انفجرت الأوضاع الأمنية في قطاع وغلاف غزة بين الجيش الإسرائيلي وفصائل المقاومة في القطاع على إثر إطلاق آلاف الصواريخ من قبل حماس على تلّ أبيب ومستوطنات غلاف غزة.
أطلقت حماس عملية المقاومة “طوفان الأقصى”، فيما ردت إسرائيل بعملية “السيف الحديدي” بعد مرور أربع ساعات كاملة على الهجوم الفلسطيني.
يدور حول التصعيد الأمني غير المسبوق مجموعة من الظروف والسياقات المهمة التي قد تقدم تفسيرًا لما يحصل في الساعات الأخيرة.
أولًا: تطورات المشهد
أعلنت حركتا حماس والجهاد الإسلامي عن إطلاق عملية “طوفان الأقصى”، الساعة السابعة والنصف صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023، عبر عدة جبهات: جوًا، وبرًا، وبحرًا.
وبحسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجري، فإن حماس أطلقت حوالي 2200 صاروخ من قطاع غزة، وشنت هجومًا من الأرض والبر والبحر.
حاصرت حماس المستوطنات في غلاف غزة، وبالتحديد سكان كيبوتس نيريم بغلاف غزة. وفي مستوطنات باري وبئيري غان وكفار غزة وحوليت، لا يزال المستوطنون محبوسين في منازلهم من قبل كتائب القسام.
في العاشرة والنصف صباحًا، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية الرد على هجمات المقاومة الفلسطينية عبر قصف مدفعي بسيط مقارنة بعمليات عسكرية إسرائيلية سابقة. وفي الحادية عشرة والنصف صباحًا شنت إسرائيل هجمات جوية مكثفة على بنك الأهداف في غزة وأطلقت على عمليتها “السيف الحديدي”.
أسرت حماس نحو 53 إسرائيليًا بين جنود ومدنيين (حتى وقت كتابة المقال صباح يوم السبت 7 أكتوبر)، وأذاع الجيش الإسرائيلي نبأ سقوط وابل من الصواريخ على مدينة القدس.
استمرّت اشتباكات بين قوات الجيش وعناصر القسام في سبع مستوطنات بغلاف غزة، وفي 22 نقطة اشتباك، سواء على حدود غلاف غزة أو حدود القطاع، أسفرت عن مقتل رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنة “شعار هنيجف” بعد عمليات تبادل إطلاق نار مع كتائب القسام.
بدأت الجرافات الفلسطينية بإزالة السلك الفاصل على طول حدود قطاع غزة، لاستمرار ظاهرة خطف وأسر المستوطنين والجنود الإسرائيليين.
كان قد ناشد “محمد الضيف” قائد كتائب القسام حزب الله في لبنان والمقاومة في الضفة الغربية بالانضمام إلى حالة الحرب ضد إسرائيل. على إثر ذلك أعلنت قناة “كان” الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يستعد للتصعيد على الجبهة الشمالية وفي قطاع غزة، وأن التعزيزات العسكرية توزعت على جبهتين شمالية حيث لبنان، وجنوبية حيث قطاع غزة. كما أنه يفسر سبب موافقة وزير الدفاع الإسرائيلي على استدعاء عدد كبير من الاحتياط لتغذية فرقة غزة.
ثانيًا: الظروف والسياقات الإقليمية
هناك عدة ظروف غذت الموقف الأمني الراهن والمتصاعد بين إسرائيل والفلسطينيين، يمكن توضيحها فيما يلي:
- تنامي عدد الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية
يتبين من الأرقام والأشكال البيانية السابقة أن هناك تزايدًا ملحوظًا في أنواع محددة من الانتهاكات الإسرائيلية، سواء كانت عسكرية أو مدنية من قبل المستوطنين بحق المقدسات الإسلامية، أو الممتلكات الفلسطينية، أو الأفراد. وهو ما غذّى الشعور لدى المقاومة الفلسطينية سواء في غزة أو الضفة وبالتحديد تلك المحسوبة على حماس باستغلال حالة الاحتقان داخل الشارع في الضفة الغربية ضد إسرائيل عبر إطلاق عمليتها “الطوفان”.
- تنامي أعداد حالات المقاومة في الضفة الغربية
يتبين من الأرقام والصور البيانية السابقة أن هناك حالة احتقان عنيفة بين صفوف أفراد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وفي غزة، نتج عنها انفجار الوضع الأمني الحالي في قطاع غزة.
وبالنظر إلى رد الفعل الإسرائيلي على عمليات المقاومة المذكورة سلفًا، يتبين أن رد الفعل العسكري الإسرائيلي ركّز على منطقة نابلس التي تجتمع بها أعداد من التنظيمات الفلسطينية المسلحة (كما هو موضح في الرسم البياني التالي).
وهو ما قد يدفع بالتقدير أن عملية “الطوفان الأقصى” هي عملية انتقامية من قبل حماس للرد على الانتهاكات الإسرائيلية لمعاقلها في الضفة.
- سياق إقليمي مضطرب
لوحظ منذ أسبوعين تفجّر الأوضاع الأمنية في اليمن، خاصة بعد الهجوم الحوثي على القوات البحرينية التابعة للتحالف العربي على الحدود المشتركة بين السعودية واليمن.
أما في لبنان، فلوحظ تجدد المناوشات الحدودية بين لبنان وإسرائيل في منطقة الناقورة ومزارع شبعا. ورغم أنّ تلك المناوشات استمرت لفترة تزيد على شهرين وعُرفت بما يسمى بـ”أزمة الخيم”، إلا أن الأزمة تجددت في 6 أكتوبر 2023، ونشرت إسرائيل صورًا فضائية تكشف عن مطار عسكري إيراني على الحدود الجنوبية للبنان.
يُراد القول إن هناك سياقًا إقليميًا ممنهجًا بين المليشيات المسلحة المحسوبة على إيران في المنطقة، يأتي بعد إعلان الولايات المتحدة عن مشروع الممر الهندي-الشرق الأوسط-أوروبا الذي قد ينتج عنه سحب الهند من مشروعات إقليمية تجمعها مع إيران وروسيا لصالح ممرات سلاسل وتوريد في الشرق الأوسط.
لذلك، لا يمكن فصل المشهد الحاصل حاليًا في غزة عن مجمل تلك السياقات الإقليمية المذكورة، ويمكن اعتبارها رسالة إيرانية لدول المنطقة وعلى رأسها إسرائيل التي قصفت مؤخرًا بهجمات جوية وصاروخية مكثفة أهدافًا إيرانية في سوريا.
ختامًا، يمكن القول إن انفجار الوضع الأمني في غزة هو نتيجة لتراكمات داخلية وإقليمية، سببها العوامل الداخلية بالانتهاكات الإسرائيلية وكذا المقاومة الفلسطينية في الضفة. أما العوامل الإقليمية فيقف وراءها الضربات الإسرائيلية في سوريا، ومشاريع الدمج الإسرائيلي في المنطقة التي كان آخرها الممر الهندي الأوروبي.
.
رابط المصدر: