أخلاقيات الإعلام العربي وتضارب الروايات في العمل الصحفي

محمد الراجي

تزداد عملية إنتاج المحتوى الإعلامي والعمل الإخباري تعقيدًا في البيئة الإعلامية الراهنة التي أصبحت تهيمن فيها ثقافة الشاشة (شاشات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والشبكات الاجتماعية التي تحوَّلت إلى وسائل سائدة تفرض سلطتها حتى على نشاط مؤسسات الإعلام التقليدي العالمية)؛ حيث التدفقُ الهائل للأخبار والمعلومات والبيانات -مسنودًا بتأثير الخوارزميات- وتعدُّدُ مصادرها ورواياتها واختلافُ أجندتها الإخبارية. ويثير ذلك تحديًا كبيرًا أمام وسائل الإعلام والقائمين بالاتصال، خاصة فيما يتعلق بعملية جمع تلك الأخبار والمعلومات التي تُكَوِّن القصة الخبرية ثم التَّحقُّق منها وتركيبها وبنائها وصَوْغِها وتفسيرها. وقد بات شائعًا اليوم أن تُقدِّم بعض وسائل الإعلام العربية، في سياق حالة الاستقطاب التي تعيشها دول المنطقة، قصصًا إخبارية وروايات متناقضة لأحداث ووقائع معلومة (ماذا؟) وسرديات متضاربة لفاعلين هويتهم معروفة (من؟) في سياق زمني (متى؟) ومكاني (أين؟) محدد، مثلما تختلف أيضًا حول تَشْيِيد معاني هذه الأحداث ودلالتها وتأويل معطياتها وتأطير سياقاتها (لماذا؟)، بل لا تتورَّع هذه الوسائل عن اختلاق الوقائع وتَسْيِيقِها (وضعها في سياق بعينه) عبر حملة إعلامية مبرمجة تخلق وهمًا بالواقع المصطنع أو “فوق-الواقع”(1) -كما يُسمِّيه عالم الاجتماع الفرنسي، جان بودريار (Jean Baudrillard)- والذي لا علاقة له بالواقع المحسوس المُعَيَّن إلا في ذاته (واقع رمزي أو نصي)، ولا وجود له خارج الرواية المُفَبْرَكَة/الكاذبة، أي اصطناع الواقع.

وتُبيِّن الملاحظة الاستكشافية لنشاط وسائل الإعلام المختلفة شرقًا وغربًا استفحال هذه الممارسة الإعلامية المُتَجاوِزَة للأخلاق المهنية (اصطناع الوقائع وفَبْرَكَتِها) في الأعوام الأخيرة، وهو ما جعلها مثارًا للبحث والنقاش في حقول معرفية متعددة أيضًا؛ وذلك لامتدادات هذه الظاهرة وتأثيراتها في العلاقات بين وسائل الإعلام والمجتمع ومؤسساته المختلفة ثم بين الأفراد والجماعات والدول؛ حيث أسهمت هذه الظاهرة في أزمات وصراعات سياسية كثيرة. وقد برزت، أي الظاهرة، بشكل لافت في وسائل الإعلام الجديد، لاسيما المواقع الإخبارية والصحف الإلكترونية، وحتى بعض المواقع الإلكترونية الرسمية(*) (وكالات أنباء الأخبار وغيرها)، التي لا يَنْتظِم عدد كبير منها للقواعد الحاكمة للعمل الإعلامي المهني لأسباب مختلفة؛ قد يكون بعضها مرتبطًا بالظروف المهنية التي يعمل فيها الصحفيون بحثًا عن الأخبار الحصرية والعاجلة دون التَّحقُّق من صحة المعلومات والتحرِّي في دقة البيانات ونسبة الأفعال والأقوال إلى مصادرها الأصلية. وقد تكون قلَّة الخبرة المهنية ونقص التكوين سببًا في هذه الممارسة المُتَجاوِزَة لأخلاقيات المهنة، لكن هناك بعض الوسائط تعمل على ترويج الأخبار الكاذبة خدمة لأجندة الجهات والأطراف (أفرادًا وجماعات ودولًا) التي تُموِّل هذه الوسائل، وأيضًا الدعاية لأطروحاتها السياسية عبر إنتاج روايات صحفية لإحداث تغيير في المواقف وخلق الاستجابة الملائمة لأهدافها وسط الرأي العام المحلي والدولي.

وهنا، تحاول هذه الورقة، المعنونة بـ”أخلاقيات الإعلام العربي وتضارب الروايات في العمل الصحفي”، استكشاف الكيفية التي يتم بها “تخصيب” خطاب القصة الخبرية والطرق التي تُعالج بها الأحداث والوقائع فتَبْنِي صيغًا معينة للواقع وهويات الفاعلين والممارسات الاجتماعية في سياق دراسة الحالة الإعلامية اللبنانية. وتبحث الورقة أساسًا في نظام الخطاب وترتيبه وتَشَكُّله، وتركز على الاستراتيجيات التحريرية التي تتحوَّل من خلالها القصة الصحفية –بوقائعها الثابتة وحقائقها المعلومة- إلى سردية أو رواية صحفية يتحكَّم القائم بالاتصال في هيكلها وإعادة بناء وتركيب تلك الوقائع والأحداث وتَشْيِيد دلالاتها ومعانيها بما يخدم رسالته الإعلامية انسجامًا مع السياسة التحريرية للوسيلة الإعلامية. وهو ما يُنْشِئ بالضرورة روايات صحفية متضاربة تختلف حيثياتها، وتتعارض سياقاتها باعتماد سِجِلٍّ خطابي و”ذخيرة” لغوية خاصة وأُطُر إعلامية محددة/مُوَجَّهَة تُبَئِّر زوايا إخبارية بعينها، وتحجب ما لا يُمِّثل أجندتها في معالجة القصة الصحفية.

وفي هذا السياق، تفترض الورقة أن عملية تَمْثِيل الوقائع والأحداث وبنائها وتركيبها وتشييد دلالاتها عبر استراتيجيات تحريرية مُتَلاعَب بها -ولو بأدنى درجة وفي أية قصة صحيفة- تُنْتِج سردية أو رواية إخبارية وحالة دعائية تُعبِّر عن مواقف القائم بالاتصال تكون مُشْبَعَة بقيم أيديولوجية مُتَجَاوِزة قيم القصة أو الحالة الخبرية. لذلك لا يمكن الركون إلى هذه الرواية باعتبارها خبرًا أو أخبارًا (قصة خبرية)، حاملةً للمعرفة أو مصدرًا للمعرفة كما يرى عالم الاجتماع، روبرت بارك (Robert Park)(2)، من خلال نقل وتزويد المتلقي بالمعلومات الدقيقة والكاملة، وهو المعنى الذي يؤكده أيضًا توين فان دايك (Teun Van Dijk)(3)؛ إذ يعتبر وسائل الإعلام أهم مؤسسة ومصدر لنشر المعرفة بالحدث من خلال نموذج الحالة الخبرية، والتثقيف غير الرسمي بالمعرفة العامة حول العالم عبر النموذج الفكري التجريدي.

وانطلاقًا من المشكلة البحثية المطروحة والفرضية المُؤَسِّسَة للعلاقة المتناقضة بين القصة الخبرية والرواية الصحفية، تهدف الورقة إلى تتبُّع الاستراتيجيات التحريرية وميكانيزمات عملية التحوُّل من القصة الخبرية إلى الرواية الصحفية المُتَلاعَب بمحتواها، بالتركيز على إبراز جوهرهما ومحدداتهما، وأشكال تمظهر الرواية الصحفية التي تكون أحيانًا خبرًا مُحَوَّرًا بالحذف أو الحجب أو إبداء الرأي (خبرًا ملونًا) أو خبرًا دعائيًّا، وقد تكون الرواية الصحفية أيضًا خبرًا بديلًا (مُفَبْرَكًا) للحقائق الثابتة والمعلومة للحدث أو للتصريح الذي يتلاعب القائم بالاتصال بمضمونه فيُنْشِئ رواية صحفية كاذبة حول معطياته. كما تهدف الورقة إلى البحث في خلفيات هذه الممارسة الإعلامية ورهاناتها (علاقة الخطاب بالسلطة والهيمنة)، ومناقشة سؤال المسؤولية الأخلاقية المهنية والقواعد الحاكمة للممارسة الإعلامية و”الانحرافات” التحريرية التي تؤثر سلبًا في الرأي العام وتؤدي إلى تضليله وخداعه وتوجيهه، لاسيما في الصحافة الإلكترونية، حيث تفتقر كثير من المؤسسات الصحفية لبيئة صحفية مهنية تؤهل الصحفيين العاملين فيها لأداء رسالتهم الإعلامية.

وستُعْنَى الورقة بمعالجة بنية الخطاب وتَشَكُّله في القصة الخبرية التي تعالج أحداث الحراك الشعبي اللبناني الذي انطلق في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وقد شمل معظم المناطق في البلاد وغلب عليه محليًّا وصف “الانتفاضة”، في سياق ما يُسمِّيه بعض المراكز البحثية والفكرية بالموجة الثانية من الربيع العربي بعد الموجة الأولى من الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها بعض الدول العربية في نهاية العام 2010 وأوائل العام 2011. وسيكون المجتمع البحثي مُمَثَّلًا في عينة قصدية من القنوات اللبنانية المحلية التي ترتبط بجهات سياسية حزبية أو قريبة من أحد الفرقاء السياسيين اللبنانيين لدراسة تأثير المتغير السياسي في الاستراتيجيات التحريرية وطريقة إنتاج القصة الخبرية في وسائل الإعلام المعنية. ويتشكَّل هذا المجتمع البحثي من القصص الإخبارية (التقارير) التي بثتها قنوات “أو تي في” (OTV)، التابعة للتيار الوطني الحر، و”المنار” التي تُمثِّل الواجهة الإعلامية الرسمية لحزب الله، ثم قناة “الميادين” المعروفة بتأييدها لحزب الله والفريق السياسي اللبناني “14 مارس/آذار” وما يُسمَّى بمحور المقاومة، وذلك خلال الفترة الممتدة بين 27 أكتوبر/تشرين الأول و6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

ولتحليل وحدات العينة -في محاولة لاستقصاء الفرضية البحثية أعلاه- تستعين الورقة بالإطار النظري والمنهجي للتحليل النقدي للخطاب الذي يهتم بدراسة بنية الخطاب ومقاربة نظام صَوْغِه وتَشَكُّله وتحليل التفاعل الخطابي ومعالجة النصوص من منطلق ضروب الخطاب وأصنافه والأساليب المختلفة التي تستند إليها الخطابات وتَمَفْصُلها بعضَها مع بعض كما رسَّخت ذلك أعمال الباحثين الرواد مثل نورمان فاركلوف (Norman Fairclough)(4)، وتوين فان دايك مع الانفتاح على الدراسات التطبيقية التي أنجزها جون ريتشاردسون (John Richardson)(5) وروجر فولر (Roger Fowler)(6)، وأيضًا الدراسة النقدية الجامعة للباحثتين ماريان يورغنسن (Marianne Jørgensen) ولويز فيليبس (Louise Phillips) ثم الدراسة الأكاديمية للباحثة مُنْيَة عبيدي “التحليل النقدي للخطاب: نماذج من الخطاب الإعلامي”(7) وغيرها من الدراسات. ورغم اختلاف المنطلقات النظرية والمنهجية التي تستند إليها نماذج التحليل النقدي للخطاب لدى هؤلاء الباحثين المؤسسين لهذا الحقل العلمي، فإن الورقة البحثية ستكون معنية بإلقاء الضوء على الكيفية التي يقع بها صَوْغ وتفعيل الخطابات نصيًّا، والأسلوب الذي يتم به التحكُّم في خطاب الرواية الصحفية، والكيفية التي تُبْنَى بها الهويات والعلاقات الاجتماعية وأنظمة المعرفة والدلالة من خلال اللغة، أي البحث في الوظائف الثلاثة للخطاب، وظيفة تحديد الهوية، ووظيفة علاقية ووظيفة فكرية. وتُقدِّم هذه الأُطُر رؤية عن الطرق التي تعالج بها النصوص الأحداث والعلاقات الاجتماعية فتُشكِّل صيغًا معينة للواقع وهويات علاقات اجتماعية(8).

1. مفاهيم أساسية

تحدد الورقة ثلاثة مفاهيم أساسية (أخلاقيات الإعلام، والقصة الخبرية، والرواية الصحفية) باعتبارها مدخلًا نظريًّا مهمًّا للتفكير في إشكالية التضارب بين القصة الخبرية التي تخضع للقواعد الحاكمة للممارسة الإعلامية المهنية، والرواية الصحفية التي تنحرف (بالمعنى المعياري) عن هذه الضوابط فتُنْتِج سردية أو رواية عن الحدث قد تتعدَّد (الروايات) بتعدُّد منتجيها وتتأثر بتدخل سلاسل الإنتاج خلال مراحل تحريرها، كما يختلف مضمونها باختلاف سياسة وسائل الإعلام التي تنشرها أو تبثها.

أ- أخلاقيات الإعلام: لأهمية هذا المفهوم وأبعاده المهنية والأخلاقية والقانونية والاجتماعية، وما يقتضيه السياق البحثي لهذه الورقة والفرضية التي تعالجها، سنبيِّن دور المبادئ الأخلاقية المهنية في إنتاج قصص خبرية مُتَحَرِّرة من الضغوط السياسية والأيديولوجية للوسيلة والفاعلين السياسيين والمعلنين، وأيضًا مساهمتها في خلق ممارسة إعلامية مهنية سليمة وجديرة بالتصديق. ونشير هنا إلى أن المجال الذي يسعى إلى تنظيم الممارسة المهنية في القطاعات المختلفة يُسمَّى بالأخلاقيات التطبيقية (Applied Ethics) التي تستخدم المعرفة العميقة لماوراء الأخلاق أو الأخلاق العليا (Metaethics) والمبادئ العامة والقواعد الأخلاقية المعيارية لمعالجة القضايا الأخلاقية الخاصة والحالات الملموسة، وهو ما يجعل الأخلاقيات التطبيقية رابطًا حيويًّا بين النظرية والتطبيق، ومحكَّ الاختبار الحقيقي لصناعة القرار الأخلاقي(9). لذلك تحاول القواعد الأخلاقية العملية المجالية حلَّ المشاكل الأخلاقية التي تطرحها ميادين العلوم والتكنولوجيا وما يرتبط بها من أنشطة اجتماعية واقتصادية ومهنية ليس انطلاقًا من معايير أخلاقية جاهزة ومطلقة؛ بل اعتمادًا على ما يتم التوصل إليه بواسطة التداول والتوافق وعلى المعالجة الأخلاقية للحالات المعقدة والمستعصية، مثل أخلاقيات الطب والبيولوجيا، وأخلاقيات البيئة، وأخلاقيات الاقتصاد، وأخلاقيات المعلومات، وأخلاقيات التكنولوجيا، وأخلاقيات الإعلام والاتصال(10).

وفي مجال الإعلام والاتصال، يرى الأكاديمي جون ميريل (John Merrill) أن أخلاقيات الإعلام تهتم بالصحيح والخطأ، الجيد والرديء، الفعل الأفضل والأسوأ الذي يتخذه العاملون في حقل الصحافة والإعلام؛ إذ لا يمكن أن تكون الصحافة نفسها أخلاقية أو لا أخلاقية؛ بل الممارسون للعمل الإعلامي هم الذين يمكنهم أن يكونوا كذلك، وهذا يعني أن الاهتمام ينصبُّ على المعايير المهنية وأنماط الأفعال التي يتخذها العاملون في مجال الإعلام(11). وبذلك تحقق المبادئ الأخلاقية غرضين أساسيين، أولًا: إيجاد نوع من البوصلة الأخلاقية التي تشير إلى مدى الانحراف عن المسار المطلوب والمرغوب في إنتاج قصص صحفية مُتحرِّرة من الضغوط السياسية والتجارية وغير التجارية، وعدم النشر بدافع المحاباة أو طمعًا بالمال، ونشر القصص وفقًا للاستقصاء الحر وتبعًا لأهميتها بذاتها. ثانيًا: توفر المبادئ الأخلاقية دليلًا هاديًا عمليًّا لإنتاج صحافة آمنة وسليمة وجديرة بالتصديق، والتعامل النزيه والابتعاد عن صراع المصالح(12) والمحاور وتضارب الأجندات السياسية.

وقد حظيت قضية المبادئ الحاكمة للممارسة الإعلامية باهتمام العديد من المؤسسات والشبكات الإعلامية العالمية، وأيضًا المنظمات المحلية والإقليمية والدولية التي نظمت مؤتمرات لتعميق الوعي بأخلاقيات الإعلام، كما أصدرت جهات متخصصة العديد من التقارير التي توضح المخاطر المترتبة على عدم الالتزام بأخلاقيات الممارسة الإعلامية؛ بل إن الكثير من المؤسسات المدنية أدرجت أخلاقيات وسائل الإعلام ضمن أنشطتها (لا يتسع المجال لذكرها هنا).

وقد اهتمت هذه المواثيق والمشاريع بتحديد المبادئ التي تحكم أساسًا عملية جمع الأخبار وإنتاج القصص الإخبارية ونشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتتضمن هذه المبادئ: التزامات ومسؤوليات مهنية، ومسؤوليات أخلاقية، والتزامات قانونية، ومسؤوليات اجتماعية(13). وتتحدد الالتزامات والمسؤوليات المهنية في أسلوب أداء الممارسة الإعلامية وكل ما يرتبط بجودة المنتوج الإعلامي والمعايير التحريرية، أما المسؤوليات الأخلاقية فتشمل مراعاة الجانب الأخلاقي في الممارسة الإعلامية ويدخل في ذلك النزاهة، أو العمل لمصلحة شخصية، أو منفعة ذاتية. وتتعلق المسؤوليات القانونية بالالتزامات التي يفرضها القانون على الصحافيين ويعاقبهم في حالة مخالفتها، وترتبط الالتزامات الاجتماعية بالمسؤوليات التي يقبل الصحفي طواعية الالتزام بها لإحساسه بمسؤوليته الاجتماعية(14) وإِنْ كان البعض يميز بين القاعدة الأخلاقية والقاعدة القانونية، مثل فريدريك شوك (Frederick Shook) الذي يرى أن القوانين أحكام للحياة والسلوك يتم فرضها بواسطة قوة خارجية ويستخدم القانون وسائل للعقوبات، أما الأخلاقيات فإنها أحكام للحياة والسلوك تفرضها على نفسك، أو تفرض عليك مهنتك أن تُلزم بها نفسك، لذلك فهي فلسفة داخلية تُحدِّد ما هو صحيح ومقبول وأساسها هو تصميمك أن تكون عادلًا ودقيقًا وتلتزم بالحقيقة وبالسلوك المسؤول(15).

وعلى الرغم من هذه الحدود الواضحة بين القانون والأخلاقيات، فإنه لا يمكن الفصل بينهما في الواقع؛ ذلك أن الأخلاقيات تأتي من مصادر متعددة دينية وثقافية واجتماعية، لكن تطبيقها والالتزام بها ينبع من مدى اقتناع الإنسان بها وولائه للثقافة التي أنتجتها، أما النصوص القانونية فتفرضها سلطة خارجية. لذلك يتكامل المجالان؛ إذ تحقق الأخلاقيات ما لا يستطيع القانون أن يحققه، ومن ثم فالاستفادة المتبادلة عمليًّا ومنهجيًّا ودورًا ووظيفة بين القانون والأخلاقيات ضرورة(16).

لذلك، تحاول الورقة استخدام مفهوم جامع لأخلاقيات الإعلام باعتبارها القواعد والضوابط المهنية الحاكمة للممارسة الإعلامية (سنبيِّنها لاحقًا) التي تفرض على منتج المحتوى والوسيلة الإعلامية التزامات ومسؤوليات مهنية وأخلاقية واجتماعية في عملية جمع الأخبار والمعلومات والبيانات لإنتاج قصص إخبارية (حدثية ومعرفية أيضًا) لا تنجذب لتأثيرات الفاعلين السياسيين والصراعات الأيديولوجية ونفوذ المعلنين والشركات التجارية.

ب- القصة الخبرية: رغم محاولة التأصيل المفهومي لمصطلحي القصة الخبرية والخبر الصحفي باعتبارهما نمطين إخباريين مختلفين في سماتهما ومحدداتهما وقيمهما الإخبارية كما يرد في بعض المعاجم والأدبيات الإعلامية(17)، فإن القصة الخبرية (أو القصة الصحفية) تستخدم بمعنى الخبر أو أي نشاط إخباري(18)، وهي تروي الأنباء المتعلقة بعمل أو حركة، وتشتمل طبيعتها في الغالب على الوقائع والأحداث ووصف الأشخاص وشهادة الشهود والمذكرات وما إلى ذلك مما يتصف بالحركة والحيوية في واقع الحياة اليومية(19). وتتميز القصة الخبرية بالتغطية الكاملة للحدث على شكل خبر مطول، لذلك تُمَثِّل القصة الكاملة للخبر وخلفياته، ولا تختلف القصة الصحفية عن الخبر العادي بمعيار الطول وحده بل تختلف بتكوينها وبنائها، فقد تكون بحجم الخبر العادي أو أطول منه، ولكنها لا تركز على خبر واحد أو واقعة واحدة بل تعود إلى خلفيات بعيدة تساعد على تفسير الواقعة أو الحدث، كما تروي القصة الصحفية أخبارًا متعددة في الحدث وتكون معه قصة متكاملة بتشابك خيوطها وتداخل وقائعها بل تربط بين حاضر الخبر وماضيه وأسبابه وعوامله البعيدة والقريبة(20).

ونلاحظ هنا أن هيكل القصة الخبرية وتَمْثِيل وقائعها يخضعان لعملية بناء وتركيب، حيث يتخذ الصحفي القرار بشأن ما يتم تَبْئِيره والزاوية التي ينظر منها للحدث والقصة التي سيرويها(21)، لكن هذا البناء لا يعني تدخل الصحفي في تلوين أحداث القصة الخبرية، أو دَمْغِها بالرأي، أو أن يحدد ما يجب أن تكون عليه، كما لا يعني التلاعب ببعض لحظاتها، أو صناعة الوقائع أو اصطناع الواقع؛ إذ تظل عملية بناء وتركيب التقرير الإخباري (وهو يُقدِّم قصة حدثية ومعرفية) محكومة بقواعد وضوابط الممارسة الإعلامية المهنية مع مراعاة المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية تجاه الجمهور المتلقي لهذه التقارير.

ج- الرواية الصحفية: خلافًا للقصة الخبرية التي يتم تَمْثِيل وقائعها وأحداثها وتشييد دلالاتها استنادًا إلى القواعد المرجعية لأخلاقيات الإعلام، تُبْنَى الرواية الصحفية انطلاقًا من المنظور أو السردية التي يُشكِّلها الصحفي/الراوي عن الحدث أو الواقعة في إطار يمنح تلك الوقائع قدرًا من الاتِّساق والانسجام مع مرجعيته السياسية والفكرية (وليس مرجعية أخلاقيات الإعلام)، وهو ما يعطي معنى خاصًّا للرواية الصحفية؛ يكشف بُعدًا أيديولوجيًّا لمعطياتها الإخبارية المُرَكَّبة تركيبًا وظيفيًّا ومصطنعًا بحسب درجة التوظيف والتلاعب بتلك المعطيات التي يقوم الصحفي/الراوي بهيكلة تفاصيلها حيث يكون عالمًا بما حصل وبما سيحصل. وهنا، تصبح الرواية الصحفية -كما تستخدمها الورقة- محمولات قيمية عن الأحداث أو الوقائع التي يُنْشِئُها منتج المحتوى أو يصطنعها في سياق إخباري معين تكون مُؤَطَّرَة بـ”الرؤية من الخلف” التي تسمح للصحفي/الراوي بالتحكُّم في مسار الحدث أو الوقائع زيادة ونقصانًا، تلوينًا وتعديلًا، تشويهًا وتزييفًا، فبركة واصطناعًا، وبعبارة مختصرة، فإن التلاعب بالقصة الخبرية يُحَوِّلها إلى رواية صحفية.

يساعدنا هذا المدخل النظري في استكشاف المشكلة البحثية التي تناقشها الورقة، من خلال محاولة الإجابة عن الأسئلة الآتية: كيف يكون التلاعب بنظام خطاب القصة الخبرية مُسَبِّبًا لانحرافها (بالمعنى المعياري) وتحوُّلها إلى رواية صحفية في سياق تغطية الإعلام اللبناني (عينة الدراسة) للحراك الشعبي؟ وما تجليات التلاعب بالممارسة الخطابية في عينة الدراسة لوسائل الإعلام اللبناني؟ وما استراتيجيات منتج الرواية الصحفية في هذا التلاعب؟ وما القيم التي يُنْتِجها؟ وكيف تنظر الرواية الصحفية للفاعلين في الحراك الشعبي وما الهوية التي ترسمها لهؤلاء؟ وما التضمينات السياسية التي يُشَيِّدها خطاب الرواية الصحفية؟

2. بنية الخطاب في التغطية الإعلامية للحراك اللبناني

تركز الورقة في مقاربة بنية خطاب الرواية الصحفية وتَمْثِيلها لأحداث ووقائع الحراك الشعبي اللبناني على مستويين، هما: النص والسياق لتقديم تفسير صريح ونسقي لوحدات اللغة المستخدمة، وهو تفسير له بعدان رئيسيان، بحسب فان دايك، هما: البعد النصي الذي يهتم ببنيات الخطاب بمستويات مختلفة من التفسير، والبعد السياقي الذي يربط هذه البنيات التفسيرية بخصائص سياقية مختلفة مثل العمليات المعرفية والتَّمثيلات والعوامل السوسيوثقافية(22).

أ- الخريطة المعجمية لخطاب الرواية الصحفية

يُعدُّ التركيب النحوي والمعجمي مدخلًا أساسيًّا في دراسة ضروب الخطاب الإعلامي وأصنافه وأشكاله؛ باعتباره مُحدِّدًا للمنطق الجدلي للخطاب وعلاقة الممارسات الخطابية بالممارسات الاجتماعية؛ بل يُشكِّل المعجم، في نظر اللساني مايكل هاليداي (Michael Halliday)، المحدِّد الأكبر للبنية الفكرية؛ إذ يُمثِّل خريطة بالموضوعات، والمفاهيم، والسيرورات والعلاقات التي تحتاج الثقافة إلى إيصالها، ويمتلك (المعجم) بِنية لا يمكن ملاحظتها بسهولة ظاهريًّا؛ لذلك يُفضِّل هاليدي التفكير فيه باعتباره “خريطة” وليس “قائمة” معجمية(23). ويوحي هذا المصطلح (خريطة) بشبكة القرابة والتشاكُل الدلالي بين وحدات الحقول المعجمية التي تُشكِّل الخطاب الإعلامي قياسًا على الشبكة العلائقية التي تربط الوحدات الجغرافية المكونة للخريطة، ما يجعلها نسقًا مفتوحًا مُؤَسَّسًا على الحركة التواصلية بين تلك الوحدات التي تتفرَّع عنها مسارات متعددة في اتجاهات مختلفة. وبهذا المعنى، يصبح المعجم أيضًا نسقًا مفتوحًا يقتضي الحركة والعلائق الشبكية بين مفرداته ووحداته، التي تُنْتِج أنماط المعاني عبر السيرورات التي يُولِّدها التلقي وفق السياقات والمقامات(24). ويسمح هذا المدخل بفهم الخريطة المعجمية لبنية الخطاب الإعلامي وتمثيله للحراك اللبناني.

وباستقراء التركيب المعجمي للرواية الصحفية في عينة الدراسة سنجد الخطاب مُعَيِّنًا لأفعال المحتجين وسلوكهم (إسقاط النظام، والانقلاب على السلطة)، ومُجَسِّمًا لقيمهم (الثورة الفوضوية)، ومُحَدِّدًا لهويتهم (هوية غير وطنية ولا تحمي استقلال لبنان)، فهم مصدر الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان. كما تُحدِّد الخريطة المعجمية للرواية الصحفية، التي تتعالق وحداتها في نسق شبكي، موقف الصحفي/الراوي (الأنا) تجاه الحراك وأيضًا سلوك المحتجين (الآخر/هم)، حيث يبدو خطاب الاتهام والإدانة واضحًا لما يعتبره (الأنا، والنحن = فريق السلطة) “مشروعًا تهديميًّا” و”ثورة فوضوية” لـ(هم) تهدد الكيان اللبناني، ومن ثم الحكم على الحراك الشعبي بتبعيته لقوى خارجية تتحكَّم فيه تعبئةً وتنظيرًا (الجامعة الأميركية) وإدارةً وتمويلًا ومفرِّطًا في استقلال لبنان.

جدول رقم (1) يبرز أهم وحدات الخريطة المعجمية للرواية الصحفية ودلالاتها بشأن الحراك اللبناني

م

وحدات الخريطة المعجمية

الهوية (هم)

العقيدة السياسية (نحن)

1

التسويق للمشاريع التهديمية

تدمير لبنان

الحفاظ على الكيان اللبناني

2

الثورة الفوضوية

التخريب

حماية لبنان

3

اعتداء على المواطنين بقطع الطرقات

البلطجة/خارج القانون

حفظ وضبط السلم الاجتماعي

4

أغلق المتظاهرون أبواب المرافق العامة

التعطيل

حماية المؤسسات

5

فرصة لتسرب إرادات دولية

الارتهان لقوى أجنبية

حماية استقلال لبنان

6

التصويب على المقاومة وإيران

التفريط في استقلال لبنان

الوفاء للمقاومة

إذن، يُظهر هذا الحقل المعجمي للرواية الصحفية في عينة الدراسة موقفًا صريحًا مضادًّا للحراك يُحمِّل المحتجين والفاعلين في مساراته مسؤولية التخريب وأعمال البلطجة التي يعيشها لبنان، مُتَسَلِّحًا بذخيرة لغوية هجومية ترفض الحراك (أصحاب الأجندات، أدوات يروجون لثورات، يدسون السم في عسل المطالب الحقوقية والمعيشية…)، وسجل لغوي يتميز بطابعه السلبي تجاه أفعال المحتجين وسلوكياتهم ومواقفهم، فهم الذين “نفذوا تحركًا رافضًا لسياسة الحاكم…”، وأغلقوا الطرقات…”، و”أبواب المرافق العامة…”…إلخ، وهو موقف أيديولوجي للأنا؛ يركز على الأشخاص وليس السياسات، في محاولة لـ”إخصاب” الرواية الصحفية وإشباعها بخطاب الإدانة الذي يحيل على رأيه بشأن صدق القضية التي يُعبِّر عنها الخطاب؛ لأن الاستخدام اللغوي لا يستهدف مجرد التواصل فقط، أي الوصف أو التَّمْثِيل أو التفكير، ولكنه تفاعلي في المقاوم الأول لديه الدافع لتحقيق القوة والسيطرة في المجتمع(25) والحفاظ على الوضع القائم الذي يخدم مصالح الـ(نحن). ولذلك يلجأ إلى التبريرات المختلفة وإبراز أنصاف الحقائق دون الحديث عن دور ومسؤولية الـ(نحن) فيما آلت إليه أوضاع البلاد وكانت سببًا في الحراك.

ويَبْرُز هذا الأسلوب في الإعلام الذي يهتم بـ”بناء المواقف” بدل بناء الأخبار وفقًا للمعايير المهنية والقواعد الصحفية؛ إذ يضع هذا النمط من الإعلام كوكبة الأهداف في الحسابات، ثم يبدأ بعد ذلك من يقوم بالاتصال الاستراتيجي بتطوير وتهذيب مواقف القضية بأسلوب يؤدي إلى تحقيق هدفين: أولًا: يجب أن تَخْدُم المواقف إما بوضوح أو بطريق غير مباشر الأهداف الرئيسية للقائم بالاتصال. ثانيًا: يجب تشكيل المواقف بطريقة تُعزِّز فرص بناء ائتلاف له قوة كافية لجعل إنجازها أمرًا ممكنًا. وهناك أساليب كثيرة لبناء مثل هذه المواقف تتراوح ما بين اختيار سمات معينة لقضية معينة لكي تنير أو تعتم اختيار لغة معينة أو صور مرئية يتم من خلالها عرضها(26). وهذه السمات ستبحثها الورقة في محور “استراتيجيات التلاعب في بناء خطاب الرواية الصحفية” بشأن تغطية الحراك اللبناني. وتعليقًا على هذا الأسلوب، أي بناء المواقف، تبيِّن الصحافية ميج جرينفيلد (Meg Greenfield)، التي عملت محررة لصفحة مقالات الرأي بصحيفة “واشنطن بوست” وظلت أربعين عامًا بالقرب من مراكز السلطة في أميركا، كيف يخدم الصحفي الأجندة السياسية للوسيلة الإعلامية بانحرافه عن أخلاقيات الإعلام “نحن لا نقول كل ما نعرفه حتى ولو كان في صميم الموضوع وكان أيضًا حديث الساعة. نحن نقرر أي جانب نجعله علانية. أجل، نحن نحجب المعلومات عن عمد وفقًا لأسس معتادة ونكذب بصفة جوهرية أو نرسم على الأقل صورة نعرف أنها في بعض جوانبها المهمة مُضَلِّلَة نظرًا لعدم اكتمالها”(27).

ب- استراتيجيات التلاعب في بناء خطاب الرواية الصحفية

يستند خطاب الرواية الصحفية في عينة الدراسة إلى عملية التلاعب في تركيب بنية النص والممارسات الخطابية ومن ثم الوقائع والأحداث التي تُشكِّل هيكله والتضمينات السياسية المُشَيِّدَة لدلالاته؛ إذ يبدو منتج الرواية (الصحفي/الراوي) مُتَحَكِّمًا في مسارات الوقائع والمنظور المُنْتِجَيْن لسرديته. ويتجلى التلاعب هنا (بالمعنى التواصلي والرمزي) باعتباره نمطًا من أنماط التفاعل-الكلامي أو عملية تفاعلية تنطوي على السلطة (سلطة الخطاب) وسوء توظيفها، كتلاعب الساسة أو وسائل الإعلام بالمصوِّتين (في الانتخابات) أو القرَّاء عن طريق توظيف مؤثرات خطابية معينة(28). وتحرف هذه العملية القصة الخبرية عن وظيفتها الإخبارية؛ لأن التلاعب (في الرواية الصحفية) يركز على تكوين التَّمْثِيلات الاجتماعية العامة المشتركة كالاتجاهات والآراء وتعديلها وكذلك الأيديولوجيات التي تتمحور حول قضايا اجتماعية مهمة بهدف السيطرة على الآخرين رغمًا عن إرادتهم أو ضد مصلحتهم(29).

وفي هذا السياق، تُبرز الورقة استراتيجيات منتج الرواية الصحفية في عملية التلاعب ودينامياتها لتشكيل أطر دلالية مُؤَدْلَجَة تجاه الحراك الشعبي اللبناني والفاعلين في مساراته. ومن أهم تجليات هذا التلاعب:

– الوَسْم والثَّلْم

يُبَئِّر خطابُ الرواية الصحفية تصريحًا وتضمينًا الحراكَ الشعبي باعتباره مشروعًا ومخططًا أجنبيًّا مُهَدِّدًا للكيان اللبناني ومستقبله، وهو كغيره من الحراكات الشعبية التي عرفتها بعض دول المنطقة (العراق…)، وأيضًا دول أخرى خارج المجال العربي (جورجيا وأوكرانيا وقرغيزيا وفنزويلا…)، تمت هَنْدَسَتَه من قِبَل منظمة أجنبية (أوتبور) كانت “نظَّمت انقلابات في صربيا مرورًا بما سُمي الربيع العربي وحتى فنزويلا”، وهي المنظمة التي يدعمها الملياردير اليهودي، جورج سوروس(30). وهنا، يُقدِّم مُنْتِج الرواية الصحفية تَمَثُّلَه لما يعتبره “حقيقة” الحراك الشعبي وهوية الفاعلين فيه الذين تحرِّكهم جهات أجنبية (أميركا) ويتلقون الدعم المالي (تركيا والسعودية)، فهم ليسوا سوى أدوات لمشاريع خارجية أفرزت أنظمة موالية لأميركا وإسرائيل. وبذلك يركز الخطاب على رسم صورة سلبية للحراك والمحتجين بأبعاد فكرية وسلوكية لا تخلو من الثَّلْمِ (تشويه السمعة حيث تفترض الرواية وجود علاقة بين المحتجين بقوى خارجية من خلال صيغة المطابقة بينهما باعتبار رابطة التبعية والولاء)، والتجريح (الطعن في الحراك الشعبي حيث تفترض الرواية ارتباطه بأجندات هدَّامة).

وفي هذا السياق، يستخدم خطاب الرواية الصحفية أوصافًا ونعوتًا متعددة للحراك، فهو يُمثِّل مرة “المشاريع التهديمية”، وتارة أخرى “الثورة الفوضوية”، وأيضًا “الثورة الملونة”، وهي استراتيجية خطابية لتقديم الآخر سلبًا (المحتجين والمشاركين في الحراك) بصفات تنتقص منهم كذوات لبنانية تعبث بالمصلحة الوطنية وتعمل على تسرُّب إرادات دولية للعب بمصير الشعب، و”تدويل الشأن اللبناني ووضعه تحت الفصل السابع”، كما تستهدف “رأس المقاومة وإيران”(31).

وفي المقابل، يركز هذا الخطاب على تقديم الأنا (السلطة والجيش) إيجابًا، وتعظيم دورهما في الحفاظ على الكيان اللبناني، لأنهما يحافظان على الدستور ويعملان على حماية البلد من خطر اللاجئين والنازحين. وباستخدام مفهوم المخالفة الذي يجعل المسكوت عنه مخالفًا لحكم المنطوق به، تصبح الأنا (منظومة القيم والسياسات) نقيضًا للآخر (القيم التي يحملها والأهداف التي يسعى إليها)، باعتبار سياستها التي تراعي المصالح الوطنية واستقلال البلاد وقرارها السياسي ولا ترتهن إلى الأجنبي (الأميركي) وتحافظ على مشروع المقاومة لمواجهة الخطر الإسرائيلي وغيره ولا تقدم رأسها (المقاومة) للمشاريع التهديمية. وانطلاقًا من المرجعية السياسية والأيديولوجية لمنتج الخطاب والوسيلة الإعلامية التي تبثه (أو تي في، المنار، الميادين) نكون هنا أمام ثنائية هوياتية:

– الأولى: “هوية مُسْتَلَبَة” (الآخر) تعيش حالة تغريب وغير وطنية لارتباطها بقوى خارجية، ويركز الخطاب على هذه الصفة (الارتهان لقوى أجنبية) في تحديد هوية الحراك أيضًا ومحاولة دَمْغِه بهذا الوَسْم أو العلامة التي تَبْرُز أهميتها في قُوَّتها التصنيفية لمحتوى أية أطروحة، أو رسالة إعلامية، أو جهة، أو مؤسسة، أو كيان سياسي، أو حركة احتجاجية التي ما إِنْ تُوسَم أو تُدْمَغ من إحدى وكالات المجتمع يصبح التخلص منها (العلامة) عسيرًا، فضلًا عما يترتب عنها من أبنية اجتماعية وسياسية وقانونية ونفسية؛ حيث يبقى أثرها واضحًا على جسم الحراك الشعبي اللبناني ولا يُمحى كَمَنْ تُلاحقه صفة (علامة) الإجرام والإرهاب حتى لو رجع عنهما أو صدر حكم ببراءته من المَنْسُوب إليه؛ لذلك يتم ربطه بشكل لا واع باللاشرعية، بينما يتم وصف السلطة بالشرعية(32).

– أما الهوية الثانية فتُمَثِّل “هوية وطنية” (الأنا)؛ تحافظ على استقلال لبنان وسيادته ومصالحه الوطنية. ويمكن إبراز هذه الاستراتيجية الخطابية لتقديم الآخر سلبًا والأنا إيجابًا من خلال نمطي الهوية المشار إليهما أعلاه؛ وهنا يتضح الأسلوب الذي يلجأ إليه منتج الرواية الصحفية في إدراك العالم وتَمْثِيله بالتركيز على “أفعالنا” و”أفعالهم” و”موقعنا” و”موقعهم” و”دورنا” و”ودورهم” في هذا العالم(33).

شكل رقم (1) يبيِّن سمات الهوية المُسْتَلَبَة للحراك الشعبي والفاعلين فيه (الآخر)

شكل 1
المصدر: عمل الباحث

في المقابل، يمكن التَّمْثِيل للهوية الوطنية (الأنا) بهذا الرسم الجامع لبعض سماتها وهي في معظمها تضمينات سياسية يكشف عنها سياق خطاب الرواية الصحفية طبقًا لقواعد الاستقطاب النفسي والاجتماعي التي تُقسِّم المجتمع إلى معسكرين: أحدهما “ضد الدولة/الآخر”، والثاني “مع الدولة/الأنا=النحن” وضد الحراك الشعبي تعزيزًا للسلطة القائمة والحفاظ عليها وبيان التعالي الأخلاقي لمواقفه الرافضة للمشاريع التهديمية للبلاد من أجل ضرب شرعية الحراك والتخلص منه.

شكل رقم (2) يُبرز سمات الهوية الوطنية لمعارضي الحراك الشعبي (الأنا/النحن)

شكل 2
المصدر: عمل الباحث

– التخويف والعداء للحراك  

يركز خطاب الرواية الصحفية في عينة الدراسة على استراتيجية التخويف من الحراك الشعبي اللبناني وأيضًا من المشروع الذي يحمله المحتجون من خلال إبراز مظاهر التعطيل التي تتعرض لها الحياة اليومية للمواطنين في مختلف ربوع البلاد، حيث يتم “الاعتداء على المواطنين بقطع الطرقات ومخالفة قانون العقوبات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ومحاصرة مناطق جبل لبنان…”(34). و”في مدينة صيدا…عادت الحركة الطبيعية للمرافق العامة والتجارية والمصرفية بعد أن شهدت صباحًا تجمعًا للمحتجين الذين أقفلوا بعضًا منها لوقت قصير”(35)، ويُظْهِر منتج الرواية الصحفية الحراكَ سببًا في الفوضى التي يعيشها الوضع اللبناني عمومًا سياسيًّا واقتصاديًّا وتجاريًّا وصحيًّا وتعليميًّا..إلخ؛ حيث يقتحم المحتجون جميع المؤسسات والمرافق العامة (غرف التجارة والصناعة والمدراس ومؤسسات الكهرباء..) وأيضًا المؤسسات التابعة للقطاع الخاص (المصارف وغيرها) بل يمارسون أفعالًا يشير إليها الخطاب ضمنيًّا بأعمال البلطجة “وفي الزوق اعتدى المتظاهرون على أهالي الطلاب أثناء محاولة إقفال المراكز التعليمية بالقوة”(36).

ويهدف هذا الخطاب إلى خلق حالة نفسية معادية للحراك الشعبي اللبناني من خلال إبراز التكلفة الاقتصادية والخسائر التجارية والضغوط الاجتماعية التي تنتج عن تعطيل الحياة اليومية للمواطنين والتجار والمزارعين سواء بقطع الطرقات أو إغلاق المؤسسات المختلفة، ويُعبِّر ذلك عن رغبة منتج الرواية الصحفية في إنهاء الحراك الشعبي وجميع المظاهر التي تدل عليه؛ لأن “الفئات الشعبية الفقيرة هي التي تدفع الثمن في رزقها عند إقفال الطرقات”(37) كما أن منظور التخويف من الحراك يبدو من خلال ربطه بـ”ما ورائيات المشروع” الذي يهدف إلى “إسقاط النظام”(38)، وأيضًا وضع البلاد تحت الفصل السابع الذي يسمح لمجلس الأمن باستعمال القوة في حال وقع تهديد للسلم والإخلال به واتخاذ ما يلزم من التدابير لحفظ السلم والأمن الدولي وإعادته إلى نصابه.

شكل رقم (3) يُظهر استراتيجية التخويف والعداء للحراك

شكل 3
المصدر: عمل الباحث

– تَبْئِير بعض الحقائق

يُعضِّد منتج الرواية الصحفية استراتيجية التخويف بإبراز بعض الحقائق الميدانية والتركيز عليها بشدة (فتح الجيش للطرقات والأوتوستراد، إتلاف المحاصيل الزراعية بسبب إغلاق الطرقات) التي تؤدي دورًا مهمًّا في إضفاء المصداقية على المنظومة القيمية والخطاب السياسي لـ(الأنا)، وهي استراتيجية لدعم الموقف الأيديولوجي لـ(النحن) وتبرير الإجراءات والخطوات التي قد تتخذها السلطة والأجهزة الأمنية تجاه الحراك والمحتجين. ويعتمد خطاب الرواية على هذه الاستراتيجية (بعض الحقائق المجتزأة وأسلوب الحجاج والإقناع) لزيادة التخويف من الحراك.

وفي المقابل، يسكت خطاب الرواية الصحفية عن الأسباب والعوامل التي دفعت المحتجين إلى هذا الخيار (إغلاق الطرقات والأوتوستراد والمرافق العامة..) ولا يتحدث عن مطالبهم السياسية وردود فعل الحكومة تجاهها، وهو ما يشير إلى المنظور الأحادي في تَمْثِيل الرواية الصحفية للأحداث والوقائع. ويُسمِّي بيير بورديو (Pierre Bourdieu) هذا الأسلوب بـ”الحجب عن طريق العرض”، إذ عندما يتم تَبْئِير ما هو مرئي عبر شاشة التليفزيون فإن هناك أشياء يتم حجبها عن طريق عرض شيء آخر غير ذاك الذي يجب عرضه، أي الإخبار عما كان مطلوبًا الإعلام به، وكذلك يتم حجب ما يجب أن يعرض بطريقة لا تسمح بعرضه أو تجعله غير ذي معنى أو عندما يعاد تشكيله ليكتسب معنى لا يمت بصلة إلى الواقع(39). ويكون الهدف واضحًا هنا وهو إخفاء القضايا الجوهرية التي لا تعد أولوية بالنسبة للقائم بالاتصال والتركيز على الجوانب التي تخدم الرسالة الإعلامية ومُنْشِئَها.

وبذلك، يُقدِّم معلومات جزئية ومنحازة أو غير كاملة عن القصة الصحفية؛ حيث يظل الصحفي/الراوي مرتهنًا لمرجعيته السياسية والأيديولوجية وليس إلى مرجعية أخلاقيات الإعلام والضوابط الحاكمة للممارسة المهنية، ما يسهم أو يدفع المتلقي نحو فهم قد يكون جزئيًّا أيضًا أو منحازًا.

شكل رقم (4) يبرز أهداف استراتيجية تقديم حقائق مجتزأة عن الحراك في خطاب الرواية الصحفية

شكل 4
المصدر: عمل الباحث

– إلقاء اللوم على المحتجين

تعمل هذه الاستراتيجية بكفاءة في خطاب الرواية الصحفية لعيِّنة الدراسة؛ إذ ينشغل الصحفي/الراوي بإلقاء اللوم على المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بنظام سياسي يتجاوز الطائفية السياسية والقضاء على الفساد والهدر والمحسوبية، حيث غلبت على شعارات هذا الحراك، المطالبة بتغيير كل الطبقة الحاكمة، (كلن (كلهم) يعني كلن) واجتمع المحتجون على أربعة أهداف أساسية، لا تزال تقود الحراك في غياب أية قيادة محددة له، أولها: سقوط الحكومة، وهو ما تحقق باستقالة رئيس الوزراء، سعد الحريري، في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وثانيها: حكومة مؤقتة لستة أشهر مكونة من تكنوقراط وبصلاحيات استثنائية، وثالثها: إجراء انتخابات نيابية جديدة، ورابعها: استعادة الأموال المنهوبة(40). لكن منتج الرواية الصحفية لا يأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات/المطالب أثناء معالجة أبعاد القصة ومنظوراتها المختلفة لرسم صورة كاملة عن المشهد السياسي اللبناني وتحولاته في سياق الحراك الشعبي، ويكتفي بإبراز دورهم في الشلل الذي تعيشه البلاد بعد الحراك وتهديدهم للاستقرار السياسي والتعاون مع الأجنبي، بينما يتجاهل منتج الرواية الصحفية أن هذه الأسباب نفسها دفعت المحتجين -كما توضح شعاراتهم- إلى التظاهر وإعلان رفضهم لنظام المحاصصة الطائفية الذي يرونه سبب وأصل المشاكل التي يعيشها لبنان.

إذا كانت هذه الاستراتيجيات مُفَكَّرًا فيها باعتبارها خططًا ذهنية من الممارسات الخطابية والاجتماعية أو هي مجموعة من الطرق يتمثَّلها الصحفي/الراوي عبر أنساق معنوية تحيل إلى الواقع المباشر من أجل تحقيق الهيمنة أو السلطة لضمان بلوغ أهداف سياسية واجتماعية ونفسية معينة(41)، فكيف تعامل منتج الرواية الصحفية في عينة الدراسة مع القواعد المهنية لأخلاقيات الإعلام التي تكفل جودة المحتوى والمضامين الإعلامية التي ينتجها الصحفي؟

3. الرواية الصحفية وأخلاقيات الإعلام

في الحقل المفاهيمي لهذه الورقة أشرنا إلى أن الرواية/السردية الصحفية تناقض القصة الخبرية باعتبارها محمولات قيمية عن الأحداث أو الوقائع التي يُنْشِئُها منتج المحتوى أو يصطنعها في سياق إخباري معين تكون مُؤَطَّرَة بـ”الرؤية من الخلف” التي تسمح للصحفي/الراوي بالتحكُّم في مسار الحدث أو الوقائع زيادة ونقصانًا، تلوينًا وتعديلًا، تشويهًا وتزييفًا، فبركة واصطناعًا.

وذكرنا أن التلاعب بالقصة الخبرية يُحَوِّلها بالضرورة إلى رواية صحفية، لذلك ستُبرز الورقة أهم الانحرافات التي انزلقت إليها تغطية عينة الدراسة للحراك الشعبي اللبناني وجعلتها تحيد عن الضوابط والقواعد الحاكمة للممارسة الإعلامية المهنية.

أ- المصداقية والصدق

في سياق تحليل الخريطة المعجمية لخطاب الرواية الصحفية وجدنا أن هناك تشاكلًا تراكيبيًّا وسياقيًّا عبر شبكة علائقية للوحدات الدالَّة على خطاب الإدانة للحراك الشعبي وبناء موقف رافض لما يعتبره “ثورة تهديمية وفوضوية”، ويتنافى هذا الموقف مع التجرد من العمل لصالح جهة بعينها، ولا يراعي أيضًا الأمانة والعدل في نقل الأخبار للجمهور والتوازن في عرض الرأي والرأي الآخر أثناء التغطية الشاملة لمسارات الحراك. وبذلك انحرفت الرواية الصحفية عن المصداقية والصدق الذي يُعتبر الدافع لأدبيات التعامل مع المنتج الإعلامي(42) ومعيارًا أساسيًّا في أخلاقيات الإعلام وبغيابه فلا معنى لباقي المبادئ الأخرى. ويُراد بالصدق هنا أن يكون المنتج الإعلامي معقولًا وجديرًا بالثقة(43)، وأن تقوم المعلومات على أساس تركيبة معيارية متأصلة تُلزِم منتجيها ومستخدميها والقائمين على نقلها وفقًا للالتزامات الأخلاقية والمعرفية الإجبارية. فإذا كانت المعلومات نوعًا من المعرفة فيجب أن تتواءم مع الأوضاع المعرفية وخاصة التي تتعلق بالصدق، ويشمل هذا المعيار المعرفي أساسًا الحقيقة الموضوعية بجانب الاستقلالية والدقة والثقة في المصادر التي تُولِّد المعلومات(44). وهذا يعني أن وسائل الإعلام تنقل الحقيقة والمعلومات والأحداث والتصريحات كما هي دون إضافة، أو حذف، أو تجاهل، أو تشويه، ولا يتم النقل لأغراض الإثارة؛ بل لابد أن يستند في معلوماته إلى مصادرها الأصلية أو مصادر موثوق بها ومعروفة(45). بينما لم تكن الرواية الصحفية في عينة الدراسة تتَّسق مع متطلبات المصداقية والصدق التي تجعل تغطية الحراك الشعبي تُقدِّم خطابًا معرفيًّا مستقلًا عن التجاذبات السياسية وجديرًا بثقة المتلقي.

إذن، تحتاج المعلومات والمعرفة إلى الصدق، وبغيابه تكون المعلومات خاطئة أو معلومات مُغْرِضَة لنشر متعمَّد، ويصبح هذا الدافع الأخلاقي مطلوبًا بوجه خاص لأهمية دور الإعلام في تقديم المعلومات للمجتمعات الحديثة في عصر المعلومات. فإذا حصل الناس على معلومات خاطئة من الإعلام، أو لم يتمكنوا من الوصول إلى هذه المعلومات بسهولة، فإن مصالحهم الحيوية قد يُصيبها الضرر بجانب انتهاك حقوقهم(46).

وتشمل المصداقية مجموعة من العناصر أَجْمَلَها بعض الباحثين في الآتي(47):

– الدقة في مراجعة المادة الصحفية قبل نشرها ليصبح التمحيص من السمات الواضحة للأحداث.

– وضوح الأفكار والاتجاهات في الموضوعات والقضايا والأشخاص والأحداث.

– إسناد الكلام لمصدره مع الثقة في هذا المصدر.

– التجرد من العمل لصالح جهة بعينها وعدم تبني وجهة نظر تلك الجهة وعدم إغفال أو تجاهل وجهات النظر الأخرى.

– التوازن في عرض الرأي والرأي الآخر أثناء التغطية الصحفية الشاملة.

– عدم إخفاء أو حجب أية معلومة عن القارئ.

– الأمانة والعدل في نقل الأخبار للجمهور.

– تعدُّد المصادر ومراعاة الصحفي لضميره.

– تقديم الحقيقة وتأكيدها من خلال إظهار زيف الأخبار والوقائع.

ب- الموضوعية

بجانب محاولة الرواية الصحفية بناء مواقف بعينها تجاه الحراك (الاتهام والإدانة والرفض..)، لاحظنا أن صوت الصحفي/الراوي كان صدى لمرجعيته السياسية والأيديولوجية، لذلك لجأ إلى تشويه الحراك والفاعلين فيه (أعمال التخريب-البلطجة)، فهو يحمل فكرًا (رأيًا) مسبقًا عن أنشطة المحتجين حيث كان يُقدِّم صورة منتقاة عن الحدث الذي يُعطِّل مؤسسات البلاد ويثير الفوضى (تبئير إقفال المرافق العامة والطرقات..) دون رصده أو تَمْثِيله في سياقاته السياسية والاجتماعية، وبذلك كانت الرواية الصحفية تنحرف عن أحد أهم المعايير المهنية في الكتابة الصحفية، وهو معيار الموضوعية التي تُعَدُّ محددًا أساسيًّا في تقويم أداء وسائل الإعلام في المجال الإخباري، ومطلبًا مهمًّا في التغطية الإخبارية طالما أن الخبر هو أقل أنشطة وسائل الإعلام قبولًا للتدخل بالرأي.

والموضوعية -كما تحددها المراجع والأدبيات الإعلامية- فصل الرأي عن الحقيقة وتحقيق النزاهة والتوازن بإعطاء الأطراف المختلفة فرصًا متكافئة لإبداء وجهات نظرها حتى يتسنى للجمهور الحصول على كل المعلومات اللازمة حول قضية أو حدث من الأحداث وبذلك تعني الحياد بدلًا من التدخل والمشاركة(48)، ومتى كان الخبر يظهر في وسائل الإعلام ليؤدي غرضًا أو هدفًا معينًا فليس للموضوعية معنى أو أهمية(49)، وهو ما كانت تحرص عليه الرواية الصحفية في عينة الدراسة بإبرازها صورةً منتقاة للحراك الذي يستهدف استقرار لبنان واستقلاله السياسي.

وتُعرَّف الموضوعية أيضًا بالقيمة التحريرية في التعامل مع الخبر والحدث من خلال الوقوف مسافة واحدة بين أطرافه الفاعلة فيه وعدم التحريف والتشويه والتزويق أو الإساءة في استخدام المعلومة بعيدًا عن الذهنيات المسبقة للحدث، وكذلك الابتعاد عن التقطيع للصور المنتقاة عن الحدث، والتحريف والتشويه للنص والخبر والخروج بعيدًا عن سياق الحدث(50). وترتكز الموضوعية على مجموعة من الأسس الضرورية التي تشمل التجرد والالتزام بالحقيقة ومصادر المعلومات وحق الردِّ وتصحيح الأخطاء والاعتذار والاستقلالية والمسؤولية والعدالة(51)، والفصل بين عملية الإخبار بالحقيقة وتوصيلها إلى الجمهور والنتائج التي تترتب عنها؛ لأن صنَّاع الأخبار لابد أن يكونوا منفصلين عن الصحفيين الذين يقومون بتغطيتها(52).

ج- الدقة  

ظلت تغطية الحراك الشعبي اللبناني تنطلق من فرضية مفادها أن المحتجين يستهدفون/يطلبون “رأس المقاومة وإيران” ويحاولون وضع البلاد تحت الفصل السابع، وهو تأطير مُؤَدْلَج للحراك يتجاوز “الفرضية” إلى التلفيق؛ الأمر الذي ينحرف بالرواية الصحفية عن الدقة سواء في الإخبار (الوظيفة الإخبارية) أو حتى التفسير (الوظيفة التفسيرية) عندما تهتم وسائل الإعلام باستقصاء الأحداث وتقديم تفصيلات وتفسيرات وخلفيات للوقائع التي تقوم بتغطيتها خاصة تلك التي تتسم بطبيعة خلافية أو مثيرة للاهتمام العام(53). وينتج عن ذلك اختلاف الروايات وربما اختلاقها وتضارب التفاصيل التي تحيط بالأحداث والوقائع، فتصبح مسألة عدم الدقة إشكالية تؤثر سلبًا في الرأي العام؛ لأن الرسالة الإعلامية تكون قد تعرضت للتشويه والتحريف.

وعلى هذا الأساس يعتبر البعض الدقةَ عقيدةَ الصحفي، والخطأ في واقعة أو حدث ما خطيئة مهنية تكمن وراءها أربعة أسباب أساسية، وهي التلفيق والافتراض وعدم الإتقان والثقة التي يجازف فيها الصحفيون بسمعتهم اعتمادًا على مصداقية شخص آخر(54). ويلاحظ هنا أن الدقة والحقيقة أمران متلازمان، فالحقيقة لا يمكن أن تكون غير دقيقة، والدقة لا يمكن أن ينتج عنها غير الحقيقة أو أن تكون مُضَلِّلَة أو خادعة؛ لأن الحقيقة -طبقًا لتعريفها- يجب أن تكون حقيقية مثلها مثل المعلومات. إذن، فالمعلومات يجب أن تكون حقيقية ومن ثم فإن نشرها يجب أن يكون موجَّهًا لتقديم الحقيقة(55).

د- المسؤولية

عندما كان خطاب الرواية الصحفية يتِّهم الحراك الشعبي بأعمال البلطجة والتخريب ورهن مستقبل البلاد في أيدي قوى أجنبية واستهداف رأس المقاومة وإيران، لم تكن التغطية تتحمل مسؤوليتها سواء بشأن بث أخبار غير موجَّهة ومُؤَطَّرة بمرجعية سياسية وأيديولوجية لبناء موقف معين تجاه الحراك أو العمل لصالح المجتمع وحماية المحتجين/المواطنين المشاركين في الحراك من الضرر والأذى الذي قد يلحقهم. وقد بيَّن تطور الأحداث أن وسائل الإعلام (عينة الدراسة) سعت إلى تجييش أنصارها ضد المحتجين الذين تعرضوا للضرب بالسكاكين والعصي وحُطِّمت الخيام التي كانوا يعتصمون فيها(56).

وهذا يؤكد أن الصحفي يجب أن يتصرَّف بمسؤولية حين يقدم مختلف الآراء والأفكار بوعي، ويتيح البدائل الممكنة أمام عامة الناس ويراعي التنوُّع في المحتوى، ويعمل لصالح المجتمع بدلًا من صالحه الشخصي(57). كما يتجنب الصحفي الممارسات التي قد تتعارض مع قدرة الوسيلة الإعلامية على تغطية وتقديم الأخبار بطريقة منصفة وغير منحازة، ويكشف بكل حماس الخطأ وسوء استخدام السلطة سواء أكانت خاصة أم عامة(58).

ويُنظر إلى المسؤولية الإعلامية من خلال ثلاث فئات(59):

أولًا: مسؤولية الإعلامي تجاه المجتمع العام، ويتحقق ذلك من خلال إتاحة المعلومات وعدم إلحاق الضرر بالآخرين، وكلاهما يتصارع أحيانًا مع الآخر، فتارة يحقق تقديم المعلومات ضررًا لبعض الأفراد، ولكن مفهوم “المنفعة” يقتضي أحيانًا التضحية بصالح الفرد في سبيل صالح المجتمع.

ثانيًا: مسؤولية الإعلامي تجاه المجتمع المحلي، وهي امتداد للمسؤولية الأولى، وتعتمد على الآتي:

أ- نشر ما يتوقعه الأفراد من المجتمع وما يتوقعه المجتمع من الأفراد.

ب- أداء الرسالة السابقة مع تجنب أي ضرر بقدر الإمكان.

ج- إبلاغ الناس بما يحقق صالحهم الآن وفي المستقبل.

د- أداء الرسالة السابقة بطريقة لا تقلِّل من ثقة الناس في الممارسة الإعلامية.

ثالثًا: مسؤولية الإعلامي تجاه نفسه، وذلك من خلال أداء الرسالة الإعلامية بأقصى قدر من الدقة والأمانة والصدق والموضوعية لما يعتقد أنه في صالح المجتمع.

ه- النزاهة والشفافية

لم تكن الرواية الصحفية معنية بنقل انشغالات المحتجين ومطالبهم للسلطة السياسية في سياق التواصل السياسي الدال على جملة الممارسات الرامية إلى إقامة روابط بين محترفي السياسة وناخبيهم؛ وذلك باستعمال خاص للسبل التي تقدمها وسائل الإعلام مع انتمائها إلى أيديولوجية مهنية تُخضع الآراء، ومنها آراء رجال السياسة، للموضوعية، الأمر الذي يُسهِّل عدم انحياز وسائل الإعلام إزاء الحقل السياسي(60).

فقد ظلت الرواية الصحفية -في عينة الدراسة- تُبدي مخاوفها من الحراك وخلفياته وتداعياته على لبنان، دون أن تعكس وجهات النظر الأخرى التي يتبناها المحتجون، وهو ما جعل التغطية غير نزيهة وشفافة. وإذا كانت النزاهة تعني الاستقلالية والتجرُّد من الهوى في الممارسة الإعلامية لخدمة مصالح ذاتية أو مؤسسية، فإن الشفافية يُراد بها نقل الأحداث والوقائع كما هي وبشكل مباشر ودون أي تحفظات أو مخاوف ليطلع عليها الجمهور والسلطات الرسمية. كما أن وسائل الإعلام تقوم بنقل هموم المواطنين ومعاناتهم ومشاكلهم بصورة مباشرة إلى المسؤولين الحكوميين دون أن تترتب على ذلك أية عواقب، كما تقوم في الوقت نفسه بنقل آراء المسؤولين الرسميين ومواقفهم وفعالياتهم إلى الجمهور بما يعكس وجهة نظر هؤلاء في الأحداث الجارية؛ الأمر الذي يُسهِّل على المواطن اتخاذ موقف معين أو تَبَنِّي رأي محدَّد ومن ثم تشكيل رأي عام تسترشد به السلطات الحكومية وتتخذ مواقفها بناء عليه(61).

وانطلاقًا من هذا التحليل، نستنتج أن عملية إنتاج الرواية الصحفية تعتمد مجموعة من الأساليب والممارسات الخطابية التي تنحرف عن أساسيات الأخلاق المهنية للممارسة الإعلامية، فتصبح (الدعاية) بديلًا عن (المصداقية والصدق)، و(الانحياز) بديلًا عن (الموضوعية)، و(التشويه) بديلًا عن (الدقة)، وهي أساليب لا تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الجمهور إلى المعرفة (سواء المعرفة العامة أو القضوية)(62) بالأحداث والوقائع بطريقة موضوعية ونزيهة تمكِّنه من تكوين رأي عام متبصر بتطوراتها. كما تستبدل الرواية الصحفية (عدم المسؤولية) بـ(المسؤولية)، و(التضليل) بـ(الشفافية) و(الهوى) بـ(النزاهة).

شكل رقم (5) يبين انحرافات الرواية الصحفية في تمثيل الحراك الشعبي اللبناني

شكل 5
المصدر: عمل الباحث

 خلاصة

من خلال الانحرافات التي انزلق إليها خطاب الرواية الصحفية في تغطية الحراك الشعبي اللبناني كما ورد في التحليل، لم يكن مُنتِج هذا الخطاب (الصحفي/الراوي) مُنْشَغِلًا بتَمْثِيل الأحداث والوقائع في سياق بناء قصة إخبارية تنقل حقيقة الواقع بصدق وموضوعية ودقة ومسؤولية وشفافية ونزاهة انطلاقًا من مرجعية القواعد الحاكمة للممارسة الإعلامية المهنية، وإنما كان واضحًا اتجاه التغطية الدعائي لهذه الوسائل المدافعة (الإعلام المدافع) عن أطروحة وموقف السلطة حيال الحراك الشعبي. لذلك، كانت الرواية الصحفية خليطًا من الأخبار الموجَّهة والرأي ووجهة النظر السياسية الرافضة للحراك، وكان طبيعيًّا أيضًا أن تستبدل أساليب (الدعاية والتشويه والانحياز والتضليل واللامسؤولية والهوى..) بالقواعد الحاكمة للممارسة الإعلامية المهنية لتنحرف بالحقائق ودقة الأخبار والمعلومات عن وظيفتها الأساسية في الإخبار والإعلام، وهو ما يؤكده السجل اللغوي (التركيب المعجمي) الهجومي والسلبي لهذه الرواية والتلاعب بالحقائق وتقديم الآخر (المشاركين في الحراك، (الهُمْ)) سلبيًّا باعتبارهم مخرِّبين وفوضويين مسلوبي الإرادة وتحريض الجمهور ضدهم، بينما يمثِّل موقف الأنا/النحن نقيضًا للتخريب والبلطجة والهوية المستلبة بل يظل عنوانًا للهوية الوطنية واستقلال لبنان. وهنا يتضح أن منطق الرواية الصحفية ليس هو منطق القصة الصحفية فهما متضادان، فالأولى تشتغل من داخل قواعد أخلاقيات الإعلام بينما يشتغل خطاب الثانية على أساليب التلاعب.

ويؤكد هذا الاتجاه المدافع عن السلطة واختياراتها أن المنظومة الإخبارية لأحزاب السلطة -وحتى وسائل الإعلام التي تدعي الاستقلالية- لا تنفصل عن بيئتها السياسية والقيم الاجتماعية والمؤثرات الثقافية والقواعد والعادات الصحفية التي تشكَّلت داخل المؤسسات الإعلامية التابعة لتلك الأحزاب. فالرواية الصحفية لوسائل الإعلام -مُمَثَّلة في عينة الدراسة- تتأثر مدخلاتها ومخرجاتها بالمرجعية الأيديولوجية والسياسية والمذهبية التي تُؤَطِّر عملها ودرجة التفاعل بين هذه المؤثرات، ولذلك يتم تخصيبها (الرواية الصحفية) وإشباعها بالمواقف والرؤى الحزبية ما يُحَوِّلها إلى سردية تُعبِّر عن مواقف أطراف سياسية تجاه الحراك؛ تسعى للحفاظ على الوضع السياسي والاجتماعي القائم الذي يضمن مصالحها السياسية والاقتصادية، وفرض هيمنتها على الواقع الذي يسمح لها باستمرار تحكُّمها في صناعة القرار السياسي.

مراجع

(1) ينشأ الواقع المصطنع أو “فوق-الواقع”، كما يرى جان بودريار، عندما يُحوِّل الإعلامُ الحياةَ الاجتماعية والواقعَ إلى صورة مولَّدة عن صورة أخرى لا تمثِّل الواقع، وتغيب العلاقة بين الدال والمدلول، أي إن الدلالة التي يُقدِّمها الإعلام وبالتالي معنى الواقع لا تعود مرجعيته في غير ذاته، بينما تفترض الدلالة (المعنى) وجود علاقة بين الدال والمدلول، بين الرمز وما يرمز إليه. وعندما يكتفي الرمز بذاته ويكون هو مرجعية نفسه، يصبح ما يدل عليه هذا الرمز من خارج الواقع. وبذلك يختفي الواقع ويظهر “فوق-الواقع”. للتوسع، راجع: جان بودريار، المصطنع والاصطناع، ترجمة جوزيف عبد الله، ط 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2016)، ص 18.

* نشرت وكالة تونس إفريقيا للأنباء أكثر من مرة أخبارًا كاذبة (البعض يعتبرها أخبارًا خاطئة ينقصها التحري) كان أبرزها خبر وفاة الرئيس المؤقت السابق، محمد الناصر، يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وتناقلت الخبر الكاذب/الخاطئ أيضًا بعض المحطات الإذاعية والقنوات التليفزيونية، بما في ذلك قناة “فرنسا 24”. ولا يزال الخبر منشورًا على بعض المواقع مثل (Tunivisions.net) تحت عنوان “سبب وفاة محمد الناصر، الرئيس التونسي المؤقت” دون أن يبادر الموقع إلى حذفه بعدما تبين زيفه. راجع الرابط: https://bit.ly/2Q4FlMv.

(2) Karen S. Johnson-Carte. News Narratives and News Framing: Constructing Political Reality (USA: Rowman and Littlefield Publishers, 2005), 147.

(3) Teun A. Van Dijk. Discourse and Knowledge: A Sociocognitive Approach (Cambridge: Cambridge University Press, 2014).

(4) نورمان فاركلوف، تحليل الخطاب: التحليل النصي في البحث الاجتماعي، ترجمة طلال وهبة، ط 1 (المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2009).

(5) John Richardson, Analysing Newspapers: An Approach from Critical Discourse Analysis (Palgrave Macmillan, New York, 2007).

(6) Roger Fowler, Language in the News: Discourse and Ideology in the Press (Routledge, London, 1911).

(7) منية عبيدي، التحليل النقدي للخطاب: نماذج من الخطاب الإعلامي، (كنوز المعرفة، ط 1، 2016).

(8) ماريان يورغنسن، لويز فيليبس، تحليل الخطاب: النظرية والمنهج، ترجمة شوقي بوعناني، ط 1 (هيئة البحرين للثقافة والآثار، البحرين، 2019)، ص 136-164.

(9) Louis A. Day, Ethics in Media Communications Cases and Controversies (USA: Thomson Wadsworth, 2006), 5.

(10) عمر بوفتاس، “الأخلاقيات التطبيقية ومسألة القيم”، الرابطة المحمدية للعلماء، 2 يوليو/تموز 2012، (تاريخ الدخول: 19 يناير/كانون الثاني 2020): https://bit.ly/2G3tBEd.

(11) John C. Merrill, Theoretical Foundations for Media Ethics. In Controversies in Media Ethics, 3 Ed (New York: Rutledge, 2011), 3.

(12) ديفيد راندال، الصحفي العالمي، ترجمة معين الإمام، ط 1 (مكتبة العبيكان، الرياض، 2007)، ص 221 – 222.

(13) فارس جميل أبو خليل، وسائط الإعلاميين: الكبت وحرية التعبير، ط 1 (الأردن، دار أسامة، 2011)، ص 146.

(14) المرجع السابق، ص 147 – 148.

(15) سليمان صالح، أخلاقيات الإعلام، ط 2 (الكويت، مكتبة فلاح، 2005)، ص 63 – 64.

(16) المرجع السابق، ص 64.

(17) محمد جمال الفار، المعجم الإعلامي، ط 1 (عمان، دار أسامة، 2006).

(18) نبيل حداد، في الكتابة الصحفية، ط 1 (الأردن، دار الكندي، 2002)، ص 54.

(19) عبد العزيز شرف، الأساليب الفنية في التحرير الصحفي، ط 1 (القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 2000)، ص 176.

(20) محمد جمال الفار، المعجم الإعلامي، مرجع سابق، ص 261.

(21) Jan Boesman and Irene C. Meijer, “Don’t read  the news, tell me the story”: how news makers and storytellers negotiate journalism’s boundaries when preparing and presenting news stories,” isoj.org, April 13, 2018, “accessed January 20, 2020”. https://bit.ly/2RaeDmg.

(22) Teun A. Van Dijk, News as Discourse (New York and London: Routledge, 2009), 24-25.

(23) Fowler, Language in the News, 80-81.

(24) للتوسع انظر: محمد الراجي، “صورة الذات الإيرانية في الصحافة الخليجية: مكوناتها القيمية والهوياتية”، مركز الجزيرة للدراسات، 21 أبريل/نيسان 2016، (تاريخ الدخول: 24 يناير/كانون الثاني 2020): https://bit.ly/37optKV.

(25) تهاني بنت سهيل، استراتيجيات الخطاب الاجتماعي: نماذج من الخطاب الصحفي، ط 1 (عمان، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، 2020)، ص 98.

(26) جارول مانهايم، “من يشكِّل الأخبار: الاتصال الاستراتيجي كقوة ثالثة في صنع الأخبار”، في سياسة الأخبار وأخبار السياسة، تحرير: دوريس جرابر ودينيس ماكويل وبيبا نوريس، ترجمة زين نجاتي، ط 1 (القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، 2004)، ص 134.

ويُسمِّي الأكاديمي حمدي حسن، مُؤَلِّف كتاب “وظائف الاتصال الجماهيري: الوظيفة الإخبارية لوسائل الإعلام”، هذا النمط من الإعلام الذي يهتم بالمواقف على حساب الوظيفة الإخبارية بالإعلام المدافع أو “الصحافة المدافعة” التي تتبنَّى منذ البداية وجهة نظر حيال قضية أو موقف. وتكون التقارير خليطًا من الأخبار والرأي ووجهة النظر وهي تظهر في أعمدة الرأي وليس في أعمدة الأخبار. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنفسهم حملة مشاعل تنير الطريق أمام وجهة نظر معينة ويتابعون مهامهم وهم يعلمون أن هناك الكثيرين يروجون وينشرون وجهات نظر معارضة. للتوسع انظر: حمدي حسن، وظائف الاتصال الجماهيري: الوظيفة الإخبارية لوسائل الإعلام (القاهرة، دار الفكر العربي، 1991)، ص 67.

(27) ميج جرينفيلد، الصحافة في واشنطن، ترجمة فايزة حكيم وأحمد منيب (مصر، الدار الدولية للاستثمارات الثقافية، 2004)، ص 282.

(28) توين فان دايك، الخطاب والسلطة، ترجمة عماد عبد اللطيف، ط 1 (المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2014)، 430.

(29) المرجع السابق، ص 430-449.

(30) نانسي صعب، “حقيقة الثورة- محاولة الانقلاب: تدريب أميركي وتحريض سعودي وانغماس سوري”، أو تي في، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول 15 يناير/كانون الثاني 2020): https://bit.ly/3aA0yGr.

(31) المرجع السابق.

غراسيا بيطار، “ألوان الثورة: صرخة المقهورين تمثل فرصة لتسرب اللعب بمصائر الشعوب”، الميادين، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 15 يناير/كانون الثاني 2020): https://bit.ly/2GsjWYd.

(32) ناقش الباحث قوة تأثير “العلامة” في دراسة سابقة عن جماعة الإخوان المسلمين، راجع: محمد الراجي، “الصورة الذهنية لجماعة الإخوان المسلمين في الصحافة الإلكترونية”، مركز الجزيرة للدراسات، 10 يونيو/حزيران 2014، (تاريخ الدخول: 23 يناير/كانون الثاني 2020): https://bit.ly/3aAr7Lr.

(33) Richardson, Analysing Newspapers, 151.

(34) صعب، “حقيقة الثورة- محاولة الانقلاب”، مرجع سابق.

(35) “الجيش يفتح الطرقات عند مدخل بيروت وفي المناطق”، المنار، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 23 يناير/كانون الثاني 2020): https://bit.ly/2Gd8FL8.

(36) نرجس الحاج حسن الديراني، “متظاهرون يطوقون عددًا من المؤسسات العامة والدوائر الرسمية والمصارف”، المنار، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 23 يناير/كانون الثاني 2020): https://bit.ly/2Gd8FL8. 

(37) علي يزبك، “مزارعو البقاء يناشدون الدولة إنقاذ أرزاقهم من الكساد”، المنار، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 23 يناير/كانون الثاني 2020): https://bit.ly/2Gd8FL8.

(38) الديراني، “متظاهرون يطوقون عددًا من المؤسسات العامة والدوائر الرسمية والمصارف”، مرجع سابق.

(39) Pierre Bourdieu, Sur la télévision: suivi l’emprise du journalisme (Paris: Liber, 1996), 17-18.

(40) شفيق شقير، “الحراك اللبناني: البواعث والمكونات والتداعيات”، مركز الجزيرة للدراسات، 23 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 25 يناير/كانون الثاني 2020): https://bit.ly/2O1pmNY.

(41) بنت سهيل، استراتيجيات الخطاب الاجتماعي، مرجع سابق، 102.

(42) بسام عبد الرحمن المشاقبة، أخلاقيات العمل الإعلامي، ط 1 (الأردن، دار أسامة، 2012)، ص 131.

(43) Louis A. Day, Ethics in Media Communications Cases and Controversies (USA: Thomson Wadsworth. 2006), 11.

(44) إدوارد سبنس وآخرون، الإعلام والأسواق وأخلاقيات المهنة، ترجمة شويكار زكي، ط 1 (مصر، دار الفجر، 2012)، ص 36.

(45) فارس جميل أبو خليل، وسائط الإعلام بين الكبت وحرية التعبير، ط 1 (الأردن، دار أسامة، 2011)، ص 217.

(46) سبنس وآخرون، الإعلام والأسواق وأخلاقيات المهنة، مرجع سابق، ص 38.

(47) المشاقبة، أخلاقيات العمل الإعلامي، مرجع سابق، ص 132.

(48) حمدي حسن، الوظيفة الإخبارية لوسائل الإعلام، (مصر، دار الفكر العربي، 1191)، ص 60.

(49) المرجع السابق، ص 62.

(50) بسام عبد الرحمن المشاقبة، أخلاقيات العمل الإعلامي، مرجع سابق، ص 137.

(51) المرجع السابق، ص 137-138.

(52) سليمان صالح، أخلاقيات الإعلام، ط 2 (الكويت، مكتبة الفلاح، 2005)، ص 250.

(53) حسن، وظائف الاتصال الجماهيري، مرجع سابق، ص 72.

(54) ميتشل ستيفنس، البث الإذاعي، ترجمة هشام عبد الله، ط 4 (الأردن، الأهلية للنشر والتوزيع، 2008)، ص 496.

(55) إدوارد سبنس وآخرون، الإعلام والأسواق وأخلاقيات المهنة، مرجع سابق، ص 48.

(56) “بالسكاكين والعصي.. عناصر من حزب الله يعتدون على المتظاهرين اللبنانيين”، أورينت نت، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 27 يناير/كانون الثاني 2020): https://bit.ly/2Godlhe.

(57) حسن عماد مكاوي، أخلاقيات العمل الإعلامي، دراسة مقارنة، ط 5 (مصر، الدار المصرية اللبنانية، 2011)، ص 168 – 169.

(58) بسام عبد الرحمن المشاقبة، أخلاقيات العمل الإعلامي، مرجع سابق، ص 135.

(59) حسن عماد مكاوي، أخلاقيات العمل الإعلامي، مرجع سابق، ص 167 – 168.

(60) فيليب ريتور، سوسيولوجيا التواصل السياسي، ترجمة خليل أحمد خليل، ط 1 (بيروت، الفارابي، 2008)، ص 47-49.

(61) فارس جميل أبو خليل، وسائط الإعلام بين الكبت وحرية التعبير، ط 1 (الأردن، دار أسامة، 2011)، ص 218.

(62) للتوسع أكثر، راجع: محمد الراجي، “إبستمولوجيا التغطية الإخبارية للقضايا العربية في قناة الجزيرة”، في الجزيرة في عشرين عامًا: أثرها في الإعلام والسياسة والأكاديميا، تحرير عز الدين عبد المولى ونور الدين الميلادي، ط 1 (بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2016)، ص 241-263.

رابط المصدر:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/4729

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M