الصراعات السياسية: هل تقود إلى إقالة الحلبوسي من البرلمان العراقي؟

رحاب الزيادي

 

منذ فترة وجيزة وعقب تشكيل حكومة “محمد شياع السوداني”؛ برز صراع داخلي بين الكتل السياسية العراقية ومساعٍ لاستهداف الحلبوسي، رئيس مجلس النواب العراقي، الذي سبق وأن تقدم باستقالته في 28 سبتمبر الماضي، لكن تم رفضها من قبل البرلمان وصوت بتجديد الثقة له، حيث عارض الاستقالة آنذاك حوالي 222 نائبًا من أصل 235 نائبًا إجمالي المصوتين، بينما وافق عليها 13 نائبًا فقط.

 ومن ثم كان بقاء الحلبوسي في السلطة وفقًا لصفقة سياسية من خلال رفض استقالته مقابل منح امتيازات سياسية بحيث حصل حزب تقدم برئاسة الحلبوسي على (وزارتي التربية والتخطيط)، بينما حصل “خميس الخنجر” على (وزرات الدفاع والثقافة والصناعة والتجارة)، وحصلت كتلة الفتح على (وزارات النقل والتعليم والعمل والموارد المالية)، بينما حصل ائتلاف دولة القانون على (وزارات النفط والزراعة والشباب والرياضة) وذلك في سياق تشكيل حكومة السوداني كحكومة مؤقتة لحين إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، والتي اختيرت بعد تشكيل ائتلاف إدارة الدولة بمبادرة من “نوري المالكي” زعيم ائتلاف دولة القانون، وضم الائتلاف (الإطار التنسيقي، تحالف عزم، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، كتلة بابليون المسيحية). وتضمنت هذه المبادرة خريطة طريق سياسية جديدة مدتها عام ونصف وتشكيل حكومة توافقية تتقاسم المناصب مع جميع الأحزاب السياسية على أساس مقاعدها، وتعديل قانون الانتخابات، وإجراء انتخابات مجالس المحافظات قبل الانتخابات البرلمانية المبكرة. ضمن هذا الإطار تناقش هذه الورقة سياق الصراعات بين الكتل السياسية ومدى التأثير على رئاسة الحلبوسي للبرلمان العراقي.

سياق الصراعات السياسية

• خلاف سني-سني: ظهر خلاف سني-سني على الساحة السياسية العراقية عقب تشكيل حكومة السوداني، بين حزب تقدم برئاسة “محمد الحلبوسي” رئيس البرلمان، وبين تحالف عزم الذي كان يرأسه “خميس الخنجر”، بينما يرأسه حاليًا النائب “مثنى السامرائي” من خلال اصطفافات تتشكل بتقارب بين تحالف العزم مع قوى الإطار التنسيقي خاصة بعد تصريحات إعلامية للحلبوسي عن قضية الحكومات المحلية في المحافظات والمدن المحررة من داعش، وتصريحه بنجاح المحافظين التابعين لحزب الحلبوسي في الأنبار ونينوى بهذه القضية، بينما فشل محافظ صلاح الدين التابع لتحالف العزم بقيادة السامرائي، وهو ما دفع مجلس محافظة صلاح الدين بإصدار بيان أكد به على دعمه لحكومة المحافظة وإدارتها، والإشارة إلى اتهامات ضمنية للحلبوسي بسيطرة حزب تقدم على صندوق إعمار المناطق المتضررة منذ عام 2000، وكذلك سيطرته على المناصب الإدارية والأمنية في محافظة الأنبار ومحاولته للتفرد بالسلطة.

فضلًا عن أن هناك غضبًا شعبيًا في الأنبار بعد حصول مليشيات الحشد الشعبي على أراضي في محافظات الأنبار وإهدار أموال كانت مخصصة للإعمار، وعدم الارتقاء بالوضع الخدمي لها، وقد طال الإهمال المحافظة خلال الدورات البرلمانية المتعاقبة. بالإضافة إلى تبادل الاتهامات من جانب أعضاء تحالف العزم والحديث عن إقالة الحلبوسي من منصبه وتوجيه انتقادات لأدائه في البرلمان، كما أن هناك ضغوطًا تمارس من قبل خصوم الحلبوسي في تحالف العزم في محافظات صلاح الدين وبغداد للضغط على قوى الإطار التنسيقي لإقالته وتسمية مرشح سني آخر لرئاسة البرلمان للفصل التشريعي الجديد، لكن تبدو هذه الضغوط غير مجدية في ظل الأغلبية البرلمانية التي يحظى بها الحلبوسي، ويبدو أن هذه القوى تتجه إلى الضغط بهدف المناورة من أجل الحصول على تنازلات في مناطق بعينها وتحديدًا لزيادة نفوذها في الأنبار.

كما أن الخلافات تزداد بين “خميس الخنجر” والحلبوسي” حول تعيين مسئولين جدد في المحافظات ذات الأغلبية السنية وإهمال استحقاقات محافظة ديالى وتهميشها في السلطتين التنفيذية والتشريعية وكذلك في الخدمات مقارنة بمحافظات نينوى والأنبار، وقد تفاقم الخلاف بعد توقيع الحلبوسي على استقالة النائب “ليث الدليمي” وكان عضوًا في حزب تقدم ثم انتقل بعد ذلك إلى تحالف العزم، واعتبر النائب أن إنهاء عضويته أمر نيابي غير قانوني، بالرغم من أن إنهاء العضوية جاءت استنادًا إلى المادة 12 من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018 وبناء على تقديم النائب لاستقالته. كما أن تحالف العزم برئاسة “مثنى السامرائي” اعتبر أن قرار إنهاء عضوية النائب تم دون الرجوع لمجلس النواب، وأن ذلك يخالف المادة 39 من الدستور التي تنص على ” لا يجوز اجبار أحد على الانضمام إلى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية أو إجباره على الاستمرار في العضوية فيها”.

 كذلك من مظاهر الخلافات السنية الأخرى انسحاب النائب “رعد الدهلكي” من تحالف السيادة لأسباب تتعلق باستحقاقات محافظة ديالى ورغبته في الحصول على رئاسة لجنة النزاهة النيابية، وتصعيده بالدفاع عن استحقاقات المحافظة من خلال مشروع وطني يضم نخبة سياسية ومجتمعية تضمن حقوق محافظة ديالى بعيدًا عن المزايدات السياسية، فيما قد يقود إلى ظاهرة الانسحابات بما يضعف تحالف السيادة، بالإضافة إلى مطالبة الدهلكي بترشيح سكرتيره “فادي محمد ياسين” لمنصب نائب محافظة ديالى، لكن الشخصية المرشحة بحسب رؤية حزب تقدم غير مؤهلة للمنصب، وهناك شخصيات أكثر جدارة منه.

• صراع سني-شيعي: من ناحية أخرى هناك بعض الأطراف الشيعية داخل الإطار التنسيقي تدعم إقالة الحلبوسي ومن بينها ائتلاف دولة القانون برئاسة “نوري المالكي”، وكتلة صادقون برئاسة “قيس الخزعلي” ارتباطًا بالتنافس في ظل اقترب موعد انتخابات مجالس المحافظات المحتمل عقدها في أكتوبر 2023 وربما يقود الصراع حول المناصب إلى تغيير خريطة التحالفات السياسية.

فقد حدث خلاف بين الحلبوسي والإطار التنسيقي الذي يضم القوى الشيعية عقب تشكيل حكومة السوداني؛ إذ اعترض النائب الأول لرئيس البرلمان “محسن المندلاوي” على هوية المعينين على الدرجات الوظيفية الخاصة دون التشاور مع باقي الكتل السياسية، وشملت مناصب مدير مكتب رئيس الوزراء، ورئيس ديوان الرئاسة، وأمين عام مجلس النواب، ومدير ديوان رئيس مجلس الوزراء، ومدير مكاتب رئيس البرلمان ونوابه، وتم تأجيل الجلسة التي كانت مقررة للتصويت على هؤلاء المرشحين بسبب الخلاف مع الحلبوسي.

بالإضافة إلى أن حزب تقدم اعتبر أن الإطار التنسيقي أخل بالاتفاق السياسي معه فيما يتعلق بسحب الحشد الشعبي من المناطق المحررة من داعش، وحل هيئة المساءلة والعدالة بما جعل الخلاف يتصاعد بينهما خلال هذه الفترة، كما أن الحلبوسي سبق وأثار ملف “المغدورين من السنة” واعترف الحلبوسي بمقتل ما يتراوح بين 18-22 ألف عراقي في محافظات (الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وبابل) على يد المليشيات التابعة للقوى الشيعية ومنها كتائب (حزب الله وعصائب أهل الحق وبدر وسيد الشهداء والإمام علي والخراساني ورساليون والنجباء) بما اعتبرته هذه الفصائل تصعيد من الحلبوسي ضدها بهدف كسب مزيد من الرصيد السياسي والشعبي، مما جعلها تصعد بفتح ملفات فساد تورط بها وتوجيه اتهامات ضده وهي إحدى الملفات التي جاءت في إطار التفاهمات السياسية أثناء تشكيل حكومة السوداني بين قوى الإطار التنسيقي مع تحالفي عزم وتقدم، بما يعني أن إثارتها في ذلك التوقيت يُضفي مزيدًا من التوتر داخل التحالف الداعم لتشكيل الحكومة.

عوامل عديدة 

تتعدد العوامل التي تحفز بقاء الحلبوسي واستمراره لحين إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة نذكرها على النحو التالي: 

• أغلبية برلمانية: يتمتع الحلبوسي بأغلبية برلمانية داعمة له بحوالي 71 نائبًا خاصة بعد تجديد الثقة له عقب انتخابات أكتوبر 2022، ورفض العدد الأكبر من النواب الحاضرين بحوالي 222 نائبا للاستقالة التي سبق وأن تقدم بها في سبتمبر الماضي، الأمر الذي أظهر الشعبية التي يحظى بها من قبل المكونات المختلفة، كما أن الحلبوسي استطاع من خلال صندوق الإعمار البدء في مشروعات استثمارية بالمحافظات السنية مما أدى إلى كسبه مزيد من الدعم الشعبي له.

• بقاء الحكومة: لا تزال قوى الإطار التنسيقي تحرص على عدم تفكك التحالف الداعم لحكومة السوداني وهو “ائتلاف إدارة الدولة” بما يؤثر على استمرار الحكومة الحالية، وأن تلويح بعض الكتل بإقصاء الحلبوسي بهدف المناورة السياسية والضغط من أجل مكاسب خاصة، كما تتخوف قوى الإطار من أن تفكك تحالف الحكومة بما يؤثر على أوضاع البرلمان العراقي بشكل خاص وعلى الوضع في الدولة بشكل عام، وبما يسمح للتيار الصدري من استغلال هذه الخلافات وثبوت صحة فرضيته إزاء حكومة السوداني والصفقة التي تمت بين القوى السياسية آنذاك لتشكيلها، وعليه فإن قالة الحلبوسي سوف تؤثر على شرعية الحكومة الحالية وعلى المشهد السياسي، لذلك سوف تتجنب قوى الإطار الدخول في أزمات أخرى تعرقل عملها في ذلك التوقيت.

ختامًا، يمكن قراءة الصراعات الداخلية بين الحلبوسي مع بعض القوى السنية أو الشيعية في سياق التنافس وتوظيف أدوات الضغط؛ إذ إن القوى الشيعية تلوح بإقالته للضغط عليه لعدم إثارة ملف المغيبين أو المغدورين في المحافظات السنية، أما القوى السنية المتنافسة مع الحلبوسي ترغب في تعزيز نفوذها وحصد مقاعد أكثر في انتخابات مجالس المحافظات أو في الانتخابات البرلمانية المبكرة.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/32785/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M