احتدام المنافسة… الفوسفات وخرائط النفوذ الروسي-الإيراني داخل سوريا

بسنت جمال

 

أصبح الفوسفات السوري نقطة اشتعال بين القوى الدولية الكبرى خاصة إيران وروسيا اللتان تسعيان للاستحواذ على التنقيب عنه واستخراجه وإبرام عقود شراكة مع البلاد خلال الأعوام الماضية، مما أثار التساؤلات حول مكانة قطاع الفوسفات السوري وطبيعة التنافس بين موسكو وطهران على الثروات الطبيعية بالبلاد فضلًا عن مُحركات ودوافع الأطماع الإيرانية- الروسية في قطاع الفوسفات.

قطاع الفوسفات السوري

  يتميز الفوسفات السوري بكونه متوسط الجودة ويصلح لجميع الاستخدامات كصناعة حمض الفوسفور والأسمدة الآزوتية بأنواعها، كما إنه يتمتع بوجود خامس أكسيد الفوسفور الذي تتراوح نسبته حوالي 28% و34%، ويمثل خام الفوسفات في سوريا المرتبة الثانية من حيث الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية بعد خامات النفط والغاز الطبيعي بالنسبة إلى الموارد الباطنية المعدنية وشبه المعدنية.

 ويتوزع خام الفوسفات في سوريا على السلسلة التدمرية (خنيفيس والشرقية والرخيم)، ومنطقة الحماد (الجفيفة والثليثاوات والسيجري والحباري)، والمنطقة الساحلية (عين ليلون وعين التينة وقلعة المهالبة وحمام القراحلة). ويوجد في سوريا خمسة مصانع للفوسفات منقسمين إلى أربعة مصانع في مناجم الشرقية، ومصنع واحد في مناجم خنيفس، ويستخدم جزء محدود من الفوسفات داخليًا في صناعة الأسمدة الفوسفاتية ليتم شحنه إلى معمل حمص للأسمدة، فيما يتم تصدير الجزء الأكبر إلى عدة دول عبر السكك الحديدية التي تربط المناجم بميناء طرطوس.

وكانت صادرات الفوسفات السورية تحتل المرتبة الرابعة أو الخامسة عالميًا خلال الفترة التي تتراوح بين عامي 2008 و2011 حيث كان ثلثا إنتاج الفوسفات مخصصًا للتصدير وبالتالي كان مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الدولة من العملات الأجنبية، ولكن لم يستمر الوضع على هذا الحال، حيث تراجعت الصادرات السورية من الفوسفات من قيمة تتجاوز 270 مليون دولار عام 2010 إلى 27 مليون دولار بحلول عام 2018، وأصبح الفوسفات المستخرج يُمثل أقل من 0.17% من الاحتياطات المؤكدة فالاحتياطي الموثوق به يُقدر بملياري طن، إلا أن كميات الإنتاج ما زالت دون الـ3.5  ملايين طن سنويًّا بسبب نقص التكنولوجيا الحديثة وتقادم الآلات وعجز الموارد المالية، وسوء الإدارة، فضلًا عن تأثيرات الحرب والدمار الهائل البنية التحتية للمياه والكهرباء.

دوافع التنافس الروسي- الإيراني

تحتكر روسيا إنتاج الفوسفات السوري من خلال شركة ” Stroytransgaz” التي بدأت العمل في البلاد منذ عام 2005 لتسيطر على ميناء طرطوس ومصانع الأسمدة التي تديرها الدولة تماشيًا مع اتفاقية تسوية الديون بين البلدين والتي من خلالها تم إلغاء نحو 73% من الديون السورية البالغة نحو 13.4 مليار دولار لضمان احتكار إنتاج وتصدير الفوسفات من المناجم ومصانع الأسمدة في محافظة حمص إلى ميناء التصدير في طرطوس.

وتعمل الشركة الروسية على إعادة تأهيل مصانع الفوسفات في منطقتي الشرقية، وخنيفس من خلال توظيف مهندسين وعمال مهرة سوريين تحت إشراف روسي، وفي عام 2018، مُنحِت الشركة عقدًا حصريًا لمدة 50 عامًا لبيع 2.2 مليون طن من الفوسفات سنويًا مع حصة 30% فقط للمؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية المملوكة للدولة، وبعد عام من توقيع هذا العقد، وقعت الحكومة السورية عقدين إضافيين مع الشركة الروسية لتولي إدارة مجمع إنتاج الأسمدة السوري في حمص وميناء طرطوس التجاري، وبحسب العقد الأول الذي صادق عليه البرلمان السوري في فبراير 2019، يجب على الشركة الروسية استثمار 200 مليون دولار خلال عامين من أجل ترميم المصانع الثلاثة القديمة التابعة للشركة العامة للأسمدة لتتمتع الأولى بحصة تبلغ نحو 65% لمدة 40 عامًا، في حين يتضمن العقد الثاني استثمار 500 مليون دولار لبناء وتوسيع ميناء طرطوس.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت القوات الروسية بفرض سيطرتها على حقل الصوانة للفوسفات شرقي حمص وعززت قواتها بعشرات العناصر من لواء القدس والفيلق الخامس بعد خروج الميليشيات الإيرانية منه، ويأتي ذلك في ظل الخلاف والتنافس بين روسيا وإيران التي تسعى للاستفادة بأكبر قدر ممكن من ثروات الفوسفات عبر محاولة فرض السيطرة العسكرية على كبرى مناجم الفوسفات في سوريا، وخاصة المناجم الشرقية. وترجع أول اتفاقية بين سوريا وإيران إلى عام 1974 والتي ركزت الاتفاقية على صادرات إيران من سيارات النقل، فيما تركزت الصادرات السورية على الفوسفات، كما وقعت البلدان اتفاقية مناظرة عام 1982 تنص على قيام إيران بتصدير 9 ملايين طن سنويًا من النفط لسوريا مقابل استيراد 400 ألف طن من الفوسفات، وبحلول يناير 2017، وقعت الحكومتان مذكرات تفاهم شملت الحق في ألغام في حقل الشرقية بالقرب من تدمر للحصول على الفوسفات، ولكن بعد ستة أشهر، منحت الحكومة السورية شركة ” Stroytransgaz ” عقدًا حصريًا لاستخراج وبيع الفوسفات من نفس المنجم، وبناء على ذلك، استاءت الحكومة الإيرانية من العقود التي وقعتها سوريا مع روسيا مما حد من استفادتها من المعدن السوري.

وإلى جانب روسيا وإيران، دخلت صربيا على خط المنافسة حيث وقعت “المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية” و”شركة وومكو أسوشيتس دوو” الصربية لاستخراج الفوسفات الأراضي السورية وتصدير المنتج إلى صربيا التي ستستفيد من 70% من الإنتاج بشكل صافٍ بينما سيعود الـ 30% الباقية لسوريا. وفي ضوء ما سبق، يُمكن توضيح أهم محركات الأطماع الدولية في الفوسفات السوري:

• مكاسب اقتصادية وجيوسياسية: تسعى روسيا وإيران إلى لعب دور أكبر في الاقتصاد السوري الذي قد يمثل ممرًا اقتصاديًا حيويًا واستراتيجيًا نحو السوق العالمية من خلال الموافقة على عقود استثمار لشركاتهما الكبرى وتكتلاتهما وعبر السيطرة على الاستثمارات في المشاريع الاقتصادية المتنوعة لا سيما الطاقة والفوسفات ليأتي ذلك على حساب الدولة السورية التي ستخسر ما يتراوح بين 70% إلى 75%من عائدات صادرات الفوسفات وعائدات ميناء طرطوس لشريكها الروسي خلال الخمسين عامًا المقبلة، إلا أن الاستفادة الروسية من فوسفات سوريا يواجها بعض من العقبات، والتي تتمثل في وقوع مناجم الفوسفات في مناطق غير آمنة فضلًا عن مواجهة المستثمر الروسي مشكلات الفساد المستشري والمحسوبية والعمالة المقنعة التي تسود في الشركات الثلاث المملوكة للدولة، كما واجهت شركة ” Stroytransgaz” شكاوى متزايدة من العمال السوريين، وقيامهم بالعديد من الاحتجاجات والإضرابات العمالية في مصنع الأسمدة وميناء طرطوس خلال عامي 2019 و2020 بسبب ظروف العمل وتراجع الأجور والنهج الإداري المركزي الذي تفرضه الإدارة الروسية للتعامل مع المديرين والعاملين السوريين رغم تأكيدات الشركة على الاحتفاظ بحقوق العمال كموظفين في القطاع العام  بما في ذلك الرواتب والحوافز والنقل المجاني والتأمين الصحي والاجتماعي والمعاشات التعاقدية إلا أنه بحلول يونيو 2019، عُرض على عمال ميناء طرطوس عقودًا جديدة تستقطع جزءًا من حقوقهم ليتم تسريح جميع العمال الذين رفضوا التوقيع  بسبب عدم موافقتهم على الشروط أو بسبب عقبات إدارية.

وبالنسبة لإيران، قد يساعدها تدخلها بالبلاد على تضييق الخناق الاقتصادي على تركيا، كما يمثل الاقتصاد السوري سوقًا مستهدفًا محتملًا للمنتجات الإيرانية، ومن شأن انخراطها الاقتصادي في سوريا أن يعزز نفوذ حلفائها المحليين السوريين، كما تُعد واردات الفوسفات السورية أمرًا محوريًا للقطاع الزراعي المحلي حيث تعاني التربة الإيرانية من نقص مادة الفوسفور مما يجبرها على استيراد هذه المواد الأولية، ولهذا تسعى الحكومة الإيرانية لتوفير الفوسفات لقطاعها الزراعي الذي يعاني بالأساس من عدة مشكلات رئيسية كسوء أحوال التربة التي تتسم بارتفاع درجة ملوحتها، وتراجع جودة البذور، ونقص المزارعين المهرة، وقلة توافر المدخلات الزراعية، وضآلة الاستثمار الأجنبي في القطاع الزراعي، إلى جانب تحويل الأراضي الصالحة للزراعة إلى استخدامات غير زراعية، وعلاوة على ذلك، الاستخدام المفرط للمواد الكيمائية والمبيدات الحشرية، وعدم الكفاءة في شبكة توزيع المياه، والاعتماد على تقنيات زراعية قديمة وتقادم الآلات في ظل اهتمام الحكومات المتعاقبة بقطاع الطاقة المدر للعائدات على حساب قطاع الزراعة والغذاء. ولهذا، انخفضت غلة المحاصيل وفشلت القيادة الإيرانية في تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية حيث لا تزال طهران تعتمد على الخارج لتأمين حاجاتها الغذائية مما يعرض أمنها الغذائي لمخاطر عديدة لاسيما في ظل نمو عدد السكان بشكل مستمر.

• تعويضات واجبة: يرجع التدخل الروسي- الإيراني في قطاع الفوسفات السوري إلى إيمانهما بأن هذه الثروات ستعوضهما جزئيًا عن التكاليف التي تكبدتها كلٌ منهما انخراطها في الأزمة الي جانب الحكومة السورية، حيث أنفقت إيران وحدها أكثر من 16 مليار دولار في سوريا خلال عامي 2012 و2020 وفقًا لتقرير نشرته وزارة الخارجية الأمريكية، لذا تلقت طهران وعودًا من الحكومة السورية بتسديد قروضها عبر إنشاء شركة مشتركة بين الطرفين تشرف على استخراج الفوسفات وتصديره عبرها، فيما قدمت روسيا مساعدات إنسانية وخاصة الغذائية منها حيث قدمت البلاد نحو 100 ألف طن من القمح لدمشق منذ عام 2020.

• ميزة نسبية: يُمكن تفسير اهتمام روسيا بالفوسفات السوري بكونه يتميز بانخفاض نسبة الكادميوم، وهي مادة مسرطنة يحتوي عليها الفوسفات، ونظرًا لاستحواذ روسيا على نسبة كبيرة من واردات الأسمدة للاتحاد الأوروبي الذي نظم كميات نفايات الكادميوم المسموح بها في واردات الأسمدة الفوسفاتية، فإنها تحاول الاستفادة من الفوسفات السوري عن طريق تجنب زيادة مخاطر العناصر الكيميائية السامة الموجودة في الفوسفات الذي يتم تصديره إلى الدول الأوروبية. وعلاوة على ذلك، يتمتع الفوسفات السوري بنسبة عالية من خامس أكسيد الفوسفور تتجاوز 30%، ونسبة من الغازات المشعة كاليورانيوم والثوريوم والموليبيديوم، وهو ما يدلل على أن روسيا لا تستهدف فقط تنويع مصادرها من الفوسفات بل الاستفادة من انخفاض معدلات الكادميوم وارتفاع اليورانيوم.

حاصل ما سبق، تتنوع الدوافع الإيرانية- الروسية في قطاع الفوسفات السوري ما بين الرغبة في تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية وجيواستراتيجية، والسعي للحصول على تعويضات للتكاليف التي تكبدتها نتيجة الوقوف إلى جانب الحكومة السورية، وأخيرًا، محاولة الاستفادة من الميزة النسبية التي يتمتع بها الفوسفات السوري.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33057/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M