالصة لتجاوزها. كان الاعتقاد السائد أن المجلسين سيفشلان، بيد أنهما نجحا، وقالا صراحة إنهما جاهزان لحل ألغاز باقي المهمة، حتى ولو صدرت من البعض مؤشرات مقلقة!

على ذلك، قرر مجلسا النواب والدولة تشكيل لجنة ثنائية؛ للتشاور فيما يتعلق بوضع تفاصيل القوانين التي سوف تنظم العملية الانتخابية، أي مرحلة حسم العديد من النقاط، وهذا هو المهم. بالتزامن مع هذه المساعي الليبية، رجع باتيلي محاولًا الإمساك بأطراف ملف الأزمة من جديد، فقال إنه سوف يستمر في خطته وانتظار ما سيقوم به المجلسان الليبيان، وأن المهم أن يحل شهر يونيو والأوضاع في البلاد قد تهيأت لإجراء الانتخابات قبل نهاية هذا العام.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76041/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M