أمريكا وإدارة الصراع مع الصين

د. أحمد سيد أحمد

 

تستهدف إستراتيجية أمريكا تجاه الصين إدارة الصراع والاختلافات معها، ومنع الوصول إلى مرحلة الصدام من خلال الإبقاء على خطوط الاتصال مفتوحة بين الجانبين والتى وضع أسسها الرئيس بايدن خلال لقائه الرئيس شى جين بينج فى بالى بإندونيسيا فى نوفمبر الماضى. وترتكز هذه الإستراتيجية على الاحتواء المزدوج للصين عبر محورين متناقضين، هما سياسة العصا واستخدام الآليات الصلبة من خلال عسكرة التفاعلات فى منطقة شرق وجنوب شرق آسيا فى مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبى، واستخدام تايوان كورقة ضغط على الصين وتزويدها بالأسلحة والمعدات الحديثة لمواجهة أى تدخل عسكرى صينى محتمل فى الجزيرة،

إضافة إلى الزيارات المتتالية للمسئولين الأمريكيين لتايوان، كما حدث فى زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسى بيلوسى فى أغسطس الماضى وهو ما استفز الصين وردت عليه بالتصعيد العسكرى والمناورات فى مضيق تايوان وتعليق الاتصالات مع أمريكا فى مجالات مكافحة المخدرات والتغيرات المناخية وغيرها. كذلك استخدام سياسة العقوبات الاقتصادية وفرض رسوم جمركية على السلع الصينية لتقليل العجز التجارى الأمريكى الكبير مع بكين. أيضا بناء الشراكات السياسية والعسكرية مع الحلفاء فى شرق آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا لمواجهة ما تعتبره الخطر الصينى وهو ما يجسده تحالف كواد الرباعى، وكذلك اتفاقية أكوكوس.

وإلى جانب ذلك أيضا نجحت أمريكا فى الضغط على الجانب الأوروبى للتعامل مع الصين كمهدد استراتيجى وهو ما برز لأول مرة فى اتفاقية التعاون الدفاعى العسكرى بين الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو. وتستهدف سياسة العصا تحجيم الصعود الصينى فى النظام الدولى باعتبارها المهدد الاستراتيجى الأول للمصالح الأمريكية، كما نصت استراتيجية الأمن القومى الأمريكى مؤخرا، وكذلك منع التحول إلى النظام الدولى متعدد القطبية الذى تسعى إليه الصين وروسيا، وإنهاء الأحادية القطبية الأمريكية التى سادت خلال العقود الثلاثة السابقة. فى المقابل يرتكز المحور الثانى فى الإستراتيجية الأمريكية على سياسة الجزرة عبر الحوار والدبلوماسية، وذلك لاحتواء الصين ومنع الوصول إلى الصدام العسكرى الذى إن وقع سيكون مدمرا للجميع، لأنه سيكون بين أكبر اقتصادين فى العالم، وكذلك بين قوتين عسكريتين كبريين نوويتين. كما أن هناك العديد من المصالح الاقتصادية والسياسية التى تدفع أمريكا للحوار مع الصين، وإبقاء خطوط الاتصال مفتوحة، ومنها زيارة وزير الخارجية بلينكن والتى تأجلت بسبب أزمة المنطاد الصينى فى الأجواء الأمريكية والتى اعتبرته واشنطن انتهاكا لسيادتها، بينما أكدت بكين أنه للأغراض المدنية وليس للتجسس.

وتستهدف أمريكا عبر دبلوماسية الحوار استئناف أوجه التعاون بين البلدين فى العديد من القضايا المتقاطعة مثل المناخ ومواجهة الجريمة والتعاون الاقتصادى وغيرها. كذلك إبقاء الصين محايدة فى الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم تزويد روسيا بالأسلحة أو المساعدات الاقتصادية فى ظل استمرار الحرب ومراهنة أمريكا والغرب على إطالة أمد الصراع واستنزاف روسيا وعزلها دوليا. وهنا فإن للصين مصلحة فى فتح الحوار مع أمريكا حيث تتبنى سياسة برجماتية تستهدف تعظيم مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية من وراء حرب أوكرانيا وعدم الدخول فى صراعات تستنزفها اقتصاديا فى ظل التحديات الاقتصادية التى تواجهها بسبب استمرار جائحة كورونا. فالصين وإن كانت تقف مع روسيا فى معسكر واحد لرفض هيمنة أمريكا وتدخلاتها تجاه البلدين عبر أوكرانيا وتايوان، وتتفق مع روسيا فى تغيير هيكل النظام الدولى، وأقامت شراكة اسراتيجية وعسكرية معها وأجرى البلدان العديد من المناورات العسكرية واستفادت من النفط والغاز الروسى بأسعار معقولة بعد العقوبات الغربية على روسيا، إلا أنها فى المقابل تسعى لعدم الصدام مع أمريكا والغرب، لأن هذا سيضر بمصالحها الاقتصادية، فحجم التبادل التجارى بين الصين وروسيا حوالى 150 مليار دولار، بينما حجم التبادل التجارى بين الصين وكل من أمريكا وأوروبا يتجاوز تريليون دولار. أدركت أمريكا أن دخولها فى صراعين متزامنين مع روسيا والصين، عبر الحرب بالوكالة فى أوكرانيا وتايوان، لن يكون فى صالحها اقتصاديا واستراتيجيا. فالعداء لكل البلدين يدفعهما إلى مزيد من التقارب والتعاون والتحالف فى مواجهتها، كما أن الشراكات الاستراتيجية التى أقامتها أمريكا مع حلفائها فى آسيا وأوروبا لم تنجح فى احتواء أو تحجيم الصين، فى ظل تشابك المصالح الاقتصادية بين هذه الدول والصين، وإدراكها المتزايد لخطورة الانجرار وراء السياسة الأمريكية التصعيدية تجاه الصين وروسيا، لأنها المتضرر الأكبر من وراء تلك السياسة، كما حدث مع أوروبا بسب حرب أوكرانيا، بينما المستفيد الأكبر من هذا التصعيد وهذه العسكرة للعلاقات الدولية هى الولايات المتحدة. كما أن الصين وروسيا لديهما العديد من الأوراق الاقتصادية والعسكرية والسياسية القادرة على مواجهة الضغوط الأمريكية،

فالعقوبات الاقتصادية الأمريكية قابلتها عقوبات صينية مضادة، وهذه العقوبات تضر بالاقتصاد وبالمواطن الأمريكى ذاته وهو ما سيكون له أثار سلبية على إدارة بايدن وفرص فوزه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولذلك تسعى أمريكا عبر اللقاءات مع المسئولين الصينيين تبريد مستوى السخونة والصراع مع الصين لاعتبارات برجماتية، كما أن للصين مصلحة أيضا فى تخفيض منسوب التوتر. وفى ذات الوقت تعتمد إدارة بايدن على استراتيجية التنافس مع الصين ومواجهة نفوذها المتصاعد فى إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، والاستمرار فى تعظيم القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية للاستمرار فى قمة هرم النظام الدولى، مع استمرار الضغوط الاقتصادية والحرب بالوكالة مع الصين لاستنزافها وتحجيم صعودها السريع فى النظام الدولى.

نقلا ع جريدة الاهرام الأثنين 6 فبراير 2023

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/32782/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M