إخوان إيطاليا

د. محمد كمال

 

المتابع لوسائل الإعلام الغربية سوف يجد أنها تتحدث هذه الأيام عن صعود ظاهرة سياسية تسمى «إخوان إيطاليا» Brothers of Italy أو كما يترجمها البعض الآخر «إخوة إيطاليا»، وهو الحزب السياسى الذي من المتوقع أن يقود تشكيل الحكومة الإيطالية القادمة، بعد استقالة «ماريو دراجى» من منصب رئيس الوزراء في ٢١ يوليو الحالى، والدعوة إلى انتخابات جديدة سوف تجرى في ٢٥ سبتمبر القادم.

واستنادًا إلى استطلاعات الرأى بشأن نتائج هذه الانتخابات، من المتوقع أن تكلف السيدة «جورجيا ميلونى»، رئيسة حزب «إخوان إيطاليا»، بتشكيل الحكومة الجديدة.

حزب «إخوان إيطاليا» بالتأكيد ليست له علاقة بحركة «الإخوان المسلمين»، ولكن كليهما ينتمى إلى التوجه الفكرى اليمينى المتطرف، الأول مدنى ذو جذور فاشية، والثانية ذات مرجعية دينية وتأثر تنظيمها في البداية أيضًا بالحركة الفاشية. وجه التشابه الثانى هو أن الأزمات الاقتصادية والمجتمعية مثلت تربة جيدة لنمو وانتشار هذين التيارين اليمينيين، وثالث أوجه التشابه هو استغلال كليهما لموقع المعارضة لتشويه مَن في السلطة وانتقاد أدائه، دون تحمل أي مسؤولية، ثم انتهاز الفرصة للوثوب إلى الحكم، وتقديم أنفسهم بديلًا، بعد أن يكون مَن في السلطة قد فقدوا ثقة المواطن فيهم نتيجة للأزمات الاقتصادية وحملات الانتقاد الممنهجة من القوى اليمينية الجالسة في مقاعد المعارضة.

ولكن بالتأكيد هناك أيضًا أوجه اختلاف هيكلية بين «إخوان إيطاليا» و«الإخوان المسلمين». ومن المهم تعريف القارئ بهذا الحزب الإيطالى، الذي قد يشكل الحكومة في الشهور القادمة، ليس فقط لمكانة إيطاليا المهمة كدولة وأحد أعمدة الاتحاد الأوروبى، ولكن أيضًا لأن مصر لها علاقة طيبة بإيطاليا، تقوم على المصالح المتبادلة، والشراكة بين البلدين تمتد لمجالات متعددة، وخاصة في منطقة شرق البحر المتوسط.

حزب «إخوان إيطاليا» تم تأسيسه عام ٢٠١٢، وشاركت في تأسيسه السيدة «جورجيا ميلونى»، التي تتولى زعامة الحزب منذ عام ٢٠١٤، والمرشحة لأن تكون أول امرأة تشغل منصب رئيس وزراء إيطاليا بعد الانتخابات القادمة. السيدة «مليونى» تبلغ من العمر ٤٥ عامًا، وعملت صحفية قبل دخولها السياسة، وتولت من قبل منصب وزير الشباب في إحدى الحكومات الائتلافية لرئيس الوزراء السابق «بيرلسكونى».

وفى العام الماضى رفضت المشاركة في حكومة «الوحدة الوطنية» بزعامة «دراجى»، وأثبتت هذه الخطوة أنها مفيدة لحزبها لأن كل الأحزاب التي انضمت إلى الحكومة بما فيها أحزاب يمينية متطرفة أخرى قد فقدت مصداقيتها، وأتاح البقاء خارج الحكومة لحزب «إخوان إيطاليا» أن يدّعِى أنه ممثل المعارضة الحقيقى، والبديل لكل الأحزاب التي شاركت في الحكومة، وبالتالى ارتفعت أسهمه لدى الرأى العام، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانى منها المواطن الإيطالى، الذي ألقى باللوم فيها على الحكومة.

حزب «إخوان إيطاليا» يوصف بأنه حزب فاشى جديد، وله جذور في الحركة الاجتماعية الإيطالية، ويُظهر العديد من أعضاء الحزب توجهات إيجابية تجاه نظام موسولينى، وانضم اثنان من سلالة عائلة موسولينى إلى الحزب.

يتبنى حزب «إخوان إيطاليا» توجهات شعبوية، حيث يرى أن عملية العولمة قد فشلت، ويعارض الهجرة الجماعية وما يسميه «أسلمة» إيطاليا وأوروبا، ويدعو إلى تطبيق القانون والنظام بصرامة، وفيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، يتبنى الحزب القيم التقليدية، ويتحدث عن مخاوف الانحدار الحضارى، ويعارض الإجهاض، والزواج من نفس الجنس.

وفى ظل الضائقة الاقتصادية التي تشهدها إيطاليا، وتباطؤ النمو، وارتفاع معدلات البطالة والدَّيْن العام، يرى أحد الخبراء بالمشهد الإيطالى أن رسالة حزب «إخوان إيطاليا» القائلة بأن «الخلاص الوطنى لا يمكن العثور عليه إلا في نبذ المهاجرين والدفاع عن الأسرة التقليدية قد وجدت جمهورًا يتقبلها».

و«يتشكك» الحزب في مشروع الاتحاد الأوروبى، ولكن دون أن يتبنى خروج إيطاليا منه كما فعلت بريطانيا، ولكنه يدعو إلى تقليل سطوة البيروقراطيين داخل مؤسسات الاتحاد، وإلى «بناء كونفيدرالية أوروبية بدون بيروقراطيين»، ويتبنى إعادة التفاوض على معاهدات الاتحاد الأوروبى، ويؤيد تعديل الدستور الإيطالى لإعطاء الأولوية للقانون الإيطالى على القانون الأوروبى.

وبالرغم من أن البعض يزعم أن التغيرات السياسية التي تشهدها إيطاليا نتيجة الأزمة الاقتصادية المرتبطة بأحداث أوكرانيا سوف تؤدى إلى ظهور نخب جديدة في هذه البلدان أكثر قربًا من روسيا، لكن قيادة حزب «إخوان إيطاليا» أعلنت بوضوح موقفها من القضية الأوكرانية، وأنها ضد روسيا، وذكرت: «نحن نعرف مَن هم حلفاؤنا الدوليون».

باختصار، إيطاليا تشهد تحولات سياسية ضخمة، وقد تمتد هذه التحولات إلى دول أوروبية أخرى، في ظل الأزمة الاقتصادية الممتدة في هذه البلدان، وتقدم لنا هذه التحولات دروسًا سياسية مهمة، ومن المهم متابعة تأثيراتها أيضًا في ضوء علاقات التعاون الخاصة مع إيطاليا ودول أوروبية أخرى قد تكون مرشحة لتغييرات مشابهة.

نقلا عن جريده المصري اليوم الإثنين 25-07-2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/20194/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M