أثار إعلان أمريكا تشكيل تحالف بحرى جديد لحماية أمن الملاحة فى البحر الأحمر بعد تزايد هجمات الحوثى على السفن التجارية المتجهة لإسرائيل، على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، العديد من التساؤلات حول فاعلية الإستراتيجية الأمريكية فى تعزيز أمن الملاحة بالبحر الأحمر.
والواقع أن هذا التحالف البحرى، الذى يضم إلى جانب أمريكا عددا من الدول مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والنرويج وكندا وسيشل وغيرها، ليس الأول من نوعه المرتبط بمواجهة التهديدات ضد الملاحة والسفن فى البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب، فهناك العديد من التحالفات والصيغ الأمنية المتعددة لتحقيق هذا الهدف، ومنها قوة المهام المشتركة 153 والتى تشكلت فى أبريل عام 2022، وتضم 39 دولة وتستهدف تأمين حرية الملاحة ومواجهة التهديدات الأخرى مثل القرصنة، أو عمليات التهريب فى خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر، وهى جزء من القوة البحرية المشتركة التى تأسست عام 2001 وتعمل فى نطاق الأسطول الخامس الأمريكى فى الخليج العربى. كما أن هناك التحالف الدولى البحرى الذى تأسس عام 2019 لحماية وتأمين الملاحة والسفن ومواجهة التهديدات المختلفة فى الخليج العربى وبحر عمان وباب المندب، وذلك على خلفية التهديدات المتصاعدة فى ذات الوقت ضد السفن التجارية واحتجاز الكثير منها فى الموانئ الإيرانية،. وبالتالى فإن تشكيل هذه القوة البحرية يتجاوز هدف مواجهة تهديدات الحوثى فى اليمن ضد السفن التجارية والملاحة البحرية، حيث لا تحتاج تلك التهديدات إلى ذلك الحشد العسكرى الضخم، وإنما تستهدف بالأساس عسكرة البحر الأحمر وزيادة الوجود العسكرى الأمريكى والغربى فى البحر الأحمر فى ظل حالة الاستقطاب الدولى بين القوى الكبرى، والتى تتنافس على الوجود العسكرى فى البحر الأحمر، خاصة أن هناك 9 قواعد عسكرية فى جيبوتى أبرزها القاعدة العسكرية الأمريكية والقاعدة العسكرية الصينية، وهناك مساع لروسيا لإنشاء قاعدة عسكرية فى تلك المنطقة، وبالتالى هذا التحالف الجديد يزيد من حدة التنافس العسكرى، وقد يدفع إلى إنشاء تحالفات بحرية مضادة من قبل الصين وروسيا لحماية سفنها وتجارتها الكبيرة التى تمر بالبحر الأحمر، وهو ما يزيد من البيئة الصراعية فى المنطقة ويهدد الأمن والاستقرار فيها.
ولاشك أن السياسة الأمريكية فى المنطقة والتى اتسمت بالتخبط والضبابية كان وراء تصاعد التهديدات الإقليمية خاصة المرتبطة بأمن الملاحة فى الممرات البحرية، حيث ارتبطت تلك التهديدات بالصراعات الأمريكية مع إيران، وأدى لتزايد التهديدات الملاحية فى الخليج العربى ومضيق هرمز كما حدث فى 2017 و2018 و2019، ولم تتخذ أمريكا مواقف حاسمة أو رادعة تجاه التهديدات لحرية الملاحة فى تلك الممرات، بل إنها لم تستمع لتحذيرات الدول العربية والخليجية المتعلقة بمخاطر تلك التهديدات على الملاحة العالمية وعلى الاقتصاد العالمى، ولذلك تكررت تلك الهجمات والتهديدات فى ظل غياب رؤية موحدة وحاسمة من المجتمع الدولى فى مواجهتها.
كما أن التهديدات الأخيرة فى البحر الأحمر ارتبطت بتصاعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وبسبب السياسة الأمريكية الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل، والتى تهدد بتوسيع الصراع الإقليمى، وهو ما حذرت منه مصر والسعودية أكثر من مرة ومخاطر ذلك على الأمن والاستقرار الإقليمى وعلى الملاحة فى باب المندب والبحر الأحمر، والذى يعد شريانا حيويا للعالم يمر عبرها أكثر من 14% من التجارة العالمية بما يوازى 2٫5 تريليون دولار وأكثر من 40% من تجارة النفط المنقول بحرا، وبالتالى هذه التهديدات لها تداعيات سلبية كبيرة على الملاحة فى البحر الأحمر وعلى الاقتصاد العالمى والتجارة الدولية مع ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين على السفن التجارية وتعليق عدد من الشركات الكبرى للملاحة فى البحر الأحمر، وتحويل بعض سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا، وبالتالى تأثير سلاسل الإمداد العالمية سلبا، وهو ما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار عالميا. إضافة إلى أن الموقف الأمريكى من الحرب فى اليمن وغياب الحل السياسى وضعف الدولة الوطنية وعدم اتخاذ مواقف حاسمة تجاه الحوثى، والتى تراجعت إدارة بايدن عن تصنيفها كمنظمة إرهابية، مما شجعها على الاستمرار فى تهديداتها للملاحة فى البحر الأحمر، كل هذا زاد من خطر الحوثى، كما أن الرد الأمريكى على تلك الهجمات يعد متواضعا وفى إطار سياسة رد الفعل، وضمن لعبة التوازنات بين أمريكا وإيران، وعدم تصعيد المواجهة بينهما.
وبالتالى إن تأمين الملاحة فى البحر الأحمر لا يتطلب صيغا أمنية بحرية جديدة، وإنما يتطلب أولا تفعيل الصيغ الأمنية السابقة بالمشاركة مع دول المنطقة المتشاطئة للبحر الأحمر، وهى قادرة على حماية وتأمين الملاحة فى ذلك الممر الحيوى، وأن يكون هناك رد دولى حاسم تجاه تهديدات الحوثى، وتحت مظلة الأمم المتحدة. وثانيا تغيير الإستراتيجية والسياسة الأمريكية وإزالة مسببات الصراع والتهديدات فى المنطقة والبحر الأحمر، وعلى رأسها تحرك أمريكا لوقف العدوان الإسرائيلى غير المسبوق على غزة، والذى راح ضحيته أكثر من 21 ألف شهيد، وأكثر من 55 ألف مصاب، وأن تعمل أمريكا بفعالية من أجل تنفيذ حل الدولتين، لأن استمرار هذا العدوان يهدد بتوسيع الصراع إقليميا وهو أمر ليس فى مصلحة أى طرف، كما أنه يغذى البيئة الصراعية ويعطى الذريعة للتنظيمات والميليشيات الإرهابية المسلحة، وبعض القوى الإقليمية لتوظيف القضية الفلسطينية لخدمة أجنداتها.
المصدر : https://ecss.com.eg/39474/