الثورة الثقافية الثالثة في إيران

سعيد جولكار

 

يعمل الرئيس رئيسي على تسريع خطة آية الله خامنئي لأسلمة النظام الجامعي، مع إيلاء القليل من الاهتمام على ما يبدو للكيفية التي دفعت بها الحملات السابقة إيران إلى التراجع في التصنيف للتعليم العالي في المنطقة.

شهدت الأسابيع القليلة الماضية موجةً أخرى من الإقالات في إيران شملت أربعة أساتذة جامعيين آخرين، هم محمد فاضلي ورضا عميدي وآرش أباذري وأريزو رحيم خاني. وتعكس إقالتهم فعلياً انطلاق الجولة الثالثة من الثورة الثقافية في الجمهورية الإسلامية.

ومنذ عام 1979، تحاول إيران السيطرة على الجامعات من خلال جولتين سابقتين من الثورة الثقافية، امتدت الأولى من عام 1981 وحتى 1985 في عهد آية الله روح الله الخميني، بينما جرت الجولة الثانية في الفترة بين 2005 و 2009 في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد. وكان “مجلس أسلمة الجامعات”، التابع لـ “المجلس الأعلى للثورة الثقافية”، هو الهيئة الرئيسية المشرفة على هذا المشروع. وبذلك، فإن ممارسة طرد طلاب الجامعات وإقالة الأساتذة سارية منذ عام 1979. فخلال الثورة الثقافية الأولى، طُرد ما يقرب من 50,000 طالب معارض من مدارسهم؛ وبسبب القمع السياسي، تم فصل أو هجرة أكثر من ثلث أعضاء هيئة التدريس.

وفي الوقت نفسه، سهّلت الجمهورية الإسلامية قبول المدرسين والطلاب الموالين للنظام من خلال اعتماد نظام الحصص، حيث تخصَّص نحو 70 في المائة من مقاعد الجامعة للطلاب المستوفين شروط هذا النظام، ومن ضمنهم الأشخاص أو أفراد العائلات الذين لهم صلة بـ “جمعية أنصار الثورة الإسلامية” (“ایثارگران”) أو منظمات “الباسيج” المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، يلزم النظام الحاكم الفصل بين الجنسين وفرض الضبط الأخلاقي، و”تطهير” الكتب المدرسية ذات المحتويات غير الإسلامية أو الفلسفة المادية، إلى جانب دعم الدراسات القرآنية في جميع التخصصات الجامعية.

في عام 2013، وافق المجلس على “وثيقة الجامعة الإسلامية” (“سناد دانشگاه اسلامی”) التي حددت أهدافاً واستراتيجيات جديدة لأسلمة الجامعات. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ هذه الوثيقة بالكامل في عهد الرئيس حسن روحاني بسبب عدم ثقة الإدارة الإيرانية في مشروع الأسلمة. وفي مرحلة ما، على سبيل المثال، سخر روحاني من المشروع قائلاً: “لا توجد رياضيات أو فيزياء أو كيمياء إسلامية … إنّ وضع القرآن في صندوق قفازات السيارة لن يجعل تلك السيارة إسلامية”. ووفقاً لصلاحيات المجلس، يجب منع الطلاب المخالفين من متابعة الدراسات العليا، لكن في عام 2019، رفعت حكومة روحاني مشروع قانون إلى البرلمان لتسهيل عودة الطلاب المستبعدين سياسياً إلى الجامعات. ووفقاً لهذا التشريع، يجب أن يكون مقياس القبول في جميع مستويات التعليم هو الكفاءة الأكاديمية وحدها، وليس الميول السياسية للطالب.

ولكن عند وصول إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة عام 2021، سحب مشروع القانون الإصلاحي كخطوة أولى لاستعادة السيطرة على الجامعات واستئناف مشروع الأسلمة. وكان هذا التغيير جزءاً من برنامجه حتى خلال حملته الرئاسية الأولى في عام 2017. ووفقاً لرئيسي، لا ينبغي فصل الطلاب عن الإيمان والأخلاق. لذلك طلب من المنظمات الطلابية والأساتذة وموظفي الجامعات والطلاب مساعدة الحكومة على تطبيق خطة الأسلمة.

كما عيّن رئيسي محمد علي زولفيغول وزيراً جديداً للعلوم والبحوث والتكنولوجيا، مما يجعله المسؤول الأول عن تنفيذ مشروع الجامعة. ويشار إلى أن زولفيغول أستاذ جامعي وعضو في ميليشيا “الباسيج”، وقد أشاد بوثيقة الجامعة الإسلامية الصادرة عام 2013، ووصفها بأنها نص جميل وشامل، ووعد بـ “ضمان أسلمة الجامعات في عهد هذه الإدارة”. وبالمثل، صرّح وزير الصحة والتعليم الطبي في حكومة رئيسي، بهرام عين اللهي – وهو عضو سابق في «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، ورئيس الفرع الطبي في “الباسيج”، ومدير جميع كليات الطب في إيران – أنه “سيصر” على تنفيذ الوثيقة. ومنذ إلغاء الاستقلالية النسبية التي كانت تتمتع بها الجامعات، تولى هذان الوزيران الجديدان تعيين جميع عمداء الجامعات وحتى نوابهم، في انتظار موافقة “المجلس الأعلى للثورة الثقافية”. ويتم اختيار هؤلاء في أكثر الأحيان من منظمة الأساتذة الجامعيين في “الباسيج”، وعادة ما يفتقرون إلى المؤهلات العلمية اللازمة ولكنهم يدعمون هدف الأسلمة الذي يسعى إليه النظام الحاكم.

وأحد الأمثلة على ذلك هو محمد موغيمي، أستاذٌ في الإدارة الذي تم تعيينه عميداً لجامعة طهران التي تعدّ أقدم جامعات البلاد وأعرقها. وموغيمي هو من مناصري الإدارة الإسلامية، وقد كان عضواً في “مجلس تغيير العلوم الإنسانية” الذي أُنشئ في أواخر عام 2009 بعد أن صرح المرشد الأعلى علي خامنئي بما يلي بشأن العلوم الإنسانية والاجتماعية: “تَعتبر هذه الفلسفات أن البشر حيوانات ليست لديهم أي مسؤولية تجاه الله. لذلك، فإن تعليم مثل هذه العلوم الإنسانية يشبه تلقين أطفالنا بالتشكك وعدم الإيمان بالقيم الإسلامية والإلهية. وهذا غير لائق”.

وعلى غرار موجات الثورة الثقافية السابقة، ستشهد الموجة الثالثة طرد الأساتذة والطلاب المعارضين أو فصلهم، إلى جانب الجهود المبذولة لتشجيع توظيف الموالين للنظام – خاصة في العلوم الاجتماعية والإنسانية. إن الاستعانة بأساتذة الباسيج هو تحديداً ما طلبه مدير القسم السياسي في «الحرس الثوري الإسلامي» من إدارة رئيسي. ووفقاً لتصريحات العميد يد الله جافاني، “توفر إدارة رئيسي فرصة ذهبية للنظام لأسلمة الجامعات، لأن أمورنا الشاذة ومشاكلنا في البلاد اليوم ناجمة عن عدم إصلاح الجامعات، لكن الإصلاح يجب أن ينفَّذ هذه المرة”.

تُعد أسلمة الجامعات جزءٌ من خطة أكبر دعا إليها خامنئي منذ عقود. فهو يرى أنه حان الوقت لتأسيس مجتمع إسلامي وحضارة إسلامية بالكامل. ومنذ عام 2019، وبالتزامن مع الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية في إيران، عمل بنشاط على تحفيز تشكيل حكومة إسلامية عبر تعيين أتباعه الراديكاليين والشباب في مناصب غير منتخَبة، مثل ممثلي الجامعات. على سبيل المثال، عيّن أحد طلابه الصغار، حجة الإسلام مصطفى رستمي، رئيساً لـ “ممثلية القائد في الجامعات” من أجل “متابعة تنفيذ مشروع الأسلمة بجدية”.

ووفقاً لإحدى وجهات النظر، يبدو أن هذه الخطوات تؤدي إلى نتائج عكسية، بالنظر إلى أن الموجتين السابقتين من الثورة الثقافية قضتا على استقلالية الجامعات الإيرانية، وبالتالي دمرتا جودة التعليم لا سيما في العلوم الإنسانية والاجتماعية. ونتيجة لذلك، أصبحت الجامعات الإيرانية تحتل باستمرار مرتبة أقل من الجامعات الأخرى في المنطقة، بما فيها الجامعات السعودية والتركية والإماراتية. وقد حدث هذا التراجع على الرغم من الزيادة الهائلة في عدد الجامعات الإيرانية (من 22 إلى أكثر من 600) والطلاب الإيرانيين (من 175,000  إلى حوالي 3,200,000منذ عام 1978.

فضلاً عن ذلك، أدّى تدهور جودة التعليم وزيادة القمع الاجتماعي والسياسي إلى هجرة جماعية للطلاب والأساتذة الجامعيين. لذلك يسود الاعتقاد بأن إيران شهدت أحد أعلى معدلات هجرة الأدمغة في العالم، وهي تخسر سنوياً عدداً كبيراً من الأشخاص المتعلمين والمهرة الذين يغادرونها إلى بلدان أخرى. وفي هذا السياق، قال النائب الأول لرئيس “لجنة التعليم والبحث” في البرلمان، محمد وحيدي إن “إيران هي من الدول التي تسجل أعلى المعدلات بين 98 دولة تفقد نُخبها بسبب الهجرة”. وبالمثل، وجد “مرصد الهجرة الإيراني” مؤخراً أن 37 في المائة من حاملي الميداليات في أولمبياد الطلاب و25 في المائة من أعضاء “مؤسسة النخب الوطنية الإيرانية” قد غادروا البلاد، بالإضافة إلى 15 في المائة من الطلاب الذين احتلوا المراتب الألف الأولى في امتحانات القبول الوطنية.

وفي الواقع، أدى انتخاب رئيسي واحتكار السلطة في أيدي المتشددين إلى زيادة الرغبة في الهجرة. فوفقاً لتقرير صدر مؤخراً حول وكالات الترجمة في إيران، “ارتفع عدد طلبات ترجمة الوثائق بشكل كبير خلال العام الماضي مقارنةً بالسنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية”، في إشارة إلى أوراق الهوية والمستندات التعليمية وغيرها من المواد التي يحتاجها المرء عند تغيير مكان إقامته. وللحد من رحيل النخب، زادت الدولة رسوم ترجمة الوثائق الرسمية المصدّقة. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب الخوف من تسارع هجرة الأدمغة بشكل أسرع، طلب النظام أيضاً من الجامعات عدم إصدار نصوص باللغة الإنجليزية للطلاب وشجّع الأساتذة على عدم كتابة خطابات توصية للطلاب الذين ينوون التقدم لدخول جامعات أجنبية.

وعلى الرغم من هذه السياسات القمعية، لا تزال رغبة الطلاب والأساتذة بالهجرة قوية – ليس بسبب القمع السياسي فحسب، بل أيضاً لأن الإيرانيين يفقدون الأمل في حدوث أي إصلاح هادف، ويخشون الآن على مستقبل بلادهم. وانطلاقاً من تاريخ الجمهورية الإسلامية، لن تنجح الموجة الثالثة من الثورة الثقافية في إنشاء نظام جامعي مطيع أو تدريب طلاب متفانين للعقيدة. ولكن إيران ستدفع الثمن غالياً بطردها ألمع العقول من المؤسسات الوطنية وإقناعها بمغادرة البلاد.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/althwrt-althqafyt-althaltht-fy-ayran

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M