إدارة الاقتصاد العراقي بين المركزية واللامركزية

حامد عبد الحسين الجبوري

 

تحتل إدارة الاقتصاد بشكل عام أهميةً كبيرة وذلك لما لها دور في رفع كفاءة أداء الاقتصاد إذا ما كانت تلك الإدارة تتسم بالكفاءة الإدارية والرؤية الاقتصادية لما سيكون عليه الاقتصاد.

يرتبط أداء الاقتصاد ارتباطا وثيق الصلة بالإدارة، أي كلما كانت إدارة الاقتصاد جيدة ستنعكس بلا شك على تحسن أداء الاقتصاد، والعكس صحيح، كلما كانت إدارة الاقتصاد سيئة ستنعكس أيضاً على أداء الاقتصاد بشكل سلبي وكما هو واضح في العراق وسيتم تناوله تباعاً.

أنواع الإدارة

هناك نوعان من الإدارة مركزية ولامركزية، حيث تعمل الإدارة المركزية على ربط شامل للاقتصاد بالدولة في الوقت الذي تلعب اللامركزية على فصل الاقتصاد عن الدولة وجعل القطاع الخاص يحل محل الدولة، وإن الحل الوسط هو الإدارة الوسيطة ما بين المركزية واللامركزية، أي يمكن إتاحة النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص وتأخذ الدولة على عاتقها مسألة الإشراق عليه لضمان عدم انحرافه عن الدور المطلوب.

إن إدارة الاقتصاد بشكل مركزي من قبل الدولة بعيداً عن القطاع الخاص، يجعل الاقتصاد هشا لا يتمتع بالقوة الذاتية بحكم ضعف التصميم ويفتقد للمرونة في التعامل مع الأحداث المستجدة، كذلك الأمر بالنسبة لإدارة الاقتصاد بشكل لا مركزي بشكل مطلق، بعيداً عن الدولة، قد يدفع لانهيار الاقتصاد أيضاً، وذلك بحكم الاحتكار والغش وغيرها.

أما إدارة الاقتصاد بشكل وسطي بين المركزية واللامركزية سيضمن سير أداء الاقتصاد بشكل سلس وكفء، إذ إن المركزية في الإشراف واللامركزية في النشاط الاقتصادي، ستعملان على اكتساب كفاءة القطاع الخاص في إدارة الموارد الاقتصادية من جانب وضمان عدم انفلاته بالشكل المُخل بالأداء العام للاقتصاد من جانب آخر.

الإدارة الوسيطة تضمن قوة الاقتصاد

إن قيام الدولة بوظيفة الأشراف على الاقتصاد والتدخل أوقات الأزمات الحرجة فقط، سيدفع لتشخيص مطبات الاقتصاد وتلافيها قبل وقوعها وإذا ما حصلت على أرض الواقع ستتدخل الدولة لعلاج الأزمة وبمجرد تعافي الاقتصاد تعود لوظيفتها الرئيسية، الوظيفة الإشرافية، وهنا سيستمر الاقتصاد في أداءه بعيداً عن التوقف بسبب الأزمات، وهنا تكمُن قوة الاقتصاد.

وعلى هذا الأساس، إن اقتصاد السوق أكثر قوة بحكم تصميمه في مواجهة الأزمة من الاقتصاد المخطط، حيث نلاحظ إن البلدان التي تتبنى نظام السوق بشكل واقعي تتخطى الأزمات وتتعافى منها ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة للبلدان التي تتبنى نظام التخطيط الاقتصادي، وأبرز الأدلة على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.

أبرز التجارب

لأنه في ظل الأولى هناك إمكانية للاستعانة بالدولة لعلاج الأزمة، وهذا ما حصل بالفعل ابتداء من الأزمة المشهورة في القرن العشرين عام 1929-1933 حينما دعى كينز لتدخل الدولة في الاقتصاد عبر ما يُعرف بالطلب الفعّال، وانتهاء بأزمة الرهن العقاري 2008، وهذا سيحصل في الأزمة الراهنة، وهذا حال اغلب الأزمات التي تصيب اقتصاد السوق، بمعنى هناك أمل للنجاة.

لكن كيف يمكن الاستعانة بالدولة إذا كانت الدولة هي من تُدير الاقتصاد برمته؟ أي مَن سيُسعف الاقتصاد الذي تديره الدولة في ظل الأزمات في حال إصابة طبيب الإسعاف الاقتصادي بالمرض؟! بمعنى لا وجود أمل للنجاة من الأزمة إذا ما أُصيب الاقتصاد المخطط -إن لم يكُن هو منتج للأزمة- بالأزمة والسقوط والانهيار هو النتيجة الحتمية وهذا ما حصل بالفعل للاتحاد السوفيتي.

ثنائية الاقتصاد العراقي

من المعروف إن الاقتصاد العراقي يتسم بصفتين هما الريعية والهيمنة، حيث نجد إن الاقتصاد العراقي يعتمد على الريع النفطي بشكل كبير في أغلب مؤشراته، كذلك إن الدولة وثقافتها هي من تهيمن على الاقتصاد.

من أبرز مؤشرات ريعية الاقتصاد العراقي هو مساهمة النفط الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي التي تصل إلى 46%، ومساهمته في الإيرادات المالية التي تتجاوز نسبة الـ 90% من الإيرادات العامة، وتتجاوز مساهمته نسبة الـ 99% من الصادرات السلعية[i]، وغيرها من المؤشرات.

ومن ابرز مؤشرات هيمنة الدولة على الاقتصاد، هي امتلاك الدولة لأكثر من 80% من الأراضي[ii] التي تعتبر من أهم عناصر الإنتاج، امتلاكها لكثير من الشركات العامة العاملة والمتوقفة والمتلكئة ولا تزال تتحملها أعباءها المالية ، كما وتهيمن على نسبة كبيرة من القطاع المصرفي، وبالخصوص مصرفيّ الرافدين والرشيد الذين يحتلان الصدارة في هذا القطاع، وعدم تبسيط الإجراءات بل وتعقيدها، حيث يحتل العراق المرتبة 171 من أصل 190 دولة في مؤشر سهولة أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي، والمرتبة 168 من أصل 180 دولة عام 2018 في مؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.

الفوضى الاقتصادية

وعلى الرغم من تبني العراق التحول الاقتصادي نحو اقتصاد السوق بدلاً من الاقتصاد المخطط عام 2003، والاتجاه نحو تنويع مصادره كما متاح في الدستور العراقي 2005، إلا إن هذا التحول لم يكُن عملية مدروسة ومخطط لها بل كان عملية عشوائية بامتياز مما تسببّت وبشكل جليّ في تعثّر التحول الاقتصادي، مما يعني إن العراق لا يزال يخضع للإدارة المركزية في أغلب المجالات ومنها الاقتصاد، ليس هذا فحسب بل ويمكن القول، إن العراق الآن يعيش حالة الفوضى الاقتصادية.

ونظراً لعدم وجود رؤية واضحة لدى الإدارة السياسية فيما يخص الشأن الاقتصادي من حيث الإدارة، إدارة الاقتصاد، أي هل هي إدارة مركزية أم لا مركزية أم أدارة وسطية تعتمد الوظيفة الإشرافية والتدخل عند الأوقات الحرجة؟ سيستمر الوضع الاقتصادي على ما هو عليه، أي الاعتماد على النفط في تمويل الاستيراد والاستهلاك وعلى الدولة في التوظيف والبطالة، وبهذا الوضع سيظل الاقتصاد العراقي يعاني من الفوضى الاقتصادية.

نتائج غياب الإدارة الوسطية

ما زاد الأمر سوءً، هو انخفاض أسعار النفط في سوق النفط الدولية، بسبب فيروس كورونا الذي ظهر في الصين وضرب أغلب دول العالم، مما دفع لانخفاض النمو الاقتصادي العالمي والكلام جاري الآن عن ركود اقتصادي كما ذكر صندوق النقد الدولي، هذا الانخفاض انعكس سلبياً على الموازنة العامة، بحيث أصبحت الأصوات تتعالى بالذهاب بالموازنة نحو موازنة طوارئ، لمواجهة هذا الفيروس، هذا التخبط في معالجة الأزمات الطارئة لم يكُن يحصل لو كانت هناك رؤية اقتصادية واضحة يتم العمل على تطبيقها على ارض الواقع من قبل الإدارة السياسية فيما يخص إدارة الاقتصادي العراقي.

ويبدو من خلال ملاحظة إحصاءات كورونا في العراق، إنها أخذت تتصاعد بشكل نسبي، حيث بلغ أكبر عدد من الإصابات اليوم الجمعة الموافق 27 آذار 2020 وهو 76 حالة، ليصل عدد الإصابات في عموم العراق 458 حالة، والوفاة 40 حالة، أما الشفاء 122 حالة, وإن الاتجاه العام لفيروس كورونا في العراق هو باتجاه الارتفاع، مما يعطي انطباع بأن العدد سيرتفع بأضعاف مضاعفة، إذا ما علمنا إن هذا الفيروس سريع الانتقال للآخرين، وعدم إيجاد العلاج المناسب لحد الآن، بالإضافة لعدم الالتزام بالإجراءات الوقائية من قبل المواطنين، فضلاً ضعف الجهاز الصحي في العراق.

وعلى هذا الأساس يمكن القول، إن فيروس كورونا كشف النقاب عن مدى ضبابية الرؤية الاقتصادية، من حيث الإدارة، لدى الإدارة السياسية بشكل عام، مما تسببت في هشاشة الاقتصاد العراقي، وكشف أيضاً عن مدى قدرة الجهاز الصحي في مواجهة الطوارئ والأزمات.

الإدارة الوسيطة هي الحل

وبناءاً على ما سبق، فإن الخطوة المطلوب اتخاذها بعد زوال هذه الأزمة، فيروس كورونا، العمل على بناء رؤية اقتصادية واضحة تتعلق بالتحول الاقتصادي نحو النظام الجديد والعمل على تطبيقها بشكل جدّي من قبل الإدارة السياسية، وان الإدارة الوسيطة، بين المركزية واللامركزية، هي الحل الأمثل للواقع العراقي، وذلك لمراعاة عنصر التدريج والابتعاد عن المفاجئة ذات الآثار السلبية التي يعانيها الاقتصاد العراقي في الوقت الحاضر.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/economicarticles/22974

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M