أ. عربي بومدين
مقدمة:
سارعت دولة ما بعد الاستقلال في إفريقيا إلى استيراد النموذج الغربيّ للدولة الوطنية؛ الأمر الذي اصطدم بالخصوصيات المحلية (القبيلة، التنوع اللغويّ والعرقيّ والإثنيّ والدينيّ) التي لا تتلاءم والنموذج الغربيّ المستورد، مما غذّى مجموعةً من الصراعات؛ أدخلت دولاً إفريقية في حروبٍ أهليةٍ، أضف إلى ذلك ظهور فواعل جديدة مهدِّدة للأمن، كالإرهاب الدولي، والجريمة المنظمة.
هذه البيئة الأمنية المعقَّدة باتت تفرض على الدولة أدواراً جديدة، سواء كضامن للأمن، أو كفاعل مسؤول عن تحقيقه، وأمام هذه الوضعية تظهر منطقة الساحل الإفريقي[1] بوصفها منطقة منتجة للأزمات؛ انطلاقاً من ذلك وتأسيساً عليه: يعالج الموضوع الإشكالية الآتية: إلى أي مدى ساهم الموروث الاستعماريّ في تعميق أزمة الدولة في الساحل الإفريقي؟ وما أهمّ التحديات التي تواجه بناء الدولة في المنطقة؟
المحور الأول: تشكّل الدولة في إفريقيا: مدخل نظري:
تعكس أزمة بناء الدولة الوطنية إحدى المعضلات الكبيرة للمشكلة الأمنية التي تعانيها دول القارة الإفريقية، وذلك في شكل الرواسب التاريخية التي أنتجتها مشكلة الحدود الجغرافية المتوارثة عن الاستعمار، والتي لم يراع فيها التنوّع الإثنيّ والقبليّ وخصوصية المجتمعات الإفريقية، بالإضافة إلى الصلات السياسية، والتبعية التي لا تزال تربط النُّظُم السياسية الإفريقية بسياسات الدول الاستعمارية.
وقد حظيت مسألة تشكّل الدولة في إفريقيا بمناقشاتٍ وسجالاتٍ واسعةٍ في الأدبيات الإفريقية، نظراً لأهميتها، ولخصوصية تشكّل الدولة الحديثة في إفريقيا «دولة ما بعد الاستعمار».
إنّ الدولة الإفريقية الحديثة ما هي إلاّ نسخة مشوّهة عن الدولة في الغرب، وذلك راجعٌ أساساً إلى تجاهلها للبيئة الإفريقية وخصوصياتها المحلية، وقد أثبتت السنوات التي تلت حقبة ما بعد الاستعمار فشل جميع أشكال المحاكاة في بناء نموذج الدولة على الطريقة الغربية، وبدرجةٍ أكبر في المجال الدستوري[2].
ويمكن القول في الاتجاه نفسه: إنّ المشكلات التي واجهت دولة ما بعد الاستعمار، والصعوبات التي اعترضتها في مسألة صعوبة توطين النموذج الغربيّ للدولة، راجعة بالأساس إلى غياب تقاليد دولتية (أُسس بناء الدولة) في التاريخ الإفريقي، وهو ما يفسّر رفض فكرة «الدولة» من قِبَل المجتمع، وهو الأمر الذّي أكده غورن هايدن Goren Hyden، حيث يرى أنّه- باستثناء إثيوبيا-: «لم تستطع المجتمعات الإفريقية جنوب الصحراء أن تطوّر بنفسها أنظمة دولتية».
ويميز جون وايزمانJohn Wiseman بين ثلاث مراحل في التطوّر السياسيّ والاجتماعيّ في إفريقيا[3]:
الأولى، وهي المرحلة المبكرة: هي سنوات تصفية الاستعمار، وبداية تحقيق الاستقلال الوطني، وقد ميزتها جملة قضايا رئيسة، من أبرزها: إشكالية بناء الدولة الوطنية، طبيعة الأنظمة السياسية، وكذا قضية تحقيق التنمية السياسية.
الثانية: حدّد مداها في من منتصف الستينيات، وإلى غاية نهاية ثمانينيات القرن المنصرم، وطبعتها ثلاثة ملامح رئيسة: التخلّي عن صيغة التعددية الليبرالية والتحوّل نحو تبنّي نظام الحزب، وتدخّل العسكر المباشر في الحياة السياسية، وأخيراً وجود أنظمة انتخابية تنافسية، سواء في الدول التي حافظت على نمط التعدّد الحزبي، أو التي اعتمدت نمط الحزب الواحد.
الثالثة: بدأت مع سنة 1989م، وشهدت تحولاً ملموساً في النُّظُم السياسية الإفريقية، حيث تمّ التخلّي عن نظام الحزب الواحد من الناحية القانونية والدستورية في صورة الديمقراطية الشكلية، وهي ديمقراطية غير حقيقية، أو ما يسميها ريتشارد جوزيف Richard Joseph باسم: «الديمقراطية الافتراضية»[4]، ذلك أنّ الممارسة الواقعية أثبتت، وبشكلٍ لا يدع مجالاً للشك، أنّ هذا التحوّل لم يعكس الأطر النظرية المقررة في المواثيق والنصوص ومختلف الدساتير، فيما عُرف بموجة التحوّل نحو الديمقراطية في توصيف ما أُطلق عليه: «بالتحرّر الثاني» لإفريقيا[5].
وعلى حدّ قول الباحث المتخصّص في الشؤون الإفريقية «حمدي عبد الرحمن حسن»؛ فإنّ هذا التحوّل لم يكن مؤسّسيّاً ولا فعليّاً، بل إنّ النّخب الحاكمة سعت من خلاله إلى التكيف والاستجابة للشروط التي أملتها طبيعة التحولات المعقدة والمركبة التي صاحبت مرحلة ما بعد الحرب الباردة[6].
وفي السياق نفسه؛ يؤكد أصحاب مدرسة الاقتصاد السياسي الليبرالي الجديد: أنّ الدولة الإفريقية ما بعد الكولونيالية تتحمل مسؤولية الأزمات السياسية والاقتصادية التّي تميّز إفريقيا، فقد فشلت فشلاً ذريعاً في وظيفتها التنموية[7].
وقد تمحورت التساؤلات الأساسية حول المحدّدات السياقية والمضامينية لظاهرة «أزمة الدولة» في إفريقيا عامّة، ومنطقة الساحل الإفريقي بصفةٍ خاصّة، إذ يذهب فريقٌ من الباحثين إلى اعتبار العامل الإثني- الهوياتي والتقسيم التعسفي للحدود الإفريقية دون مراعاة للخصوصيات المجتمعية- متغيراً رئيساً؛ على غرار دراسات توال فرانسوا Tual François.
وهناك مَن يرجعها إلى الطبيعة القيادية في ظلّ أنظمة زبائنية وباتريمونيالية – نيوباترمونيالية؛ قائمة على التسييس والشخصنة خدمةً للمصلحة الخاصّة[8]، ومن ذلك دراسات رينيه لومارشون René Lemarchand و صمويل إيزنشتات Samuel Noh Eisenstadt.
كما رجّح فريقٌ آخر دور العوامل الاقتصادية وضعف التنمية، في حين ركّز آخرون في اقتراب التبعية، كما ركّز آخرون فيما يُعرف حاليّاً بـ «اقتصاد الحرب»، وما يُحدثه من انعكاسات محفّزة على النزاعات، وتظهر فيها فواعل جديدة كالأعمال الإرهابية، ونشاطات الإجرام المنظّم[9].
المحور الثاني: الأزمات البنيوية في منطقة الساحل الإفريقي:
إنّ الملاحظة الجوهرية التي تصادفنا عند تفكيك الفشل والضعف الذي تشهده الدولة الوطنية في إفريقيا عامّة، وفي منطقة الساحل بصفةٍ خاصّة، هي تماهي مفهوم الدولة في العديد من القوى غير المتلائمة مع ماهيّة الدولة الوطنية وطبيعتها، فقد تمّ تجسيد فكرة الدولة في كلٍّ من: (شخص الرئيس القائد، والزعيم، والحزب القائد الطليعي الواحد)، وكذا في: (القبيلة، والعرش، والمنطقة، والجهة، والعرق)، ولهذا عُرفت الدولة الإفريقية بما يُسمّى بـ «العصب العسكرية- المدنية».
وعليه؛ سيحاول الباحث الاعتماد على نظرية التحديث السياسي فيما يخصّ الانتقال من مجتمعاتٍ تقليديةٍ إلى مجتمعاتٍ حديثة، ويعبّر بعض الباحثين عن الأولى بـ «المجتمع الزراعي»، وعن الثانية باصطلاح «المجتمع الصناعي».
وسنحاول رصد الأزمات التي تعانيها الأنظمة السياسية والدولة في الساحل الإفريقي، استناداً إلى التحليل الذّي قدّمه لوسيان باي Lucian Pyeو جوزيف لابالومبارا Joseph LaPalombara لأزمات النظام السياسي، ومنها: (أزمة الهوية، أزمة المشاركة السياسية، أزمة الشرعية، أزمة التغلغل، أزمة التوزيع)[10]، والتي أردنا أن تكون إطاراً نظريّاً؛ نقوم وفْقَه بتحليل أزمات التنمية السياسية التي تواجه الدولة في الساحل الإفريقي.
أ – أزمة الهوية والاندماج الوطني:
من بين التحديات التي واجهت الزعماء الوطنيين، في مسألة بناء الدولة في إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، كيفية تحويل المجتمعات متعددة الأعراق والإثنيات واللغات والثقافات والأديان إلى «أمّة واحدة»[11]، فاعتقاد إحدى الجماعات الثقافية بعدم الانتماء إلى الدولة، أو ادعائها بعدم انتماء جماعةٍ أخرى، بالرغم من كون هذه الجماعة الأخيرة تعيش ضمن الدولة نفسها، يدفعنا للقول بأننا أمام أزمة هويّة[12]، حيث إنّ المؤسسات التعليمية والعسكرية والبيروقراطية، فضلاً عن المؤسسات الوسيطة كالأحزاب والنقابات، قائمة جميعها على أساس الانتماء إلى العصبية المهيمنة على المركز، سواء كانت قبلية أو طائفية أو عرقية، ونتيجة لذلك؛ فإنّ مؤسسات الدولة تتحول إلى مجرد أدوات عاملة في خدمة العصبية ودوامها، وتعميق حدّة أزمة الاندماج.
إنّ الحياة السياسية في هذه المنطقة قائمةٌ بالأساس على انتشار مظاهر الحياة القبلية التي يغلب فيها الولاء للقبيلة على الولاء للوطن، خصوصاً أنّ بعض القبائل المستوطنة للمنطقة لها امتدادات عابرة للأوطان، كأقلية الطوارق التي تتوزع على خمس دول: (مالي، النيجر، ليبيا، الجزائر، بوركينافاسو)، ما أثّر بصورةٍ مباشرةٍ في تماسك الوحدة الوطنية، ومن ثمّ على بقاء الدولة واستمراريتها.
وعليه،؛ فإنّ أزمة الهويّة والاندماج في دول الساحل الإفريقي تظهر في ثلاث صور أساسية:
1- التباين العرقيّ، والتعدد الإثنيّ واللغويّ والديني.
2- معضلة الحدود المصطنعة التي خلّفها الاستعمار دون مراعاة لهذا التنوع- كما سبق-.
3- ضعف الانتماء، وتحوّل الولاء إلى الخارج.
ب – أزمة المشاركة السياسية:
تتميز العملية السياسية في جميع بلدان الساحل الإفريقي باختلالاتٍ هيكليةٍ عميقة، بالإضافة إلى طبيعة الأنظمة السياسية المغلقة، وضعف المشاركة السياسية، وانعدام وتقييد حرية التعبير والإعلام، وهي من السمات الأصيلة للواقع في دول الساحل الإفريقي، فضلاً عن استمرار تأثير المؤسسة العسكرية في هذه الدول كعاملٍ حاسمٍ في إدارة عملية الانتقال السياسيّ؛ على الرغم من تبنّي هذه الدول للديمقراطية[13].
فضلاً عن علاقة ذلك بدرجة المأسسة، وهي السمة الغائبة لدى جميع دول الساحل، ولهذا يربط صاموئيل هنتنغتون Samuel Huntington بين المأسسة والمشاركة السياسية والاستقرار السياسي، حيث يرى أنّ تحقيق هذا الأخير مرهونٌ بمدى بناء مؤسسات سياسية تنظّم المشاركة السياسية، وتحول دون انعدام الاستقرار[14].
ج – أزمة الشرعية والمشروعية:
تمثّل شرعية النظام السياسيّ أحد أهم مقوّمات الدولة واستمراريتها، لكن في الساحل الإفريقي غالباً ما يتمّ الوصول للسلطة عن طريق وسائل وآليات غير ديمقراطية، في صورة فرض هيمنة أقلية معينة على المشهد السياسيّ في البلد واحتكار السلطة، أو عن طريق اعتماد وسيلة الانقلابات العسكرية طريقةً وأسلوباً للوصول إلى السلطة، وهو ما يتنافى والفعل الديمقراطي، إذ إنّ تراث الدولة التسلّطية في إفريقيا أدى إلى هيمنة الاعتبارات السياسية على إدارة الانتخابات التي اتخذت طابعاً رمزيّاً في كثيرٍ من الحالات؛ لإضفاء الشرعية على النظام الحاكم.
كما يمكن القول بأنّ الدولة في العالم الثالث عامّةً، بما في ذلك دول الساحل الإفريقي، متغرّبة وتقليدية في آنٍ واحد، حيث استمدت التجربة الغربية في نموذج أجهزتها الإدارية والأمنية والعسكرية، وفي الوقت نفسه استخلصت من موروثها الثقافي فكرة جعل السلطة حكراً على الحاكم وحاشيته، وهو ما يفرّغ أي تحديثٍ من محتواه الحقيقيّ.
د – أزمة التغلغل:
لا تزال الدولة في الساحل الإفريقي تعيش صعوبات في الجغرافيا السياسية الداخلية؛ نظراً لعدم التحكّم والسيطرة على أراضيها الشاسعة ومراقبة حدودها، فحكومات الدول الخمس في الساحل الإفريقي تمارس- نظريّاً- السيادة على أراضيها الشاسعة.
وذلك راجع بالأساس إلى قلّة الإمكانيات المتاحة، والفشل التي تعيش فيه، فأغلبية دول هذه المنطقة إما دول منهارة، وإما في طريقها إلى الفشل، وهو الأمر الذي من شأنه أن يُغذّي حالة عدم الاستقرار واللاّأمن في هذه المنطقة؛ من خلال تقاسم فواعل من غير الدول السلطة مع السلطة المركزية، كالقبائل، ومختلف العرقيات المنتشرة على طول الساحل الإفريقي؛ على غرار أقلية الطوارق، بالإضافة إلى شبكات الجريمة المنظمة، والجماعات الإرهابية الناشطة في هذا الإقليم، وفي بعض الأحيان تكون أمام تحالف متمردي الطوارق مع القاعدة وشبكات الجريمة المنظمة.
هـ – أزمة التوزيع والفشل الاقتصادي:
يقول جوزيف لابالومبارا joseph palombara: إنّ مشكلات الحكم- بوجهٍ عامٍّ- هي مشكلة توزيع، فالنظام السياسيّ هو المستخرِج والمحرِّك والموزِّع للموارد والخدمات والقيم والفرص.
ومما يلاحظ في دول الساحل الإفريقي: أنّ توزيع الموارد يمثّل إحدى الظواهر البارزة داخلها، ففي حين تنفرد القلة بكلّ الموارد المتاحة؛ يقع عبء الحرمان على الكثرة الغالبة.
وتُبرز أزمة التوزيع إشكالية تفاوتٍ طبقيٍّ حاد، وهو ما ينجم عنه صراعٌ طبقيّ، ومن شأن هذا التفاوت الطبقيّ إثارة الاستقرار وتهديده، وهو ما يظهر جليّاً في كلٍّ من مالي والنيجر من خلال العصيان والتمرّد المستمر للطوارق ومختلف الأقليات الأخرى، فيما يُعرف بـ «قوس الأزمات» المتّسم بالانقسامات الداخلية.
ويمكن إيعاز تفاقم هذه الأزمة إلى ظاهرة الفساد السياسي، والتي قوامها استخدام السلطة من أجل تحقيق أهداف ذاتية، والتعامل مع الممتلكات العامّة بوصفها ممتلكات شخصية.
وفي هذا السياق؛ يبرز مؤشّر الشفافية الدولية لسنة 2014م المواقع المتدنية للعديد من بلدان الساحل الإفريقي، وفي مثل هذا السياق من الطبيعي أن يتعمّق التفاوت الطبقيّ والاجتماعي، وأن تتأثر الحقوق الاقتصادية، وأن تتسع رقعة الفقر بعيداً عن فكرة التنمية الإنسانية.
مدركات الفساد في الساحل الإفريقي حسب مؤشر2014م
البلد | الترتيب | المعدل |
مالي | 115/175 | 32/100 |
النيجر | 103/175 | 35/100 |
موريتانيا | 124/175 | 30/100 |
تشاد | 154/175 | 12/100 |
السودان | 173/175 | 11/100 |
المصدر: مؤشر الشفافية الدولية لسنة 2014م– بتصرف -.
https://www.transparency.org/cpi2014/results
المحور الثالث: تحديات بناء الدولة في منطقة الساحل الإفريقي:
يتفق العديد من الخبراء والباحثين على: أنّ عامل الضعف السياسيّ والاقتصاديّ للدولة الوطنية في الساحل الإفريقيّ يمكن أن يؤدي دوراً أساسيّاً في زعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة، فأزمة الدولة هي نتيجة لتراكم ما يُسمّى: «العوامل المثيرة للأزمات».
كما واجهت عملية بناء الدولة في منطقة الساحل الإفريقي تحديات متنوعة، باتت تعرقل مسيرة الاستقرار وتحقيق التنمية، فضلاً عن المشاريع الأجنبية التي استغلت هذا الواقع المتأزم، وهو ما سيتمّ بيانه في النقاط الآتية:
أ – التحديات التاريخية:
لجأت السياسة الاستعمارية إلى تكوين مواطنٍ إفريقيٍّ ممزّق بين انتماءاته الإقليمية والإثنية والدينية، في إطار مجتمعه التقليدي، وبين واقعه الاجتماعي والسياسي الحديث.
ومن ناحية أخرى؛ فقد أخلّت السياسة الاستعمارية بالحدود العرقية، وزعزعت طرق الحياة التقليدية، بما في ذلك التنقّل الحرّ للأشخاص والممتلكات، بحدودٍ مصطنعة ورثتها الدول الإفريقية، وفي هذا الإطار، الذي يجمع بين سيطرة الدولة والسكان الرحّل، ينبغي تحليل العديد من الصراعات الساحلية، فغالباً ما يكون البدو هم اللاعبين الأساسيين فيها، وكثيراً ما تكون هذه الصراعات حدودية، كما في حالة الطوارق في مالي والنيجر[15].
ب – التحديات السياسية:
أدّت نهاية الحقبة الاستعمارية، بما حملته من تشوّهات، إلى ظهور الدولة الإفريقية الحديثة، أو ما يُسمّى: «دولة ما بعد الاستعمار»، وقد تبنّت أغلب الدول الإفريقية حديثة الاستقلال- في هذه الفترة- نظام «الحزب الواحد» آليةً لبناء الدولة[16].
ومن أبرز المقولات الفكرية في توصيف النُّظُم السياسية الإفريقية في مرحلة ما بعد الاستقلال؛ ما عبّر عنه مايكل براتون Michael Bratton و نيكولاس فان دي وال Nicolas van de Walle عام 1997م بمسمّى: «الأبوية الجديدة»[17].
كما أنّ غياب «المؤسسية»، هو السمة المشتركة في كثيرٍ من مؤسسات الدولة لدى دول الساحل الإفريقي، لارتباطها باتجاهاتٍ عرقيةٍ وقبليةٍ وطائفية، إضافة إلى الإخفاق الإداري، دونما نسيان تماسك النفوذ القبلي في مواجهة مؤسسات الدولة، وارتباط الذاكرة الجماعية للأفراد بمفهوم الانتماء العرقي وليس بمفهوم الدولة، وهي من الأسباب الجوهرية التي جعلت الدول الجديدة تفشل في تكوين مجتمعات حديثة قادرة على تقديم ضمانات متساوية للجميع.
وعند التمعن في الفضاء الجيوسياسي للقوس الساحلي؛ يبدو هناك دوماً قوى تمثّل «المركز»، تمتلك السلطة السياسية، وتتحكم في ثروات البلاد، وقوى أخرى هي «المحيط»- أي الأطراف-، مهمّشة، وتطمح لتغيير الوضع القائم، وهي وضعية ساهم الاستعمار بقوةٍ في تكريسها، حيت عمل على قلب علاقات القوة التقليدية في المنطقة، وهو ما يظهر جليّاً في كلٍّ من: (مالي، والنيجر، وتشاد)، وهذا الأمر سينتج أزمةً سياسيةً نتيجة لغياب آليات التداول الطبيعيّ للسلطة، واحتكار مراكز القيادة من قبل نُخبٍ لا تتمتع في أغلب الأحيان بالحدّ الأدنى من النزاهة والكفاءة المهنية، إضافة إلى غياب الحريات العامّة، وتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان، وفرض المراقبة السياسية والفكرية على الأفراد، والخلط بين الدولة والقبيلة بوصفها السمة الرئيسة للمجتمع والدولة.
بالإضافة إلى النظام الاقتصادي السائد في هذه الدول بعد اكتشاف النفط، هو نظامٌ ريعي، ومزيج من تركيبةٍ ثيوقراطيةٍ وأوثوقراطية، غُيّبت فيها المؤسسات التشريعية والدستورية، وهياكل الدولة الحديثة، وغُيّبت فيها فكرة المأسسة والمشاركة السياسية لصالح أقليةٍ معيّنةٍ في صورة التسييس والشخصنة، ذلك أنها أنظمة عسكرية ونيوباتريمونيالية، ميّزت الحياة السياسية في هذه المنطقة منذ الاستقلال، ولا تزال مستمرة إلى الآن بشكلٍ يوحي بأنّ الواقع الإفريقي قد تجذّرت فيه السلطة الأبوية والعسكرة.
وفي السياق نفسه؛ تتبدّى لنا ظاهرة الانقلابات العسكرية، حيث تتورط المؤسسة العسكرية لتشغل حيّزاً معتبراً في الحياة السياسية، وهو ما أطلق عليه بعض الباحثين: «زرع المؤسسة العسكرية في الحياة المدنية»[18] ، وهو ما يعدّ مخالفة لآلية الديمقراطية.
ج – التحديات الاقتصادية والاجتماعية:
من بين التحديات التي تعرقل مسيرة بناء الدولة في الساحل الإفريقي الفقر، وزيادة البطالة، والمجاعة، والتدهور الاقتصادي، والتدهور الصحي، وضعف النمو الاقتصادي، ووجود مستويات استدانةٍ عالية، وتبعية للخارج، وضعف البنية التحتية التعليمية والاجتماعية، واضطراب الموارد الزراعية، بالإضافة إلى الأميّة والجهل.
وهذه العوامل من شأنها تغذية مصادر اليأس، وتفاقم مشاعر الإحباط، وتوفّر أرضية خصبة لحركات التمرّد والانشقاق والتطرف، انطلاقاً من متلازمة الأمن والتنمية، ودلالةً على ذلك: تحتل جميع دول الساحل الإفريقي ذيل الترتيب (المراتب الأخيرة) في مؤشر التنمية البشرية لسنة 2014م، فنجد النيجر في المرتبة 187، تشاد 184، مالي 176، السودان 166، موريتانيا[19]161 .
أما فيما يخصّ الأمن الغذائي، والذي يترتب عليه الأمن الصحي، فقد أشارت تقديرات شهر ديسمبر 2014م إلى أنّ هناك 19.8 مليون شخص في منطقة الساحل يعانون انعدام الأمن الغذائي، منهم 2.6 مليون شخصٍ في حالةٍ خطرةٍ، ويحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة.
وقد شهدت سنة 2015م تدهوراً في حالة الأمن الغذائي لعددٍ أكبر ممّا كانت عليه في سنواتٍ سابقة.
وتشهد منطقة الساحل مستويات مرتفعة في سوء التغذية الحادّ بشكلٍ مستمرٍ وغير مقبول، وقد أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إلى أنه في عام 2015م عانى 5.8 ملايين طفل دون سنّ الخامسة من سوء التغذية العالمي الحادّ (GAM)، من بينهم 1.7 مليون طفل عانوا من سوء التغذية الحادّ (SAM)، و 4.4 ملايين طفل من سوء التغذية الحادّ المعتدل (MAM)، ويعاني- في المتوسط- طفلٌ واحدٌ من أصل ثلاثة في منطقة الساحل من ظاهرة التقزّم (بسبب توقّف النمو)، وما يُقدّر بـ 571.000 طفل دون سنّ الخامسة يتوفون سنويّاً بسبب سوء التغذية[20].
ويمكن إرجاع هذا الضعف المعقد إلى عدد من العوامل:
– سوء الإدارة، والفساد (الصغير، والكبير).
– البيئة الخارجية المتعلقة بمسألة المديونية الخارجية، ذلك أنّ دول الساحل الإفريقي تعيش بنسبةٍ كبيرةٍ على المساعدات الإنسانية، والإقراض، هذه الأخيرة التي تعيق بشكلٍ كبيرٍ النمو والتنمية، وترهن استقلال هذه الدول من الناحية السياسية والاقتصادية، وأمارة ذلك المشروطية السياسية.
– عوامل جغرافية؛ نظراً لخصوصية المنطقة؛ كونها منطقة صحراوية، وتقلّ فيها نسبة تساقط الأمطار، إضافة إلى مشكلات التصحّر والجفاف، وهي الأمور التي من شأنها إعاقة تحقيق الأمن الغذائي وقيادة التنمية.
– تخلّي الدولة عن وظائفها الاجتماعية في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية، برغم النموّ الديموغرافي السريع، والذي لا يتماشى ووتيرة النمو الاقتصاديّ في هذه المنطقة، ما من شأنه أن يُضعف الولاء، ويحوّله إلى جهات أخرى متمثلة في: (الأقلية، المجموعة العرقية، الجهة، العشيرة)، وفي بعض الأحيان يتعدى ذلك إلى التحالف مع عصابات الإجرام المنظّم بغية تأمين لقمة العيش، كما تجلّى ذلك خلال الأزمة الأخيرة في منطقة الساحل الإفريقي بدايةً من سنة 2012م.
د – التحديات الأمنية (قضايا الإرهاب، ونشاطات الجريمة المنظمة):
من بين التحديات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي نشاطات الجريمة المنظمة العابرة للحدود بمختلف أنواعها، وظاهرة الإرهاب الدولي، والتي تؤدي دوراً بارزاً في إعاقة عملية بناء الدولة، خصوصاً إذا علمنا أنّ أيّ تنمية لا بد أن يصاحبها الاستقرار والأمن.
فهذه المنطقة تشهد رواجاً للاتجار غير المشروع بالأسلحة، خصوصاً بعد انهيار نظام معمر القذافي في ليبيا، وفتح مخازن السلاح، وعودة أفراد الطوارق الذين سلّحهم في إطار مخطّطه في إنشاء «جمهورية الطوارق» في الصحراء الكبرى، يؤكد ذلك مانو دياك mano dayak – وهو من طوارق النيجر- من خلال مؤلّفه: (معاناة الطوارق)[21].
إضافة إلى عددٍ من الأنشطة، كتهريب صمغ الحشيش المغربي، وتهريب الكوكايين من أمريكا اللاتينية، وعمليات الاختطاف للحصول على فدية، والتي كان وراءها – غالباً – تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، والتجارة في السلع المهرّبة المشروعة هروباً من الإجراءات القانونية، وتبرز موريتانيا كواحدة من أهمّ ثلاثة محاور لتهريب السجائر في الساحل وغرب إفريقيا[22]، أضف إلى ذلك مسألة الهجرة غير الشرعية، وما يصاحبها من عمليات الابتزاز والاتجار بالبشر.
ولا ينبغي نسيان العلاقة الوطيدة بين الأعمال الإرهابية في المنطقة ونشاطات الجريمة المنظمة، وكذا علاقتهما ببعض المتورطين في جهات حكومية ورسمية في هذه الدول.
هـ – تحدي المشاريع الأجنبية:
من بين التحديات التي تواجه بناء الدولة في الساحل الإفريقي: مدخل التهديدات الأمنية لتعظيم القيمة الاستراتيجية لهذه المنطقة أو مناطق مجاورة، فتبرز في هذا الإطار عدة مشاريع أجنبية في محاولة للتموقع من جديد؛ بغية كسب مناطق نفوذ وحماية مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى.
ومن أبرز ذلك المصالح الفرنسية في كلٍّ من النيجر ومالي، حيث توجد كبرى الاستثمارات الفرنسية في مجال اليورانيوم (شركة أريفا وتوتال)، زيادة لما تراه فرنسا نفوذاً تقليديّاً لها.
ويتمّ استغلال الجماعات الإرهابية بغية خلق تهديدٍ وجودي ومسوّغ للتدخل، بحيث يتمّ «تضخيم التهديد الإرهابي»، على حدّ تعبير الباحث مهدي تاج، للسماح للدول المنافسة بالاستيلاء على الثروات، والتمركز اقتصاديّاً وعسكريّاً بالممر الاستراتيجي الذي يربط المحيط الأطلسي بالبحر الأحمر، مما يُمكنهم من التأثير في التوازنات الجيوسياسية والطاقوية في المغرب العربي وغرب إفريقيا، وهو ما ظهر بوضوح في التدخّل العسكري الفرنسي في مالي (2013م)، وفي إفريقيا الوسطى (2014م)، بحجّة محاربة «الجماعات الإرهابية».
وتبرز أيضاً في إطار التكالب على هذه المنطقة المشاريع الأمريكية في الساحل الإفريقي، خصوصاً بعد أحداث سبتمبر 2001م، في إطار الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب، وعودة الاهتمام بهذه المنطقة الاستراتيجية، إذ تمّ تأكيد ذلك من طرف الإدارة الأمريكية من خلال وثيقتَي الأمن القومي لسنتَي (2002م، 2006م)، وكذا البرامج الأمنية: (مبادرة بان الساحل 2002م، مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء 2005م، القيادة العسكرية أفريكوم)، إضافة إلى دعاوى مكافحة الإرهاب، حيث يتمّ تضخيم التهديد الإرهابي في الساحل الإفريقي؛ بغية السيطرة على منابع النفط في منطقة غرب إفريقيا الغنية بالنفط، لما تمثّله من بديلٍ استراتيجيٍّ في مجال الطاقة، سعياً لتنويع مصادر الحصول عليها، وتحقيق الأمن الطاقوي الأمريكي، في ظلّ الاضطرابات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط.
ولا ننسى- في هذا التضارب- المنافسة الاقتصادية الصينية.
كلّ تلك المشاريع تنال من مقوّمات هذه الدول في السعي لبناء الأمن، وتحقيق الاستقرار، والدفع نحو التنمية، ومسيرة بناء الدولة[23].
الخاتمة:
إنّ هذا الواقع لن يستقيم إلا بمعالجة الأزمات الهيكلية المتعلقة بضرورة بناء الدولة انطلاقاً من البيئة والخصوصية المحلية، ومراعاة التنوع والتعدد، وتوظيفه في أن يكون عامل قوة للدولة لا عامل ضعفٍ لها، مع تجاوز كلّ الأحقاد التاريخية، وبناء مجتمعات توافقية تراعي هذا التعدد والتنوع، فضلاً عن تصحيح الاختلالات الهيكلية على مستوى العملية السياسية، وبناء أنظمة ديمقراطية قائمة على انتخابات حرّة ونزيهة؛ في إطار التداول السلمي على السلطة، وتحقيق العدالة التوزيعية، وعدم الإقصاء والتهميش في إطار فكرة المواطنة؛ تحقيقاً لكرامة الإنسان وحماية كيانه، وكذا تحريره من الخوف والحاجة.
وفي اعتقادنا: أنّ جلّ التحديات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي متعلّقة بالفشل الاقتصادي وأزمة التوزيع، لأنّ أي استقرار لا بد أن يكون مخرجاً لتنمية اقتصادية تستهدف الإنسان، تحقيقاً للتنمية الإنسانية بمفهومها الواسع في هذه المنطقة.
* باحث في صف الدكتوراه علوم في العلاقات الدولية/ جامعة الجزائر3، أستاذ مساعد قسم “ب” – قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية – جامعة حسيبة بن بوعلي- الشلف/الجزائر، عضو باحث في مخبر إصلاح السياسات العربية في ظل تحديات العولمة.
[1] منطقة الساحل: تعدّ نقطة ربط بين المغرب العربي وجنوب الصحراء، وهي كذلك الحزام الرابط بين المحيط الأطلسي غرباً والبحر الأحمر شرقاً، وبذلك فهي ذلك القوس الذي يضمّ: السودان، تشاد، النيجر، مالي، موريتانيا، السنغال، وهناك مَن يوسّع من رقعتها ليضيف إليها: بوركينافاسو، نيجيريا، جزر الرأس الأخضر. راجع:
Cédric Jourde, “Au Sahel, la guerre au terrorisme entre réalité et fiction, In. Bertrand Badie et Sandrine Talotti (Eds.), l’état du monde 2009, Paris: La découverte, 2008, pp: 276-281.
غير أنه سيتم حصر منطقة الساحل الإفريقي في هذه الدراسة لتشمل خمس دول، وهي: (السودان، تشاد، النيجر، مالي، موريتانيا)، نظراً لكثافة النزاعات الإثنية في هذه المنطقة، والطبيعة المجتمعية المعقدة، فضلاً عن التحديات الأمنية فيها.
[2] برتران بادي: “الدولة المستوردة: غربنة النصاب السياسي”، ترجمة: شوقي الدويهي، ط1، الجزائر: دار الفارابي، 2006م، ص 8.
[3] John A.Wiseman, “Introduction: the movement towards democracy: Global, continental and state perspectives”, In. John A.Wiseman (Ed), Democracy and Political Change in Sub-Saharan Africa, London and New York: Routledge, 1995, pp. 1-10.
[4] حمدي عبد الرحمن حسن: “الاتجاهات الحديثة في دراسة النظم السياسية: النظم السياسية الإفريقية نموذجاً”، عمان: الأردن، المركز العلمي للدراسات السياسية، 2008، ص (7 – 8).
[5] يمكن القول بأنّ البيئة الخارجية المتمثلة في الضغوط الدولية ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في حدوث هذا التحوّل، فضلاً عن البيئة الداخلية؛ في شكل الاحتجاجات، والنخب المعارضة، وتصاعد حركات المجتمع المدني في إفريقيا، إضافة إلى ذلك فإنّ هذه الفترة شهدت تراجعاً لفكرة التنموية السياسية التي ظهرت في المرحلة الأولى من التطور الاجتماعي والسياسي لإفريقيا، وحلّت محلّها فكرة المشروطية السياسية وسياسات التكييف الهيكلي المنتهجة من قبل المؤسسات النقدية العالمية؛ فيما عرف بمؤسسات “بريتون وودز” Bretton Woods. انظر: حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص (13 – 21).
[6] حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص (13 – 21).
[7] حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 21.
[8] ترتبط الباتريمونيالية patrimonialism والنيوباتريمونيالية Neopatrimonialism ارتباطاً وثيقاً بكتابات ماكس فيبر، وتستند على مفهومين أساسيين: (الهيمنة، والشرعية). تستعمل هذه المقاربات بصفةٍ خاصّة لدراسة السياسات الإفريقية. يمكن القول بأنّ النيوباتريمونيالية هي خليط بين نوعين من الهيمنة متشابكين جزئيّاً، وهما: الهيمنة الباتريمونيالية patrimonial domination، والهيمنة البيروقراطية القانونية العقلانية legal-rational bureaucratic domination.
فمع الباتريمونيالية: تكون كلّ علاقات القوة بين الحاكم والمحكوم عبارة عن علاقات شخصية، ولا يوجد تمايز بين القطاع الخاص والمجال العام. بيد أنه مع النيوباتريمونيالية: يكون التمييز بين الخاص والعام، على الأقل رسميّاً، مقبولاً وموجوداً، ويتعايش النظامان جنباً لجنب: الباتريمونيالية المتعلقة بالعلاقات الشخصية، والعقلانية القانونية المتعلقة بالبيروقراطية، ما يعني أنّ السياسات غير الرسمية تغزو المؤسسات الرسمية بدرجاتٍ متفاوتة، لتتم مأسسة هذا المزيج. وهكذا، فإنّ النيوباتريمونيالية نوع من الهيمنة السياسية، تتميز بانعدام الأمن ناحية سلوك مؤسسات الدولة ودورها، لكن ضمن هذا النمط لا يمكن للدولة أنّ تحقّق المصلحة العامّة، والمؤسسات العامّة الرسمية والسياسات المنسوبة إليها لا تكتسب شرعية كافية. ومن الواضح أنّ الحكم النيوباتريمونيالي في إفريقيا ترجع جذوره التاريخية إلى الإرث الاستعماري، فالدولة الاستعمارية ليست بالدولة الحديثة؛ بل تقليدية، تتميز بخصائص الإمبراطوريات القديمة. في:
Gero Erdmann and Ulf Engel, Neopatrimonialism Revisited –Beyond a Catch-All Concept, In. GIGA Research Program: Legitimacy and Effiency of Political Systems, N° 16, February 2006, p.p. 18 , 19.
[9] خديجة بوريب: “الدبلوماسية الأمنية الجزائرية في منطقة الساحل الإفريقي: الواقع والرهانات”، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد (42)، ص 26.
[10] ثامر محمد كامل الخزرجي: “النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة: دراسة معاصرة في استراتيجية إدارة السلطة”، ط1، عمان: الأردن، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، 2004م، ص 134.
[11] حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 9.
[12] رعد عبد الجليل مصطفى الخليل، حسام الدين علي مجيد: “نموذج الدولة – الأمّة التقليدي في مواجهة أزمتي الاندماج والهوية”، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد (33)، ص 131.
[13] السيد علي أبو فرحة: “مستقبل الدولة الإفريقية بين السطوة العسكرية وجدوى الديمقراطية”، مجلة قراءات إفريقية، العدد (13)، ص 51.
[14] صاموئيل هنتنغتون: “النظام السياسي لمجتمعات متغيرة“، ترجمة: فلو عبود، بيروت: دار الساقي، 1993م، ص (102 – 101).
[15] Mehdi Taje, Sécurité et stabilité dans le Sahel Africain, NDC Occasional paper, academic Research Branch, (Rome, December 2006), p 8.
[16] حمدي عبد الرحمن: الاتجاهات الحديثة في دراسة النظم السياسية…، مرجع سابق، ص 31.
[17] Michael Bratton, Nicholas van de Walle, Democratic Experiments in Africa: Regime Transitions in Comparative Perspective, UK: Cambridge University Press, 1997.
[18] السيد علي أبو فرحة، مرجع سابق، ص 43.
[19] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام 2014م “المضي في التقدم: بناء المنعة لدرء المخاطر”، نيويورك: الأمم المتحدة، 2014م.
[20]2015 Humanitarian Needs Overview – Sahel region, Report prepared by OCHA on behalf of Regional Humanitarian Partners, December 2014, p01-16.
http://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/2015%20Regional%20HNO%20Final%202014Dec17.pdf accessed on: 03-02-2016.
[21] راجع في ذلك: Mano Dayak, Touareg, la tragédie, France: Édition LATTES, 1992.
[22] ولفرام لاخر: “الجريمة المنظمة والصراع في منطقة الساحل والصحراء”، أوراق كارينغي، بيروت: لبنان، سبتمبر 2012م، ص 5.
[23] عربي بومدين: “الساحل الإفريقي ضمن الهندسة الأمنية الأمريكية”، مجلة قراءات إفريقية، العدد (19)، ص (49 – 40).
.
رابط المصدر: