بحسب تقرير البيت الأبيض الصادر العام الماضي كانت نظرة الولايات المتحدة لأفريقيا كالتالي ” أفريقيا ذات أهمية بالغة للنهوض بأولوياتنا العالمية، تتميز بأنها أسرع المناطق نموًا في العالم، وأكبر مناطق التجارة الحرة، وأكثر النظم البيئية تنوعًا، وواحدة من أكبر مجموعات التصويت الإقليمية في الأمم المتحدة”، وفي المقابل تظهر الصين كفاعل اقتصادي وسياسي مهيمن على الساحة الأفريقية وإن كانت بعض الأنشطة تظهر توسع بكين في تحديث البنية التحتية الأفريقية إلا أن لأفريقيا أهمية سياسة واقتصادية من خلال دعمها داخل الأمم المتحدة وفي قضايا مثل تايوان وهونغ كونغ سياسياً وتوسع الشركات الصينية في جميع الأسواق الأفريقية تقريبًا كما أنها واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في القارة، وبين هذا وذاك تتنافس القوتان في الاستفادة مما تتمتع به القارة الأفريقية من مقومات من جهة والسعي لاستقطاب دول القارة من ناحية أخرى من خلال ضخ استثمارات وتوفير القروض والتوسع في العلاقات الاقتصادية مع مختلف الدول الأفريقية لكسب المزيد من التأييد.
مقومات القارة الأفريقية
تتمتع القارة بمزيج ثري ومتنوع من الموارد الطبيعية من الأراضي الزراعية ومصادر الطاقة والمعادن والمياه وغيرها، ولها ميزة تنافسية في التجارة والاستثمار العالميين، وتزداد أهمية أسواقها مع توقع تضاعف عدد سكانها من الشباب بحلول عام 2050 إلى 2.5 مليار شخص، والذين يمثلون أكثر من ربع سكان العالم مع سوق عمل وسوق استهلاكي يبلغ 16 تريليون دولار، كما أن أغلب الدول الأفريقية الآن تعمل على القيام بالإصلاحات لتحسين بيئات الأعمال وجذب الاستثمار الخاص، خاصة في ظل سعيها لتنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والذي سيساهم في زيادة قدرة الشركات الأفريقية على المنافسة وتعزيز اندماجها في سلاسل التوريد العالمية. فضلاً عن ذلك تلعب إفريقيا دوراً هاماً في أمن الطاقة الدولي كمصدر وقود، وتجلى ذلك في قدرتها على المساهمة بشكل ملحوظ في سد احتياجات الدول الأوروبية من الطاقة، بسبب أزمة الطاقة التي تعرضت لها والناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية.
بجانب ذلك تعد قارة إفريقيا القارة التي تحتوي على أكبر حصة من الأراضي الصالحة للزراعة، وقد شهدت أفريقيا جنوب الصحراء أعلى معدل نمو زراعي بمعدل 4.3% سنويًا منذ عام 2000 مقارنة بالمناطق الأخرى، كما أنها تستهدف تطوير الصناعات الرئيسية كالسيارات والأدوية والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك استراتيجيات لجذب الاستثمارات في البنية التحتية، كما تعمل القارة على خطة على المدى القريب تقوم على توسيع نطاق الحصول على الكهرباء لنحو 600 مليون مواطن – نصف سكان أفريقيا جنوب الصحراء – مع أولوية بناء نظام طاقة مستدام قائم على الطاقة النظيفة وبعيدًا عن الوقود الأحفوري والذي يمثل 46% من مزيج الطاقة الحالي في القارة.
فضلاً عن ذلك تتمتع كل دولة من دول القارة بقدرات وموارد مختلفة لذلك تهدف كلا من الصين والولايات المتحدة للاستفادة منها ولإثبات نفوذها في المنطقة، إذ تسعى الصين إلى تأمين الوصول إلى الموارد والأسواق والحفاظ على تلك المكتسبات وحماية مواطنيها وشركاتها، وبنفس التوجه تسعى الولايات المتحدة في المقام الأول إلى الحفاظ على الوصول الاستراتيجي إلى القارة وضخ استثمارات والحفاظ على منشآتها ومصالحها في القارة.
التجارة والاستثمارات الأمريكية في أفريقيا
قامت الولايات المتحدة بإقرار قانون “أغوا” عام 2000 وهو ما حفز الشركات الأمريكية للتوسع في أفريقيا، وفي عام 2015 قامت بمده عشر سنوات أخرى، ويدور القانون حول الأفضلية التجارية ويلزم الرئيس بتقديم تقريرًا إلى الكونغرس حول العلاقات التجارية والاستثمارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا في موعد لا يتجاوز عام واحد بعد سن القانون وكل سنتين بعد ذلك، ويقدم التقرير وصفًا لحالة التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وإفريقيا جنوب الصحراء، والتغيرات في أهلية البلدان للحصول على مزايا قانون “أغوا”، وملخصًا لجهود بناء القدرات التجارية الأمريكية الأفريقية، فضلاً عن ذلك تتوسع مشاركة القطاع الخاص الأمريكي في إفريقيا في صناعات أخرى مثل الخدمات العلمية والتقنية الأخرى، وخدمات الحوسبة السحابية وتخزين البيانات، وغيرها من الصناعات.
وبحسب بيانات صادرة عن البيت الأبيض فقد أبرمت الولايات المتحدة أكثر من 800 صفقة تجارية واستثمارية ثنائية الاتجاه مع 47 دولة أفريقية عام 2021، وبلغ إجمالي السلع والخدمات الأمريكية المتداولة مع إفريقيا 83.6 مليار دولار في عام 2021، وشملت مجالات الاستثمارات الأمريكية قطاعات الطاقة المستدامة والأنظمة الصحية والأعمال الزراعية والاتصال الرقمي والبنية التحتية والتمويل.
ووفقًا لأحدث بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكي، فقد بلغ إجمالي تجارة السلع ثنائية الاتجاه مع إفريقيا جنوب الصحراء فقط 44.8 مليار دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 21.8% من 36.7 مليار دولار في عام 2019، وبلغت صادرات السلع الأمريكية لأفريقيا 16.5 مليار دولار في عام 2021، بزيادة من 15.8 مليار دولار في عام 2019 (يرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع مبيعات الغاز الطبيعي والمركبات وقطع الغيار)، وبلغت واردات السلع الأمريكية من أفريقيا 28.2 مليار دولار في عام 2021، ارتفاعًا من 21 مليار دولار في عام 2019 (ويرجع ذلك أساسًا إلى الزيادات الحادة في مشتريات المعادن الثمينة).
وكانت أكبر صادرات السلع الأمريكية في عام 2021 من حيث المنتج هي المركبات (3.2 مليار دولار) والآلات (2 مليار دولار) والوقود المعدني (1.8 مليار دولار) والحبوب (918 مليون دولار) والطائرات (841 مليون دولار). كانت أكبر أسواق التصدير الأمريكية في عام 2021 هي جنوب إفريقيا (5.5 مليار دولار) ونيجيريا (3.9 مليار دولار) وغانا (983 مليون دولار) وإثيوبيا (585 مليون دولار) وكينيا (551 مليون دولار). كانت أهم واردات الولايات المتحدة في عام 2021 هي المعادن الثمينة والحجر (البلاتين والماس) (11.1 مليار دولار) والوقود الأحفوري (6 مليارات دولار) والملابس (1.4 مليار دولار) والكاكاو (1.3 مليار دولار) والمركبات (868 مليون دولار).
وتعد الدول جنوب إفريقيا (15.7 مليار دولار) ونيجيريا (3.5 مليار دولار) وغانا (1.7 مليار دولار) وكوت ديفوار (1.2 مليار دولار) وأنغولا (1.1 مليار دولار) من أكبر الموردين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى الولايات المتحدة عام 2021.
أما حجم الاستثمارات الأمريكية في أفريقيا فقد سجلت 33.3 مليار دولار في عام 2020 بزيادة طفيفة عن 32.6 مليار دولار في عام 2018، وتركزت الاستثمارات الرئيسية الأمريكية في القارة في قطاعات مثل الكهرباء، وتصنيع النقل، والتكنولوجيا / الاقتصاد الرقمي، وتجارة التجزئة، والسياحة، وكانت أكبر ثلاث وجهات للاستثمارات من الولايات المتحدة لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء في عام 2020 هي جنوب إفريقيا (10 مليارات دولار) وموريشيوس (8.3 مليار دولار) ونيجيريا (6.8 مليار دولار)، وحققت الاستثمارات الأفريقية في الولايات المتحدة ارتفاعاً حاداً من 5.1 مليار دولار في عام 2018. لتصل إلى 9.3 مليار دولار في عام 2020، وفقاً لأخر بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكي.
التجارة والاستثمارات الصينية في القارة
توسعت الصين في أفريقيا بشكل سريع في العقود الأخيرة، وبحلول عام 2021 كانت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا على مدار الـ 13 عامًا الماضية، بحسب المكتب الوطني الصيني للإحصاء، إذ شهدت التجارة بين الصين وأفريقيا زيادة كبيرة من 12.3 مليار دولار في 2002 إلى 208.8 مليار دولار في 2019، إلا أنها انخفضت بنسبة 10% تقريبًا في عام 2020 مقارنة بعام 2019 بسبب جائحة كورونا لتحقق 187.7 مليار دولار، ومع الانتعاش الاقتصادي في أعقاب الوباء وصلت التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا إلى مستوى قياسي بلغ 254.2 مليار دولار في عام 2021 ، بزيادة قدرها 35% عما سجلته في عام 2020.
وفي عام 2021 بلغ إجمالي حجم التجارة بين الصين وأكبر عشرة شركاء تجاريين في إفريقيا 175.3 مليار دولار، وهو ما يمثل 68.9% من إجمالي حجم التجارة بين الصين وأفريقيا، تعد جنوب إفريقيا أكبر شريك تجاري للصين في إفريقيا، تليها نيجيريا وأنغولا ومصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغانا والجزائر وكينيا وتنزانيا وأخيراً المغرب، وسجل إجمالي حجم التجارة بين الصين وباقي دول أفريقيا 79.2 مليار دولار.
وبشكل عام كان لأفريقيا فائض تجاري مع الصين (صادراتها إلى الصين أكبر من وارداتها من الصين) بين 2004-2006، وفي 2008، وبين 2010-2014، وكان أكبر فائض في عام 2012 عند 27 مليار دولار، إلا أنه منذ عام 2015، بلغ متوسط العجز التجاري السنوي لأفريقيا مع الصين 28.2 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالاستثمارات الصينية في أفريقيا فإنها تتسم بالتقلب إلى حد ما على مدى السنوات العشر الماضية بالرغم من أنها بدأت في الارتفاع منذ عام 2003 بعد ثلاث سنوات من بدء منتدى التعاون الصيني الأفريقي، إذ بدأت التدفقات السنوية للاستثمارات الصينية في الارتفاع بشكل مطرد من 74.8 مليون دولار فقط في 2003 إلى 5.4 مليار دولار في 2018، ثم تراجع في 2019 إلى 2.7 مليار دولار، وعلى الرغم من وباء كورونا ارتفعت الاستثمارات الصينية في أفريقيا مرة أخرى إلى 4.2 مليار دولار عام 2020، وذلك بحسب التقرير الصادر عام 2022 عن المجلس الصيني الأفريقي للأعمال التجارية.
استفادة أفريقيا من التنافس الأمريكي الصيني
أعلن الاتحاد الأفريقي عن رؤيته للقارة من خلال أجندة 2063 والتي حملت شعار “أفريقيا التي نريدها” والتي تعتمد على تحسين البنية التحتية، وتطوير شبكة الطرق السريع العابر للقارة والذي يتكون من تسع خطوط أولها طريق القاهرة كيب تاون أو طريق أفريقيا السريع الذي سيربط أفريقيا شمالها بجنوبها، وبالتالي يجب أن تستفيد أفريقيا من التنافس بين القوتين في تطوير البنية التحتية ذات الأولوية لتعزيز النمو الاقتصادي، خاصة وأن ازدهار أفريقيا سيقلل عدد المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا والولايات المتحدة، كما أنه سيمنع تدفق الشباب العاطلين عن العمل الذين ينجذبون إلى مناطق الصراع الساخنة في المنطقة.
ويمكن للقارة أن تستفيد من ذلك التنافس أيضاً في تعزيز التجارة والاستثمار في الاتجاهين، والاستفادة من دعم القوتين في استكمال تنفيذ الاتفاقية المنشئة لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية بالكامل، خاصة وأن الاتفاقية تهدف إلى إنشاء سوقًا مشتركة على مستوى القارة التي تضم 1.3 مليار شخص وبحجم اقتصاد 3.4 تريليون دولار أمريكي مما يجعلها خامس أكبر اقتصاد في العالم، فضلاً عن جذب الاستثمارات في قطاع الزراعة وتوفير التمويل لمواجهة تحديات القطاع الذي يوفر فرص عمل لثلثي سكان المنطقة أغلبهم من النساء والشباب، وهو مسؤول عن 14% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن تصل قيمة الأعمال التجارية الزراعية إلى أكثر من تريليون دولار بحلول عام 2030، والذي سيعزز من اندماج القارة في سلاسل التوريد العالمية مع زيادة الإنتاجية وتحسين سلاسل القيمة.
.
رابط المصدر: