سايمون هندرسون
كانت الزيارة رفيعة المستوى التي قام بها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لأثينا تتعلق من الناحية النظرية بقضايا المناخ، لكنها استغلت أيضاً التحوّل المحتمل في السياسة الإقليمية، بما في ذلك مع تركيا.
في الوقت الذي توغلت فيه الدبابات الروسية في أوكرانيا في 24 شباط/فبراير، كان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ يمضي قدماً بزيارته المقررة إلى اليونان ليوم واحد، بينما كانت قبرص محطته التالية التي زارها في 2 آذار/مارس. وقد أُعلن عن كلا الاجتماعين في الدولتين في شرق البحر المتوسط بعد أن كشفت إسرائيل عن خبر زيارة هرتسوغ إلى تركيا في وقت ما خلال نيسان/أبريل.
وفي الواقع، تشكل إعادة الانفتاح الدبلوماسي مع أنقرة فرصةً كبيرة لا تستطيع القدس تجاهلها. فقد كانت العلاقات الرسمية بين الحكومتين باردة جداً خلال العقد الماضي، لكنها لم تنقطع أبداً، وبقيت تركيا شريكاً تجارياً مهماً لإسرائيل على الرغم من التوترات بينهما. وعلى سبيل المثال، يصل حالياً جزءٌ كبير من النفط الذي تستورده إسرائيل بواسطة ناقلات من ميناء جيهان التركي بعد ضخه هناك من «إقليم كردستان العراق».
ومن الجانب التركي، يبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان حريص على إخراج نفسه من العزلة الدبلوماسية في الخارج والركود الاقتصادي في الداخل. ففي الشهر الماضي، زار دولة الإمارات، التي كان على خلاف معها بسبب الصراعات الإقليمية، والإسلام السياسي، وقضايا أخرى. وقد وعدته حكومة أبوظبي بالدعم المالي، وهذا وحده يمكن أن يفعل الكثير لتسهيل التقارب بينهما.
ومن المرجح أن تكون دعوة أردوغان لهرتسوغ مرتبطة بإعادة طرح إمكانية إرسال الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى تركيا عبر خط أنابيب، ولكن هناك غموض يلف هذه القضية: فهرتسوغ هو رئيس الدولة وليس رئيس الحكومة، وهذا منصب يتطلب منه الابتعاد عن القضايا الخلافية. وبالمقارنة مع الرؤساء السابقين، يبدو أنه يتبنى موقفاً أكثر نشاطاً [من الناحية السياسية]، حيث يواكب عن كثب مخاوف الحكومة الائتلافية لرئيس الوزراء نفتالي بينيت.
وبالتالي، فإن إخفاء الزيارات تحت غطاء العمل المناخي هو وسيلة ملائمة للمضي قدماً على الصعيد السياسي. وقبل مغادرته إلى أثينا، كان هرتسوغ قد ألقى كلمة في مؤتمر للمناخ في القدس، أشار فيها إلى إمكانية التعاون مع “المضيفيْن القادميْن لقمتي المناخ العالمي، مصر والإمارات العربية المتحدة، وكذلك مع الأردن والبحرين والمغرب والمملكة العربية السعودية والمزيد، وبالطبع أيضاً جيراننا الفلسطينيين”. ومن خلال تسمية اليونان وقبرص وتركيا، قال، “أعتزم إشراكهم جميعاً في شراكة إقليمية لمواجهة أزمة المناخ … أعتقد أن الوقت قد حان لشرق أوسط متجدد”.
ومع ذلك، فعلى صعيد الطاقة، من غير المرجح أن تحقق زياراته أي تقدم. فقد خاب أمل اليونان وقبرص بعد أن سحبت واشنطن مؤخراً دعمها لمشروع خط أنابيب بحري كان من شأنه أن يربطهما بحقول الغاز الإسرائيلية، بعد أن اعتُبر المشروع المقترح مكلفاً للغاية وصعباً من الناحية التكنولوجية. وستستمر إسرائيل في التعاون مع قبرص بشأن استغلال موارد الغاز البحرية – بوجود حقل واحد على الأقل يمتد عبر المناطق البحرية لكلتا الدولتين – ولكن لا يُتوقع أن تخرج لقاءات هرتسوغ بإعلانات جديدة مهمة، على غرار النتيجة الودية بل الفارغة التي توصَّل إليها في اليونان.
علاوة على ذلك، تبدو فكرة استيراد أنقرة للغاز الإسرائيلي طموحة للغاية. فمن الناحية النظرية، تُعتبر تركيا سوقاً طبيعياً لهذه الإمدادات، نظراً لارتفاع الطلب المحلي لديها وموقعها على مقربة نسبية من إسرائيل. ومع ذلك، فإن الحدود البحرية المتنازع عليها، والخصائص الجيولوجية غير المؤاتية للمنطقة الموجودة في قاع البحر، ناهيك عن العداء السياسي المستمر منذ عقد، ستقضي على الأرجح على أي مفاوضات من هذا القبيل – لا سيما وأن خط الأنابيب المطلوب قد يحتاج إلى المرور عبر قبرص المقسّمة، حيث تسيطر تركيا على الجزء الشمالي من الجزيرة، وتُنازع كل من اليونان وقبرص بقوة على حقوقهما في المياه المحيطة.
ومع ذلك، يمكن أن تكون قيمة الحصيلة الدبلوماسية أكبر من ذلك. فعلاوة على إمكانية إنهاء عقد من الصراع السياسي مع قوة إقليمية كبرى في أنقرة الشهر المقبل، تعكس رحلة هرتسوغ رغبة القدس في تعزيز علاقاتها الجيدة مع اليونان وقبرص اللتين تلعبان دوراً مهماً في التصويت داخل “الاتحاد الأوروبي”. كما أجرت الدول الثلاث مناورات عسكرية مشتركة. لكن تحقيق التوازن بين هذه العلاقات ما زال يتطلب بالطبع قدراً كبيراً من الحنكة نظراً لخلافات تركيا العميقة مع كل من قبرص واليونان.
سايمون هندرسون هو “زميل بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.
.
رابط المصدر: