إسرائيل والحرب الروسية – الأوكرانية.. الدور وآليات التدخل

 محمد الليثي

 

حاولت إسرائيل الوقوف على الحياد في الأزمة الروسية-الأوكرانية منذ قيام روسيا بضم جزيرة القرم إلى حدودها عام 2016 بهدف الحفاظ على العلاقات مع روسيا وأوكرانيا في الوقت نفسه وعدم خسارة أيًا منهما، إلا أنه مع تطور الأحداث يبدو أن تل أبيب لم تستطع الحفاظ على الموقف نفسه واضطرت إلى الظهور بشكل مُختلف حركته دوافع وشمل أهداف منها ما يتعلق بالأزمة نفسها، ومنها ما يتعلق بمصالح في عدة ملفات أخرى مثل الملف السوري والملف النووي الإيراني والنفوذ على المستوى الإقليمي والدولي.. ليبقى سؤال معقد عن حسابات إسرائيل ومدى إمكانية لعب دور وساطة في تلك الأزمة.

من الطبيعي أن تنحاز إسرائيل للجانب الأمريكي الطرف غير المباشر في تلك الأزمة، ولكن إذا لم يكن ذلك الطرف متدخلًا لكان الانحياز ذهب إلى الروس مراعاة لمواصلة التنسيق المتعلق بالتهديدات الإيرانية ولمنع أي احتكاك عسكري بينهما في سوريا، ولذلك وقفت تل أبيب في الجانب الأمريكي دون معاداة مباشرة مع الروس وذلك ما قد يدفعها تجاه لعب دور الوساطة في موقف جديد تحكمت فيه عدة عوامل:

1-  طلب أوكرانيا من إسرائيل الوساطة

في ثاني أيام الحرب الروسية-الأوكرانية، طلبت أوكرانيا من إسرائيل التوسط لدى روسيا في الاتصالات الهادفة إلى التواصل لوقف إطلاق النار، وهذا ما أكدته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية «مكان» التي نقلت عن مصادر إسرائيلية وأوكرانية أن هذا الطلب قُدم خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأوكراني «اليهودي» فولوديمير زيلينسكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، حيث اقترح زيلينسكي أن تُجرى عملية الوساطة في تل أبيب، فيما قال سفير أوكرانيا لدى إسرائيل يفجيني كورنيتشوك إن صُناع القرار في بلاده لم يرفضوا طلب زيلينسكي على التو. وهنا يجب الإشارة إلى أن هناك حوالي 200 ألف يهودي يعيشون في أوكرانيا، بينهم من 10 إلى 15 ألف إسرائيلي

2– الضغط الأمريكي

بعد أن نفذت روسيا الهجوم على أوكرانيا سعت واشنطن لتحريك أذرعها للضغط على موسكو، وكان من بين تلك الأذرع تحريك تل أبيب، حيث طلب مسؤولين كبار في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية من إسرائيل اتخاذ موقف أكثر وضوحًا بشأن العملية العسكرية الروسية.

صاحب ذلك، اتصالات أمريكية مكثفة ويومية مع مكتب نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي ويائير لابيد وزير الخارجية الإسرائيلي، وأيضًا مع السفارة الإسرائيلية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وجميعها دارت حول ضرورة اتخاذ موقف، حيث قال مسؤولون من الجانبين: «رغم التأكيد أن واشنطن تتفهم الحاجة الإسرائيلية لموازنة رد الفعل العام حول العلاقات مع روسيا والحاجة إلى مواصلة التنسيق العسكري في سوريا، إلا أن الواقع وراء الكواليس كان مختلفًا»، وذلك وفقًا لما أكده موقع «واللا» الإسرائيلي.

3- الغضب الروسي

مع إدانة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد الهجوم الروسي على أوكرانيا، واعتباره خلال مؤتمر صحفي أن العملية العسكرية الروسية انتهاكًا للنظام الدولي، ردت موسكو على الفور بإعلان من البعثة الروسية في الأمم المتحدة بعدم اعتراف روسيا بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان الروسية المحتلة، ولم تكتف بذلك فقط ولكنها أعربت عن قلقها من خطط إسرائيل المعلنة لتوسيع النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هُنا أدركت تل أبيب أنها إذا وقفت في الجانب الأمريكي واتخذت خطوات إضافية فإن الغضب الروسي بلا شك سيزداد، وبما أن واشنطن ترغب في تدخلها فلم لا لتأخذ إسرائيل هنا دور «المُصلح» بدلًا من معاداة موسكو من خلال الطلبات الأمريكية الأخرى.

4- انشغال العالم عن الملف النووي

في ظل توجه الأنظار إلى الأزمة الأوكرانية-الروسية، هناك مخاوف إسرائيلية من أن تستغل طهران ذلك الوقت لتطوير قدراتها النووية، في الوقت الذي يحاول الغرب فيه الابتعاد عن مواجهة مع روسيا، وخصوصًا مع ظهور أسلوب مماطلة إيراني جديد في إشارة إلى محاولات كسب المزيد من الوقت، حيث إنه مع عودة كبير المفاوضين الإيرانيين «علي باقري كني» إلى فيينا ومعه أجندة تفاوضية جديدة بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يدير المحادثات النووية مع مجموعة «4+1»، بدأت تصريحات تأتي من طهران بأنه «لا توجد أخبار سارة من فيينا». وذلك في الوقت الذي تحدث فيه بعض النواب في البرلمان الإيراني عن إمكانية فشل المحادثات النووية بحجة عدم منح الغرب لإيران ضمانات لاستمرار الاتفاق النووي حال إعادته مجددًا. فجاءت المخاوف الإسرائيلية من سيناريوهات تقديم الغرب تنازلات لإيران لإتمام الاتفاق النووي الإيراني، لتخرج طهران رابحة استغلالاً للحرب الروسية الأوكرانية.

البحث عن دور

يبدو أن إسرائيل أدركت هذه العوامل ورأت أنه لابد من إعادة صياغة حضورها في الأزمة وفي إدارتها، وخصوصًا بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتوجه إلى ألمانيا بعدها مباشرة، وعلى الرغم من أن «النفس الإسرائيلي» قصير في مثل هذه التحركات عادة، إلا يبدو أنها انغمست بشكل كبير وخاضت التجربة لتحقيق أهداف إضافية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وهي:

1- رسالة للولايات المتحدة الأمريكية

هنا تحاول تل أبيب بعث رسالة لواشنطن بأنها «إذا احتاجت إسرائيل في يوم ما وجدتها» ولن يكون على الأمريكيون سوى تأمين إسرائيل التي ستلعب لصالحها في في تلك الحرب التي قد تستمر إلى وقت أطول.

2- رسالة لحلف شمال الأطلسي «ناتو» رسالة أخرى تبعث بها إسرائيل لحلف شمال الأطلسي «ناتو» بأنها على الرغم من أنها ليس عضوًا إلا أنها تساعدهم، في خطوة استباقية للحصول على مساعدة قد تحتاجها مستقبلاً.

3- التنسيق بشأن الملف النووي الإيراني وسوريا

لعب دور الوسيط يساعد إسرائيل في عدم ظهورها كخصم لموسكو بعد إدانتها بشكل واضح للعملية الروسية اتساقًا مع الموقف الأمريكي الداعم لأوكرانيا، حيث إنه بهذا الشكل لم تدخل في مواجهة صريحة أو واضحة مع الروس، مما يحافظ على قنوات الاتصال الإسرائيلية الروسية المتعلقة بالتنسيق بشأن التهديدات الإيرانية، بالإضافة إلى منع الاحتكاك العسكري بينهما في الأراضي السورية، ولذلك رفضت بيع منظومة «القبة الحديدية» المضادة للصواريخ إلى أوكرانيا.

4- مكاسب في الملف الفلسطيني ستحقق إسرائيل من تدخلها على خط الأزمة تحقيق مكاسب في ملف القضية الفلسطينية، وخصوصًا بعد تجديد موسكو مساعيها لإنجاح جهود الوساطة بين الفصائل الفلسطينية.

5- زيادة النفوذ الدولي

تسعى إسرائيل إلى زيادة نفوذها الإقليمي والدولي من خلال هذا الدور لأنها تتنافس مع عدة دول، وإذا دخلت على خط الأزمة سيعزز ذلك من موقفها في المنطقة والعالم، فضلًا عن أنها تقدم خدمة للإدارة الأمريكية التي  ستنعكس عليها حتمًا بالمساعدات.

ماذا تستطيع أن تقدم إسرائيل؟

تتمتع إسرائيل بعلاقات وثيقة مع الدب الروسي منذ أن دخلت روسيا إلى الأراضي السورية وهي بالفعل تستفيد من تلك العلاقات، بالإضافة إلى أن هناك علاقات مع أوكرانيا نظرًا لأنها محسوبة على المعسكر الغربي، بالإضافة إلى أن الجالية اليهودية في أوكرانيا تعد الأكبر في العالم، وبناء عليه يمكن أن تكون إسرائيل أحد الوسطاء الدوليين لتلك الأزمة، كما ستعمل إسرائيل على توظيف تلك العلاقة سواء أثناء الأزمة أو بعد انتهاءها، وهو موقف مشابه للسلوك التركي في عدة أزمات.

خاتمة، حال تدخل إسرائيل كوسيط في الحرب الأوكرانية الروسية ستسعى من خلال دورها إلى تحقيق أهداف متعددة بعضها يتعلق بالأزمة بشكل مباشر كالعلاقات مع كلتا الدولتين، والبعض الآخر لا يتعلق بشكل مباشر كالملف النووي الإيراني والملف السوري وملف توسيع الناتو، بالإضافة إلى الترتيبات الأمنية الجارية في الإقليم التي تؤثر بالتبعية على نفوذها الدولي.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67955/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M